إلغاء الهند الوضعية الخاصة لجامو وكشمير وخيارات باكستان

مقدمة

قام كفاح مسلمي شبه القارة الهندية ضد الحكم الاستعماري البريطاني على فكرة أن المسلمين والهندوس في الهند يشكلون “أمتين”، تستحق كل منهما دولتها الخاصة[1]. ولذلك، استخدم قادة باكستان المؤسسون، مثل محمد علي جناح، “نظرية الأمتين” باعتبارها مبدأً أساسيًا لتقسيم شبه القارة الهندية، واعتبار باكستان ذاتها بمنزلة وطن منفصل للمسلمين. ولا يزال النزاع بشأن جامو وكشمير، الذي نشأ من التقسيم السريع لتركة الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية في شبه القارة الهندية، إلى اليوم، مثالًا صارخًا على إخفاقات الحكم الاستعماري، ويمكن إرجاع بدايته إلى عام 1947 عندما قرر حاكم جامو وكشمير، المهراجا الهندوسي هاري سينغ، توقيع وثيقة مثيرة للجدل تنص على الانضمام إلى الهند وسط اضطرابات محلية واسعة[2]. وكان يأمل سينغ الذي يحكم إقليمًا غالبية سكانه من المسلمين، بداية، في الحصول على دولة مستقلة، لذلك استهان بشدة بعواقب خيار إبقاء سيادته وسط دعوات واسعة إلى التقسيم على أسس طائفية. والسبب الآخر هو أن إقليمه كان استمرارًا جغرافيًا للهند وباكستان، ويحظى بأهمية استراتيجية لافتة للبلدين. فمثلًا، نظرًا إلى موقعه الجغرافي الاستراتيجي الذي تتوافر فيه المياه العذبة الغزيرة، يُستبعد أن تسمح له الهند أو باكستان بالبقاء على الحياد زمنًا طويلًا[3].

اندلعت أعمال عنف شاملة بعد التقسيم في آب/ أغسطس 1947، بدأت على شكل انتفاضة محلّية صغيرة ضد المهراجا نفسه، لكن تطوّر العنف لاحقًا، واتّخذ طابعًا مختلفًا كلّيًا في ظل المناخ السياسي المتوتر أصلًا[4]. وتجلّى ذلك حين تمكّنت شريحة من السكان المحليين بعد طلب المساعدة من رجال القبائل الحدودية في باكستان المتشكلة حديثًا، من الاستيلاء على مظفر آباد والمناطق المحيطة بها وتحريرها من حكم المهراجا[5] الذي اختار، بعد عدم تمكّنه من تأمين الاستقلال وعجزه عن إخماد الاضطرابات، توقيع اتفاق الانضمام إلى الهند في تشرين الأول/ أكتوبر 1947، فنُقلت قوات هندية إلى سرينغار[6]. ووسط العنف اللاحق، سرعان ما تصاعدت هذه المناوشات الأولى بين قوات غير نظامية، إلى نزاع عسكري شامل بين الهند وباكستان؛ إذ دارت اشتباكات عسكرية لاحقة شكلت الحرب الهندية – الباكستانية الأولى (1947-1948) التي شهدت تعبئةً واسعةً للقوات من كلا الجانبين[7]. ومع أن تلك الحرب انتهت على طول خط وقف إطلاق النار الذي توسطت الأمم المتحدة بترسيمه في كانون الأول/ ديسمبر 1948، لكنها أدّت إلى عسكرة المنطقة بطريقة قد لا يمكن الرجوع عنها، ولا تزال متواصلة حتى يومنا هذا. وعند نهاية تلك الحرب، خضعت المناطق الغربية والشمالية المعروفة حاليًا باسم آزاد كشمير وجيلجيت-بالتستان، لسيطرة باكستان، بينما بقيت الأراضي الأخرى خاضعة للإدارة الهندية تحت مسمى كشمير[8]. لكن هذه التسوية لم تُنهِ النزاع الذي أدّى أيضًا إلى حرب أخرى شاملة في عام 1965، وإلى حرب كارجيل الصغيرة في عام 1999. وإضافة إلى ذلك، شهدت أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأوائل تسعينياته دعمَ باكستان للمتمردين المؤيدين لها في جامو وكشمير[9].

