- مذكرة التفاهم الأخيرة الموقّعة بين حكومتي إثيوبيا و«أرض الصومال» تندرج في سياق طموح أديس أبابا الثابت للتمدد في دائرة البحر الأحمر، من أجل التحكم في التوازنات الجيوسياسية لمنطقة القرن الأفريقي.
- من شأن الاتفاق الأولي بين إثيوبيا وأرض الصومال أن يزيد من مخاطر التوتر والاحتقان في منطقة القرن الأفريقي، التي تعرف عدة أزمات حادة، مثل الحرب الأهلية السودانية، وهشاشة الكيان الصومالي، والنزاع المصري-الإثيوبي حول سد النهضة.
- مع أن جل الأطراف الإقليمية والدولية بادرت إلى رفض الاتفاق البحري الأولي بين إثيوبيا وأرض الصومال، إلا أن هذا الاتفاق من المتوقع أن يخلق واقعاً جديداً له انعكاساته المباشرة على الرهانات الجيوسياسية الحساسة في القرن الأفريقي بكامله.
في 1 يناير 2024 وقّعت إثيوبيا مع حكومة جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) مذكرة تفاهم تسمح لها بالنفاذ إلى ميناء بربرة في مدخل البحر الأحمر، في مقابل ما يمكن أن يُفضي إلى اعتراف رسمي بهذه الدولة التي أُعلِنت انفرادياً بعد أن كانت ولاية من ولايات جمهورية الصومال منذ 1960 إلى 1991.
تتناول هذه الورقة خلفيات هذا الاتفاق البحري الأوّلي ورهاناته، وانعكاساته على الوضع الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي.
خلفيات الاتفاق بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال
منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، فقدت إثيوبيا منفذها على البحر الأحمر، بما حوّل هذه الدولة الكبرى في القرن الأفريقي إلى دولة حبيسة فاقدة إلى مجال بحري حيوي في منطقتها المحورية. وحاولت إثيوبيا تعويض هذا الوضع من خلال بعض المبادرات والإجراءات، في مقدمتها شق عدد من الطرق السيّارة وسكك الحديد من إثيوبيا إلى الدول المجاورة، مثل كينيا وجيبوتي وإريتريا. واعتمدت إثيوبيا بشكل أساسي على ميناء جيبوتي في صادراتها الخارجية (95%) ووارداتها (85%)، مقابل مبلغ سنوي يصل من مليار ونصف مليار دولار أمريكي إلى مليارين، بالإضافة إلى نيل جيبوتي بعض الأسهم في الشركات الإثيوبية الكبرى مثل الخطوط الجوية الإثيوبية وشركة الاتصال الحكومية.
بيد أن إثيوبيا اعتبرت أن مصالحها الحيوية في البحر الأحمر تقتضي تنويع منافذها البحرية، بما حدا بها في عام 2018 إلى اقتناء 19% من ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال، إلا أن حكومة هرجيسا أعلنت في يونيو 2022 أن إثيوبيا فقدت حصتها في الميناء نتيجة “لعدم استيفاء الشروط المطلوبة لإتمام صفقة الملْكية”. ويتعلق الأمر هنا أساساً بتعهد إثيوبيا بتشييد طريق بطول 260 كيلومتراً يربط ميناء بربرة بالأراضي الإثيوبية.
وفي خطاب مطول في نوفمبر 2023 اعتبر رئيس الحكومة الأثيوبي آبي أحمد أن الإطلالة على البحر الأحمر “تحدٍّ وجودي” بالنسبة لبلاده التي يصل عدد سكانها إلى 150 مليون نسمة، وأنها لا يمكن أن تبقى في” سجن جغرافي” قاتل. ولَئن تعهد بأنه لن يستخدم القوة العسكرية ضد جيرانه للحصول على هذا المنفذ على البحر، إلا أن خطابه أثار جدلاً وخوفاً واسعين في المحيط الإقليمي.
ولذا فإن مذكرة التفاهم الأخيرة الموقّعة بين حكومة إثيوبيا وحكومة جمهورية أرض الصومال تندرج في سياق هذا الطموح الثابت للتمدد في دائرة البحر الأحمر، من أجل التحكم في التوازنات الجيوسياسية لمنطقة القرن الأفريقي. ويشكل هذا التمدد، بالإضافة إلى سد النهضة، محور القوة الإثيوبية في المستقبل.
مضمون مذكرة التفاهم ومحدداتها
على الرغم من أن المضمون الحقيقي لمذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة الإثيوبية وحكومة جمهورية أرض الصومال لا يزال غير معروف في تفاصيله الدقيقة، إلا أن ما تسرَّب منه يتمثل في العناصر الأساسية الآتية:
- استخدام إثيوبيا 20 كيلومتراً من شاطئ البحر الأحمر في مياه أرض الصومال في محيط ميناء بربرة على خليج عدن لمدة 50 سنة.
