اقتصاد المهارات ام اقتصاد الشهادات

مسلم عباس

قد يبدو العنوان جميلا، لكنه مخادع، اقتصاد تقوده المهارات ولا نحتاج للشهادات، هكذا أحاديث متداولة اليوم في المنتديات العلمية ولدى صانع القرار السياسي والاقتصادي، سواء في الدول المتقدمة او حتى المتخلفة، ومنها العراق، بعض المهن تخلت عن الشهادة منذ سنوات بذريعة حاجتها للمهارة اكثر من الشهادة، كما هو الحال مع مهنة الصحافة، او مهنة رجل السياسة نفسه الذي قد لا يحمل شهادة في العلوم السياسية.

الولايات المتحدة الأميركية قائدة العالم والوصفة الجاهزة للتقدميين في البلدان المتخلفة أعلنتها رسميا ان الشهادة الجامعية لم تعد المعيار في التوظيف، فالمطلوب من المتقدم للوظيفة ان يبين مهاراته وعلى أساسها يتم قبوله او رفضه ما يعني ان الشهادة لا علاقة لها بالأمر او تم وضعها في مستوى ثانوي، الرئيس ترامب الذي يكره كل شيء له علاقة بالعلم، كان قد أسس جامعة وفشلت، وقع امراً تنفيذيا بإلغاء شرط الشهادة الجامعية، ووجه تعليمات لفروع الحكومة الفدرالية، بالتركيز على المهارات بدل الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين الفدراليين.

ويأتي القرار بعد ان اوصت الرئيسة الشريكة في المجلس الاستشاري لسياسة القوى العاملة الأمريكية، ومستشارة الرئيس الأميركي، إيفانكا ترامب، الحكومة الفيدرالية بإعادة وضع استراتيجية توظيف جديدة.

العمل مقرون بالعمل

هل نحتفل بهذا القرار ان ننصب سرادق العزاء على التعليم الجامعي؟

علينا النظر لهذا القرار باعتباره محفزا وتنبيها، فهو محفز للجامعات لكي تركز على الجوانب المهارية في التعليم، فسوق العمل اليوم يحتاج الى مهارات جاهزة، وليس بمقدوره تجميع كم كبير أصحاب التعليم النظري، العالم يعيش عصر السرعة والمصانع في منافسة شديدة للحاق ببعضها البعض في سباق محموم نحو المراكز الأولى في التسويق، ومن غير المنطقي ان تبحث هي عن اكرام الخريجين، بينما لم تستطع جامعاتهم مواكبة الحاجات الجديدة لسوق العمل، الواجب يقع على الجامعة من اجل التركيز بشكل اكبر على تطوير المهارة، فالعلم مقرون بالعمل، كما يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، وله قول اخر، العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل.

وهنا يؤكد امير المؤمنين على قيمة العمل وترسيخه من خلال العمل، وسوق العمل نفسه اليوم يحتاج الى مهارة حتى يسمح لطلبة العمل بان يمارسوا دورهم، وبالتالي فان القدرة على تعزيز المهارات يفتح له افاقا جديدة ويوفر لهم بيئة مناسبة للممارسة المتعطشة للمهارة، وما بين العلم النظري والعملي، وما بين المهارة المكتسبة في الصف الدراسي والمهارة المكتسبة من التجربة المعملية يتعزز العلم ويتطور العالم.

في المقابل يجب ان ننتبه الى القرار الأميركي بشأن التوظيف على أساس المهارة، يجب ان ينحصر في قطاعات معينة وبشكل محدود ولا يمكن ان يكون مفتوحا على مصراعيه، لان العلم النظري مثل الخريطة التي تحدد النقاط الأساسية للعمل، والمهارة تكتسب من خلال التطبيق، ومن الصعب جدا التخلي عن الشهادة الجامعية، فالجامعة اليوم هي اقصى درجات التطور البشري، الذي بدأ بالزراعة ثم الكتابة والتدوين، ثم التعليم الذاتي والتعليم العائلي الخاص بالعوائل الثرية ثم التعليم المدرسي والجامعي، وهذا الأخير وفر فرصة عظيمة لتقدم البشرية، ويكفي ان ننظر الى اوربا وكيف نهضت من ظلماتها الى عصر العلم عبر توسيع نطاق التعليم المدرسي والجامعي، واغلب قادة النهضة الاوربية هم من تخرجوا من مدارسها وجامعاتها.

لا يمكن التخلي عن الشهادة الجامعي للطبيب ولا المهندس ولا الفيزياء النووية ولا علوم الفضاء، علينا ان لا نوسع دائرة الاباحة امام غير الحاصلين على الشهادة الجامعية، بحجة المهارة، يمكنهم تصميم تطبيق للهاتف النقال، ويمكنهم عمل أشياء كبيرة، لكن تبقى أعمالهم في اطار الاعمال النادرة، وتبقى الشهادة الجامعية هي ام المهارات، وهي العجلة التي تتطور من خلالها المجتمعات، ولا ننسى انها بحاجة الى إصلاحات، وعلينا الانتباه الان قبل ان يسيطر أصحاب النظرة الضيقة على مراكز القرار ويصدروا أوامر جديدة تقلل من شأن الشهادة الجامعية، وما يعنيه ذلك من تراجع للعلم والعالم اجمع.

يكفي ان الاقتصاد العالمي اليوم يتعكز على النظريات العلمية التي اطلقها الفلاسفة ورجال الاقتصاد الذين كانوا يدرسون في الجامعات، ويكفي ان عجلة العلم نحو الفضاء يقودها رجال الجامعات والباحثين، للجامعة مجالها الواسع بما فيه المهارة، ولأصحاب المهارة الذين يتحدث عنهم ترامب مجالات اضيق نطاقا وفي اغلب الأحيان تعمل تحت رحمة الجامعة او تولد من رحمها بطريقة غير مباشرة.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/23845

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M