لا يزال النزاع على جامو وكشمير قضية رئيسة عالقة بين الهند وباكستان، وتمثّل تهديدًا كبيرًا للأمن الإقليمي في جنوب آسيا. وبيّنت الأزمة التي أعقبت قرار الحكومة الهندية إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير في شهر آب/أغسطس 2019، أن هذا النزاع في حاجة إلى اهتمام وتدخّل دوليَين في الوقت المناسب لتفادي أي تطورات كارثية في جنوب آسيا. ولا تهدف ورقة تحليل السياسات هذه إلى شرح آثار أزمة جامو وكشمير الحالية وقضيتها فحسب، بل يركّز أيضًا على الخيارات المتاحة لباكستان.

الأزمة الحالية

بدأت الأزمة الحالية بعد قرار الحكومة الهندية إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير عبر إبطال العمل بالمادتين 370 و35A [من الدستور الهندي]. ولم يكن هذا القرار مفاجئًا، نظرًا إلى تصاعد الحركة القومية الهندوسية في الهند.

يعتنق القوميون الهندوس فلسفة فيناياك دامودار سافاركار في الهندوتفا، الذي يعتقد أن الشكل الوحيد للقومية الممكنة في الهند هو القومية الهندوسية. وشهد العالم خلال الفترة الأولى من ولاية ناريندرا مودي بصفته رئيسًا للوزراء في الهند (2014-2019) الكثير من أعمال التطرف الديني العنيف من المتطرفين الهندوس في الهند. ويهدف القوميون الهندوس في إطار حملات مثل غار وابسي (العودة إلى الوطن)، إلى ما يدّعون أنه عودة تحوّل الأقليات الدينية إلى الهندوسية[10]. وتحت يافطة حماية البقرة، انخرط القوميون الهندوس في سياسة البقرة التي زادت أيضًا من حوادث العنف ضد الأقليات الدينية، خصوصًا المسلمين[11]. ومع أن الفوضى عمّت الهند، فاز مودي بغالبية كاسحة في انتخابات عام 2019.

نفّذت الحكومة الهندية بقيادة الجناح اليميني للقوميين الهندوس (حزب بهاراتيا جاناتا)، في 5 آب/ أغسطس 2019، رغبتها القديمة في إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير. وكانت حكومة نيودلهي تدرك حقيقة أن الشعب هناك لن يسعد بقرارها، لذلك نشرت آلاف الجنود الإضافيين في المنطقة، ما أدّى إلى سجن قرابة 3000 شخص، بينهم محامون محليون ومديرون تنفيذيون لشركات وعمال سياسيون[12]. ومنذ أكثر من شهر، يفتقد سكان جامو وكشمير وسائل الاتصال عبر الهاتف والإنترنت والتلفزيون. وتتواصل الحملة القمعية التي نجم عنها درجة أقل من أعمال العنف، مقارنةً بالاحتجاجات السابقة في الأعوام 2008 و2010 و2016.

يوجد في كشمير سبعة ملايين شخص ونحو 700 ألف جندي هندي[13]، ما يجعلها واحدةً من أكثر مناطق العالم عسكرةً. ومع أن انتشار القوات في منطقة جامو وكشمير كان كثيفًا على الدوام، فإن هذه الحملة لم يسبق لها مثيل، حتى إن وفدًا من أحزاب المعارضة الهندية، مُنع من الدخول إليها.

من المهم الإشارة إلى أن المادة 370 من الدستور الهندي سمحت بسيطرة محدودة لنيودلهي في جامو وكشمير، بسبب حكمها شبه المستقل، لأن هذه المادة منحت جامو وكشمير دستورها وعلمها الخاصين. وسمحت المادة A35 لمشرعي الولاية بتحديد جنسية الدولة، لكنها لم تسمح للأجانب بالإقامة الدائمة، أو بشراء الأراضي أو تولّي وظائف حكومية أو الفوز بمنح دراسية في الإقليم[14]. ومن ناحية أخرى، قسّم هذا القرار جامو وكشمير ولايتين، حيث فُصلت لاداخ عنها. وتدّعي نيودلهي أنها فعلت ذلك وفقًا لرغبات الغالبية البوذية في لاداخ. ومن ناحيته، يحتفل حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وجناحه الأيديولوجي، راشتريا سوايامسيفاك سانغ، بإلغاء المادة 370. وهذا يدل على وجود تأييد شعبي واسع في الهند لقرار هذا الحزب.

