الأبعاد الاقتصادية في العلاقات الأمريكية الصينية

 وداد المساوي

 

يتفق العديد من الباحثين والدارسين للشؤون الدولية، بأن الجانب الاقتصادي هو أكثر انسجاما وتوافقا في السير لمجرى العلاقات بين الدول بصفة عامة، لذلك فقد حرصت الصين والولايات المتحدة الأميركية على استمرار توثيق علاقتهما الاقتصادية حتى في أشد الفترات تأزما بين الطرفين، وهناك طرح يربط بين زيادة التبادل التجاري، وتخفيف الصراعات والنزاعات وتقريب وزيادة التعاون الدولي، بحيث أن التعاون الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية مثلا وبالرغم من أهميته فإنه يرتبط بحسابات استراتيجية على المدى القريب والمتوسط، بحيث يكون لهذا التعاون دور في تخفيف التوتر في العديد من القضايا. فهي علاقة تمتاز بالتعقيد والارتباط إلى درجة عدم القدرة على التفكير في فك الارتباط رغم بعض الأزمات التي تعترض استمرار العلاقات الاقتصادية بينهما.

فالولايات المتحدة تعد قوة اقتصادية لها مؤهلات مالية، نقدية، التقنية، الديمغرافية، غير أنها تعاني التآكل المستمر في قدرتها التنافسية”[1]، خاصة بعد الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي خصوصا، والعالمي عموما جراء الرهن العقاري، بحيث قدرت خسائر الأزمة بنحو 300 مليار دولار في أمريكا وحدها، و550 مليار دولار في دول العالم الأخرى. ومن خلال ذلك بدأت الدول، وبخاصة الغنية، تضخ الأموال بالمليارات إلى الأسواق المالية لإسناد السوق وتوفير السيولة لتحريك عجلة الاقتصاد، بل إن بعضها تدخلت بشكل مباشر لدرجة أنها أممت بعض المصارف. وكانت النتيجة بأن تراجع الاقتصاد الأمريكي بمقدار 5.5% بل إن الموازنة الأمريكية شهدت عجزا قياسيا سنة 2009 لتسجل رقما مقداره 189.7 مليار دولار[2]. فبحسب إحصائيات عام 2009 فإن الميزان التجاري الأمريكي مع الصين فقط عانى عجزا قدره 8.226 مليار دولار[3].

وكان ذلك سببا في الرفع من وتيرة التوتر بين البلدين في العديد من القضايا بما في ذلك العجز الكبير والمتزايد للميزان التجاري الأمريكي مع الصين، ومقاومة الصين للقيام بإصلاحات على مستوى السياسية النقدية، حيث انتقدت الولايات المتحدة محافظة الصين على قيمة غير حقيقية لعملتها تجعلها 40 % أقل من قيمتها الحقيقية، ولهذا السبب تنخفض أسعار المنتجات الصينية في السوق الأمريكية، وترتفع أسعار المنتجات الأمريكية في الصين، وهذا ما يتسبب في فقدان التوازن وبالتالي تسجيل عجز كبير في ميزان التجارة بين الدولتين، وبذلك ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن من شأن سياسة الصين بخصوص “اليوان” أن تؤثر سلبا على قدرتها التنافسية، وهناك أيضا ما يعرف بسياسات الحماية التجارية المتبادلة، والتي تعرقل نمو التبادل التجاري بين الدولتين لمستويات أكبر.

كما تمثل حقوق الملكية الفكرية أحد مصادر التوتر والتنافس في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تهدد الأخيرة بعرض القضية أمام منظمة التجارة العالمية، بالرغم من اتخاذ الحكومة الصينية لإجراءات وقوانين تمنع النسخ والتزوير وتعاقب عنهما.[4]

ورغم التوترات، فإن الحس البراغماتي الحاضر وبقوة في السياسة الخارجية للبلدين دفع بهما إلى عقد الحوار الإستراتيجى- الإقتصادى على خلفية التراجع الاقتصادي الكبير في 2008.

وقد ركّزت جولات الحوار الأربعة التي عُقدت على خلفية الأزمة الاقتصادية الدولية على تعميق وترسيخ التعاون الاقتصادي بين البلدين من جهة، وعلى التعاون المشترك لتحفيز النمو على المستوى الدولي من جهة أخرى. وقد أظهرت الصين قدرا من التجاوب مع المطالب الأمريكية فيما يتعلق بتعويم سعر صرف العملة الصينية، وتقديم ضمانات أكبر لحقوق الملكية الفكرية، وفتح الأسواق الصينية للصادرات الأمريكية، وتخفيض الدعم المنظور والمستتر للشركات الحكومية الصينية. وفى المقابل وعدت واشنطن بتسهيل نقل التكنولوجيا المتقدمة فى المجالات المدنية، وبتخفيض القيود على صادرات الصين.

لقد خلقت الأزمة المالية نمطاً جديداً من المنافسة بين الدول الكبرى، وهو ما أثّر على الإصلاح والانفتاح الذي بدأ الاقتصاد الصيني في تحقيقه حيث وصل معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي إلى 9.8%، وهو ما جعله يتجاوز الاقتصاد البريطاني والفرنسي والألماني وغيره من الاقتصاديات المتقدمة. ولكن في مقابل تلك القيود العالمية الجديدة، أدخلت بكين حزمة بأربعة تريليونات لتحفيز الخطة الاقتصادية لتتمكن من التعامل مع الأزمة، وتعديل هيكلها الاقتصادي، وفقاً للوضع العالمي الجديد سياسياً واقتصادياً. وفي الربع الثاني من العام 2010 تجاوز إجمالي الناتج الاقتصادي الصيني دولة اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.

وقد ارتفعت واردات الولايات المتحدة من الصين بسرعة أكبر بكثير من الصادرات الأمريكية إلى الصين، حيث بلغت قيمة الصادرات 129مليار دولار عام 2011، بينمابلغت قيمة الواردات 411 مليار دولار في نفس العام، وبذلك كان العجز التجاري مع الصين بقيمة 282 مليار دولار، بحيث تتلقى الولايات المتحدة الواردات الصينية وتدفع للصين المقابل بالدولار. ومن جانب آخر تحوز الصين الدولارات الأمريكية والسندات الأمريكية، وهي في الحقيقة تمنح الولايات المتحدة قرضا. وقد جمعت الصين 5. 2 تريليون دولار من احتياطات الصرف الأجنبي، وتحوز الكثير منها في شكل سندات بالخزانة الأمريكية.

وقد وصف بعض المراقبين ذلك بأنه تحول كبير في الميزان العالمي للقوة، لأن الصين تستطيع أن تجعل الولايات المتحدة في مأزق أمامها عن طريق تهديدها ببيع الدولارات، ولكن إن فعلت ذلك فلن تخفض الصين قيمة احتياطاتها، لأن ثمن الدولار سيتهاوى، ولكنها أيضا قد تهدد استعداد أمريكا على الاستمرار في استيراد السلع الصينية الرخيصة، مما يعني فقدانا للعمالة، وكذلك الاستقرار في الصين. وإذا ما أغرقت الصين الدولارات التي لديها فقد تجعل الولايات المتحدة في مأزق كبير، ولكنها ستجعل نفسها تجثو هي الأخرى على قدميها. وذلك ما ترجمه أحد الاقتصاديين الصينيين البارزين قائلا: إننا نعيش في عالم الاعتماد المتبادل، ربما نستطيع فيه أن نؤذي أنفسنا إذا أقدمنا على عمل انفرادي بإلحاق الأذى بالجانب الآخر”[5]

ذات الطرح ذهب إليه “لى جانج” مدير إدارة الصرف الأجنبي في الصين الموقف قائلا: إن الاستثمارات الصينية في الخزينة الأمريكية هي سلوك استثمار السوق، وليست لدينا الرغبة في تسييسها. ولو فعلت الصين ذلك لكان الضرر متبادلا.

ووفقا لبنود الاتفاقية الثنائية للاستثمار التي وافقت عليها واشنطن في العام 2012، فإن معايير العمل وظروف العمل والإدارة في البلد المتلقي للاستثمار الأمريكي، يجب أن تصل إلى مستوى أعلى نسبيا. من خلال مطالبة واشنطن لبكين بتخفيف أو إزالة القيود عن نسبة امتلاك الشركات الأمريكية للاستثمار في الصين، الأمر الذي يغير قواعد عمل الشركات الأمريكية في الصين.

فقد شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية تطوراً مستقراً خلال هذه الفترة، حيث أصبحت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للصين، و بحسب بعض الإحصاءات فقد بلغت الصادرات الصينية للولايات المتحدة 21% من إجمالي الصادرات الصينية، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن خمسمائة مليار دولار أمريكي عام 2012.

وفي الحوار الإستراتيجي والاقتصادي الذي عقد في يوليو عام 2013، أعلن الطرفان استئناف مفاوضات اتفاقيات الاستثمار الثنائية. بحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد من جانبها أن توفر أفضل الضمانات لمؤسساتها عن طريق هذه الاتفاقيات، من حيث دخول السوق الصينية، المعاملة الوطنية، مبدأ عدم التمييز، ملكية الأعمال، شروط إنجاز الاستثمار، تسوية النزاعات بشكل محايد وغيرها. وتعتبر هذه الاتفاقيات من أهم الاتفاقيات منذ توقيع الفصل السابع عشر لاتفاقيات الاستثمار في اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا (نافتا). وبالنسبة للصين، فإن اتفاقيات الاستثمار الثنائية تساعدها على زيادة استثماراتها المباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية وتسوية النزاعات بشكل محايد، مما يمكّن الشركات الصينية من تجنب المعاملة غير العادلة من جانب لجنة الاستثمار الأجنبي الأمريكية. تشمل مفاوضات اتفاقيات الاستثمار الثنائية مرحلتين: المرحلة الأولى تتعلق بالبنود، والمرحلة الثانية تتعلق بالقائمة السلبية حتى يوليو عام 2014، أجرى الطرفان ثلاث عشرة جولة من المفاوضات. إلى جانب ذلك، تساعد اتفاقيات الاستثمار بالنسبة للجانب الأمريكي على:

أولا، حماية الاستثمارات الأمريكية في الدول الأخرى؛ ثانيا، تعزيز اتخاذ المزيد من السياسات الموجهة نحو السوق للتعامل مع الاستثمار الأجنبي بشكل مفتوح وشفاف وعدم التمييز؛ ثالثا، تعزيز تطور وتنفيذ معايير القوانين الدولية المتفقة مع أهدافها المذكورة. بعبارة أكثر تحديدا، هذه الأهداف هي: أولا، أن اتفاقيات الاستثمار الثنائية، والتي تشمل كل مراحل الاستثمار وكل القطاعات، سوف تساعد المؤسسات الأمريكية في دخول السوق الصينية. جوهر المفاوضات هو “القائمة السلبية” للصناعات، فباستثناء الصناعات المدرجة في “القائمة السلبية”، يمكن للمؤسسات الأمريكية أن تدخل أي سوق أخرى للصناعات.

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هذه الاتفاقيات وسيلة هامة لمساعدة مؤسساتها في دخول السوق الصينية من جهة، كما أنها سوف تساعد مؤسساتها في الحصول على المعاملة الوطنية ومعاملة عدم التمييز بصورة عميقة و ترفع من معايير وظروف العمل. من جهة أخرى. وحسب استطلاع للرأي أجراه مجلس الأعمال الأمريكي- الصيني، فإن المؤسسات الأمريكية ترى أن تحدياتها الرئيسية في السوق الصينية هي: الموافقات الإدارية، منافسة المؤسسات الصينية، عدم العدالة في تنفيذ القانون، قيود ومعايير وتقييم الاستثمار وغيرها.

ورغم ذلك فإن الاتفاقيات الموقعة إلى اللحظة لم تضمن تحقيق استقرار بالعلاقة بسبب العجز التجاري في الميزان الأمريكي الذي بات مسألة اقتصادية وسياسية بالغة الضخامة، وأضحت الصين المشكلة التجارية الأولى التي تواجه الولايات المتحدة خاصة إذا ما اقترن هذا العجز بانكماش اقتصاد الولايات المتحدة، ويشكو المصدرون الأمريكيون من أن بكين شرعت في إغلاق أبوابها عن طريق ما تفرضه من قيود على الاستيراد والتصدير في المجالات الرئيسة، مثل توليد الطاقة والصناعات الدوائية والآلات والاتصالات، هذا ما يدفع العديد من الشركات الأمريكية الكبرى إلى أن تعيد التفكير فى حماسها السابق. من أجل علاقات أفضل بينهما بعد أن تجاوز الفائض التجاري لها مع الولايات المتحدة 237 مليار دولار بسبب تفاقم المخاوف الأمريكية بشأن الوضعية الاقتصادية والتكنولوجية للصين التي استطاعت أن تحقق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية.

ففي 2015 أصبحت الصين ثالث أكبر سوق تصدير للولايات المتحدة بعد كندا والمكسيك. بحيث ارتفعت الصادرات الأمريكية إلى الصين بنسبة 198% خلال العشرة أعوام، أي أعلى من معدل النمو في أي بلد آخر. إضافة إلى ذلك، ففي إطار تحول الصين إلى نموذج نمو قائم على المستهلك ستصبح الصين التي تُعد مصنع العالم اليوم أكبر مورد وأكبر سوق عالمية خلال العقد القادم، وذلك وفقا لدراسة مشتركة حول العلاقات التجارية الأمريكية الصينية.

