اتجاهات “الجهاد العالمي” في القارة الأفريقية

رشا رمزي

 

حمل نهاية العام صدور تقرير عن المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب ICT التابع لجامعة ريتشمان في إسرائيل يحمل عنوان “اتجاهات الجهاد العالمي في القارة الأفريقية”؛ والذي يتناول انتشار المنظمات الجهادية في أفريقيا بوصفه تهديدًا متزايدًا لأمن العالم. حيث يُرجع التقرير هذا الانتشار إلى الخصائص الأفريقية الأساسية مثل: الافتقار إلى الحكم الرشيد، وإشكالية الثقافة السياسية، والفساد، وضعف الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

ويشمل التقرير الاستراتيجية التي تستخدمها المنظمات الجهادية العالمية في أفريقيا في نشاط الدعوة؛ عن طريق تطبيق الشريعة الإسلامية على السكان المحليين في المناطق التي تفتقر إلى وجود قوات أمن الدولة، وبالتالي فهي تحت رحمة التنظيمات الإرهابية. في ظل هذا الوضع، يكاد لا مفر من الانتشار الإقليمي والأيديولوجي للمنظمات الإرهابية دون جهد مضاد مكثف.

يقع التقرير في 71 صفحة مكون من عدة أجزاء، يتناول الجزء الأول “تطور الجهاد العالمي في أفريقيا تاريخيًا” فيستعرض الجزء النقاط الرئيسة التي أثرت في تطور الجهاد العالمي في أفريقيا بما في ذلك تنظيم القاعدة والانقسام في الحركة الجهادية العالمية وتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في القارة. ويشرح أسباب وجود المناخ المتطرف الذي ساهم في تطور الجهاد العالمي في أفريقيا في السبعينيات، إلى جانب الدعم المقدم لجماعة الإخوان المسلمين وزيادة تمويل الأنشطة الدعوية وتأثير الثورة الإسلامية في إيران؛ كل ما سبق شكّل الأساس الأيديولوجي لنمو الجهاد العالمي في أفريقيا.

وفي الجزء الثاني تناول التقرير خصائص واتجاهات المركزية الجهاد العالمي في أفريقيا، وقد تناولها من خلال نقطتين الأولى: كيف استفاد الجهاد من النزاعات المحلية وإقامة روابط مع السكان المحليين من خلال استخدام كل من التعاون والإكراه، والثانية سياسة القاعدة تجاه السكان المحليين. بينما تناول في الجزء الثالث اتجاهات استراتيجية العمل الارهابي في أفريقيا؛ وكيفية تنفيذها بالتركيز على اختيار العمليات المؤثرة في الغرب، ثم عرض لعلاقة منظمات الجهاد العالمي في أفريقيا وصلتها بالنشاط الإجرامي في القارة.

مسار الجهاد المتطرف تاريخيًا

برز هذا الاتجاه بتشكل تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن (حتى وفاته عام 2011) في الثمانينيات على خلفية الحرب الأفغانية السوفيتية. ثم حصوله على الدعم في التسعينيات، مما وضعه على مسرح صراع جديد في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا؛ وذلك بتركيز ابن لادن على تشكيل تنظيمات جهادية محلية؛ إذ أدركت القاعدة أن شن هجمات إرهابية على أهداف غربية في أفريقيا يقوي من مركزها دوليًا. على سبيل المثال، عام 1998 تم تنفيذ هجوم انتحاري على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا؛ ثم تكرر الهجوم عام 2002 بضربهم فندق بارادايس في مومباسا، كينيا.

وعلى الرغم مما سبق، شكلت القاعدة امتدادها الأفريقي الرسمي فقط عام 2006. في البداية استقروا في شمال أفريقيا ثم توسعوا لاحقًا إلى مناطق أخرى. فقد تأسس تنظيم القاعدة في المغرب العربي في الجزائر أولًا حيث استغلت حنق المعارضة الجزائرية على الحكومة، ومن ثم انتقلت منها إلى مناطق أخرى من أهمها تونس ومالي بالنظر إلى مدى أهمية موقع أفريقيا الاستراتيجي لتنظيم القاعدة وخاصة بعد حصاره وضربه في أفغانستان؛ حيث مثلت أفريقيا مناطق للموارد البشرية والاقتصادية.

