الحرب على غزة وتمثلات الذات الغربية في الصحافة العربية

كيف تُقدِّم الصحافة العربية الذات الغربية في علاقتها بالحرب الإسرائيلية على غزة وجرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؟ وما الأطر التي تستخدمها في تمثُّلاتها لهذه الدول الغربية وبناء المعاني التي تشكِّل أبعاد ومكونات صورتها؟ وما المدركات والمحددات الاجتماعية والسياسية التي تستعين بها الصحافة العربية في بناء “نسق معرفي” للذات الغربية؟ ذلك هو السؤال المركب الذي يحاول التعليق الإجابة عليه.

في ظل استمرار عملية الإبادة الجماعية بصورها المختلفة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتواصل الدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي الأميركي والغربي للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، برزت في الصحافة العربية صورة للذات الغربية مناقضة للقوة المعيارية التي تُقدِّم بها نفسها للعالم. وتستصحب هذه القوة المسؤولية الأخلاقية والرمزية لحماية سيادة القانون الدولي واحترام قرارات المؤسسات الدولية في تحقيق وحفظ السلم والأمن، وتعزيز حماية حقوق الإنسان والحرية والمساواة والعدالة. وتُظهِر النماذج القصدية للصحافة العربية تمثُّلاتها لأبعاد هوية الذات الغربية، ومدركاتها عن الصورة التي تشكَّلت لهذه الذات في سياقات مختلفة؛ إذ تبدو كيانًا مُتَحلِّلًا من أي مسؤولية أخلاقية أو إنسانية تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك داعمًا لـ”الإرهاب الصهيوني والإبادة الجماعية”. وترى الحرب على غزة “استكمالًا للمشروع الإمبريالي الغربي” الذي يروم تصفية القضية الفلسطينية عبر سياسة التطهير العرقي والتجهير القسري.

ليست هذه المرة الأولى التي تبرز فيها صورة مناقضة تمامًا للقوة المعيارية لأميركا، والغرب عمومًا، لاسيما في علاقتهما بالقضية الفلسطينية، أو القضايا التي تهم العالمين العربي والإسلامي؛ إذ لطالما حاولت الدبلوماسية الأميركية أن تُرمِّم هذه الصورة النمطية و”تُعقِّمها” في محطات مختلفة خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل. وقد ظهر ذلك بقوة في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي توَّجَه منذ الأيام الأولى لولايته الرئاسية بما سُمِّي “خطاب المصالحة” مع العالم الإسلامي انطلاقًا من العاصمة التركية، أنقرة، (6 أبريل/نيسان 2009)، ثم العاصمة المصرية، القاهرة، (4 يونيو/حزيران 2009)، وذلك بعد حربين مدمرتين خاضهما سلفه الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، في أفغانستان والعراق. ولا تزال حتى اليوم صور سجن “أبو غريب” في بلاد الرافدين وانتهاكات حقوق السجناء العراقيين، وقتل المدنيين الأفغان، مظهرًا لهشاشة هذه القوة المعيارية ووسمًا لزيف خطاب الدَّمَقْرَطة والحرية والعدالة عبر الدبابة الأميركية.

المصدر : https://studies.aljazeera.net/ar/article/5829

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M