استقالة رئيس مجلس الوزراء والأثر المترتب عليها

د. علي مهدي

قدم عادل عبد المهدي استقالة يوم الجمعة المصادف 29/11/2019، بعد عدة ساعات من خطاب المرجعية الذي أعطى الضوء الأخضر لإعادة النظر بوجوده كرئيس مجلس للوزراء.

مما أدى الى انفضاض بعض الكتل عنه وعقد جلسة طارئة لمجلس النواب سحبت من خلالها الثقة من الوزارة، وهو أحد المطالب الأساسية للجماهير المنتفضة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب. وأعقب ذلك في اليوم الثاني بمواصلته على تقديم الاستقالة من خلال خطابه المسجل أثناء الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء وتأكيده إنه قد اتصل بالسيد رئيس المحكمة الاتحادية بخصوص الجهة المختصة بتقديم الاستقالة لها، وقد نصحه أن يكون ذلك عبر مجلس النواب، الذي وافق على الاستقالة بعد يومين من تقديم الاستقالة العلنية.

وقد أشاع ذلك الكثير من التساؤلات والاستفهام بين القانونيين والمهتمين بالشأن السياسي وعموم الجماهير المنتفضة، ومن أجل توضيح ذلك تم إعداد هذه المادة.

تتشكل السلطة التنفيذية في النظام البرلماني من رئيس الدولة (ملك أو رئيس جمهورية) ومجلس الوزراء (الرئيس ونوابه والوزراء) وتتطرق الدساتير بشكل عام الى منصب رئيس الدولة أكثر من غيره، حيث تنص على رئيس الدولة من خلال التطرق الى الشروط الواجب توفرها بالمرشح للمنصب وطريقة الانتخاب والصلاحيات التي يتمتع بها وكذلك تتضمن الوثيقة الدستورية الى مدة الولاية وانتهائها وأخيراً المسؤولية السياسية والجنائية.

تضمن الدستور العراقي عدداً من المواد بخصوص منصب رئيس مجلس الوزراء من خلال تحديده للشروط الواجب توفرها للمرشح لهذا المنصب والتي هي نفس شروط رئيس الجمهورية وكذلك الى طريقة الانتخاب والصلاحيات ومدة ولايته وانتهائها ومسؤوليته السياسية والجنائية.

انتهاء مدة ولاية منصب رئيس مجلس الوزراء

تقترن مدة بقاء رئيس مجلس الوزراء في منصبه بانتهاء دورة مجلس النواب التي أمدها أربع سنوات ميلادية، في الظروف الاعتيادية، وتنتهي مدة ولاية رئيس مجلس الوزراء قبل المدة المحددة له في الحالات الاتية:

– سحب الثقة منه من مجلس النواب.

– خلو المنصب: ويتم الإعلان عن خلو المنصب في حالات تقديم الاستقالة، العجز، والوفاة. ومن الجدير بالذكر أن الدستور لم ينظم استقالة رئيس مجلس الوزراء بشكل تفصيلي كما ورد في استقالة رئيس الجمهورية، فقد حدّد الدستور بالنسبة الى استقالة رئيس الجمهورية أن تكون تحريرية وموجهة الى رئيس النواب، وتحديد مهلة زمنية لنفاذها وهي سبعة أيام (المادة 75/اولاً).

أما بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء، لم يتطرق الدستور الى الجهة يُقدم لها طلب الاستقالة ولا الجهة المختصة بالبت بها، وكذلك لم يتم تحديد المهلة الزمنية ما بين تقديم الاستقالة والبت بها حتى تكون نافذة بشكل تلقائي، وهي الفترة المناسبة لغرض إعادة النظر بالاستقالة والتراجع عنها.

وقد تمت الاستعاضة عن النقص في النص الدستوري بخصوص تنظيم استقالة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء عند تشريع النظام الداخلي لمجلس الوزراء العراقي رقم 83 لسنة 2019، وفي المادة 18 تحديداً التي جاء فيها:

أولاً: يقدم الرئيس طلب إعفائه من منصبه الى رئيس الجمهورية.

ثانياً: يقدم نواب الرئيس والوزراء ومن هم بدرجة وزير طلبات إحالتهم الى التقاعد أو إعفائهم من مناصبهم الى الرئيس.

ومن هذا يتضح وجوب تقديم الاستقالة من قبل رئيس مجلس الوزراء الى رئيس الجمهورية تحديداً، ولم يشر النظام الداخلي الى أن تكون الاستقالة بشكل تحريري كما جاء بخصوص استقالة رئيس الجمهورية التي اشترط أن تكون تحريرية، ومن الملاحظات على نص النظام الداخلي إنه لم يحدد المدة الزمنية ما بين الاعلان عن الاستقالة والبت بها، حيث تم إعطاء رئيس الجمهورية عند تقديم استقالته مهلة سبعة أيام لغرض إعادة النظر والتراجع.

ولهذا تعتبر الاستقالة مقبولة حال استلامها من قبل رئيس الجمهورية، وهذا نقص تشريعي يجب التوقف أمامه في التعديل الدستوري أو عند إعادة النظر في النظام الداخلي لمجلس الوزراء.

وإن تقديم استقالة رئيس مجلس الوزراء الى مجلس النواب هو اجراء مخالف لما جاء في النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وبذلك إن تصويت مجلس النواب على قبول الاستقالة هو أيضاً إجراء غير قانوني لأنه ليس من اختصاصات مجلس النواب البت في استقالة رئيس مجلس الوزراء من خلال الاطلاع على الفصل الرابع من قانون مجلس النواب رقم 13 لسنة 2018.

الفرق بين الاستقالة والإقالة

يوجد فرق في الآثار المترتبة بين استقالة رئيس مجلس الوزراء وإقالته:

فبالنسبة الى الاستقالة:

يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند قبول استقالته، وبهذا يكون رئيس الجمهورية هو الذي يتولى إدارة وزارة تصريف الأمور اليومية حتى منح الثقة الى الوزارة الجديدة.

يكلف رئيس الجمهورية مرشحاً آخر بتشكيل الوزارة، خلال مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً. وفق لأحكام المادة 76 التي تعنى بآليات تشكيل الوزارة ونيلها الثقة من مجلس النواب.

أما بالنسبة الى الإقالة:

عالج الدستور العراقي الآثار المترتبة عند التصويت على سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء باعتبار الوزارة مستقيلة بالكامل أي (رئيس مجلس النواب المقال ونوابه والوزراء) من تاريخ التصويت وهو الأثر الأول، وهذا ما جاء في المادة (61/ ثامناً/ج): تُعدُ الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، وهو ما أكدته المادة 41 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2018.

أما الأثر الثاني هو تحويل الوزارة بأكملها الى وزارة لتصريف الأمور اليومية، لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة 76 من هذا الدستور، وهذا ما جاء في نص المادة (61/ ثامناً/ د) والذي أكدته المادة 42 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

وإن الخلاصة من ذلك، إن الجهة المختصة بالتعامل مع الاستقالة هو رئيس الجمهورية وليس مجلس النواب، وإن الذي سيدير وزارة تصريف الأمور اليومية هو رئيس الجمهورية، وليس رئيس مجلس الوزراء المستقيل. وهذا هو الفرق ما بين الوزارة المُستقيلة والوزارة المُقالة.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/21712

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M