ثم ظهر تنظيم بوكو حرام، فقامت القاعدة بدعمه مما أسهم بشكل كبير في انتشار التنظيم وفرض سيطرته في إقليم شمال وشرق نيجيريا، وصعود وسقوط تنظيم القاعدة في شمال مالي الذي استغل عدم الاستقرار السياسي بعد انقلاب 2012، حيث حول مالي من دولة مستقرة نسبيًا إلى دولة فاشلة. فقد سمح الفراغ الحكومي لبعض الميليشيات التابعة للقاعدة بالانقضاض والاستيلاء على مناطق واسعة، مع الاستفادة من التوترات العرقية المحلية مثل تلك بين قبائل الطوارق والفولاني حول مصادر المياه في الصحراء.

ثم عرج التقرير للتغيرات التي تلت الربيع العربي، من ظهور جماعات إرهابية في مناطق لم تكن بها سابقًا، واستخدام تلك الفوضى لتأسيس وترسيخ البنى التحتية للإرهاب؛ وخاصة بعد  سقوط نظام القذافي الذي تلاه فتح “أبواب الجحيم” للقارة الأفريقية بأكملها، بعد نهب ترسانة جيش القذافي الهائلة من قبل اللصوص وبيع الأسلحة لمن يدفع أكثر، فأصبحت ليبيا مورد أسلحة مفضل للإرهابيين. الأمر الذي استغلته القبائل الانفصالية للحصول على السلاح لتحدي الحكومة المركزية، وهو ما حدث في 2012 مالي؛ عندما عاد الطوارق الذين قاتلوا مع القذافي في الماضي من ليبيا على متن مركبات دفع رباعي مزودة بمدافع رشاشة ثقيلة وقاذفات صواريخ وأجندة للعمل في بلادهم. من ثم رأت القاعدة في ذلك فرصة لغزو شمال مالي وإقامة خلافة إسلامية هناك، وسرعان ما انضم إليهم أنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا (موجوا) لكن هذا التحالف لم يدم طويلًا.

معلم آخر في تطور الجهاد العالمي في أفريقيا يكمن في تعيين حركة الشباب المجاهدين في الصومال كفرع رسمي لتنظيم القاعدة. تأسست حركة الشباب عام 2006 في الصومال التي تطورت من اتحاد المحاكم الإسلامية ICU)) الذي حكم مقديشو حتى عام 2006 عندما هُزمت من قبل القوات المشتركة للحكومة الوطنية الانتقالية الصومالية TNG)) وقوات الدفاع الوطني الإثيوبيةENDF) ). وعام 2009، نشرت حركة الشباب مقطعًا بعنوان “أسامة في خدمتك” تعهدوا فيه بالولاء للقاعدة، حيث قامت حركة الشباب بتبني أيديولوجيتها وأساليبها لجذب المقاتلين الأجانب إلى الساحة الصومالية. ومع ذلك لم يقبل ابن لادن طلبهم الانضمام إلى القاعدة بصفتها فرعها الصومالي الرسمي. وفي عام 2012 بعد مقتل ابن لادن؛ وافق خليفته أيمن الظواهري على الطلب وأعلن الشباب فرعًا رسميًا للقاعدة في الصومال وأن زعيمهم أحمد عبادي غودان أميرًا تابعًا للقاعدة.

الخصائص والاتجاهات المركزية الجهاد العالمي في أفريقيا

ركز التقرير في هذه النقطة على أن البيئة الأفريقية بيئة مواتية لانتشار الفكر المتطرف؛ فالنزاعات المحلية مكنت الجهاديين من تلبية احتياجاتهم، فقد قامت بالاستفادة من العناصر الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة (البنية القبلية التقليدية، والفقر، والبطالة، والجوع، والاتجار بالمخدرات، وتشغيل الأسلحة، والاتجار بالبشر)، والثقافة السياسية (الربيع العربي، ومؤسسات الدول الضعيفة)، والعناصر الجيوسياسية (تجاهل حدود الدولة، وتورط الكيانات والسلطات الأجنبية، وتطوير المناطق الرمادية) والصحوة الدينية السلفية (تضخ المنظمات الجهادية العنصر الديني في مرجل الاغتراب، والاستياء من الفساد والقمع والظلم والتقسيم غير العادل للثروة والسلطة)، وكل ما سبق يسهم بشكل كبير في توسع هذه المنظمات وتشكيل شبكات وتحالفات مع منظمات أخرى.