ثمة أسباب عدة لقرار حكومة مودي؛ إذ وردت الرغبة في إبطال المادة 370 في البيان الانتخابي لحزب بهاراتيا جاناتا في عام 2014. وروّج هذا الحزب أيضًا في انتخابات عام 2014، لـ “المهمة 44” الخاصة به لنيل 44 مقعدًا في الانتخابات التي أُجرِيَت في جامو وكشمير، لكنه حصل على 25 مقعدًا فقط، في مقابل 28 مقعدًا لحزب الشعب الديمقراطي[15]. كان الهدف الرئيس من “المهمة 44” هو الفوز بنصف المقاعد على الأقل في جامو وكشمير لتحقيق جدول أعمال الحزب عبر وسائل قانونية/ دستورية. ولأن ذلك لم يحدث، اختار حزب بهاراتيا جاناتا اليوم استراتيجية أقسى بكثير وغير ديمقراطية لتحقيق رغبته في “أمة واحدة، دستور واحد”. كما أعلن بيانه الانتخابي لعام 2019، بوضوح، نيّاته تجاه جامو وكشمير: “نحن ملتزمون بإلغاء المادة 35A من دستور الهند، ويُعدّ هذا الحكم تمييزًا ضد المقيمين غير الدائمين ونساء جامو وكشمير. ونعتقد أن المادة A35 تمثّل عقبةً في تطوّر الدولة. وسنتّخذ الخطوات كلها لضمان بيئة آمنة وسلمية لجميع سكان الدولة”[16].

لم يكن الوضع مستقرًا في ظل حكومة مودي؛ فوفقًا للموقع الخاص بالإرهاب في جنوب آسيا، تزايد عدد القتلى منذ تسلّمها السلطة في عام 2014 (من 181 شخصًا في عام 2013 إلى 451 في عام 2018)[17]. ومن الحوادث البارزة التي زادت من اضطراب الوضع في جامو وكشمير مقتل برهان واني، القيادي في جماعة “حزب المجاهدين” المناهض للحكم الهندي في الإقليم،[18] في اشتباكات مع قوات الأمن الهندية في عام 2016، حيث على الرغم من القيود التي فرضتها قوات الأمن الهندية، فإن الآلاف حضروا جنازته، ومثّل مقتله لحظة فاصلة في التمرد المستمر في جامو وكشمير[19].

هناك أيضًا مخاوف حقيقية حيال هدف القوميين الهندوس الأوسع من القرار الأخير. ويرى كثيرون من داخل إقليم جامو وكشمير وخارجه، ولا سيما في باكستان، أن إلغاء المادتين 370 و35A من الدستور يهدف إلى تحقيق تغيير ديموغرافي في الولاية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند (60 في المئة مسلمون من بين سبعة ملايين نسمة). ومن بين منتقدي قرار حكومة حزب بهاراتيا جاناتا أيضًا زعماء كشميريون يعتقدون أن نيودلهي تتبع الهندوتفا لتوطين الهندوس في جامو وكشمير[20]. وهكذا، ليست نادرة تقارير وسائل الإعلام الدولية التي تصف ضم الهند لجامو وكشمير باعتباره صورةً طبق الأصل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني[21].

