إلى أين تتجه تونس عقب إصدار قانون الانتخابات؟

 محمد فوزي

 

مثّل إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في 15 سبتمبر الماضي عن تعديلات على قانون الانتخابات نقطة تحول في مسار العملية السياسية التونسية ككل؛ وذلك في ضوء التغييرات الجوهرية التي أدخلتها هذه التعديلات على المنظومة الانتخابية التونسية، وما سيترتب عليها من تداعيات على تشكيل المشهد السياسي للبلاد في مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية المقرر عقدها في 17 ديسمبر المقبل، وكذا في ضوء تباين تعاطي الاتجاهات السياسية التونسية الفاعلة مع هذه التعديلات، وتأثيرها على الموقف من مسار 25 يوليو 2021 إجمالًا.

تغييرات جوهرية

أقرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس في 25 سبتمبر المنصرم التعديلات التي أقرها الرئيس قيس سعيد على قانون الانتخابات، وهي التعديلات التي غيّرت من طبيعة المنظومة الانتخابية التونسية شكلًا ومضمونًا، ويمكن إبراز التغيرات التي طرحتها هذه التعديلات على النحو التالي:

1- يقوم النظام الانتخابي الجديد في تونس على أساس “الاقتراع الفردي”، كبديل لنظام الاقتراع على القوائم الحزبية الذي كان سائدًا في السنوات الأخيرة، ويُحتم نظام الاقتراع الفردي على المرشحين الحصول على ما نسبته 50%+1 للفوز بالمقعد البرلماني. وقلصت التعديلات الجديدة عدد نواب مجلس الشعب من 217 إلى 161 نائبًا.

2- تُلزم التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات المرشحين لمجلس النواب بالحصول على تزكية 400 ناخب، واستخراج بطاقة السوابق العدلية والحساب الضريبي، بما يضمن النزاهة وعدم التورط في أي قضايا خصوصًا قضايا الفساد والإرهاب التي تتوسع السلطات التونسية في الآونة الأخيرة في التعاطي معها بشكل جاد.

3- نص الفصل 20 من المرسوم على أنه لا يمكن لكل من أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين والقضاة ورؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية، والولاة، والمعتمدين الأول والكتاب العامين للمحافظات والمعتمدين والعمد والأئمة، ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية؛ الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب إلا بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم. ولا يمكنهم الترشح في آخر دائرة انتخابية مارسوا فيها وظائفهم المذكورة لمدة سنة على الأقل قبل تقديم ترشحهم. ونص المرسوم على أنه لا يجوز الترشح في نفس الوقت للانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية والبلدية في حالة تزامنها.

4- أعطى المرسوم الجديد للسلطة التنفيذية الحق في سحب الثقة من النواب، حيث تضمن في فصله الـ 39 نصًا جديدًا يتعلق بـ”سحب الوكالة” من النائب وشروطها وطرق الطعن فيها، حيث يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في حال إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البيّن في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به عند الترشح، ولا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدورة النيابية الأولى أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة النيابية. ولا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النائب إلا مرة واحدة طيلة المدة النيابية، وهو مطلب نادى به الرئيس قيس سعيد كثيرًا.

5- ألغى القانون الانتخابي الجديد مبدأ التناصف في الترشح بين الرجل والمرأة الذي كان قائمًا في السابق، مع النص على ضرورة أن تكون نصف التزكيات التي يجمعها المرشح من النساء، وربعها من الشباب.

انتقادات واسعة

أعلن العديد من الأحزاب والمنظمات التونسية رفض قانون الانتخابات في صورته الجديدة، وما تضمنه من تعديلات، وكان على رأس هذه الاتجاهات التونسية: حزب حركة النهضة والاتجاهات المؤيدة للنهضة والمتحالفة معها (جبهة الخلاص الوطني – ائتلاف الكرامة – حزب قلب تونس – حزب حراك تونس الإرادة بقيادة المنصف المرزوقي – حزب حركة أمل – حزب العمل والإنجاز المنبثق عن حركة النهضة بقيادة عبد اللطيف المكي)، بالإضافة إلى بعض الأحزاب التي لا تدور في فلك إخوان تونس أيديولوجيًا ولكنها اختلفت مع سياسات وتوجهات الرئيس قيس سعيد في مرحلة ما بعد 25 يوليو وعلى رأسها: الحزب الدستوري الحر – تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تضم “الحزب الجمهوري” و”حزب العمال” اليساري، و”القطب الحداثي” و”التيار الديمقراطي” و”التكتل الديمقراطي”.