ثم عرج التقرير على أدوات المنظمات الإرهابية في استقطاب السكان المحليين عبر سياسة كسب القلوب والعقول؛ فتلك الجماعات الجهادية على دراية بالنفور الذي يشعر به السكان المحليون تجاه الحكومة المركزية، خاصة في الأطراف؛ لذا يقومون بالتقرب بشكل محسوب من السكان المحليين ويقدمون حلولًا مختلفة لمشاكلهم. بهدف السيطرة على المناجم والمصادر الطبيعية التي أصبحت وسيلة لتوفير فرص العمل للسكان المحليين وللحصول على موارد مالية. فقد نشر أيمن الظواهري عام 2013؛ خطة استراتيجية بعنوان “إرشادات للمجاهدين” شددت على التعاون مع المنظمات الجهادية المحلية حتى لو لم يكن لديهم نفس توجهات القاعدة العقدية، لكن لديهم مصالح مشتركة هي إسقاط الأنظمة المحلية.

اتجاهات استراتيجية العمل

نوقشت هذه النقطة أولًا من خلال بحث المنظمات الجهادية عن السيطرة الإقليمية؛ فخلال سعيها لتحقيق الخلافة الإسلامية تعمل على إرساء السيطرة الإقليمية من خلال استراتيجية تجمع بين ملء الفراغ في الحكم وتلبية احتياجات السكان المحليين، في غياب نظام حكومي فاعل مقترن بإدخال وتطبيق الشريعة الإسلامية وترسيخ أيديولوجيتهم. لذا تركز على العمل في المناطق الريفية النائية حيث يكون السكان في الغالب منفصلين عن الحكومة المركزية.

وركزت الاستراتيجيات على طريقة عمل الجهاد العالمي في أفريقيا، بمعنى العمليات المنتقاة أم التوسع الجغرافي؟ فقد تسببت أنشطة مكافحة الإرهاب ضد القاعدة في تغير تصورها فيما يتعلق بالبحث عن السيطرة على الأراضي والعمليات واسعة النطاق. فاعتبارًا من عام 2013، يمكن ملاحظة التحول إلى نشاط أكثر تعقيدًا، على سبيل المثال: خطف الأجانب، والهجمات العنيفة على أهداف مرتبطة بالأجانب مثل الفنادق، أو المنشآت الاقتصادية، أو قوات الأمن.

منظمات الجهاد العالمي في أفريقيا وصلتها بالنشاط الإجرامي في القارة

إلى جانب التوسع الجهادي؛ تتزايد أعمال اللصوصية في مناطق الثروات، على سبيل المثال الجنوب المسيحي في نيجيريا، وخاصة دلتا النيجر التي تضايق شركات الطاقة العاملة في المنطقة. لم يعد الخطف مقابل الحصول على الفدية اليوم حكرًا جهاديًا، وفي كثير من الحالات ترتكبها عصابات إجرامية تتعاون في كثير من الحالات مع السلطات المحلية ويتقاسمون الفدية.

وفي نفس الوقت، قد نذكر أيضًا القراصنة في الصومال والارتباط بحركة الشباب. وبالرغم من وجود تناقض فيما يتعلق بعلاقة الإرهاب بالمخدرات. ليس هناك شك في أن كلا من جماعتي التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا (موجاو) وبوكو حرام تتاجران في المخدرات عبر منطقة الساحل. لذا طرح التقرير تساؤلًا عن إمكانية تحول دول أفريقيا التي يرعى فيها الإرهاب إلى نموذج المكسيك أو كولومبيا فيما يخص سيطرة “كارتيلات” الجريمة والمخدرات؟!

وتعرض التقرير كذلك لنشاط القرصنة البحرية كمصدر تمويل مهم؛ حيث يتضخم التهديد الذي تتعرض له أفريقيا من المنظمات الجهادية المتطرفة من خلال نشاطها في الوسط البحري، فقد رصدت القرصنة البحرية على جانبي القارة. بينما بدأت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في شرق أفريقيا (الصومال، عدن، سيشيل). لكن في السنوات الأخيرة، انتشرت القرصنة في المحيط الأطلسي قبالة غرب أفريقيا، من خليج غينيا إلى أنجولا.

وأرجع التقرير السبب إلى عدم قدرة المنظمات الإرهابية، أياً كانت على الاستمرار بدون مصادر تمويل، وبالتالي فهي تحب التنويع في نشاطها (الاتجار بالبشر، والأحجار الكريمة، والماس، والتحف وغيرها). بينما تتيح لها القرصنة البحرية الاستيلاء على سفن الصيد من أجل الغذاء والمال.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74937/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M