واجهت الحكومة الهندية انتقادات كثيرة، على الرغم من ادّعائها أن قرارها سيكون بدايةً لحقبة جديدة من التنمية والاستقرار في جامو وكشمير؛ إذ انتقدته بشدة القيادة الكشميرية التي كان معظمها إما في السجن، وإما تحت الإقامة الجبرية، ووصفه السياسي الكشميري الشاب شاه فيصل بأنه “اغتيال للدستور” و”خيانة من الدولة الهندية”[22]. وتعرضت الحكومة الهندية عالميًا أيضًا للانتقاد بسبب إغلاقها الكامل للولاية، على الرغم من أن حظر التجوّل رُفع جزئيًا في عيد الأضحى 2019، فأمكن للعالم عندئذٍ مشاهدة مشاعر الكشميريين الذين خرجوا إلى الطرق احتجاجًا على قرار حكومة نيودلهي التي ادّعت أنّ كل شيء طبيعي، وليس هناك حملة أمنية. وأوجد هذا الإنكار مشكلة أكبر للهند نتيجةً لتدويل النزاع في كشمير[23]. وقال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان: “ارتكب ناريندرا مودي خطأً إستراتيجيًا – لعب ورقته الأخيرة [….] سيتبين أنه ارتكب خطأً، حين دوّل قضية كشمير”[24]. كما حذّر خان العالم من احتمال وقوع مواجهة نووية في جنوب آسيا. وهذا يتعارض مع رغبة نيودلهي في تطبيع العلاقات مع باكستان بعد اتفاق سيملا الذي وضع نهاية لحرب استقلال بنغلادش بين الهند وباكستان عام 1972. وإلى جانب التقارير الكثيرة والمنتظمة التي تقدمها وسائل الإعلام الدولية عن الحالة، دارت أيضًا مناقشات بشأنها في منظمات وهيئات دولية عدة، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي.

خيارات باكستان

ليس في حوزة باكستان في ظل الظروف الحالية سوى خيارات محدودة، هي:

1. خيارات أحادية الجانب

بالنسبة إلى ردة فعل باكستان السريعة، كانت متسقة، حيث استدعت سفيرها في الهند، وقطعت العلاقات التجارية معها، وتوجّهت إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى. وفي هذه الأثناء كانت التوترات عالية الشدّة، مع مناوشات عسكرية منتظمة على طول خط المراقبة. وزاد قرار نيودلهي في 5 آب/ أغسطس من تصعيد الوضع، فأغلقت باكستان مجالها الجوي مع الهند، ومنعت منافذها مع الهند من الاستفادة من المعابر الخاصة بالتجارة مع أفغانستان. لكن إغلاق باكستان معابرها مع الهند قد لا يصبّ في مصلحة باكستان حين تكون علاقاتها مضطربة مع أفغانستان والهند. كما أغلقت باكستان أيضًا خط قطار تار وسامجوتا السريع ومرافق الحافلات الهندية – الباكستانية. وهذا سيؤثر في تنقلات آلاف المسافرين من كلا الجانبين، لكنه لن يولّد ضغطًا كبيرًا ومؤثرًا في الهند، يحملها إلى الاستماع لمطالب باكستان. ومن المهم الإشارة إلى أن باكستان عادت وفتحت مجالها الجوي في تموز/ يوليو 2019 بعد خمسة شهور من الإغلاق عقب الغارة الجوية الهندية على بالاكوت في شباط/ فبراير 2019، حيث تسبب هذا الإغلاق في خسارة شركات الطيران ملايين الدولارات. كذلك ستكون الحالة هذه المرة أيضًا، لكنها ستسبب ضغطًا أكبر على اقتصاد باكستان الضعيف أكثر من اقتصاد الهند.

بعد أن تولّى عمران خان السلطة في آب/ أغسطس 2018، حاول مرارًا إقناع الهند بإعادة بدء حوارات السلام الثنائية. ولم تلق عروضه أي صدى في نيودلهي، ولذلك انتقدته كثيرًا أحزاب المعارضة الباكستانية، لكنه في أعقاب الأزمة الحالية استبعد خيار الحوار الثنائي مع الهند، لأنه ما عاد خيارًا عمليًا، حيث لا يؤيد المجتمع الدولي تأييدًا كاملًا موقف باكستان من هذا النزاع. وينبغي لإسلام آباد، بدلًا من ذلك، حثّ القوى العالمية والمنظمات متعددة الأطراف على الضغط على نيودلهي لإعادة بدء عملية الحوار[25] لمناقشة القضايا العالقة بينهما، بما في ذلك مشكلة كشمير.

