في ظل تصاعد العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، واستمرار الصراع الذي دام لأكثر من عامين، قام الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” بإقالة عدد من مستشاريه ومساعديه، وذلك في سياق تعديلات أخرى طالت قيادات الجيش الأوكراني، خاصة بعد تعثر الهجوم المضاد للحرب مع روسيا مُنذ فبراير 2022. وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الأوكراني السابق “بافل كليمكين” من صعوبات محتملة تنتظر أوكرانيا؛ نتيجة لنقص الأسلحة والذخائر وتأخر المساعدات العسكرية الغربية، مما قد يجعل الأشهر القادمة تحمل تحديًا كبيرًا لكييف.
وفي سياق دعم أوكرانيا، أعلنت فرنسا نيتها تزويد كييف بعربات مدرعة وصواريخ مضادة للطائرات، كجزء من حزمة مساعدات تتضمن “المئات” من العربات المدرعة والصواريخ المضادة للطائرات. وردًا على الخطوات الأوروبية؛ وقع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مرسومًا بشأن التجنيد العسكري، يتم بموجبه استدعاء 150 ألف مواطن روسي لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، ويرجح أن هذه الخطوة تأتي ردًا على التطورات العسكرية في أوكرانيا.
من جهة أخرى، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا بتنفيذ ضربات عسكرية بهدف التسبب في نزيف الطاقة الأوكرانية، مما دفعه للمطالبة بمزيد من الدعم من الولايات المتحدة وأوروبا لحماية بلاده. وبشكل عام، يعد هذا الاتهام جزءًا من السياق الأوسع للصراع الحالي في أوكرانيا، حيث تسعى روسيا إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال استخدام القوة العسكرية والضغط السياسي. يعكس هذا الاتهام تصاعد التوترات بين البلدين وتعقيد الوضع في المنطقة، مما يجعل مهمة مواجهة الحرب مع روسيا أكثر تعقيدًا وصعوبة.
دوافع الإقالات الكبيرة
تشهد أوكرانيا تحولات مهمة على الصعيدين السياسي والعسكري، وذلك في ظل الصراع الدائر مع روسيا منذ فبراير 2022. وقد باتت البلاد تواجه تحديات كبيرة تتطلب مواكبة التغيرات على أرض المعركة وتعزيز الجهود الرامية لصد الهجوم الروسي. في هذا السياق، يُمكن فهم الإقالات الأخيرة المتعددة لمستشاري وقيادات عسكرية بمختلف المستويات في أوكرانيا كجزء من تعديلات واسعة شملت كذلك تغييرات في القيادات العليا للجيش. ويبدو أن هذه التحولات تهدف إلى إحداث تغيير فعلي في أساليب القيادة والأداء على أرض المعركة.Top of Form
ومن أبرز الشخصيات التي طالتها الإقالات كل من “سيرجي شيفير” الذي كان يشغل منصب مستشار الرئيس ويده اليمنى منذ 2019. وأقال كذلك كلًا من “زيلينسكي أوليغ أوستينكو”، و”سيرغي تروفيموف”، و”ميخائيل رادوتسكي”، ومفوضة الرئيس لحقوق المدافعين عن أوكرانيا “ألينا فيربيتسكايا”، ومفوضة الرئيس للأنشطة التطوعية ناتاليا بوشكاريوفا.
وقبل ذلك بوقت قليل، قام الرئيس زيلينسكي بإقالة نائبي رئيس المكتب الرئاسي “أندري سميرنوف” و”أولكسي دنيبروف”، وأقال الأمين العام لمجلس الأمن الأوكراني. وجاءت هذه التعديلات بعد تعديلات أخرى في قيادات الجيش الأوكراني في فبراير الماضي. حيث أقال “زيلينسكي”، “فاليري زالوجني” من منصب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، وعين مكانه “ألكسندر سيرسكي“، الذي كان يقود القوات البرية سابقًا.
وفي الوقت الذي يرى فيه الداخل الأوكراني أن حركة التغييرات التي قامت بها القيادة الأوكرانية أظهرت توجهًا واضحًا نحو إيجاد حلول للتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، وأنه لا توجد مفاجآت كبيرة في هذه القرارات، بل تعكس رغبة القيادة السياسية في إيجاد الحلول المُثلى لهذه التحديات من خلال استبدال الكوادر البشرية وإعادة تنظيم هيكل الجهات الحكومية. إلا إننا نرى أن حركة الإقالات تأتي مدفوعة بعدد من العوامل منها:
- التعثر في الصراع العسكري: تعكس الإقالات استياءً من الفشل الذي حققته القوات الأوكرانية في تحقيق تقدم ملموس في الصراع مع روسيا، مما أدى إلى الحاجة إلى إعادة تقييم القيادة العسكرية. مع أهمية إيجاد استراتيجية للتعامل مع تحديات الصراع العسكري بشكل أفضل وتعزيز قدرة البلاد على التصدي للتهديدات الأمنية المحيطة بها، خاصة بعد تعثر الهجوم المضاد مع روسيا. وهو ما حذر منه وزير الخارجية الأوكراني السابق، بافل كليمكين، من أشهرًا صعبة ومصيرية لأوكرانيا بسبب نقص الأسلحة والذخائر وتأخر المساعدات العسكرية الغربية. ورأى “كليمكين” أن الأشهر القادمة تحمل تحديًا كبيرًا لكييف، ويربط الإقالات الأخيرة التي قام بها الرئيس زيلينسكي بصعوبة الوضع الراهن في البلاد.
