اتفاق سنجار.. المضامين والأبعاد

د. أسعد كاظم شبيب

 

برزت مدينة سنجار (شنكال بالكردي) إلى الواجهة الإعلامية في السنوات الأخيرة، إثر دخول داعش إلى محافظة الموصل شمالي العراق، وعندما أجرم التنظيم الإرهابي بحق سكان القضاء واستباح الأعراض والأموال كجزء من استباحة المدن والسكان في العراق بصورة لم يألفها العالم في العصر الحديث، وقد وصفت أفعال التنظيم الإرهابي بأنها واحدة من أبشع الجرائم بعد الحرب العالمية الثانية.

تقع مدينة سنجار في غرب محافظة الموصل شمالي العراق على جبل سنجار وتبعد عن مدينة الموصل 80 كم، يسكنها أغلبية من الايزيديين، وأقلية من العرب، والتركمان، يبلغ عدد سكانها أكثر من 84 إلف نسمة بحسب إحصاء عام 2014، يعيش أهل القضاء على المهن الزراعية والتجارة فضلا عن القطاع الحكومي، عاش أهلها المتنوعون دينيا وعرقيا بسلام منذ عشرات السنين، وأن أغلب أهل القضاء من أتباع الطائفة الايزيدية التي لها أعراف وتعاليم وطقوس متميزة، وقد خضع قضاء سنجار إلى سلطة قوات البيشمركة بعد سنوات من سقوط النظام السابق، ومع اجتياح داعش لمدينة الموصل أضطرب الوضع الأمني واختفت القوات الأمنية هناك، مما عرض حياة المئات من الايزيديين لخطر القتل والاغتصاب والسبي لاسيما النساء منهم في حدث مأساوي ومفجع للرأيين المحلي والعالمي.

وعند انطلاق عمليات تحرير الموصل وتقدم القوات العراقية المشتركة تحرر القضاء بالكامل بمساندة من قوات حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، وكذلك قوات الحشد الشعبي العراقي، ومنذ سنوات التحرير في 13 تشرين الثاني 2015 أعلن بعد ذلك رئيس إقليم كردستان آنذاك مسعود برزاني ضم القضاء إلى إقليم كردستان وعده من المناطق المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، لكن المشكلة الأكبر في ضل سيطرة قوات حزب العمال الكردستاني (PKK) وقوات من الحشد الشعبي على الإدارة إلى جانب المهام الأمنية بقي القضاء على ما هو عليه من دمار وأهله النازحين في مدن الإقليم وخارج العراق، مما شكل مشكلة كبيرة في استمرار معاناة أهالي سنجار وشعورهم في الغربة وعدم المبالاة، وفي مطلع تشرين الأول من هذا العام أبدى الطرفان الكردي والحكومة الاتحادية تسوية موضوع سنجار وحل القضايا الخلافية التي كانت تشكل عائق أمام النهوض بالقضاء وعودة أهله له لاسيما الايزيديين، فوقعت الحكومة المحلية في كردستان مع الحكومة الاتحادية في بغداد اتفاقا من عدد من البنود من أبرزها ما يلي:

أولاً: الإدارة المشتركة

جاء في الاتفاق على أن توضع إدارة قضاء سنجار بصورة مشتركة ما بين الحكومة الاتحادية، وإقليم كردستان وإلغاء الترتيبات التي وضعت بعد عام 2017، وهذا يعني أن يتولى القضاء إداريا الجانب الرسمي من الحكومتين، ومن دلائل ذلك أن الحكومة المحلية في إقليم كردستان وهي بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني غير مرتاحة من إشراف ووجود حزب العمال الكردستاني وهو ما ينطبق أيضا على الحكومة الاتحادية في بغداد من وجود أطراف تابعة للحشد الشعبي ماسكين إداريا بالقضاء.