على إسلام آباد، على الرغم من كل ما تُروّج له وسائل إعلامها وكتبها المدرسية، الامتناع عن الادّعاء بأن “كشمير ستصبح جزءًا من باكستان”، وعليها بدلًا من ذلك أن تضغط من أجل حق تقرير المصير للكشميريين؛ ولا يتعيّن عليها أيضًا إنتاج تقاريرها الخاصة عن انتهاكات حقوق الإنسان في جامو وكشمير، لأنه ليس هناك نقصٌ في التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان المستقلة التي تُدين ممارسات الهند الوحشية في الولاية. ويجب ألّا تكون الحملة هذه أكثر تنظيمًا فحسب، بل أوسع انتشارًا أيضًا باستخدام أي موارد بحوزة باكستان، مثل بعثاتها الدبلوماسية في الخارج والأكاديميين والصحافيين؛ ويتعيّن عليها أيضًا تعزيز جهودها خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الحالية (2019). وأعلنت الحكومة عن مظاهرات محدودة في أنحاء باكستان كلها لإظهار التضامن مع شعب جامو وكشمير، لكن قد يكون لذلك أثرٌ محدود بسبب عدم تغطية وسائل الإعلام العالمية لها. لكنْ، ثمة خيارٌ آخر قليل التكلفة، وذلك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بلغات متعددة، لتعزيز موقف باكستان في أعقاب الأزمة الحالية. وقد مضى أسابيع من التعتيم الكامل في جامو وكشمير، ولم توفر الحكومة الهندية سوى القليل من سبل الوصول إلى وسائل إعلام محلية ودولية. وعلى باكستان اغتنام الفرص الممكنة كلها للإعراب عن محنة شعب جامو وكشمير الذي يعيش في أوضاع مهددة للحياة، ووضع استراتيجية إعلامية شاملة لإبلاغ العالم بما يحدث حاليًا في الإقليم.

لا يساعد الخطاب الباكستاني الذي يربط الأزمة الحالية بحرب نووية في جنوب آسيا قضية الوساطة الدولية؛ ففي حين يتخوّف المجتمع الدولي من التوترات بين الخصمين النوويين في جنوب آسيا، على باكستان إبداء الحذر في مقاربتها هذه على هذا الصعيد؛ إذ إنها تواجه أزمة اقتصادية عميقة ومتفاقمة نشأت في عهد حكومة عمران خان. وهناك وجهة نظر مفادها أن باكستان، بسبب هذه الأزمة، لن تتمكن من خوض حرب شاملة، وربما تختار خيارًا أقل تكلفة هو دعم التمرد في جامو وكشمير[26]، لكنها قد لا تتمكن من تقديم الدعم الكامل إلى الجماعات الانفصالية في الإقليم. فمن الواضح في الأوضاع الحالية أن حزب المجاهدين هو من سيقود الصراع، وليس سهلًا على إسلام آباد دعم هذه الجماعة لأنها مُدرجة على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي FATF. وهي تشعر أصلًا بالقلق من إدراجها في القائمة السوداء في اجتماع مجموعة العمل المالي المقرر عقده في باريس في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 الجاري، وهو أمر يمكن أن يكون له تداعيات دبلوماسية ومالية خطرة على باكستان. وربما على إسلام آباد مواصلة دعمها لمؤتمر حريات الذي يُعدّ ائتلافًا قياديًا للأحزاب السياسية في جامو وكشمير.

لا ينبغي أن تقتصر إسلام آباد على المقاربة التقليدية في حثّ قوى عالمية، مثل الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها استراتيجية وحيدة لها، لأن التعاون بين الولايات المتحدة والهند أقوى من أي وقت مضى، ولأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تراجع مؤخرًا عن رغبته السابقة في التوسط بين الهند وباكستان بشأن كشمير. وفي الواقع، يلقي كثيرون اللوم على ترامب في تصعيد الوضع الأخير، لأنه في لقاء مع عمران خان في البيت الأبيض في تموز/ يوليو 2019، عرض التوسط في قضية كشمير[27]. وللضغط على الولايات المتحدة، يمكن باكستان الاستفادة من ميزة علاقتها بطالبان في سياق المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وطالبان، لكن طالبان حذّرت مسبقًا من أنه لا ينبغي لأحد أن يربط قضية كشمير بأفغانستان. وفي الأوضاع الجيوسياسية الحالية، تُعدّ باكستان طرفًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، لذلك يجب ألّا تتوقع الكثير من الولايات المتحدة. كما أن البلدان الغربية، وليس الولايات المتحدة فحسب، لم تنتقد قرار الحكومة الهندية.