- إمكانية بناء قاعدة عسكرية بحرية إثيوبية في منطقة ميناء بربرة.
- إمكانية بناء منطقة تجارية إثيوبيا في منطقة ميناء بربرة.
وفي مقابل هذه الإمكانات، تعهَّدت الحكومة الإثيوبية بالنظر في احتمال إعادة تقويم روابطها الدبلوماسية بجمهورية أرض الصومال، بما يشكّل في القاموس الدبلوماسي تعهداً بالاعتراف باستقلالية وسيادة هذه الدولة التي لا تزال رغم انفصالها عن جمهورية الصومال غير معترف بها دولياً. وبالإضافة إلى هذه الخطوة الدبلوماسية، تعهَّدت إثيوبيا مجدداً لحكومة جمهورية أرض الصومال بمنحها بعض الأسهم في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية. ومع أن الحكومة الإثيوبية خففت من قطعية التعهد الدبلوماسي بالاعتراف بجمهورية أرض الصومال، إلا أن الأجواء في أرض الصومال توحي بأن هذا التعهد يُنظَر إليه بوصفه مكسباً حقيقياً للسلطة الحاكمة هناك، والتي تطمح منذ سنوات إلى الاعتراف الخارجي. وقد أكد رئيس جمهورية أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، مضمون الصفقة بين بلاده وإثيوبيا، مركزاً على موضوع الاعتراف باستقلال بلاده ثمناً للاتفاقية التي من المقرر أن توقع صيغتها النهائية في فبراير 2024.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
كما هو متوقع رفضت الجمهورية الصومالية بقوة الاتفاق الأولي بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال، وعَدَّتهُ انتهاكاً لسيادتها وأمنها الحيوي. وفي 6 يناير وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي فيه مذكرة التفاهم المذكورة باعتبارها “غير شرعية “. كما أنه استدعى سفير بلاده في أديس أبابا احتجاجاً على هذه الخطوة. وقد اتصل الرئيس الصومالي فور إعلان مذكرة التفاهم بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن تضامنه الكامل مع موقف دولة الصومال في مواجهة الاختراق الإثيوبي لمنطقة البحر الأحمر، ووجهت القاهرة دعوة للرئيس الصومالي لزيارتها في أجل قريب. كما أن تركيا أيدت علناً موقف الصومال، وهو الموقف نفسه الذي عبّرت عنه جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
أما دول القرن الأفريقي، فقد اختارت مواقف أكثر اعتدالاً من الأزمة الحالية، فاقترحت جيبوتي، التي ترأس حالياً مجموعة “الإيغاد” التوسط في النزاع الإثيوبي-الصومالي حتى لا يتطور إلى حرب على غرار صراع إقليم الأوغادين (1963-1964، و1977-1978). أما كينيا التي ترتبط بعلاقات وثيقة بجمهورية أرض الصومال فيبدو أنها تدعم الخطوة الإثيوبية حتى لو لم تعلن ذلك بوضوح. في حين أن إريتريا تبدو أقرب إلى موقف مقديشو بالنظر إلى علاقاتها المعقدة بإثيوبيا التي كانت تسيطر عليها حتى عام 1993.
وهكذا نستنتج أن الاتفاق الأولي بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال من شأنه أن يزيد من مخاطر التوتر والاحتقان في منطقة القرن الأفريقي التي تعرف عدة أزمات حادة، مثل الحرب الأهلية السودانية، وهشاشة الكيان الصومالي، والنزاع المصري-الإثيوبي حول سد النهضة.
استنتاجات
مع أن الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا، الذي تضمن الأخيرة بموجبه نفاذاً إلى ميناء بربرة مقابل الاعتراف بسيادة جمهورية أرض الصومال واستقلالها، لا يزال في صيغته التحضيرية وتحُول دونه جملة عوائق عديدة، إلا أنه يمثل تعبيراً عن المشروع الاستراتيجي الأثيوبي الجديد في البحر الأحمر، وستكون له آثار نوعية في ترتيب التوازنات الإقليمية في هذه المنطقة. وقد بادرت جل الأطراف الإقليمية والدولية إلى رفض هذا الاتفاق الأولي، إلا أنه سيخلق واقعاً جديداً له انعكاساته المباشرة على الرهانات الجيوسياسية الحساسة في القرن الأفريقي بكامله.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/aitifaq-iithyubya-wa-ard-alsuwmal-hawl-mina-barbara