ثانياً: الملف الأمني

البند الثاني هو بند الترتيبات الأمنية والذي يوكل مهمة الأمن للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان، مما يعني أن إنهاء السلطة العسكرية لحزب العمال وكذلك قوات الحشد الشعبي، حيث يشكل القضاء أهمية بالنسبة للحشد الشعبي إذ أنه منفذ مهم مع سوريا وله أهمية كبيرة من حيث الموقع الجيوسياسي الإقليمي، ونص البند بإناطة الملف الأمني بالكامل للشرطة الاتحادية، ويفهم من المراد من التعاون مع إقليم كردستان قد تكون هناك قوات مشتركة من الشرطة الاتحادية وقوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان أو قد تسلم برغبة أو عدم رغبة الحكومة الاتحادية إلى حكومة الإقليم مع مرور الزمن أو بصفقات سياسية مشابهة.

ثالثا: الخدمات

أما البند الثالث، فيشمل الخدمات وإعادة الإعمار، عبر تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة وتتم أيضا بالتعاون بين الطرفين لإعادة إعمار المدينة التي تضررت بمستوى 80% بسبب احتلالها من قبل داعش وهو عامل مهم حتى تتوفر البيئة المناسبة لعودة أهلها النازحين لغاية الآن، وانعدام الخدمات إلى جانب الخراب الذي حل بالمدينة مشاكل تقف عائقة أمام عودة النازحين إلى ديارهم في القضاء.

هذا الاتفاق الذي واجه ردود متباينة، فقد رحبت به الأحزاب والقوى الكردية الماسكة في السلطة في إقليم كردستان عادين إياه خطوة مهمة فيما أسموه بالتطبيع وحل المشاكل حول المناطق المتنازع عليها، وأنه سيشكل بداية لتطبيق المادة 140 من الدستور، ورفض ضمني من قبل حزب العمال الكردستاني، فيما رحبت الحكومة الاتحادية في بغداد هذه الخطوات المهمة في إعادة الاستقرار إلى القضاء وإنهاء الوجود الإداري والأمني غير الرسمي، فيما رفضته قوى الحشد الشعبي واصفة إياه بأنه يمهد لسيطرة الإقليم بالكامل على القضاء وضمه تدريجيا إلى سلطة الإقليم، فيما كانت المواقف الدولية كالأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا مؤيدة للاتفاق.

ومما تقدم نستطيع أن نقول استنتاجا أن هذا الاتفاق وظرفيته وزمانه جاء ليحقق ما يراها الموقعان مناسبا لهما:

1- إن إقليم كردستان بات يشعر بأن هناك مناطق مكانية رخوة باتت تشكل مصدر تهديد لأمنه خاصة في ظل وجود حزب العمال الكردستاني المناهض لتوجهات الحزب الديمقراطي الكردستاني وعلاقته مع تركيا، وكذلك وجود مجموعات من فصائل الحشد الشعبي التي هي الأخرى تريد أن تحقق أهداف حتى على مستوى الأمن في الإقليم خاصة الوجود الأمريكي هناك.

2- إنهاء الجدل الدولي حول عدم معالجة ملف النازحين في العراق بعد تحريره من تنظيم داعش والايزيديين منهم على وجه الخصوص، حيث يشكل ذلك عبئا على جهود الدول والمنظمات الراعية لذلك.

3- قد يرى الطرفان أنه من خلال هذا الاتفاق قد يحقق نصر معنوي لاسيما إذا ما نجحا في تحقيق الأمن وإعادة الاستقرار والعمران إلى القضاء، وأن كان ذلك في إطار الدستور وإشراف الحكومة الاتحادية وحماية الأراضي العراقية من الاقتطاع، فأن ذلك يعد خطوة مهمة في فرض سلطة الدولة على أراضيها بما يحقق طموحات سكان الإقليم أنفسهم ومنه إشراكهم في إدارة القضاء.

 

رابط المصدر:

http://www.mcsr.net/news618

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M