2. التحرك من خلال المنظمات الدولية

تعتقد إسلام آباد أنها حققت انتصارًا معنويًا في ما حظيت به قضية كشمير من اعتراف معيّن بعد اجتماع مجلس الأمن في آب/ أغسطس 2019. لكن هذا الاجتماع الذي عقد بطلب من الصين لم يسفر عن أي نتائج مهمة. كما حظيت حملة باكستان القوية بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في جامو وكشمير بقدر من الاهتمام من جماعات حقوق الإنسان الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية[28]. وتعتزم باكستان الاستفادة من هذه الاستراتيجية عن طريق إثارة هذه القضية مجددًا والاهتمام بها في الاجتماعات المقبلة لمجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن الضروري لإسلام آباد أن تعيد التفكير في ردة فعلها الأولى، المتمثلة برفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية، فحتى لو جرى الاتصال بالمحكمة وقبلت المُضيّ في المداولات بشأن قضية كشمير، فإن الإجراءات ستُناقش وضع الأراضي المتنازع عليها كلها، بما في ذلك كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية.

تواصل باكستان اتّباع خيار عقد جلسة رسمية لمجلس الأمن بشأن قضية كشمير. وازدادت آمالها بعد الجلسة المغلقة لمجلس الأمن في 16 آب/ أغسطس 2019، لكن من الضروري النظر في الصورة كاملةً؛ فبين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لم تدعم سوى الصين موقفها، بل اعتبرت تحرّك الهند انتهاكًا لسيادتها[29]، بينما اختارت روسيا دعم الهند. وأبدى آخرون قلقهم، أو دانوا إغلاق جامو وكشمير، لكنهم تردّدوا في تحديد موقف واضح من الصراع. كما يُرجّح أن تستخدم موسكو حق النقض (الفيتو) لدعم موقف الهند في المجلس، خصوصًا أن لنيودلهي موقفًا قديمًا من أنّ نزاع كشمير هو نزاع ثنائي لا يشمل سوى الهند وباكستان.

3. حشد الدعم بين الدول الإسلامية

حين غاب نزاع كشمير عن مجلس الأمن مدة 50 عامًا تقريبًا، اعتمدت باكستان اعتمادًا كبيرًا على دعم الدول الإسلامية. لكن أكثر ما أصاب باكستان بخيبة الأمل في أعقاب الأزمة الحالية، هو عدم وجود دعم من البلدان الإسلامية. فعلى مستوى مجلس الأمن الدولي كانت الكويت مؤيدة باكستان، لكن على مستوى الدول وحتى تاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2019، لم يُصدِر إلا عدد قليل جدًا من أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي بيانات رسمية في مصلحة باكستان بشأن الحالة الراهنة لجامو وكشمير، وهم: أذربيجان وإيران وماليزيا والمالديف وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وصُدمت إسلام آباد عندما منحت حكومة الإمارات العربية المتحدة رئيس الوزراء الهندي مودي، أعلى وسام لديها “وسام زايد”، على الرغم من الوضع الحالي[30]. وزار وزيرَا خارجية الإمارات والسعودية إسلام آباد في 4 أيلول/ سبتمبر 2019 لتخفيف حدّة التوترات بينها وبين الهند[31]. أصبح واضحًا لإسلام آباد الآن أنه لا يوجد سوى دعم محدود من الدول الإسلامية لموقفها من النزاع بشأن كشمير. وهذا تقويم واقعي، لأن لدى الكثير من الدول ذات الغالبية المسلمة، مثل الإمارات العربية المتحدة، تعاونًا اقتصاديًا قويًا مع الهند، ولن يُعطّل ذلك بدافع التضامن مع باكستان.