و لتحقيق توازن بمنطقة آسيا والمحيط الهادي عملت أمريكا على الدخول في تحالفات اقتصادية مع الدول المناوئة للصين في جنوب شرق آسيا، حيث قامت إدارة أوباما بتوقيع اتفاقية في أوائل أكتوبر 2015، مع إحدى عشرة دولة مطلة على المحيط الهادئ، وهي: أستراليا، بروناي، كندا، شيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، فيتنام، بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادي، وهي اتفاقية تجارة حرة متعدد الأطراف تهدف إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما أخذ بالرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى القول “أن واشنطن لن تسمح لبلدان مثل الصين أو غيرها بكتابة قواعد الاقتصاد العالمي، كما صرح أوباما: “عندما يعيش ما يزيد على 95%من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا، فلا يمكن أن نجعل دولا كالصين تكتب قواعد الاقتصاد العالمي، ويضيف أوباما: “ينبغي لنا أن نكتب هذه القواعد، وأن نفتح أسواقا جديدة للمنتجات الأمريكية في الوقت الذي نرسي فيه معايير عالية لحماية عمالنا إلى جانب الحفاظ على بيئتنا”.

وبذلك، أصبحت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ “TTP “، تطرح العديد من التساؤلات حول تأثير الشراكة المزمعة على النظام الاقتصادي العالمي، ولاسيما على اتجاهات التجارة الدولية، ويذهب كثير من المراقبين إلى أن سعي الولايات المتحدة إلى إبرام هذه الشراكة، لا يقف وراءه فقط بعض المكاسب الاقتصادية، وإنما بواعث سياسية أكبر تتمثل في تعزيز ارتباطها واتصالها بالقارة الآسيوية ومن ثم تطويق لاستراتيجية الصين التوسعية هناك[6].

إلا أن إدارة ترامب قررت الانسحاب من هذه الاتفاقية بدعوى تفضيلها اتفاقات تجارية ثنائية وليست متعددة الأطراف، وأن ذلك أفضل للبلاد.[7]

بالمقابل طرحت الصين مبادرتها الخاصة للتعاون التجاري بين دول آسيا والمحيط الهادئ، (الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة Regional Comprehensive Economic Partnership المعروفة اختصاراً ب R.C.E.P. تضم 16 دولة، وتستبعد الولايات المتحدة. وتُعتبر الوجه المقابل لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. وتتضمن خفض الرسوم الجمركية بدلاً من انفتاح الاقتصاديات.

ومع انسحاب الولايات المتحدة تصبح الساحة الآسيوية فارغة للاعب الصيني الحاضر دائماً، ففي ظل السياسات الانعزالية التي يروج لها دونالد ترامب، تبدو الساحة الدولية فارغة للاعبين أكثر جاهزية من غيرهم، وفي هذا الشأن تبدو الصين أكبر المستفيدين، وعلى الولايات المتحدة، كي لا تفقد أسواقها التقليدية الدخول في منافسة شرسة مع الصين، فالأخيرة اليوم تفتح أسواقاً أكبر، لن تنافسها فيها الولايات المتحدة[8].

يبدو أن ترامب بعد انسحاب ترامب من اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادي” يعول على فتح علاقات جديدة مع العديد من دول القارة معتمدا على صفقات السلاح الأمريكية، وعلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب كما يفعل مع الفلبين التي تدعمها الولايات المتحدة لمواجهة جماعات مسلحة موالية لداعش خاصة في مدينة مراوي التي أعلن داعش عن ظهوره فيها وتنفيذ عمليات مسلحة ضد قوات الأمن هناك.ومن خلال ذلك يمكن لترامب فتح علاقات مع بعض الدول التي كان من الممكن أن تكون العلاقات معها أقوى إذا كانت هناك تعاملات اقتصادية واسعة مع هذه البلدان.

ورغم ذلك تظل أهداف سياسة ترامب إلى اللحظة على الاقل تجاه آسيا ليست واضحة بقدر كبير مثل إدارة أوباما التي أعلنت عن استراتيجية متكاملة “التوجه شرقا” لها أبعادها ومعالمها الواضحة والخطوات الفعلية لتحقيق ذلك، بخلاف ترامب الذي يرفع سياسة “أمريكا أولا”و”الدفع مقابل الحماية” ما قد يساهم في خروج عدة دول من تحت الجناح الأمريكي، فهناك دول مثل الصين على استعداد لتقديم الدعم والحماية مقابل امتيازات أخرى وليس دفع إتاوات كما يريد ترامب، وإذا لم تتضح رؤية إدارة ترامب تجاه آسيا خلال الفترة المقبلة فإن الولايات المتحدة ستواجه معضلة كبيرة للحفاظ على نفوذها هناك خاصة في ظل التخبط الذي يسود إدارة ترامب[9].

في أبريل 2017: عقدت قمة جمعت الرئيسين ترامب وشي في ولاية فلوريدا، أبان خلالها ترامب عن تراجعه عن تصريحاته المعادية للصين، وأصبحت تغريداته أكثر توازنا تجاهها. فواشنطن تتطلع من خلال هذه الهدنة إلى الرفع من استثماراتها بالسوق الصينية بشكل يكفل استمرارية ربحها وتدعيم الاستثمار وتشغيل اليد العاملة الأمريكية، ناهيك عن تركيزها على الاستثمار بالخدمات المالية مثل الخدمات المصرفية، وتسعى لتحرير الصين لتجارتها الخارجية في محاولة لتوسيع الصادرات الأجنبية على السوق الصينية. فالولايات المتحدة الأمريكية تواجه صعوبة في التغلغل بالسوق الصينية بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية و القيود التي تضعها الحكومة الصينية، مما سبب في ازدياد العجز التجاري الأمريكي مع الصين.[10]

إلا أن تلك الهدنة لم تصمد كثيرا وسرعان ما انحدرت بشكل حاد وحرج في مارس 2018 بتوقع مذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب ما وصفه ترمب بممارسات تجاريةغير عادلة، وبموجب هذه المذكرة فرضت السلطات الأميركية رسوما جمركية بنسبة 25% على قائمة بنحو 1300 منتج صيني.وقال ترمب لدى توقيع المذكرة إنه طلب من الرئيس الصيني تخفيض العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين بمقدار مئة مليار دولار، مشيرا إلى أن العجز التجاري الإجمالي للولايات المتحدة يبلغ ثمانمائة مليار دولار.[11] وقد اعتبرت بكين توقيع المذكرة تهديدا و “ابتزازا” لها، و توعدت بإجراءات انتقامية، و ذلك عن طريق اتخاذها إجراءات “نوعية” و “كمية” للرد بقوة على واشنطن.

ورغم تحذيرات المنظمات الدولية المتمثلة في منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، أن هذه الخطوة تضر بالاقتصاد الأمريكي كذلك، وبالرغم من الرد الصيني الحاسم، بإقرار لجنة التعريفات الجمركية بمجلس الدولة الصيني لفرض رسوم إضافية قدرها 25% على 659 من المنتجات الأمريكية قيمتها 50 مليار دولار. إلا أن الإدارة الأمريكية استمرت على موقفها بالتشبث بتعريفات جمركية مرتفعة على مجموعة من المنتجات المستوردة التي تشكل بحسب واشنطن تهديدا للأمن القومي الأميركي.

إن هذه الإجراءات التي اتخذتها الإدراة الأمريكية لم تكن وليدة انفعال واندفاع ترامبي (نسبة لرئيس ترمب) لكنها جاءت بعد أن وجدت لجنة التجارة الدولية بالبلاد أن المصنعين المحليين يتضررون بشكل مباشر،بالإضافة إلى مجموعة من الأسباب، والتي أجملتها هذه اللجنة في التالي:

ـ عجز الميزان التجاري الأمريكي مع الصين ما بعد سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية وإلى حدود الآن.

ـ رفض الصين خفض قيمة اليوان والذي يوفر لها الميزة التنافسية داخل السوق الأمريكي (إضافة إلى رخص الأيدي العاملة) على حساب المنتج الأمريكي نفسه.

ـ فرض الصين جمارك على السيارات الأمريكية بنسبة 25%.

ـ التعدي على حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، بحيث استند البيت الأبيض فى العقوبات الاقتصادية على الصين إلى المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 لبيان انتهاكات حقوق الملكية الفكرية والممارسات الاستثمارية غير العادلة للشركات الصينية.[12]

ويبين الرسم التالي مسار الحرب التجارية بين البلدين:

الأبعاد الاقتصادية في العلاقات الأمريكية الصينية-1

إذن، فالقوى المراوغة التي تسيطر على الاستراتيجية الجيوسياسية الأمريكية ستحاول بكل الوسائل المتاحة لها في هذه المرحلة أن تحطّم الصين فعلياً بالعقوبات، فالحرب المالية مستمرة خصوصا في فترة ترامب [13].

أمام هذا التصعيد الأحادي الجانب لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، وأكدت عبر وزارة التجارة الصينية عزمها على المضي قدما ورفع التحدي حتى النهاية مهما كان الثمن. واصفة ماتقوم به الولايات المتحدة بالبلطجة[14].

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن للصين أوراق ضغط كثيرة إذا ما أرادت توظيفها، و لعل أبرزها:

1ـ السندات الأمريكية: تستثمر الصين النسبة الأكبر من الفوائض في السندات الأمريكية؛ وذلك بهدف المحافظة على معدل منخفض لسعر صرف عملتها، وهو ما يسهم في دعم تنافسية صادراتها.

في المقابل تستخدم الولايات المتحدة حصيلة بيع السندات في سداد عجز الموازنة العامة للدولة، ووفقا لمكتب الموازنة بالكونغرس، وهو كيان غير حزبي، فإن العجز من المتوقع أن يرتفع إلى تريليون دولار خلال العام الجاري أي (2020).

ذلك يعني أن بيع الصين للسندات الأمريكية أو جزء منها سيزعزع الاقتصاد الأمريكي ليس فقط بالبحث عن مصادر بديلة لتغطية عجز الموازنة، ولكن أيضا بالهبوط الحاد للدولار الناتج عن ذلك، إضافة إلى الإضرار بثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي؛ وما يحتج به البعض أن هبوط الدولار سيكون إيجابياً بالنسبة للصادرات الأمريكية، سيزيد من تنافسية المنتج الأمريكي في مقابل نظيره الصيني قد يكون نظريا لانخفاض أسعار العمالة في السوق الصيني مقارنة بنظيره الأمريكي مما يحفظ الميزة الدائمة للصين.

2ـ الواردات الزراعية الصينية من الولايات المتحدة: فهي المستورد الأول لفول الصويا الأمريكي حيث تشتري ثلث الصادرات الأمريكية، وأهمية فول الصويا تتعدي الإطار الاقتصادي إلى السياسي، حيث يزرع في ولايات تشمل اوهايو، وايوا وميسورى، وجميعها ولايات لا ترغب الإدارة الأمريكية في أن يحدث فيها عدم استقرار اقتصادي، الأمر الذي ستكون له تداعيات انعكاسية على مستوى الوظائف واليد العاملة في هذه المناطق.

3ـ سلاسل التوريد من الصين: توجد شركات أمريكية كبري تعتمد علي سلاسل التوريد الصينية، ويمكن للإدارة الصينية فقط استهداف هذه السلاسل لتعطيل التوريد مما قد يسبب أضرارا ضخمة لشركات أمريكية كبرى، على سبيل المثال بإمكان الصينيين تعطيل شحنات مثل الآى فون أو مكوناته.[15]

إذا كانت الحرب هي قلب القوة العسكرية، فإن العقوبات هي أكثر أداة مرئية للقوة الاقتصادية. إن فرض العقوبات هو أخف من هيكلة الأسواق.(رغم أن العقوبات تشمل أحيانا ممارسة السيطرة على دخول السوق). وتعرف “العقوبات” بأنها إجراءات تهدف لتدعيم اتخاذ قرار أو فرض سياسة معينة. ويمكن للعقوبات أن تكون سلبية وإيجابية. وكما أبرز توماس شيلنج”أنها الفرق بين التهديد والوعد، بين القسر والمكافأة. وتؤثر التوقعات في كيفية تطبيق العقوبات. ويعدد ديفيد بولدوين أحد عشر مثالا للعقوبات التجارية السلبية والتي تتراوح من الحصار إلى منع الشراء، وسبع عقوبات خاصة برأس المال وتشمل تجميد الأصول، وفرض ضرائب غير مواتية وتعليق المساعدات. ومن بين اثنتى عشرة عقوبة إيجابية، فهو يتضمن تخفيض التعريفات، والدخول الأخرى منع الانتقال وحظر السلاح. ويمكن تطبيق العقوبات ضد الدولة من جانب، أو ضد كل من الدولة والفاعلين بخلاف الدول، والقاسم المشترك لكافة العقوبات هو تطبيق الصفقات الاقتصادية لأغراض سياسية. وتقيد الدول دخول أسواقها لأعراض حمائية مناسبة لضمان الحصول على نصيب أكبر من المكاسب من التجارة أو التعاطف مع مجموعة داخلية مهمة على نحو سياسي. ولكن العديدمن الإجراءات الحمائية تهدف أيضا إلى توليد القوة[16].

ومن هذا المنطلق أطلقت الولايات المتحدة رسميا تحقيقا تجاريا في الممارسات المتعلقة بالملكية الفكرية في الصين والنقل القسري للتقنية الأميركية، وذلك تلبية لطلب الرئيس دونالد ترمب. هذا التحقيق سيطلق بموجب البند 301 من القانون التجاري الأميركي المتعلق بالملكية الفكرية ويسمح هذا البند الذي كان يستخدم بكثافة في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي للرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية أو قيود تجارية أخرى بشكل أحادي ضد دول أجنبية. واستبقت الصين إطلاق هذا التحقيق الرسمي الأميركي بتحذيرها الأسبوع من أنّ “الجميع سيخسرون” في حال اندلاع حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، متوعدة بالرد على أي عقوبات تستهدف التجارة بين البلدين وحذرت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يينغ بأن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي، لكنها ستتخذ كافة الإجراءات المناسبة للحفاظ على حقوقها ومصالحها المشروعة.