ويُمكن إجمال أبرز الانتقادات الموجهة لقانون الانتخابات التونسي على النحو التالي:

1- أحد الركائز الأساسية لقانون الانتخابات التونسي بتعديلاته الجديدة هي إلغاء نظام الاقتراع على القوائم وتعويضه بالاقتراع على الأشخاص، واستبدل القانون طريقة التمثيل النسبي بالأغلبية المطلقة للأصوات؛ إذ ينص القانون الجديد على انتخاب الأفراد بأسمائهم، وهو متغير يُهمش من دور الأحزاب السياسية، الأمر الذي ربطته بعض الدوائر التونسية بموقف الرئيس قيس سعيد من الأحزاب وتحميلها مسؤولية الأزمات العديدة التي وصلت إليها البلاد، حيث صرح الرئيس التونسي في أكثر من مناسبة بأنه “ضد وجود الأحزاب في المشهد السياسي”.

2- نظر العديد من الدوائر التونسية إلى القانون الجديد بوصفه يدفع باتجاه تقوية الهويات المحلية الجهوية، وتصعيد المال السياسي والفساد، على حساب الهوية الوطنية التونسية الجامعة؛ وذلك في ضوء استبدال القانون الانتخابي دائرة المحافظة أو الولاية بدائرة المعتمدية، بمعنى أن انتخاب الأفراد سوف يكون على الأغلب في العديد من الدوائر لحسابات شخصية، وليست أيديولوجية أو وطنية شاملة.

هذا فضلًا عن أن القانون يُضعف من فرص النساء والشباب، خصوصًا مع عدم امتلاك هذه الفئات للقدرات المالية والدعائية الموجودة لدى العشائر. وتزداد أهمية هذا الاعتبار مع إلغاء القانون الجديد لفكرة التمويل الحكومي للترشيح، وإلغاء مبدأ المناصفة بين النساء والرجال.

3- زاد نص القانون الجديد على فصل خاص بسحب الثقة من النواب التونسيين من حجم الترويج لفكرة رغبة الرئيس قيس سعيد في الاستحواذ على كافة السلطات، وتهميش دور البرلمان وإلغاء دوره الرقابي على السلطة التنفيذية؛ على اعتبار أن هذا الفصل سوف يزيد من مساحة التدخل في أعمال السلطة التشريعية، ويسحب في المقابل من الوزن النسبي لمبدأ الفصل بين السلطات، فضلًا عن أن هذا الفصل قد يجعل النواب تحت وطأة التهديد والضغط.

4- نظرت دوائر سياسية تونسية عديدة إلى الشروط الموضوعة للترشح للانتخابات على أنها “شروط تعجيزية وغير عملية”، علاوة على أن اتجاهات تونسية مثل الحزب الدستوري الحر وزعيمته عبير موسى اعتبرت أن النص على أنه لا يجوز الترشح في نفس الوقت للانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية والبلدية في حالة تزامنها يأتي في إطار سعي الرئيس التونسي لإزاحة منافسيه من المشهد السياسي.

دعم نسبي

عبرت غالبية الاتجاهات التونسية عن رفضها للقانون الانتخابي وتعديلاته، وبناءً عليه أعلنت معظم هذه الاتجاهات عن مقاطعتها للانتخابات التشريعية المقبلة، لكن وفي المقابل أعلنت بعض الاتجاهات التونسية عن دعمها للقانون وعلى رأسها أحزاب: حركة الشعب، والتيار الشعبي، وحركة البعث، والائتلاف الوطني التونسي، وحركة تونس إلى الأمام.

لكن هذه الأحزاب أشارت على الرغم من ذلك إلى وجود بعض التحفظات على هذا القانون، ويمكن فهم موقف هذه الأحزاب في ضوء عاملين: الأول يرتبط بموقف هذه القوى من مسار 25 يوليو 2021 ككل، والنظر إلى هذا المسار على أنه يمثل تدشينًا لحقبة سياسية جديدة تُنهي العشرية السوداء وما سادها من فساد وإرهاب، والثاني يتمثل في إيمان هذه الأحزاب بضرورة المشاركة السياسية بما يُغلق الباب أمام إحداث فراغ سياسي قد تستغله حركة النهضة وتيار الإسلام السياسي من أجل العودة إلى المشهد السياسي، خصوصًا مع سعي هذا التيار إلى اللعب على وتر الأزمات التي تعيشها البلاد واستغلالها بما يخدم مشروعها المناهض لمشروع الرئيس قيس سعيد.

وفي الختام، يمكن القول إن القانون الانتخابي بشكله الجديد في تونس يدفع باتجاه تشكيل مشهد سياسي جديد في البلاد، سيغيب فيه العديد من الأشكال والاتجاهات التقليدية، في مقابل تعزيز سلطات ومشروع الرئيس قيس سعيد، لكن هذه المتغيرات تزيد من حجم التحديات التي تواجهها البلاد، لا سيما في ضوء توجه بعض الدوائر التونسية المعارضة لمشروع الرئيس نحو الطعن في مشروعية هذه الانتخابات بشكل استباقي، فضلًا عن استغلال هذه الدوائر المعارضة للأزمات الاجتماعية والاقتصادية بما يُخدم على فكرة الحشد ضد مشروع 25 يوليو 2021.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73352/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M