على صعيد منظمة المؤتمر الإسلامي، عُقد اجتماع طارئ بشأن هذه المسألة في 6 آب/ أغسطس 2019، لكن لم يحضره إلا ممثلو باكستان والسعودية وأذربيجان وتركيا وعدد قليل من الأعضاء الآخرين. كما أصدرت المنظمة بيانًا رسميًا في وقت لاحق من آب/ أغسطس 2019، دعت فيه إلى رفع فوري لحظر التجول، وطالبت بإجراء استفتاء بإشراف الأمم المتحدة لحل النزاع[32]. وعلى الرغم من اعتماد باكستان الكبير على المنظمة، فإن عليها أن تكون واقعية بشأن ما يمكن تحقيقه.

دُعيت الهند للمشاركة بصفة “ضيفَ شرفٍ” في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في أبوظبي في شباط/ فبراير 2019، على الرغم من مقاطعة باكستان. وإن موقف باكستان منذ أمد بعيد هو أنه ينبغي عدم السماح للهند بالمشاركة في فعاليات المنظمة، بل عدم منحها أي صفة. في ضوء ما سبق، يمكن المرء أن يتوقع تأثيرًا ضئيلًا لإعلانات/ بيانات المنظمة في نيودلهي، فالهند ليست لها صفة رسمية فيها.

خاتمة

سيكون لقرار الحكومة الهندية بإلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير تأثيراتٌ خطرة، ليس في الأمن داخل الهند فحسب، بل في جنوب آسيا أيضًا. فالتوتر شديد طوال الوقت بين الهند وباكستان، واستدعت إسلام آباد سفيرها في الهند وقطعت العلاقات التجارية معها. وفي الوقت نفسه، تتبع إسلام آباد دبلوماسية ناشطة لكسب تأييد المزيد من الأطراف الدولية، في العالم الإسلامي والغرب. بيد أنها لم تلقَ إلا دعمًا محدودًا لموقفها بخصوص النزاع في كشمير. وعلى الرغم من ردة فعلها المبدئية بدعم الكشميريين باستخدام الوسائل كلها، بما في ذلك الحرب، فإن من المستبعد جدًا أن تختار باكستان حربًا شاملة بسبب تردّي وضعها الاقتصادي. وربما لا تختار على الفور دعم متمردي كشمير، خوفًا من اتهامها بتمويل الإرهاب. ومع أن كشمير أصبحت قضية دولية على المستويات المختلفة، فمن المستبعد جدًا أن يعقد مجلس الأمن جلسة رسمية بشأنها. على حكومة عمران خان أن تتّبع خيارًا أقل تكلفةً، مثل المطالبة عبر بعثاتها الدبلوماسية ووسائل الإعلام بإجراء استفتاء بإدارة الأمم المتحدة في جامو وكشمير، على الرغم من الانتقادات في الداخل لخياراتها. وعلى إسلام آباد أيضًا أن تتحلّى بالصبر، لأن الخيارات متعددة الأطراف، ولا سيما التي تشمل الأمم المتحدة، تستغرق وقتًا طويلًا، ولذلك يتعيّن عليها أن تحدد الآن ما تستطيع أن تفعله بمفردها.

[1] Stephen P. Cohen, The Idea of Pakistan (New York: Brookings Institution Press, 2004), pp. 28-29.

[2] Alice Thorner, “The Kashmir Conflict,” Middle East Journal, vol. 3, no. 2 (January 1949), p. 23.

[3] Neera Chandhoke, “Is the United Nations Still Relevant for Kashmir?” The Journal of Modern Hellenism, no. 30 (2014), p. 93.

[4] James D. Howley, “Alive and Kicking: The Kashmir Dispute Forty Years Later,” Dickinson Journal of International Law, vol. 9, no. 1 (1991), p. 89.

[5] Stanley Wolpert, India and Pakistan: Continued Conflict or Cooperation? (Berkeley, United States: University of California Press, 2010), pp. 22-23.