وقدر تقرير اقتصادي مستقل أجرته “لجنة دراسة القرصنة الفكرية” المستقلة الأميركية للعام 2017، خسائر الاقتصادالأميركي بنحو 600 مليار دولار سنوياً ويؤكد التقرير أن القرصنة على حقوق الملكية الفكرية الأميركية ما زالت تمثل تهديداً كبيراً للاقتصاد الأميركي[17].

وفي مارس 2018 تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكوى لدى منظمة التجارة العالمية ضد الصين، على خلفية اتهام واشنطن بسرقة حقوق الملكية الفكرية. معتبرة أن الصين تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بحرمان الأجانب والشركات الأمريكية في الصين من حقوق براءات الاختراع الأساسية. وأنها تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بفرض شروط تعاقدية سلبية وملزمة تشكل تمييزا ضد التكنولوجيا الأجنبية المستوردة[18].

فبكين تجبر الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا كشرط للنفاذ إلى السوق الصينى،وهذا ما تعتبره الولايات المتحدة عملا غير نزيه ومخالفا لمبادئ منظمة التجارة العالمية، إلا أن ضخامة السوق الصينية وجاذبيتها للشركات الأمريكية تدفع هذه الشركات إلى الامتثال الطوعي للإرادة الصينية ونقل التكنولوجيا كإجراء حتمي للولوج إلى السوق.

فقد أصبح الأمن الاقتصادي في صدارة أولويات الأمن القومي الصيني، بحيث تمتلك الكثير من القدرات التي تجعلها تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية، فهي تمتلك موارد بشرية ضخمة قادرة على الإنتاج، بجانب أنها أصبحت قوة تجارية ضخمة، ففي بعض الأوقات تتجاوز حجم صادراتها صادرات الولايات المتحدة الأمريكية بل إن الناتج المحلي الإجمالي لها يتساوى معها في بعض الأحيان. لكن هذا لا يمنع معاناة الاقتصاد الصيني من جملة من المشاكل منها، التنمية غير المتوازنة بين المناطق الشرقية والساحلية والمناطق الداخلية خاصة الغربية منها، ومشكلة الطاقة التي أصبح الطلب عليها شديدا في الصين بالتوازي مع التوسع السريع للاقتصاد الصيني، إذ يعتبر حاليا أكبر اقتصاد عالمي مستهلك للطاقة بعد الاقتصاد الأمريكي. كما تعتمد الصين بشكل كبير على الولايات المتحدة من خلال أسواقها المفتوحة للمنتجات الصينية الرخيصة، وبالمقابل تستطيع أمريكا أن تجد بدائل للواردات الصينية، لأن معظمها سلع استهلاكية، بينما ستجد الصين صعوبة كبيرة في إيجاد بدائل للواردات الأمريكية، حيث تعد العديد من هذه المنتجات عالية التقنية ولا يمكن الحصول عليها من مصادر بعيدة عن الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر سبب استعداد بكين لتقديم تنازلات كبيرة، لضمان تجنب الحرب التجارية.

ورغم استعداد الصين لتقديم بعض التنازلات إلا أن الرئيس الأمريكي ذهب عكس ذلك من خلال تصاعد تهديداته، معتقدا أن الولايات المتحدة تعي تأثير أوراق الضغط الصينية جيدا، وحجم الأزمات التي ستتبب فيها الحرب التجارية، فترامب يعرف أن الحرب التجارية التي يشنها ويعتقد أنه سيفوز فيها ستؤدى إلى خسارة وظائف، ومن تم إلى ارتفاع في نسبة البطالة وانخفاض على مستوى النمو الاقتصادي، ولكن استمرار الأوضاع كما هي ستشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من ضغوط كبيرة على مستوى عجز الموازنة والديون الخارجية. وبالتالي فإن كل الخيارات التي أمامه صعبة.[19] خصوصا أن الصين تمتلك أكبر نسبة من أذونات الخزانة الأمريكية، والتى تقدر بما يقرب من 800 مليار دولار أمريكي. كما تعتبر قوة صناعية متنامية بفضل نظام تعليمي متطور، ولديها الآن ما لا يقل عن 350 ألف مهندس فى تكنولوجيا المعلومات على مستوى عالمى، ويتقاضون مرتبا أدنى بحوالى واحد وعشرين مرة عن المهندس الأمريكي، مما يغري الشركات الأجنبية إلى إنجاز أكثر الأعمال تعقيدا ومهارة فى الصين.

بوجه عام، يعزو الاقتصاديون النمو الاقتصادي السريع للصين إلى عاملين أساسين: فالعامل الأول متعلق باستثمار رأس المال على نطاق واسع من خلا الاعتماد على التمويل من المدخرات المحلية والاستثمارات الأجنبية الكبيرة، إذ أصبحت الصين من أفضل الوجهات للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وهذه الاستثمارات تعتمد على جناحين رئيسين. فالجناح الأول يتعلق – على نحو أساسي – بانخفاض الأجور، والجناح الثاني يتعلق بالخدمات التي تقدمها الشركات. وهذه الشركات تبحث، بخاصة في البلدان النامية عن لامركزية الخدمات، بهدف خفض تكاليف المعالجات البسيطة للمعلومات ورفع مستوى التنافسية. ويشير باتريك أرتوز في كتابه صعود الصين إلى أن سياسة الانفتاح عن الاستثمار الأجنبي في الصين تبقى غامضة. فهي في نظره سياسية استثمارية محدودة ومقيدة من جهة السلطات الصينية، ولا سيما من خلال فرض “المشاريع المشتركة”، كما أن هذه السياسة لاتزال تقوم أيضا على “المناطق الاقتصادية الخاصة” الخاضعة لسيطرة الخارج وتوجيه إعادة التصدير.

أما العامل الثاني المتعلق بنمو الاقتصاد الصيني نموا سريعا، فهو يرتبط بنمو الإنتاجية الإنتاجية السريعة نفسها. وقد أدت الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها الإدارة الصينية إلى الزيادة في الكفاءة الاقتصادية، وأدت الإصلاحات الاقتصادية التي تضمنت اللامركزية في الإنتاج الاقتصادي إلى زيادة كبيرة في مدخرات الأُسر الصينية ومدخرات الشركات أيضا. لقد خلص خبراء اقتصاديون إلى أن مكاسب الإنتاجية- خاصة المتعلقة بالزيادات في الكفاءة الإنتاجية- كانت عاملا رئيسيا في النمو الاقتصادي السريع للصين. بحيث ساهمت إلى حد كبير في إعادة تخصيص الموارد لاستخدامات أكثر إنتاجية، وخصوصا في القطاعات التي كانت سابقا تخضع لرقابة مشددة من الحكومة المركزية، مثل الزراعية، والتجارة، والخدمات.

وقد أدت اللامركزية في الصين إلى ظهور مؤسسات غير حكومية أكثر كفاءة من مثيلاتها الحكومية، مثل الشركات الخاصة التي تعنى بالتوجه إلى سوق تتسم بالسعي الدائم لمتابعة نشاط أكثر إنتاجية من الشركات المملوكة للدولة. يضاف إلى ذلك ظهور عامل المنافسة الاقتصادية، ولاسيما في قطاع التصدير، ما أفسح مجالا للحكومات المحلية والإقليمية لإنشاء المؤسسات المختلفة التي تعتمد على مبادئ السوق وتشغيلها، من دون تدخل من الحكومة المركزية. وعلاوة على ذلك، أتاح الاستثمار الأجنبي المباشر للصين جلب تكنولوجيا حديثة وتقنيات متطورة جديدة وضرورية عززت الكفاءة الإنتاجية والإدارية وساهمت في رفعها [20].

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، فإن الاستجابة الأمريكية عبر أدوات القوة الذكية كانت ماثلة في قوتها الاقتصادية المتمثلة في العوامل الخارجية ( البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، فضلا عن العملة العالمية المتمثلة في الدولار الذي يعد العملة القيادية الأولى في العالم من حيث التداول والاحتياط.

وعلى الرغم من ارتفاع معدل الديون العامة الأمريكية، فإن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بضخامة من حيث الناتج ومن حيث النوع إذ بلغ مايقارب ال16 تريليون دولار، وهو ما لا يضاهيه أي اقتصاد آخر، هذا فضلا عن أن الاقتصاد الأمريكي لم يصل إلى مرحلة الاستخدام الكامل. فضلا عن امتلاكه مرتكزا ثانيا يقع بعد القوة الإقتصادية، وهو المرتكز التكنولوجي والإبداعي[21].

فوعيا من الصين بأهمية هذا الجانب (التكنولوجي) عملت على وضع خطة طموحة تحت مسمى “صنع في الصين 2025″والتي تبلغ مدتها عشر سنوات، تنطلق من 2015 إلى غاية 2025. استراتيجية لا تقف ورائها بكين (الحكومة و قادة الحزب الشيوعي) فحسب، بل أيضا اكتسبت زخماً من الشركات والمدن في ربوع الصين، والتي تدرك أنه لا بديل سوى التحديث أو الاضمحلال[22].

تروم هذه الخطة إلى تحويل الصين من دولة كبيرة إلى دولة قوية في قطاع التصنيع. وتعمل على أن تتمكن بحلول عام 2025 من تلبية ما يقرب من ثلاثة أرباع الطلب المحلي على الروبوتات الصناعية، وأكثر من ثلث الطلب المحلي على رقاقات الهواتف الذكية. وبعض الأهداف الأخرى تتعلق بتغطية سيارات الطاقة الجديدة، مثل السيارات الكهربائية، والأجهزة الطبية فائقة الأداء.

إن الإستراتيجية “صنع في الصين 2025″تهدف إلى تحقيق “الكفاءة الذاتية” في قطاع التكنولوجيا المتطورة بالصين، وتحويل البلاد إلى قوة عالمية في صناعة التكنولوجيا، لتتمكن من منافسة دول الغرب.وتهدف إلى الارتقاء بالقطاع الصناعي، وتعزيز القدرة التنافسية، لتصبح الصين قوة عملاقة صناعياً، من حيث تخفيض استهلاك الموارد، ورفع الإنتاجية، وتعزيز القدرة على الابتكار التكنولوجي. وتسعى الصين باستراتيجيتها إلى اللحاق بركاب الثورة الصناعية الرابعة. وتجسد الاستراتيجية مفاهيم التنمية الخمسة المتمثلة في “الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتمتع المشترك بثمار التنمية” التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ.

وبناء على ذلك، تقرر تنفيذ 5 مشروعات بحلول عام 2025، تشمل بناء مركز ابتكار لقطاع الصناعة، والتصنيع الذكي والتصنيع الأخضر، وتعزيز أساس الصناعة، وابتكار المعدات، ورفع الجودة والتصنيع الموجه للخدمات، إضافة إلى صياغة خطة تنمية المواهب، وخطة لدفع صناعات تكنولوجيا المعلومات والأدوية”[23].

وإدراكا لأهمية الذكاء الاصطناعي كأحد أهم محركات الثورة الصناعية الرابعة، أطلقت الصين استراتيجية شاملة في يوليو 2017، تتناول بالتحديد الأهداف المرجو تحقيقها في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تشمل رقائق معالجة الشبكة العصبية الاصطناعية، والروبوتات الذكية، والطائرات بدون طيار ذكي والترجمة، وفي نوفمبر 2017، أعلن وزير العلوم والتكنولوجية الصينية تشكيل فريق الأحلام من كبرى الشركاا التكنولوجية الصينية لقيادة الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أنشأت الأكاديمية الصينية للهندسة عام 2013 فريقا ضم أكثر من مئة أكاديمي وعالم لبحث اتجاه تطوير القطاع الصناعي الصيني وأثار التقدم التقني، واستنادا إلى هذا الفريق وأبحاثه تمكنت الحكومة الصينية في صياغة استراتيجية صنع في الصين 2025، والتي تهدف إلى الارتقاء بالقطاع الصناعي الصيني، وتحويله إلى قطاع متقدم يسهم في تعزيز القدرة التنافسية الصناعية الصينية، من أجل تعزيز القدرة على الابتكار العلمي وزيادة عدد براءات الاختراع والاستثمار في البحث والتطوير والعنصر البشري.

كما تمتلك الصين عددا من المميزات تجعل منها القوة الرئيسية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في العالم، لعل أهمها هي البيانات العملاقة، والقوة الحاسوبية، والمهندسين الأكفاء[24]. كما توجه الصين في الوقت الراهن مليارات الدولارات للاستثمار في الأبحاث الوطنية بالإضافة إلى اكتساب تكنولوجيا الابتكار من الخارج. ويُعتقد أن الصندوق الحكومي الصيني لأشباه الموصلات قد تجاوز 100 مليار دولار، في حين أن هناك خطة وطنية أخرى تهدف إلى تنمية شركات الذكاء الصناعي الصينية وتحويلها إلى صناعة بتكلفة تبلغ 150 مليار دولار بحلول عام 2030 “[25].

هذه الإستراتيجية أثارت المخاوف الأمريكية والأوروبية بشكل كبير، حيث تهدف “بكين” من خلالها إلى وقف استيراد مجموعة واسعة من التقنيات والتكنولوجيا من الدول الرائدة في تصنيعها، وتهدف الصين أيضاً من خلال هذه الثورة الصناعية الرابعة للاكتفاء الذاتي عبر تصنيع التقنيات والمساهمة في الأنشطة الاقتصادية وتصديرها إلى العالم بأقل تكلفة تذكر[26]“. و الرئيس الأمريكي (ترامب) لن يترك خطة “صنع في الصين 2025″ تمر كما تريد الحكومة الصينية، حيث يظهر من تحركاته أنه يتصدى لها بكل قوة، وهذا ما اتضح من خلال قرار منع الشركات الصينية من الاستثمار في التكنولوجيا الأمريكية وتعطيل إرسال المزيد من التكنولوجيا إلى الصين. بحيث أصدر ترامب قرارا اقتصاديا يقضي بصياغة عقود من شأنها منع الشركات المملوكة لأصول صينية من شراء شركات أمريكية متخصصة في التكنولوجيا الصناعية”[27].

