اذا كان السياسيون فاسدين فلماذا لا يكون المواطنون صالحين؟!
يدور هذه الايام الحديث حول الفساد والإصلاح وعن تأخر الحكومة واهمالها لوضع آلية واقعية لتحقيق الإصلاح، وهذا أمر مفروغ منه ولا نقاش فيه، فقد وصل حد الفساد في الحكومة مؤسسات وافراد الى مستوى لا يمكن تخيله.
وإن الفساد بعد 2003 فاق مثيله قبل هذا العام من عدة جوانب، منها ان المسؤولين المتصدين للحكم منتخبين اما مباشرة كالبرلمانيين او منتخبين من قبل ممثلي الشعب كالحكومة والمناصب العليا في الدولة، وهذا ما لم يكن موجودا في عهد المقبور صدام، فلا انتخابات ولا ترشيح والكل بيد القائد الضرورة.
ومن جانب ثانٍ ان الإعلام بعد 2003 اصبح متاحا للجميع وأن مواقع التواصل_الاجتماعي مكنت الجميع من ان يوصل صوته ويكشف اي ملف للفساد من خلال تصوير الوثائق والوقائع ونشرها والتفاعل معها، اما في عهد النظام_البائد فكان بيد البعث وجلاوزته، وحتى من يعرف الفساد فعليه ان يكتمه في قلبه ولا يظهره حتى لأخيه خوفاً من تسرب الاخبار.
ومن جانب ثالث ان اغلب القوى المتحكمة وصاحبة القرار هي قوى اسلامية، سواء كانت شيعية ام سنية، وبالتالي فإن المعول على الإسلاميين ان يقيموا العدل والإنصاف في مجتمعهم أسوة بنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الا ان فسادهم حتى وإن قل فهو عار عليهم لأنهم إسلاميون، فكيف اذا كان الفساد كبيرا يصل الى عشرات المليارات من الدولارات سنويا والذي اضر بالإسلام والإسلاميين، اما اللعين هدام فقد كان معروفا بعلمانيته بل و عداوته للإسلام حتى تجرأ بقتله علماء_الإسلام ومفكريه وابرزهم السيدين_الصدرين قدس سرهما.
وبدراسة هذه الجوانب الثلاثة الانتخابات والاعلام والتدين فنجد انها بيد الجمهور بشكل كبير، ولم يستفد منها في الإصلاح وتركها ولجأ الى الاسلوب الذي لا يستخدم الا عندما تضيق السبل وهو التظاهرات، فعدم الاستفادة من الانتخابات والاعلام والتدين هو احد اوجه الفساد الذي فسح المجال لفساد اكبر وهو فساد_المسؤولين، لذا فمفتاح التغيير بيد الشعب، فلا يغير الله بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وكيفما يكونوا يولى عليهم.
فلو رفض المواطن ان يتوظف الا عن طريق الوسائل والآليات_القانونية لما تجرأ المسؤول ان يوظف ابناء حزبه وابناء عمومته واصدقائه من دون الآليات_القانونية، فالمسؤول يعلم ان نقطة ضعف المواطن هي الوظيفة لذا استخدمها كأسلوب ضغط عليه حتى يحقق مآربه الشخصية والحزبية والفئوية، صحيح ان الحاجة الى الوظيفة امر ملح الا ان الرضوخ لها يلزمنا تحمل الفساد الذي لا يمكن تحمله، فإما ان يتحمل المواطن الفساد او ان يتحمل ان يكون بلا وظيفة، وقد اختار الاول على الثاني.
ولو ان المواطن رفض ان يضرب الطابور كي يقابل المسؤول لما اضطر المسؤول الى اخراج معارفه من بين الطوابير ليقضي حاجاتهم، لأن المسؤول لو فعل ذلك لكان اول من رفض فعله هو نفس المواطن الذي اراد المسؤول مساعدته فضلاً عن باقي المواطنين، ولكن الواقع عكس ذلك، فالمسؤول يخشى ان لا يخرج من يعرفه من بين الطوابير خوفاً من الملامة التي ستلاحقه من معارفه، هذا اضافة الى نوايا بعض المسؤولين الى استغلال هذه الحالة كي يكسب المقربين للمعارك السياسية القادمة.
طيب، لنفترض ان كل الفساد الذي في مؤسسات الدولة بسبب السياسيين وليس للمواطن اي مدخلية، فلماذا نجد بعض مظاهر الفساد في غير مؤسسات الدولة؟! لماذا نرى الفساد في التعاملات التجارية التي هي بين المواطنين حصراً؟! لماذا نرى الفساد الأخلاقي كأحد اشكال الفساد بين شبابنا؟! فإذا كان هذا الفساد ايضاً بسبب السياسيين فلماذ لا نحارب فساد المسؤولين بالإقلاع عنه؟! لماذا نفكر دائماً بأن نقضي على فساد المسؤولين ونبقي عليه في انفسنا مع إن القضاء على الفساد في انفسنا بمتناول اليد عكس القضاء على فساد المسؤولين الذي عادة ما يكون في غاية الصعوبة ان لم يكن مستحيلا؟! وقد يكون اصلاح انفسنا هو بداية نهاية الفساد في الدولة.
لذا نستنتج ان الإصلاح الذي يبحث عنه الجميع يجب أن يبدأ من كل فرد ليصبح ظاهرة لا يستطيع الفاسد مخالفته، وأن لا يبرئ احد نفسه من مسؤولية الفساد الذي يلحق بالدولة، فالمسؤول مهما كان فاسدا فإنه لا يستطيع أن يخالف الصلاح اذا عم المجتمع واصبح ظاهرة عامة فيه.