[6] Ibid., p. 23.

[7] Ibid., p. 21.

[8] منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، تضع الصين أيضًا يدها على جزءٍ من جامو وكشمير- وهي منطقة مكتظة بالسكان، وتسمى أكسي تشين.

[9] Jonah Blank, “Let’s talk about Kashmir,” Foreign Policy (5 September 2014), accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2lXnafo

[10] Debraj Deb, “’Ghar Wapsi’ id in Tripura: 96 Christians ‘reconverted’ to Hinduism,” The Indian Express, 21/1/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2RHBvvh

[11] “India: Vigilante ‘cow protection’ groups attack minorities,” Human Rights Watch, 18/2/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2mK5jsP

[12] Niha Masih & Joanna Slater, “Among the 3,000 detained by Indian authorities in Kashmir: Children,” The Washington Post, 29/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2nyKFvW

[13] Javed Jabbar, “A new opportunity,” Dawn, 28/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2nAREV0

[14] “Kashmir special status explained: What are Articles 370 and 35A?,” BBC News, 5/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2Tc82Hp

[15] “Indian media: BJP’s Kashmir performance,” BBC News, 24/12/2014, accessed on 29/9/2019, at: https://bbc.in/2nDTNPG

[16] “BJP manifesto 2019: Top 10 promises for next five years,” India Today, 8/4/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2nz8IuA

[17] “Fatalities in terrorist violence 1998-2019,” South Asia Terrorism Portal, Institute for Conflict Management, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2ohCBju

[18] كان برهان مظفر واني قائدًا كشميريًا شابًا لجماعة انفصالية تسمى “حزب المجاهدين”.

[19] “Why the death of militant Burhan Wani has Kashmiris up in arms,” BBC News, 11/7/2016, accessed on 29/9/2019, at: https://bbc.in/2nF6JVq

[20] “Kashmir: Why India and Pakistan fight over it,” BBC News, 8/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bbc.in/2BSTMw8

[21] Yossi Beilin, “West Bank status quo shares eerie militaries with Kashmir,” Al-Monitor, 12/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2ohDKHO

[22] “PM Modi is ‘murdering the constitution,’ says Shah Faesal,” BBC News, 14/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bbc.in/2mOgTmP; “Jammu and Kashmir: Shah Faesal paints painful picture of curfew, Governor says everything is fine,” India Today, 7/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2mKikTf

[23] Khalid Shah, “Government of India’s narrative trap in Kashmir,” Observer Research Foundation, 27 August 2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2mKj5vz

[24] “Pakistan’s Imran Khan faced limited options on Kashmir,” Financial Times, 15/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://on.ft.com/2OWP353

[25] بدأت عملية الحوار المركب في عام 1998، لكنها توقفت منذ عام 2004.

[26] Maria Abi-Habib, “Pakistan runs out of options as India tightens grip on Kashmir,” The New York Times, 9/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://nyti.ms/2M9AgBX

[27] Toru Takahashi, “How Trump triggered the Kashmir turmoil: U. S. president’s possible intent to stabilize South Asia had opposite effect,” Nikkei Asian Review (31 August 2019), accessed on 29/9/2019, at: https://s.nikkei.com/2odqgN6

[28] لمزيد من التفصيلات، ينظر: Human Rights Watch, “Kashmir,” accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2nxPOV4

[29] Jun Mai, “China calls India’s move to scrap Kashmir’s special status ‘not acceptable’ and not binding,” South China Morning Post, 6/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2nAy1wt

[30] “India’s Modi awarded UAE highest honour amid Kashmir crackdown,” The Sydney Morning Herald, 26/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2m0wb7t

[31] “UAE and Saudi Arabia visit Pakistan in joint diplomatic push,” The National, 4/9/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2k3shdd

[32] “OIC reaffirms internationally recognized status of Kashmir dispute, its resolution through plebiscite,” Dawn, 31/8/2019, accessed on 29/9/2019, at: https://bit.ly/2m3JGDB

 

رابط المصدر:

https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/Indian-Revocation-of-the-Jammu-and-Kashmirs-Special-Status-Options-for-Pakistan.aspx

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M