كما وأعلن دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار سنويا، بهدف الضغط على بكين لوقف سرقة حقوق الملكية الفكرية الأميركية. وفي معرض تبرير قراره بشأن فرض الرسوم الجمركية الكبيرة أثناء إعلانها قال ترامب: “لا يمكن للولايات المتحدة السماح بعد الآن بخسارتنا التكنولوجيا والملكية الفكرية من خلال ممارسات اقتصادية غير منصفة”، مشيرا إلى أن هذه الرسوم ضرورية لمنع المزيد من النقل غير المنصف للتكنولوجيا والملكية الفكرية للصين، وأنها “ستحمي الوظائف الأميركية”.

بالمقابل شدد وانغ شوون نائب وزير التجارة، على ضرورة عدم استخدام إستراتيجية “صنع في الصين 2025” كذريعة لاتخاذ إجراءات أحادية الجانب لأنها لا تعارض التزامات الصين تجاه منظمة التجارة العالمية[28]. وأضاف وانغ في مؤتمر صحفي ” إن الإستراتيجية شفافة وعلنية وغير تمييزية. وليس فقط الشركات الصينية بل الشركات الأجنبية أيضا يمكن أن تشارك فيه. إن الصين أكملت مراجعات صارمة للامتثال بشأن الإستراتيجية عندما طرحتها، وجاءت متماشية مع قواعد منظمة التجارة العالمية. مشيرا إلى أن الأهداف المحددة في الإستراتيجية ذات طبيعة تنبؤية وتوجيهية وليست مهاما إلزامية. وأن خططا مماثلة كانت قد نفذت من قبل العديد من الدول بما فيها الولايات المتحدة. و يتعين على الصين والولايات المتحدة تسوية النزاعات التجارية بشكل ملائم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بحماية الملكية الفكرية من خلال التشاور على أساس المساواة. لافتا إلى أن الصين ستضع حماية الملكية الفكرية كأولوية قصوى في التنمية المدفوعة بالابتكار”[29].

لم تكتف الصين بمحاولة سد ثغرة التكنولوجيا “بخطة 2025” بل استثمرت في الظروف الدولية الراهنة من أجل تعزيز اقتصادها و نموه وذلك من خلال خطة “الطريق والحرير”التي تتضمن نحو ألف مشروع سينفذ تدريجيا، والذي سيربط دول آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر شبكة مواصلات معقدة من الجسور والطرقات والسكك الحديدية والطائرات والبواخر، وكذلك بناء موانئ ومطارات وإنشاء مناطق تجارة حرة. إلى جانب أنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية وشبكات الأنترنت والبنية التحتية. [30]

كما تشمل المبادرة ستة ممرات اقتصادية أساسية تشكل أعصاب شبكة التجارة والنقل والتنمية الإقليمية والدولية القادمة وهي:

  1. الممر الاقتصادي الذي يربط بين الصين ومنغوليا وروسيا.
  2. الجسر البري اليورو-آسيوي الجديد.
  3. الممر الاقتصادي بين الصين ووسط وغرب آسيا.
  4. الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.
  5. الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.
  6. الممر الاقتصادي الذي يربط بين بنجلاديش والصين والهند وميانمار. [31]

وقد حرصت الصين بعد عام على إطلاق مبادرتها، أو بالأحرى مبادرة رئيسها، إلى إخراجها من الإطار النظري إلى التنفيذي.[32] من خلال لقاءات وعقد اتفاقيات مع كل من دول الخليج العربي و دول شرق الأوسط وشمال إفريقيا و تركيا و روسيا ودول الإتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية. سعيا منها لتجاوز حالة عدم الاستقرار مستقبلا في النظام الدولي قدرا الإمكان، فإنها بدورها تحاول استثمار علاقتها مع الصين للدفع بمصالحها الاقتصادية والسياسية نحو الأفضل. “فعندما نتكلم عن المنطقة الخليجية، فإن الجميع يدرك أهميتها ليس بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني فقط، بل إلى العالمي كله.و أكثر ما تركز عليه الصين هو الجانب النفطي، إذ إن المنطقة تسيطر على نحو 55 من الاحتياطي النفطي في العالم، وإنتاجها من النفط يصل إلى35 من مجموع الإنتاج العالمي، كما تستحوذ على 41 من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. ومن جهتها، فإن الصين هي ثاني بلد في العالم من حيث الاستهلاك النفطي، وحاجتها منه في تزايد مستمر مع ارتفاع النمو الاقتصادي وتزايد الطلب المحلي على النفط مع تراجع حجم إنتاجها منه. وتشير الأرقام إلى أن حاجتها إليه سترتفع بنسبة 150 خلال العام 2020، وذلك مع تزايد الطلب المحلي، الذي يرتفع سنويا بنحو 7.5[33].

وعليه، فليس مستغربا أن يكون هناك اهتمام صيني بدول المنطقة الخليجية النفطية، وذلك من أجل ضمان وصول الإمدادت النفطية الحالية والمستقبلية إليها. ومعلوم أن الصين تستورد النفط من معظم الدول الخليجية [34]. فالمصالح اقتصاديةمع دول الخليج كثيرة لعل أبرزها:

  • حاجة دول الخليج العربية إلى تنويع المصادر لنفطها وغازها، ما جعلها تعطي الصين أهمية كبرى في حساباتها الاستراتيجية لكونها سوقا استهلاكية كبيرة للطاقة بشكل عام، وضمنها النفط والغاز.
  • حاجة الصين إلى النفط والغاز تفرض عليها البحث عن شركاء يتمتعون باستقرار في تصدير النفط كدول الخليج.
  • رغبة الدول الخليجية في الاستثمار المالي في قطاع الطاقة في الصين، وهو قطاع بحاجة إلى رأس المال و التكنولوجية المناسبة من أجل جعل المصافي الصينية مناسبة لنوعية النفط الذي تصدره معظم دول الخليج، وتحديدا نفط الخام الثقيل. وقد رحبت بكين بمثل هذه الرغبة. وتبعا لذلك بدأت السعودية والكويت والإمارات وقطر الاستثمارات في مجال إنشاء مصافي النفط وتطويرها في الصين. وعلى سبيل المثال أنشأت قطر بوابة لها على سواحل الصين من أجل استقبال غازها، كما أنشأت السعودية مخزونا نفطيا في غرب الصين لضمان بقاء إمدادات النفط السعودية مستمرة في حالة حدوث توترات بين دول الخليج قد تؤثر في الإنتاج أو النقل النفطي.
  • رغبة دول الخليج العربية في تنويع جهات استثماراتها بعيدا عن الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا نحو دول الشرق ومنها الصين، التي تعد سوقا استثمارية واعدة لدول الخليج العربية، وبالنسبة إلى لدول الخليج العربية، فإن إقامة علاقات سياسية قوية مع دولة في حجم الصين تساعد على إيجاد نوع من التوازن في علاقتها بالولايات المتحدة.
  • رغبة الصين في إيجاد أسواق استثمارية لشركاتها العاملة في مختلف المجالات، ولاسيما المتعلقة منها بالبنية التحتية التي تعمل دول الخليج العربية بجد لتطويرها. وتسعى الصين بالطبع إلى ضمان إيجاد وظائف لليد العاملة الوطنية المتزايدة. و بالتالي، فإن البحث عن استثمارات لشركاتها في الخارج هو جزء من سياستها لضمان أمن نظامها السياسي واستقراره. وإن استمرار تدفق النفط الخليجي إلى الصين هو مصدر لتحقيق النمو الاقتصادي للاثنين معا، وبالتالي؛ فإن المحافظة على مثل هذا الأمر هو وضع استراتيجي بالنسبة للصين، التي قد بدأت -كما يبدو- تتبع مجموعة من السياسات في سبيل ذلك أهمها:
  • تقوية علاقتها الدبلوماسية بدول المنطقة المنتجة للنفط، ولا سيما السعودية، في مقابل تخليها نوعا ما عن علاقتها بإيران.
  • العمل على حماية خط سير شحن النفط من المنطقة الخليجية إلى الصين من خلال تقوية الوجود العسكري الصيني مع الدول المطلة على طريق الشحن النفطي، وذلك عبر تقوية علاقتها مع كل من باكستان وسريلانكا ولاوس، وفرض وجودها في بحر الصين الجنوبي. كل هذا يشير إلى أن ثمة أبعادا استراتيجية قائمة في العلاقة بين الصين والدول الخليجية العربية، حيث إن مصلحة الطرفين متلاقية أكثر مما هي متباعدة في الوقت الراهن[35].

أما فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، فإلى اللحظة لازالت الصين تعمل وفق استراتيجية لا تعرقل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لأنها تدرك ما يترتب من نتائج على مصالحها إذا ما حاولت تقليص نفوذها، خاصة وأن هذه الأخيرة لها ثقل سياسي واقتصادي وجيوبوليتكي في الشرق الأوسط. تزايد بشكل أكبر بعد نهاية الحرب الباردة. ثم “إن مصالح واشنطن وبكين في الشرق الاوسط متقاربة ومتوافقة بحيث تتجاوز أي خلاف محتمل ” و إذا كان العديد من الباحثين الصيينين رفضوا هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم من حيث المبدأ، إلا أن الصين تعتمد إلى حد كبير على ما تفعله الو.م.أ في الشرق الأوسط، و بخاصة فيما يتعلق بأمن الخليج وحرية تدفق النفط “. و رغم إدراك الصين لمخاطر منطقة الشرق الأوسط من حيث عدم الاستقرار والحروب والتنافس الدولي عليها، فإنها مجبرة على الاستثمار فيها وفي هذا الشأن يرى “فيراسترز” أن مستقبل علاقات الطاقة سيتحدد بما إذا كانت الصين و الو.م.أ ستنظر كل منهما للأخرى على أنها منافس على مصادر الطاقة أم على أسس الشراكة، ويرى أن هذا القرار قد يكون أكثر المحددات لمستقبل العلاقات بين الصين و الولايات المتحدة[36].

ويمكن أن نلخص مصالح الصين في الشرق الأوسط في النقاط التالية:

  • حاجة الصين لتأمين علاقات و روابط قوية و مستقرة مع دول الشرق الأوسط، لا سيما المصدرة للنفط في ظل حاجتها المتزايدة إلى النفط.
  • ضمان حياد دول الشرق الأوسط والحصول على تطمينات على أن لا تكون دولها ملاذا لمعارضي إقليم سينغيانغ-أغور الذين يخوضون صراعا مع الحكومة الصينية للحصول على مطالبهم بتوسيع صلاحيات الإقليم.
  • حاجة الصين إلى جوكر لممارسة قواعد اللعبة السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبما أن هذه الأخيرة تلعب بورقة تايوان للضغط على الصين، فإن الصين بالمقابل يمكن أن تلعب بورقة الشرق الأوسط لإقلاق واشنطن[37].

أضف إلى ذلك كون أن الشرق الأوسط يتمتع من خلال المنظور الإستراتيجي الصيني بميزتين هامتين من حيث السوق: الأولى، قرب هذه الأسواق من الأسواق الصينية قياسا بالأسواق الأميركية أو الأوروبية أو الإفريقية. والثانية توفر القدرة الشرائية لاسيما في الدول البترولية. ولاستثمار قرب أسواق الشرق الأوسط، عززت الصين جهود بعض الدول لإحياء طريق الحرير القديمة، وتم ربط بعض مناطق الصين بكازاخستان كمرحلة أولى، وتم ربط بعض المقاطعات الغربية الصينية بقطار يصل إلى ألمانيا ويختصر مسافة الانتقال من الصين إلى أوروبا من 36 يوما إلى 13 يوما في قطار نقل البضائع عبر هذا الخط.

ويطمح مشروع طريق الحرير الجديد أن يعبر من الصين إلى طاجيكستان وشمال إيران، ثم يتفرع إلى العراق وسوريا وتركيا، وهو ما يعزز نقل البضائع الصينية إلى الشرق الأوسط لاسيما مناطقه الثرية.أما القدرة الشرائية، فتتمثل في التصاعد الكبير لحجم التبادل التجاري بين الصين والمنطقة، إلا أن الاستثمارات الصينية في المنطقة ما زالت لم تصل إلى منحى تصاعدي قياسا بمناطق أخرى[38].

أما الجانب العربي فيسعى هو الآخر إلى تحقيق مجموعة من المصالح في علاقاته مع بكين لعل أبرزها:

  • تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق استقراراً سياسياً ويعالج نسبة كبيرة من مشكلات الفقر والبطالة في معظم البلاد العربية.
  • تطوير التعاون العربي – الصيني في مجالات الأمن في الخليج، بما يحقق التوازن مع الوجود الأمريكي والأوروبي، ويحقق الأمن لدول الخليج، ويحافظ على مصادر الطاقة لحماية الحضارة الإنسانية، والتطور الصناعي الدولي.
  • الاستفادة من تجربة الصين في تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية الاقتصادية، والعمل على رفع معدلات الدخل.
  • الاستفادة من تطور القوة الاقتصادية الصينية ونفوذها السياسي في تحجيم اتجاهات الهيمنة في السياسة الأمريكية المعاصرة، خاصة في سياسات النظام الدولي تجاه الدول العربية.
  • استمرار العمل من أجل تفعيل مشروع المنتدى العربي الصيني وخطة الطريق والحزام لما لهما من تأثير قوي في تقوية العلاقات والتعاون بين الطرفين.
  • نقل التكنولوجيا الصينية إلى الدول العربية.ولتحقيق ذلك لابد من تنسيق فعال بين المندوبين الصينيين، والمندوبين العرب في المحافل الدولية.
  • الاستفادة من الهياكل المؤسساتية الموجودة بين الطرفين والعمل على تفعيلها مثل غرفة التجارة العربية الصينية، وجمعية الصداقة الصينية.
  • العمل على تأسيس هيئات جديدة ومراكز أبحاث جديدة.
  • تكثيف من انشاء التكثيف من إنشاء مشاريع اقتصادية مشتركة[39].