- الضغط الدولي: قد تكون هناك ضغوط دولية تمارس على الحكومة الأوكرانية لإجراء تغييرات في القيادة، سواء لتحسين الأداء العسكري أو تلبية مطالب الدول الداعمة لأوكرانيا. لذا قد تكون الإقالات جزءًا من الجهود الشاملة لتعزيز التعاون الدولي وتحسين الأداء العسكري.
- ضغوط الأوضاع الداخلية: قد تكون هناك ضغوط داخلية، سواء من الشعب أو الأحزاب السياسية، لإجراء تغييرات في القيادة لتلبية تطلعات المجتمع وتحسين الأوضاع الداخلية. كما أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحروب والصراعات العسكرية تكون عاملًا مهمًا في خلق ضغوط على القيادة لاتخاذ إجراءات تصحيحية. لذا قد تكون الإقالات جزءًا من استجابة الحكومة لتلك الضغوط من أجل تحقيق استقرار أوكرانيا وتلبية تطلعات الشعب.
استمرار الدعم الأوروبي
يواجه النزاع في أوكرانيا تطورات متسارعة، حيث تظهر جهود من الدول الغربية لدعم كييف ومواجهة تقدم القوات الروسية. وفي هذا السياق، رفضت وزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” المقترحات الخاصة بإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، مؤكدة على خطورة انتصار روسيا في النزاع على الأمن الأوروبي والنظام الدولي.
في السياق ذاته، أكدت وكالة الأنباء الفرنسية على تخطيط فرنسا لتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، بما في ذلك مئات المدرعات والصواريخ المضادة للطائرات، بالإضافة إلى ذخائر يتم التحكم فيها عن بعد بهدف دعم الجيش الأوكراني. على الجانب الآخر، أشارت وزيرة الخارجية الفنلندية إلى إمكانية إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا في المستقبل، ورغم عدم جاهزية الوقت الحالي لذلك، إلا أنها لم تستبعد ذلك في المستقبل.Top of Form
وهنا تأتي التصريحات الأوروبية باستمرار الدعم الغربي لكييف؛ لإرسال إشارة تُفيد بأن حِفاظ أوكرانيا على قوتها العسكرية يُعد الطريقة الوحيدة للحفاظ على أرضها، حتى تتمكن من الاستمرار في القتال.
الموقف الروسي
ما زال الموقف الروسي هو الأقوى في ساحة المعركة، ويبدو أن روسيا عازمة على استمرار أمد العملية العسكرية حتى تحقيق النصر، ولا تبدو أي مؤشرات على إحداث أي إنفراجة دبلوماسية للأزمة، إذ تُصر روسيا على عدد من الأهداف منها، ضم بعض الأراضي الأوكرانية، وتغيير النظام السياسي في كييف، فضلًا عن تحييد أوكرانيا وضمان عدم انضمامها لحلف شمال الأطلسي، كما يضع الكرملين اعتراف كييف بالأراضي التي سيطرت عليها روسيا كشرط مُسبق لأي محادثات سلام. وهو ما ترفضه كييف جملة وتفصيلًا.
ومن هذا المنطلق؛ أعلنت روسيا عن استمرار عمليتها العسكرية في أوكرانيا، مؤكدة أنها ستواصل العملية حتى تحقيق أهدافها بغض النظر عن دعم الغرب. وحذرت حلف “الناتو” من أن أي قوات تظهر في أوكرانيا ستكون هدفًا مشروعًا للجيش الروسي. في السياق ذاته، وقع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مرسومًا بشأن التجنيد العسكري، يتم بموحبه استدعاء 150 ألف مواطن روسي لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية. وحول ارسال هؤلاء المجندين للحرب في أوكرانيا؛ أفادت تقارير بأن الخدمة العسكرية الإلزامية لا تسمح بإرسال مجندين جدد للقتال خارج روسيا. في تطور آخر، شنت القوات الجوية الروسية ضربات مُتعددة على منشآت البنية التحتية للطاقة وصناعة إنتاج الغاز في أوكرانيا، مما أسفر عن خسائر بالغة في القوات المسلحة الأوكرانية والمعدات العسكرية.
في الأخير، قد تكون هناك بعض التوقعات بتحسن الأداء العسكري الأوكراني بعد التغييرات في القيادة؛ إذ قد تؤدي التغييرات إلى إحداث نوع من الصدمة الإيجابية وتغيير الأساليب والاستراتيجيات المتبعة على أرض المعركة. ويمكن أن تسهم القيادات الجديدة برؤى وخبرات مختلفة تؤدي إلى إيجاد حلول للصعوبات التي واجهتها القيادة السابقة. وقد تكون القيادات الجديدة أكثر قدرة على تعبئة الموارد والإمكانيات بشكل أفضل، فضلًا عن تمتعهم بدعم سياسي وشعبي أكبر، ما يسهم في رفع معنويات القوات. ومع ذلك، فإن توقع تحقيق أي تحسن ملموس سيتطلب وقتًا وجهودًا مكثفة لاستيعاب التغييرات وتعزيز القدرات، خاصة في الوقت الذي تُكثف فيه روسيا ضرباتها العسكرية.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/81315/