وتبرز أهمية الدور السياسي للصين مع الدول العربية في كونها تملك حق النقض “الفيتو” داخل مجلس الأمن، ومن ثم ففي إمكانها تعطيل صدور أي قرار عن هذا المجلس قد تجده ضارا بمصالحها وعلى رأسها استمرار تدفق النفط إليها، لذا نجدها تحرص دوماً على تفعيل منتديات التعاون العربي الصيني، والإفريقي الصيني، فضلاً عن الوصول إلى اتفاق منطقة التجارة الحرة الصينية الخليجية”[40].ومع تسارع وتيرة المتغيرات الدولية والإقليمية، وبالرغم من أن العلاقة بين الصين والبلاد العربية شديدة التأثر بما يدور على الساحتين الدولية والإقليمية بسبب طبيعة الضغوط التي قد يتعرض لها الجانبان إلا أن الطرفين يسعيان إلى أن تبقى العلاقات قائمة على تحقيق المصالح دون التدخل في شؤون الآخرين.

أما فيما يتعلق بالقارة الإفريقية، فقد أولت لها الصين اهتماما خاصا، نظرا لما لها من أهمية عالمية،” فهي تشكل خزان العالم الإستراتيجي من الموارد الطبيعية، والموارد الأولية، فالقارة تستحوذ على نحو % 10من احتياط النفط العالمي، و % 08من احتياط الغاز العالمي، كما تنتج القارة نحو %80من مادة البلاتين في العالم، و %40من الألماس، و %20من الذهب.

وقد فرضت هذه الأهمية التي تتمتع بها القارة، إضافة للمعطيات الدولية على عدد من القوى العالمية خاصة الصين والولايات المتحدة الأميركية التنافس الشديد على موارد القارة وربطها اقتصاديا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.

فبالرغم من الامتداد التاريخي للعلاقات الصينية- الافريقية، إلا أن هذه العلاقات لم تكتسب حيويتها وأهميتها إلا بعد قيام الرئيس الصيني السابق “جيانغ زيمين”عام،1996بزيارة للقارة الإفريقية شملت عددا من الدول، وطرحه لخطة الاقتراحات الخمسة لإقامة علاقات صداقة صينية- إفريقية مستقرة وأكثر تعاونا في القرن الحادي والعشرين، وشملت هذه المقترحات: إقامة صداقة صينية إفريقية متينة، وتحقيق المساواة بين الطرفين في التجارة البينية، والوحدة والتعاون، والتنمية المشتركة، والنظرة الواحدة للمستقبل. وهذه المقترحات أصبحت الركائز الأساسية للسياسة الصينية تجاه إفريقيا، والتي ارتكزت على تنفيذ مبادرات في مجال تدعيم الوجود الاقتصادي والسياسي الصيني بإفريقيا، وأهم هذه المبادرات:إعادة هيكلة مؤسسات صنع السياسة الصينية تجاه إفريقيا، من خلال إيجاد إدارات خاصة في وزارات: التجارة والخارجية والتعليم والصحة والزراعة والدفاع، وكذلك إنشاء مراكز ومعاهد بحثية مختصة بالدراسات والشؤون الإفريقية، بهدف تنمية العلاقات السياسية الاقتصادية والثقافية الصينية مع الدول الإفريقية.و تشكيل منتدى التعاون الصيني – الإفريقي بهدف التعاون المشترك إزاء التحديات والتغيرات في البيئة الدولية، وتلبية احتياجات العولمة الاقتصادية.

كما تقوم الإستراتيجية بهدف تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومواصلة تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية وبالفعل تمكنت الصين من تحقيق نمو متزايد في علاقتها مع إفريقيا، يميزها وصول الاستثمارات الصينية في إفريقيا عام 2009 إلى نحو 12مليار دولار، كما قدرت القروض التي منحها بنك الصادرات والواردات الصيني للدول الإفريقية جنوب الصحراء في قطاع البنية التحتية وحدها بنحو 12.2مليار دولار خلال نفس العام. كما أسقطت الصين نحو 1.4مليار دولار من قروضها عن 31 من الدول الأقل نموا، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين و إفريقيا نحو 120مليار دولار بعدما كانت في حدود 90 مليار دولار فقط عام 2009″[41].

غدت الصين الشريك التجاري الثاني للقارة سنة 2010 بعد الولايات المتحدة الأمريكية وقبل فرنسا. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين سنة 2012 إلى ما يقارب 198.49 مليار دولار. بحيث شكلت الصادرات الصينية نحو أفريقيا ما قيمته85.31 مليار دولار، أي بنسبة نمو 12.7 بالمئة. أما الواردات فقد بلغت 113.71 مليار دولار. كما و ألغت الصين والقارة الأفريقية الرسوم الجمركية بنحو الضعفين ابتداء من سنة 2012.

لتصبح بعد ذلك، الشريك التجاري الأول لإفريقيا منذ تأسيس المنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، بحيث وصل حجم التجارة بنحو 170 مليار دولار عام 2017، ويأتي النفط والحديد الخام والنحاس على رأس الصادرات الإفريقية إلى الصين وتستحوذ المواد الغدائية على نحو 10 بالمائة من هذه الصادرات، بينما تستورد الدول الإفريقية المواد المصنعة والسلع الاستهلاكية من الصين، كما تعد الأخيرة الممول الأكبر لمشروعات البنية التحتية الإفريقية وتعمل حوالي 30 بالمائة من الشركات الصينية المستثمرة في إفريقيا تعمل في المجال الصناعي، كما بلغ حجم إجمالي الشركات الصينية بالقارة إلى ما يزيد على 10 آلاف شركة[42].

إلا أن العلاقات التجارية بين الصين وإفريقيا من حيث الصادرات ترتكز على عدد قليل من الدول الأفريقية؛ جنوب إفريقيا، ومصر، ونيجيريا، والجزائر، والمغرب. في حين أن 70 بالمئة من الواردات الصينية. تأتي من أربع دول، وهي أنغولا، وجنوب أفريقيا، والسودان، وجمهورية الكونغو.

و أمام صعود الصين في المبادلات التجارية لهذه الدول أصبحت الصين تتحكم في العديد من الأسواق الإفريقية، كنيجيريا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، والكوت ديفوار، والكاميرون، وهو ما نتج منه تراجع الدور الفرنسي في هذا الجانب[43].

وقد عكست هذه الطفرة في العلاقات الاقتصادية اهتماما صينيا بتحقيق أربعة أهداف هي: نفاذ المنتجات والاستثمارات الصينية إلى الأسواق الإفريقية، وتأمين مصادر المواد الخام، والترويج للدبلوماسية الصنية للتنمية، وتنمية علاقات استراتيجية جديدة، وقد جاء طرح الصين لمبادرة الحزام والطريق ليعطي دفعة جديدة للعلاقات الاقتصادية المتنامية بين القوة الصاعدة ودول القارة الإفريقية. وعلى إثر ذلك أعلنت مجموعة من الدول الإفريقي دعمها للمبادرة ووقعت على إثرها اتفاقات مع للصين للاستفادة منها[44].

نستخلص مما سبق أن ” للصين رؤية استراتيجية تجاه القارة الإفريقية ترتكز على التعاون الاقتصادي والتجاري وتقديم المساعدات المالية والقروض دون شروط سياسية مسبقة، ودون التدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة ودعمها للوصول إلى نظامين سياسي واقتصادي عادلين في إطار النظام الدولي، أكثر فاعلية و ديناميكية، والعامل المحدد هنا هو عامل الثقة. في الوقت الذي ترتكز استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية إزاء إفريقيا على البعد الأمني والجيو- سياسي كخيار لتكريس وتحقيق السيطرة الاقتصادية والتجارية على القارة الإفريقية من جهة، والتقليل من تنامي نفوذ الصين وغيرها من القوى الدولية الأخرى”[45].

وتعكس الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في إفريقيا المبدأ الحاكم للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد دونالد ترامب، وهو إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية في الداخل والخارج بحسب ما كان قد أعلن عنه مستشار ترامب للأمن القومي سابقا جون بولتون وهي ترابط أهداف السياسة الأمريكية في القارة ومن أهمها الدفع بالعلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الإفريقية على أساس متكافئ بما يحقق مصالح الشركات الأمريكية، ويحمي الأمن القومي الأمريكي في مواجهة النفوذ الاقتصادي والسياسي المتنامي للصين.

وفي هذا الإطار تنتقد الاستراتيجية الأمريكية الدور الصيني في القارة، والذي يقوم على بناء صفقات اقتصادية ضخمة مع الدول الإفريقية، وعدم احترام القواعد البيئية والأخلاقية، التي تلتزم بها برامج المساعدات الأمريكية، وإغراق الدول الإفريقية بالديون للسيطرة على مواردها الاقتصادية. ولمواجهة هذا الدور، طرح بولتون مبادرة جديدة هي مبادرة “رفاهية إفريقيا” لدعم الاستثمارات الأمريكية، وتحسين مناخ الاستثمار في القارة، كما طرح البدء في التفاوض على المستوى الثنائي لعقد اتفاقيات تجارية جديدة مع دول القارة، خاصة مع الشركاء الأساسيين الذين يسعون إلى تحسين نمط الحكم وتعزيز الشفافية. وتزعم هذه الاستراتيجية الجديدة بأن الهدف من هذه المبادرة ومن سياسة التعاون الاقتصادي الأمريكي -الإفريقي هو تحقيق الاستقلال والنمو الاقتصادي لإفريقيا، بدلا من التبعية وفخ الديون الدي نصبته الصين لدولها. وتضاف هذه المبادرة لآليات مستحدثة أخرى لدعم المصالح الاقتصادية الأمريكية في إفريقيا، لعل أبرزها تأسيس الشركة العالمية لتمويل التنمية التي وافق الكونغرس الأمريكي في العام 2018 على إنشائها. وستوفر الشركة نحو 60 مليار دولار كقروض لدعم الاسثتمارات الأمريكية، بما يعزز من منافستها للشركات الصينية[46].

إذن، فإن نهج الصين اتجاه إفريقيا يمثل تحديا رئيسيا للمصالح الأمريكية- يلخصها المسؤولون الأمريكيون بين قوسين في تعزيز الديمقراطية والتنمية المستدامة والاستقرار الأمني-، وذلك لأن التمويل الصيني يتدفق إلى إفريقيا دون قيود، الأمر الذي جعل بكين بديلا سهلا عن المساعدة الإنمائية المشروطة من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية متعددة الأطراف، مما يقلل من جهد واشنطن التحكم في الدول الإفريقية ومؤسساتها، على أساس مزاعم تشجيع التنمية المستدامة والنظم الديمقراطية[47].

و فيما يخص العلاقة أو الشراكة الصينية التركية بدأ في سنة2008 الدخول الفعلي للبلدين في مرحلة من التعاون الاستراتيجي، والدليل على ذلك حجم التبادل التجاري بين البلدين واللقاءات الدبلوماسية المكثفة والرفيعة المستوى بينهما، والتشابه إلى حد ما في وجهات النظر المتعلقة بالقضايا الدولية السياسية والاقتصادية المطروحة على طاولة مجلس الأمن أو في إطار مجموعة الدول العشرين، كما أن هذا التعاون له أهمية اقتصادية بالنسبة للصين من حيث مجموعة من النقاط ولعل أولها الموقع الإستراتيجي لتركيا الذي يسهل دخول المنتج الصيني ” للسوق الأوروبية من الناحية القانونية واللوجستية وكذا مواردها البشرية الشابة، وطاقاتها العمالية التي تسد حاجات المشاريع الاستثمارية، أضف إلى ذلك الفرص المتاحة للاستثمارات الخارجية والإعانات المالية التي تتاح للمستثمرين.

في العام 2012 ساهمت الصين في إطلاق القمر الصناعي التركي “غوكتورك – 2 ” في إطار التعاون في مجال الفضاء،[48]. كما واتفق البلدان على “زيادة حجم التجارة السنوية بينهما إلى أن يصل إلى مائة مليار دولار أمريكى بحلول عام 2020. “[49].

كما وتوصل البلدان في سنة 2012 إلى اتفاق لتبادل العملات بقيمة 10 مليارات يوان وفي2015 تم تمديد فترة الاتفاقية لمدة 3 أعوام لتصل القيمة إلى 12 مليار دولار”أمريكي، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون المالي وضمان التوازن ودعم التجارة والاستثمار الثنائي وضمان الاستقرار الإقليمي المالي وتلبية احتياجات المؤسسات الاقتصادية في البلدين لتخفيض تكاليف تبادل العملات، وتسهيل استخدام العملتين في التجارة والاستثمارات عبر الحدود، إذ مكنت الأعضاء المعاملين في سوق العملات الأجنبية بين البنوك والمؤسسات من التعامل بشكل مباشر في تعاملاتهم بالليرة التركية واليوان الصيني.

في مايو من عام 2017، شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة «طريق الحرير» في بكين، والتي كانت بمثابة إطلاق رسمي لرؤية المشروع الذي تلعب تركيا فيه من الناحية الجيوبوليتيكية دوراً محورياً. ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن تركيا حصلت على حزمة قروض من مؤسسات مالية صينية، بقيمة 3.6 مليار دولار، وذلك لصالح القطاع الخاص والمؤسسات المهتمة بالاستثمار في مجالي الطاقة والمواصلات على وجه الخصوص[50].

في عمومه، يبقى هذا التقارب الصيني التركي وليد ظروف طبيعية لنمو البلدين الأول عالميا والثاني إقليميا، وباتت ثمة حاجة ماسة لكل منهما للآخر أخذا بعين الاعتبار المصالح الوطنية والقومية للبلدين، والعمل بشكل مشترك على الانتقال بالعلاقة من المواجهة إلى خلق صيغ استراتيجية لتعاون مستقبلي في ظل المواقف الأميركية والأوروبية و البحث من طرف الجانبين عن بدائل أخرى[51].

لا يأتي مثل هذا الخيار من دون تكاليف بطبيعة الحال. القوى الغربية ترى في هذا التوجه تحولاً في خيارات تركيا الإستراتيجية، ولذلك تنظر إليه بشكل متزايد على أنه موجه ضدها. في المقابل، تبحث القوى الصاعدة الأخرى إلى استغلال تركيا سياسياً من أجل تفكيك المعسكر الآخر و تشتيته”[52].

و فيما يتعلق بالشراكة الصينية مع روسيا،فالتعاون الشامل بين البلدين ممكن بفضل ارتفاع مستوى العلاقات السياسية بين البلدين، كما و تربطهما أواصر من الصداقة والعلاقات التاريخية بالإضافة إلى الشراكة التي تجمعهما في الكثير من مجالات التعاون. و العلاقات التجارية والاقتصادية المستقرة،إلى الآن وقد حافظت الصين إلى الآن على مكانتها كأكبر شريك تجاري لروسيا لمدة سبع سنوات متتالية، [53] ففي سنة 2018 فقط، تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا 100 مليار دولار أمريكي مسجلا بذلك رقما قياسيا جديدا في التاريخ.

وتحتل روسيا مكانة رئيسية في خطة الصين الاقتصادية (الحزام والطريق) التي تتيح مجالا أكبر للتعاون بين البلدين في إطار المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، فإن الصين وروسيا، مع مزايا اقتصادية تكاملية، ستتمكنان من زيادة استغلال إمكاناتهما من خلال إقامة تعاون عملي في مختلف المجالات، وهو المتوقع أن يحدث بالفعل بعد توقيع الرئيس الصيني شي جين بينغ وبوتين إعلانا مشتركا بشأن التعاون في ربط بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مما وضع مخططا جديدا على المستوى الاستراتيجي لتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات:الطاقة والطيران والملاحة الفضائية والبنية التحتية، وفي مجال التكنولوجيا الفائقة وتجارة المنتجات الزراعية والتجارة الإلكترونية. وكذا العمل بشكل مشترك على إنهاء مشاريع تاريخية، كخط المسار الشرقي للغاز الطبيعي بين الصين وروسيا، وجسر تونغجيانغ للسكة الحديدية، وجسر طريق سريع عابر للحدود.[54] و العمل أيضا على تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية بين دول أوراسيا، لنقل البضائع من الشرق إلى الغرب بشروط ميسرة.[55].

وتعد آسیا الوسطى مجالا حیویا تقلیدیا للنفوذ الروسي، و امتدادا طبیعیا للمساحة المترامیة الأطراف لروسیا القیصریة التي ألحقت الهزیمة بالأقالیم التي تشكل الیوم جمهوریات آسیا الوسطى في القرن التاسع عشر و ألحقتها بها، و خضعت بعدها تلك الجمهوریات للاتحاد السوفییتي، و لكن بعد تفكك هذا الأخیر و حصول تلك الأقالیم على استقلالها، أصبحت روسیا أمام تحدي الحفاظ على هذه الجمهوریات في نطاق نفوذها و سیطرتها حتى بعد استقلالها، في ظل تحولها إلى محور للتنافس بین القوى الكبرى للاستفادة من حیویة موقعها و ثرواتها النفطیة و الغازیة، و تقف الصین على رأس هذه القوى لما تمثله المنطقة من أهمیة لها على مختلف الأصعدة. ویتم التفاعل بین الصین و روسیا في منطقة آسیا الوسطى على ثلاث مستویات رئیسیة:

المستوى الأول: حاجة الصین للموارد الطاقية الروسیة: فبینما تعاني الصین من عدم كفایة إنتاجها المحلي من النفط و الغاز بل وترتبط بالنفط المستورد من الخارج، تأتي روسیا في مقدمة الدول المنتجة للنفط و الغاز الطبیعي. بل وتعتبر عملاق طاقيا بكل المقاییس، إذ تمتلك 26 %من الاحتیاطیات العالمیة المؤكدة من الغاز الطبیعي،و7 %من المخزونات العالمیة المؤكدة من النفط،و 17 %من احتیاطیات الفحم، و احتیاطیات بالغة الأهمیة من الیورانیوم و الموارد المائیة اللازمة لتولید الطاقة، و یعد قطاع الطاقة أكثر القطاعات استقرارا و نموا في الاقتصاد الروسي. ولذلك تتطلع الصین إلى تلبیة جزء من حاجاتها الطاقية من النفط و الغاز الروسیین، و خاصة من الموارد النفطیة والغازیة الواقعة في سیبیریا و المناطق الشرقیة القصوى لروسیا، و أصبحت إمكانیة التعاون في المجال الطاقي ممكنة بین البلدین مع التغیرات في الوضع الدولي و في العلاقات الروسیة الصینیة في الوقت الراهن. [56]

المستوى الثاني: إن لروسیا سیطرة كاملة في المطقة و احتكارا واسعا لمنظومة خطوط الأنابیب لتصدیر النفط و الغاز، فإذا أرادت الصادرات الكازاخیة و التركمانیة الوصول إلى الأسواق العالمیة، یتوجب علیها المرور بمنشآت خطوط الأنابیب و الأراضي الروسیة، و من سلبیات هذه الحالة من التبعیة وجود صعوبات في التفاهم مع روسیا حول حصص النقل و الأسعار و مستویات و أشكال الدفع، مما یجعل التصدیر عبر روسیا خیارا غیر مستحب لدى تركمنستان و كازاخستان، و هو ما تسبب في عدة حالات من انقطاع الإمدادات عبر خطوط الأنابیب المارة بروسیا.

المستوى الثالث:أن روسیا تعمل من أجل الحفاظ على سیطرتها على طرق النقل ومعارضة أي مشاریع یمكن أن تتیح لأوروبا بدائل أخرى للتزود بمصادر الطاقة فالسیطرة على الإمدادات النفطیة و الغازیة یعد من بین مكونات استراتیجیة الطاقة الروسیة. كي تكون قادرة على إملاء الأسعار و التحكم فیها خاصة في أوروبا.[57]

ومن خلال ما تقدم، يمكن أن نقول أن بناء شراكة قوية بين البلدين رهين بالطموحات الروسية في بناء الإتحاد الأوراسي من جهة، وبين الطموحات الصينية في بناء مبادرة الحزام والطريق.

وفيما يتعلق بالشراكة الصينية مع دول الإتحاد الأوروبي، فقد شهدت العلاقات بين الطرفين نموا متصاعدا خلال العقدين الأخيرين، وللتدليل على أهمية الشراكة التجارية بين العملاق الصيني والقوة الاقتصادية الأوروبية الكبيرة فقد بلغت المبادلات التجارية خلال عام 2018 وفقا للإحصائيات الرسمية أكثر من 682 مليار دولار أمريكي وهو رقم كبير في إطار العلاقات التجارية بين بكين وبروكسل.

إن الشراكة بين الصين والاتحاد الأوروبي تحمل الآن أهمية غير مسبوقة في ضوء الوضع الدولي المعقد حاليا.[58] فالسلوك السلبي لإدارة الرئيس الأمريكي ترامب والدخول في حرب تجارية مفتوحة مع الكتلة الأوروبية وعملاق آسيا الصين وفي ظل المصالح التي تعد هي الإطار الأوسع للعلاقات الدولية (؛) فقد شعر الطرفان بأن تعزيز تلك الشراكة يوجه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن الخيارات في إطار تنشيط الشراكات التجارية الدولية لا تزال ممكنة.[59]طبعا في إطار الاتفاق على ضرورة تعزيز الحوار من أجل عالم متعدد الأطراف، وعلاقة اقتصادية قوية يمكن أن تتكاثر فيها المبادرات، سواء الصينية، “طريق الحرير الجديد”، أو الأوروبية، باعتبار الأخيرة الشريك الاقتصادي الأول للصين.[60] بمعنى العمل على خلق “روابط جديدة للتوازن”، أي عالم متجدد ومتعدد الأطراف، يكون فيه التنافس ضرورياً، ومصالح متبادلة لا هيمنة أحادية الجانب.

إن المشروعات الكبرى التي جاءت ضمن مبادرة “الحزام والطريق” التي ستنجز بأوروبا هي كالتالي: ممر البري-البحري السريع بين الصين وأوروبا، وخدمات قطار بضائع، وخط السكك الحديدية بين عاصمتي صيربيا والمجر، وجسر عابر لنهر الدانوب في بلغراد، ومحطة كوستولاك لتوليد الكهرباء في صيربيا، وخط أنابيب الغاز بين الصين وآسيا الوسطى. [61]

لا يقتصر التعاون في مبادرة الحزام والطريق على بناء البنية التحتية، بل يحقق أيضا اختراقات في مجالات التمويل وحماية البيئة والتكنولوجيا المتقدمة. مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا التي زار ها سنة 2018 رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ ووقع خلالها على اتفاقية بمليارات الدولارات بين شركات التكنولوجيا الصينية والهولندية؛ وكذلك، قررت شركة Vaux الهولندية لتصنيع البطاريات استثمار 85, 1 مليار دولار أمريكي في الصين لإنشاء مشروع هندسة بطاريات الليثيوم في منطقة دلتا نهر اليانغتسي وتأسيس قاعدة بحوث لها في الصين. يشار إلى أن مصنع بطاريات الليثيوم سيدخل حيز التنفيذ في 2021. و سوف تسهل الصين شروط دخول السوق للسيارات. وفي يوليو 2018، حضر لي كه تشيانغ وأنجيلا ميركل المنتدى التاسع للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين الصين وألمانيا في برلين، وتم التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون الرفيعة المستوى في مجالات مثل القيادة الذاتية.[62]

كما وقعت الصين مع فرنسا اتفاقية تجارية تفوق قيمتها 30 مليار دولار، وبالمقابل لم تتجاوز قيمة الاتفاقيات التجارية الصينية مع إيطاليا 2،5 مليار دولار فقط؛ وهو ما يعني أن غاية الصين من إشراك إيطاليا في طريق الحرير الصينية هي غاية سياسية واستراتيجية أكثر منها تجارية. فبفضل إيطاليا يمكن للصين أن تصل إلى قلب أوروبا، وتضع قدما لها في البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من الموانئ الإيطالية مثل باليرمو وجنوة، بمقابل ضخ استثمارات صينية تساعد إيطاليا في الخروج من أزمتها والرفع من معدلات صادراتها إلى الصين لتتجاوز المعدل الحالي أي 13 مليار دولار، وبالتالي التخلص من فكي جيرانها في الشمال ألمانيا وفرنسا، خاصة بعد توقعهما لاتفاقية أكْويسْغْرانا في يناير 2019. كما سيسمح لإيطاليا العودة إلى ساحة العلاقات الدولية كفاعل مؤثر في معادلة النظام العالمي الجديد، كما كانت أيام الفنيزْيانو ماركو بولو.[63]

ومن هنا فإن التقارب التجاري والاستثماري والشراكة المتواصلة يعد مفيدا للطرفين الأوروبي والصيني، فالجانب الأوروبي يواجه العملاق الأمريكي على الضفة الثانية من الأطلسي ورغم التحالف الأهم في العالم بين الجانبين حيث وجود الناتو والأمن المشترك إلا أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب أضعفت هذا الجانب كثيرا وتتحدث عن ضرورة دفع الجانب الأوروبي للأموال وزيادة الرسوم الباهظة على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة خاصة الصلب والتهديد بفرض رسوم على السيارات الألمانية تحديدا.[64]

وعلى ضوء تلك المشكلات التجارية التي دفع بها ترامب،بدأت أوروبا البحث عن خيارات أخرى، وبدا للصين خيار مناسب لتجاوز الحماية الأمريكية، بالمقابل شكل هذا الحدث فرصة تاريخية للصين لتسارع في تنزيل مبادرة الحزام والطريق على أرض الواقع.

و فيما يتعلق بالشراكة الصينية مع دول أمريكا الجنوبية، فإنه يتبدّى أن نفوذ الصين المتزايد على الشؤون الدولية قد أصبح أكثر وضوحاً مما كان عليه في أمريكا اللاتينية، وهي منطقة تعتبر بمثابة “الفناء الخلفي” والظهير الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي المحطة التالية في التوسع العالمي للأجندة الصينية مع تزايد التوجهات الصينية تجاه أمريكا اللاتينية لما لديها من موارد طبيعية وفيرة وقاعدة جيدة للنمو الاقتصادي وإمكانية التطور الهائل لاقتصاداتها الناشئة.

إن الصين التي خرجت من العديد من الأزمات المالية العالمية التي تعرضت لها وكان آخرها في عام 2007- 2008 ومن بعدها تطور النمو الاقتصادي للصين، وزادت الصادرات وارتفع معدل الإستثمار الاستثمار في الصين إلى نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي،و تتمتع الصين بصورة إيجابية بين بلدان أمريكا اللاتينية. و ينظر إليها بأنها شريك جيد وذو مصداقية” [65]، فيما تنظر إليها الصين على أنها جزء مهم من العالم النامي، وتلعب دورا متزايد الأهمية فى الشؤون الدولية والإقليمية. إن تطوير علاقات الصداقة مع الدول النامية بما فيها أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى له الموقف الأساسى للسياسة الدبلوماسية الصينية[66].

بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية للتجارة الثنائية بين الجانبين حيت باتت الصين ثاني أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فبكين لديها مصالح إستراتيجية في أمريكا اللاتينية كمصدر للطاقة والواردات الزراعية والموارد الطبيعية الأخرى، فالصين تسعى إلى تنويع وارداتها من الطاقة بأكبر قدر ممكن، خاصة مع تردي وتدهور الأوضاع نسبياً في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، فبكين كانت منذ فترة طويلة على علاقة جيدة مع دولة مهمة مصدرة للنفط وهي فنزويلا، وسعت على نحو متزايد للاستثمار في صناعة النفط في البرازيل. وكانت أمريكا اللاتينية تحصل على 11.4% من إجمإلى الاستثمارات المباشرة الصينية عام 2011 مما جعل المنطقة ثاني أكبر متلق للاستثمارات الصينية المباشرة وراء هونج كونج فقط، وقفزت الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية من 1 إلى 9% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه المنطقة.

لقد تعاظم زخم الشراكة الإستراتيجية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مع “انعقاد منتدى التعاون الأول بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبيCELAC”، في العاصمة الصينية بكين، وهو المنتدى الأول من نوعه بين الصين ودول تجمع سيلاك، وكان البند الرئيسي لأعمال المنتدي هو وضع لوائح وقواعد لإقامة اللقاءات وتوفير ضمانات لتنفيذ الخطط المشتركة وتشكيل توافق سياسى. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن تجمع سيلاك الذي تأسس في ديسمبر عام 2011 في العاصمة الفنزويلية كراكاس يضم 33 دولة من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي إضافة إلى المكسيك. و طرح برنامج عمل للتعاون بين الصين وأمريكا اللاتينية من عام 2015- 2019، حيث طرحت بكين بعض الأهداف الطموح التي تسعى إلى تحقيقها مع دول تجمع سيلاك، وذلك لزيادة استثماراتها المباشرة في منطقة أمريكا اللاتينيةإلى 250 مليار دولار بحلول عام 2025، وتعهدت الصين أيضاً بزيادة حجم التجارة الثنائية إلى 500 مليار دولار في نفس الإطار الزمني. إلا أن الحجم الهائل والقدرة التنافسية للصناعة الصينية مثلت ضغوطاً على العديد من الشركات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية خاصة المكسيك التي تحملت العبء الأكبر من القدرة التنافسية الصناعية الصينية، إضافة إلى وجود عجز تجاري كبير في الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين يقدر ب 57 مليار دولار قيمة البضائع الصينية المصدرة للمكسيك مقابل 5.7 مليار دولار قيمة الصادرات المكسيكية لبكين[67].

وقد أظهرت بيانات نشرتها وزارة الخارجية الصينية أن علاقات التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية حققت 233.76 مليار دولار أمريكي في 11 أشهر الأولى من عام 2017 مايمثل زيادة بنسبة % 18.3 على أساس سنوي[68]. لقد دأب قادة الصين الجدد، على ضرورة تطوير علاقات صداقة قوية وشراكة مع الدول اللاتينية والكاريبية يجب أن تتسم بالاحترام والثقة المتبادلين على الصعيد السياسي، والتكامل على الصعيد الاقتصادي، والتبادل على الصعيد الثقافي، مع ضرورة إنشاء آلية شاملة للتعاون تتخذ من المنتدى الصيني اللاتيني نواة لها.

لقد رفعت بكين شعار النهضة السلمية، والتسويق لنفسها في دول أمريكا اللاتينية باعتبارها مثالاً للقضاء على الفقر، بعيداً عن الليبرالية الغربية المتوحشة.[69]

إن انفتاح السوق في دول أمريكا اللايتينية سيكون له تأثير إيجابي على الصين، ذلك لأن هذه الأسواق، تفتقد التكنولوجيا التي تمتلكها الصين، ومن ثم ستصدر لهم الصين الآلات، والأيدى العاملة، ما سيجعل الصين تحقق مزيدا من النمو الاقتصادي.

ودعوة الرئيس الصيني إلى ضرورة العولمة الاقتصادية، وعمل منطقة تجارة حرة فى منطقة آسيا والهادي، تأتي متزامنة مع إجراءات دونالد ترامب، بالانسحاب من العولمة الاقتصادية، والانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الهادي، وهى كانت تهدف إلى عمل منطقة تجارة حرة بين أمريكا ودول الجوار الأسيوي للصين بهدف تنمية هذه الدول في مواجهة الصين، ما يعنى أنها فرصة جيدة أن تقوي الصين نفسها وتحقق أيضا التنمية لهذه الدول التي ستشترك معها في العولمة الاقتصادية، بدون أي تدخل من الولايات المتحدة الأمريكية، ما سيجعل الرئيس الصيني يتمسك بضرورة تقليل الإجراءات الحمائية، ودعم الانفتاح مستغلا بذلك الفترة الرئاسية لترامب الذي عمل على ضرورة اتخاذ إجراءات حمائية[70].

وفي القمة لمنتدى “مبادر الحزام والطريق” لسنة 2019 تم توقيع اتفاقات تجاوزت قيمتها 64 مليار بحضور نحو 5 آلاف مشارك من أكثر من 150 دولة و90 منظمة دولية. [71]

وخلال هذه القمة أكد الرئيس الصيني أن مبادرة “الحزام والطريق” ستواصل رفض “الحمائية”، في انتقاد صريح للولايات المتحدة التي تبنت سياسات أكثر حمائية في عهد الرئيس دونالد ترامب. [72] فيما أصرت واشنطن على اعتبار مبادرة “الحزام والطريق” فخا يستهدف إيقاع الدول النامية في ديون لا يمكنها تحمله، وأنها ” عرض غير اقتصادي” حسب ما جاء في تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، كما كشفت الدراسة البحثية التي أعدتها مجموعة “سي فور إيه دي إس” أن برنامج البنى التحتية الصيني الضخم، الذي أعلنت بكين أنه يستهدف النهوض بالتجارة والنمو الاقتصادي على مستوى العالم خصص في الواقع لتوسيع نطاق النفوذ السياسي والوجود العسكري الصيني. وفحصت مجموعة “سي فور إيه دي إس” وثائق سياسية صينية رسمية وتقارير غير رسمية لمحللين صينيين لتحليل نوايا بكين في هذا الصدد كما فحصت المجموعة 15مشروعا من مشروعات الموانئ، التي تمولها الصين، وخلصت إلى أنها لا تستند إلى مبدأ التنمية الاقتصادية القائمة على الكسب المشترك بالنسبة للدول المضيفة منفردة، كما تقول بكين، بل إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي في المقام الأول. [73]

في الواقع أن طريق الحرير الجديد سيؤدي إلى تحويل مركز الثقل العالمي من المحيط الأطلسي إلى اليابسة الأوراسية. ويمر الطريق بتنوع هائل في الثقافات والأمم والمعتقدات والمؤسسات والدول ذات السيادة. وعليه تطل ثقافات عظمى أخرى – روسيا والهند وإيران وتركيا – وفي أقصى أطرافها دول أوروبا الغربية، كل واحدة منهما سيتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستنضم إليه أو تتعاون معه أو تعارضه وتتصادم معه، ما سيسفر عن تغيرات في السياسة الدولية مستقبلا،[74] وبالأخص بين العملاقين الإقتصاديين.

بل يرى العديد من الخبراء أن المعركة الاقتصادية و التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة قد بدأت فعلا، بل هما في قلب هذه المعركة. فمبادرة الحزام والطريق الصينية و”صنع في الصين 2025″، علاوة على نمو نفوذ شركات صينية مثل هواوي وعلي بابا، كلها ساهمت في تعزيز هذا القلق الذي لخصه نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس “بالعدوان الاقتصادي ” عوضا عن “الشراكة”. وهذا التصريح يدعمه أندرو غيلهولم، مدير شعبة تحليل الصين لدى معهد “كونترول ريسكس” الاستشاري، قائلا ” الصين أكثر وضوحا بكثير فيما يتعلق بطموحاتها في السنوات الأخيرة.

لذا تلجأ الولايات المتحدة الأميركية إلى تقييد الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة وتحديد قدرة الشركات الأمريكية على تصدير التقنيات إلى الصين ومواصلة الضغط على الشركات الصينية، و كلها أساليب قد تؤتي أكلها على المدى القريب على الأقل، و يمكن أن يكون لها تأثير بعيد المدى كذلك.[75]

و في مواجهة طريق الحرير الصيني، الذي وصل إلى دول عدة في آسيا وأوروبا وإفريقيا اتخذت الولايات المتحدة الأميركية خطوات نحو إنشاء تكتل عالمي جديد للسيطرة على الطرق والمنافذ الدولية، وذلك من خلال نقاش مشروع بنية تحتية دولية مشتركٍ كبديل لمبادرة الحزام والطريق مع أستراليا والهند واليايان. [76]

ومن خلال ما سبق يبدو أن معالم الصراع على الهيمنة الاقتصادية والتجارية الدولية قد بدأت تتعاظم في العقد الثاني من الألفية الثانية و قد تتسع رقعتها في المستقبل. ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب تجارية لن تنجم عنها خسارة الطرفين فقط بل خسارة الاقتصاد العالمي قاطبة، خصوصا ما يشهده النظام الاقتصادي العالمي من كساد اقتصادي جراء توقف الحياة الاقتصادية بسبب جائحة فيروس كورونا وما ترتب عنها من تصعيد في التوتر بين البلدين نتيجة الاتهامات المتبادلة بينهما حول من المتسبب في الأزمة التي خلفت أضرارا كبيرة بالنظام الاقتصادي العالمي، كل هذه الأمور ستساهم إلى تقويض النظام القائم في التجارة العالمية، وهو ما تعيه الإدارة الأمريكية جيداً، ولكنها تعتبر التصعيد جزء من الإجراءات اللازمة لجني أكبر مكاسب ممكنة.

إلا أن هذا التصعيد لابد أن يكون أكثر اتزانا لأن الخسائر ستطال الجميع خصوصا ما بعد أزمة كورونا التي كانت لها تأثيرات مباشرة على اقتصادي البلدين، لأن المصالح المتبادلة والتنازل شر لا بد منه في ظل ما يشهده النظام الدولي من تحولات هيكلية خصوصا في شقه الاقتصادي. بحيث أحدثت أزمة فيروس كورونا كوفيد 19 هزة وأزمة مالية خانقة ستؤثر بشكل فعلي على الكتل الاقتصادية الرئيسية وعلى رأسها الولايات المتحدة، الصين، وذلك بفعل توقف أنشطة الإنتاج وتعطيل مختلف أوجه الحياة الاقتصادية الأمر الذي كان له تداعيات على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية.

إذن فالعلاقات الصينية الأمريكية كانت تعيش خلافا تجاريا حادا قبل أزمة فيروس كورونا فهل تشكل جائحة فيروس كورونا فرصة ذهبية لسد الفجوة بين البلدين ومحاربة العدو المشترك أي كوفيد 19، أم ستشكل الأزمة فرصة لتعميق الخلافات وتأجيج الصراع بين واشنطن وبكين، خصوصا أن الأخيرة استغلت أزمة جائحة كورونا من أجل إبراز نفسها كقوة كبرى بطريقة غير تقليدية ومثالية تهدف من خلالها تقويض دور الولايات المتحدة ومن ثم التمهيد لتحقيق مكاسب نوعية عبر إعادة رسم معالم نظام اقتصادي عالمي تكون فيه الصين أكثر قوة من ذي قبل. لكن على الرغم من المحاولات الصينية فإن النظام العالمي لن يتغير في ظل هذه الأزمة الصحية العالمية بالشكل الذي تريده الصين عن طريق قلب موازين القوي العالمية لصالحها، بل على الرغم من الكساد الاقتصادي الذي يشهده العالم، وما له من آثار كبيرة خصوصا على الاقتصاد الأمريكي، فستظل الولايات المتحدة في وضعية الريادة على الرغم من استفادة الصين النسبية من الوضع الراهن[77].


الهامش

[1]– حذفاني نجيم، العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون –فترة ما بعد الحرب الباردة-،جامعة الجزائر 3 كلية العلوم السياسية والإعلام قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2011، ص: 106.

[2]– نزھان محمد سھو، الأزمة المالية العالمية الراهنة المفهوم…الأسباب…التداعيات، مجلة إلادارة والاقتصاد، العدد الثالث والثمانون/ 2010، ص: 264.

[3]– حذفاني نجيم، العلاقات الصينية الامريكية بين التنافس والتعاون –فترة ما بعد الحرب الباردة-،مرجع سابق، ص: 61.

[4]– نفس المرجع سابق، ص: 62.

[5]– جوزيف إس ناي: مستقبل القوة، – ترجمة أحمد عبد الحميد نافع، المركز القومي للترجمة، 2015، ص80.

[6]– الصين ستظل محرك نمو الاقتصاد العالمي، على موقع الصين اليوم، 6 مارس 2016، مرجع سابق.

[7]– صندوق النقد: تصعيد الحرب التجارية بين أمريكا والصين يضر الصناعات والوظائف، موقع REUTERS،3أبريل 2019، الرابط:  https://bit.ly/3kdcvXd.

[8]-شريف شعبان مبروك، الاحتواء والمشاركة: الإستراتيجية الأمريكية في آسيا، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 13 مارس 2016، الرابط: https://bit.ly/2BWAHfn

[9]– محمد عمر، توجه ترامب نحو آسيا..مآلات النجاح والفشل، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 15 نوفمبر 2017، الرابط

[10]– عمار شرعان، السياسة الخارجية الصينية في الشرق الاوسط بعد الربيع العربي، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية برلين المانيا، 2017، ص 109.

[11]– حكمات العبد الرحمان، الصعود السلمي للصين، سياسات عربية، العدد 14. ماي 2015،ص:65

[12]– ترامب يدرس “غرامة” كبيرة على الصين عن السرقة المزعومة للملكية الفكرية، موقع اليوم السابع، بتاريخ 17 يناير 2018، الرابط.

[13] – فريدريك ويليام إنغدال،الرهانات الحقيقية على الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، موقع KTEHON، بتاريخ 07.09.2018، الرابط : https://bit.ly/30qEjzH.

[14]– ترامب يعلن فرض رسوم على بضائع صينية بـ200 مليار دولار، موقع روسيا اليوم، بتاريخ 18 سبتمبر 2018، الرابط: https://bit.ly/3fta8My.

[15]– أحمد ذكر الله، التصعيد التجاري الأمريكي الصيني الخسائر للجميع، موقع العربي الجديد، 2018، ص: 5-6.

[16]– جوزيف إس ناي،مستقبل القوة، مرجع سابق، ص: 94.

[17]– دلال العكيلي، حرب الملكية الفكرية، شبكة النبأ المعلوماتية، بتاريخ 19 مارس 2018،الرابط: https://bit.ly/3kc0qBx.

[18]– أمريكا تتهم الصين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، موقع سبوتنيك عربي، 23 مارس 2018، الرابط: https://bit.ly/3k3HrsW

[19]– أحمد ذكر الله، التصعيد التجاري الأمريكي الصيني الخسائر للجميع،ص: 6-7.

[20]– ترجمة- هشام عبدالرؤوف،الاقتصاد العالمي يتجه لمزيد من النمو الاقتصادي، الوطن، 23يناير العدد 3500..

[21]– سيف الهرمزي، مقتربات القوة الذكية الأمريكية كآلية من آليات التغيير الدولي الولايات المتحدة الأمريكية أنموذجا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016،ص: 16.

[22]– قوة تكنولوجية عالمية صنع في الصين 2025، جريدة الاتحاد الإماراتية، بتاريخ 18 يونيو 2018، الرابط: https://bit.ly/31ilcH3

[23]– صنع في الصين 2025 خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بقطاع التكنولوجيا، العين الإخبارية، بتاريخ 19 يوليو 2017، الرابط: https://bit.ly/31eAxIM

[24] – إيهاب خليفة: الصراع الأمريكي-الصيني على التكنولوجيا فائقة الفضاء، مرجع سابق، ص: 90-91.

[25]– بكين ترفع شعار “صنع في الصين2025، جريدة الشرق الأوسط، العدد 14242، بتاريخ 25 نوفمبر 2017.

[26]– ما هي أسباب المخاوف الغربية من استراتيجية “صنع في الصين”، موقع الوقت، 17 أبريل 2018، الرابط التالي: https://bit.ly/3grEVe3

[27]– خطة صنع في الصين 2025.. هل ينجح ترامب في إنقاذ أمريكا من مخالب التنين الصيني، موقع صوت الأمة، بتاريخ 26 يونيو 2018، الرابط: https://bit.ly/31bFBO8

[28]– بكين تحذر واشنطن من استخدام إستراتيجية “صنع في الصين” ذريعة لاتخاذ إجراءات أحادية، موقع إيوان ليبيا، بتاريخ 5 أبريل 2018، الرابط: http://ewanlibya.ly/news/news.aspx?id=209313.

[29]– الصين تؤكد تماشي استراتيجية “صنع في الصين 2025” مع قواعد منظمة التجارة العالمية، صحيفة الشعب اليومية، بتاريخ 6 أبريل 2018، الرابط

[30]– عزت شحرور، مبادرة الحزام والطريق رؤية نقدية، مركز الجزيرة للدراسات، بتاريخ 11 مايو 2017، بكين، ص:3، الرابط: https://bit.ly/2PkhU0D

[31]– جين ليانجشيانج، إن جاناردان، مبادرة الحزام والطريق: الفرص والمعوقات أمام منطقة الخليج، أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، يونيو 2018، ص: 1.

[32]– عزت شحرور، المرجع نفسه، ص: 4.

[33]– محمد بن هويدن، العلاقة الصينية – الخليجية من الأيديولوجيا إلى المصالح، آفاق المستقبل، ديسمبر 2010، العدد 8،ص: 71.

[34]-محمد بن هويدن، المرجع نفسه، ص: 72.

[35]– حذفاني نجيم،العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون – فترة ما بعد الحرب الباردة -، مرجع سابق، ص: 68.

[36]-نفس المرجع السابق،ص: 73.

[37]– محمد كريم كاظم، ابتسام العامري، ” السياسة الصينية حيال منطقة الشرق الاوسط بعد عام 2001 “،مجلة قضايا سياسية، العراق جامعة النهرين كلية العلوم السياسية، العدد 32 – 33، 2013، ص: 115.

[38]– وليد عبد الحي، متغيرات الإستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط، مركز الجزيرة للدراسات، بتاريخ 4 ديسمبر 2011، متوفر عبر الرابط:  https://bit.ly/2C0e2yM.

[39]– عاهد مسلم المشاقبة، البعد السياسي للعلاقات العربية-الصينية وآفاقها المستقبلية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلّد 41، ملحق 1، 2014، ص: 378.

[40]– عاهد مسلم المشاقبة، المرجع نفسه، ص: 387 .

[41]– حذفاني نجيم، العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون – فترة ما بعد الحرب الباردة-، مرجع سابق، ص: 65.

[42] – راوية توفيق: السياسة الأمريكية والصينية في إفريقيا… طبيعة الأدوار وواقع التنافس، مرجع سابق، ص: 14-15.

[43]– لحسن الحسناوي، استراتيجية الوجود الصيني في أفريقيا: الديناميات.. والانعكاسات، مجلة المستقبل العربي، العدد 466 ديسمبر 2017، ص: 111.

[44] – راوية توفيق: السياسة الأمريكية والصينية في إفريقيا… طبيعة الأدوار وواقع التنافس، مرجع سابق، ص: 15.

[45]– حذفاني نجيم، العلاقات الصينية الأمريكية بين التنافس والتعاون – فترة ما بعد الحرب الباردة -، مرجع سابق، ص: 66.

[46] – راوية توفيق: السياسة الأمريكية والصينية في إفريقيا… طبيعة الأدوارى وواقع التنافس، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، العدد 218، أكتوبر 2019، ص: 14.

[47] – أحمد بوخريص: التنافس الأمريكي على القارة الإفريقية، المعهد المصري للدراسات، اسطنبول، مايو 2020، ص: 21.

[48]– تركيا تسعى لسد ثغرات اقتصادية مع الصين في زيارة أردغان الأخيرة، نون بوست، بتاريخ 13 مايو 2017، الرابط: https://bit.ly/3iaE0if

[49]– الصين وتركيا تؤسسان علاقات تعاونيةاستراتيجية، جريدة الشعب اليومية، بتاريخ 9 أكتوبر 2010، الرابط: https://bit.ly/2PmECVJ

[50]– تركيا تسعى لسد ثغرات اقتصادية مع الصين في زيارة أردوغان الأخيرة، نون بوست، مرجع سابق.

[51]– تركيا والصين “شراكة ضرورة ” تفرضها المصالح والخلافات مع الغرب تعقيدات تجارية ومسارع حثيثة للتقارب تعترضها الشروط الغربية، جريدة الشرق الأوسط، الرابط: https://bit.ly/3fsdkrB

[52]– تركيا..التوجه شرقا نحو الصين, ترك برس، مرجع سابق.

[53]– الصين: روسيا شريكنا الوحيد في المخطط المستقبلي، موقع Arabic. Sputnik، بتاريخ 15.09.2018، متوفر في الرابط التالي:https://bit.ly/39YqN9t

[54]– سفير صيني: مبادرة الحزام والطريق تعمق العلاقات الصينية-الروسية، شبكة الصين، 2019-04-20، الرابط: https://on.china.cn/2D8WGQY

[55]– الرئيس الروسي يصل بكين للمشاركة في منتدى الحزام والطريق، موقع البوابة، بتاريخ 25أبريل2019، الرابط: https://bit.ly/3i3YMQL

[56]-عبد القادر دندن، الإستـراتيجية الصينيـة لأمـن الطـاقة و تأثيـرها علـى الاستقـرار فـي محيطهـا الإقليمـي: آسيـا الوسطـى– جنـوب آسيـا- شـرق و جنـوب شـرق آسيـا، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية تخصص العلاقات دولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، باتنة: جامعة الحاج لخضر، 2012-2013، ص:176.

[57]– عبد القادر دندن، المرجع نفسه، ص: 179.

[58]– الصين والاتحاد الأوروبي يتعهدان بتعميق الشراكة والدفاع عن التعددية،موقع ARABIC.NEWS.CN، بتاريخ10أبريل 2019، الرابط: https://bit.ly/2EFDZo7

[59]– عوض بن سعيد باقوير، الشراكة الصينية – الأوروبية متغير استراتيجي مهم، موقع عمان، 15 أبريل 2019، الرابط: www..om/?p=6904omandaily93.

[60]– مقتبس من خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس-فرنسا- بحضور الصيني شي جينبينغ و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، بتاريخ 26مارس 2019.

[61]– زيارة شي لبولندا تهدف إلى تعزيز مبادرة”الحزام والطريق” وتوطيد العلاقات مع أوروبا الوسطى والشرقية، موقع rabic.news.cn، بتاريخ 18-06-2016، الرابط: https://bit.ly/3gnr8oC

[62]– تشن شياو جينغ، تعاون الصين والاتحاد الأوروبي من أجل استقرار النظام العالمي، موقع الصين اليوم، 28-12-2018، الرابط: https://bit.ly/3hZMPLQ

[63]– عبد الله بوصوف،بوصوف يوجه بوصلة العالم نحو العملاق الصيني عبر “طريق الحرير”، موقع هسبريس، بتاريخ 28 مارس 2019، الرابط: https://bit.ly/31nV0Lw.

[64]– عوض بن سعيد باقوير، المرجع نفسه، ص: 4.

[65]– البحث عن عالم متعدد الأقطاب: إستراتيجية الصعود الصيني وفرض بكين الكبرى في أمريكا اللاتينية، الرابط: https://bit.ly/33r98pM

– [66]الصين تصدر أول كتاب عن السياسة حول أمريكا اللاتينية والمنطقة الكاريبية، الرابط: https://bit.ly/3fmz4VS

[67]– البحث عن عالم متعدد الاقطاب..إستراتيجية الصعود الصيني وفرض بكين الكبرى في أمريكا اللاتينية، مرجع سابق.

[68]– مجتمع المصير المشترك الصين –امريكا اللاتينية يشهد الاستقرار والرخاء، موقع عربي نيوز، بتاريه 23 أكتوبر 2018، الرابط: https://bit.ly/3i43xK6

[69]– التنين الصيني يتوغّل في أمريكا اللاتينية، موقع الخليج، الرابط: https://bit.ly/2EStHkV

[70]– الصين تتمدد في أمريكا اللاتينية، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 5 ديسمبر 2016، الرابط: https://bit.ly/2PmKxtV

[71]– الرئيس الصيني: اتفاقات ب64 مليار دولار في منتدى الحزام والطريق، موقع CNN، بتاريخ 28 أبريل 2019، الرابط: https://cnn.it/2XoOB1c

[72]– الصين: توقيع صفقات بقيمة 64 مليار دولار خلال منتدى الحزام والطريق، موقع الاقتصادية جريدة العرب الاقتصادية الدولية، بتاريخ 27 أبريل 2019، الرابط: https://bit.ly/31gUhLV

[73] – واقع مكانة الصين ومستقبلها في البنية الهيكلية للنظام الدولي-القيود والفرص، أطروحة لنيل درجة الماستر العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الأردن: جامعة الشرق الأوسط، 2018،ص: 62.

[74]– هنري كسنجر، شرق أوسط غامض صعود صيني طموح روسي رؤية للنظام العالمي، الرابط: https://bit.ly/2Xov9l6

[75]– نيكولاتشي دا كوستا، لماذا لن ينهي اتفاق تجاري التنافس بين الصين والولايات المتحدة، موقع BBC، 23 أبريل 2019، الرابط: https://bbc.in/2Di4yj0

[76]– صراع الهيمنة التجارية.. أمريكا تقود تكتلا لمواجهة “حرير” الصين، موقع العربي الجديد، بتاريخ 19 فبراير 2018، الرابط: https://bit.ly/30rIhbm

[77] – للاطلاع على المزيد حول هذا الموضوع ينظر إلى:

Joseph S. Nye Jr: No, the Coronavirus Will Not Change the Global Order, Foreign Policy, April 2020, available on the website: https://bit.ly/3eEPDxl / George Friedman: Power And The Rise And Fall Of Nations, Geopolitical Futures, May 2020, available on the website: https://bit.ly/3daiZm4/ Abdul Rasool Syed: The Coronavirus and China-U.S. Relations, Global village space, Mars 2020, available on the website: https://bit.ly/2JLNy4 / Volker Perthes: The Corona Crisis and International Relations: Open Questions, Tentative Assumptions, German Institute for International and Security Affairs (SWP), Mars 2020, available on the website: https://bit.ly/3eIss5c

 

.

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M