الأزمة الاقتصادية العالمية : جائحة كورونا, التغير المناخي, وأزمة الطاقة

إعداد : شيماء فاروق- باحثة دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية

مقدمة:

كان النشاط الاقتصادي يتحرك بمعدل سريع في كل مناطق العالم تقريبا خلال عام 2017، وكان يُتوقع للاقتصاد العالمي أن ينمو بمعدل 3.9% في عامي 2018 و 2019 وبعد مرور عام، تغيرت أمور كثيرة: فتصاعُد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط الاقتصادية الكلية في الأرجنتين وتركيا، والاضطرابات في قطاع صناعة السيارات في ألمانيا، وتشديد سياسات الائتمان في الصين، وتضييق الأوضاع المالية إلى جانب عودة السياسة النقدية إلى طبيعتها في الاقتصادات المتقدمة الكبرى، مما ساهم في إضعاف التوسع العالمي إلى حد كبير.

ثم جاءت جائحة كورونا في أواخر عام 2019 وأصيب الاقتصاد العالمي بشلل كلي في جميع القطاعات حيث اضطرت جميع الحكومات لإغلاق التام على حركة التنقلات والسفر بالإضافة إلى سياسات التباعد الاجتماعي التي أدت إلى العديد من الأزمات الداخلية خاصة أنها أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة, كما تزامن ذلك مع تغيرات شديدة في المناخ نتيجة الاعصار الذي شهدته الولايات المتحدة الامريكية والفيضانات التي أدت إلى تشريد الملايين وحرائق الغابات التي ألقت على كاهل الاقتصاد العالمي مزيد من الضغوط والازمات.

كما أدت محاولات انعاش الاقتصاد العالمي إلى زيادة الطلب على الطاقة والوقود الحفري مما أدى إلى ارتفاع النفط والغاز الطبيعي نتيجة انخفاض درجات الحرارة أيضا بشكل كبير بسبب التغير المناخي, هذه الازمات أدت إلى انخفاض معدلات النمو العالمية, ارتفاع نسبة البطالة, زيادة معدلات التضخم الاقتصادي, ركود وانكماش الاقتصاد العالمي.

الإشكالية البحثية:

إن عصر العولمة ربط الاقتصاد العالمي بالاقتصاديات المحلية نتيجة الاعتماد المتبادل ومن ثم أي تأثيرات في الاقتصاد العالمي تؤثر بصورة كبيرة على الاقتصاد المحلي, وفي السنوات السابقة تعرض الاقتصاد العالمي للعديد من الهزات العنيفة التي تنذر بأزمة عالمية جديدة ليست كسابقتها في 2008 ,إنما أزمة عالمية هيكلية تحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها من هنا تلقي هذه الدراسة الضوء على أسباب الازمة الاقتصادية العالمية وتحليل تداعياتها على الاقتصاد العالمي, من هنا يدور التساؤل الرئيسي للدراسة حول :

“ما هي الاسباب الرئيسية لأزمة الاقتصادية العالمية القادمة؟”

وللإجابة على هذا التساؤل يتفرع منه عدد من الأسئلة:

  • 1) ما هي آثار جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي؟
  • 2) ما هي آثار التغير المناخي على الاقتصاد العالمي؟
  • 3) ما هي آثار أزمة الطاقة على الاقتصاد العالمي؟

أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية.

  1. تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي.
  2. تأثير التغير المناخي على الاقتصاد العالمي.
  3. تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد العالمي.
  • أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية.

يشهد الاقتصاد العالمي الأزمة الكبرى للعام 2021 والتي لازالت تزداد سوء وخطورة في بعض المناطق من العال, فقد أكدت دراسة جديدة أصدرتها “بلومبرغ إيكونوميكس” مدى خطورة أزمة سلاسل التوريد، وفشل العالم في إيجاد حل لها, واستندت الدراسة إلى المتاجر ذات الأرف الفارغة أو في الموانئ التي تشهد ازدحام السفن قرب الشواطئ أو في مصانع السيارات، حيث يتوقف الإنتاج بسبب نقص والتي تشير إلى احتمالية ارتفاع الاسعار.[1]

قد صرحت البنوك المركزية العالمية بأن التضخم الاقتصادي “مؤقت” ولكن باستمرار جائحة كورونا وتداعيات التغير المناخي, وأزمة الطاقة العالمية أدت إلى مؤشرات خطيرة من معدلات النمو والتضخم الاقتصادي العالمي, كما أن العالم ما يزال يعاني من قلة إنتاج ما يكفي من المنتجات, من هنا سوف نعرض أسباب الازمة العالمية.

1) تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي.

تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية الطاحنة، يبدو الاقتصاد العالمي وكأنه خارج من واحدة من أشد حالات الركود ليبدأ مرحلة تعاف ضعيف, حيث أدى تفشي فيروس كورونا ومتحورته إلى عمليات الإغلاق العامة الحكومية وذلك لتجنب تفشي الفيروس ولكن بالرغم من نجاح سياسات التباعد الاجتماعي في الهدف المقصود، وهو تخفيض عدد الإصابات لكنها ساهمت إلى حد كبير في الركود وبالتالي لا يمكن تعافي الاقتصاد العالمي في ظل استمرار جائحة كورونا واتباع سياسة التباعد الاجتماعي.[2]

من المتوقع أن تتقلص الاقتصادات المتقدمة بنسبة 7 في المائة على مستوى العالم والذي لم يحدث  منذ عام  1870 و سوف يمتد هذا الضعف إلى آفاق الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، التي من المتوقع أن تنكمش بنسبة 2.5 في المائة لأنها تتعامل مع تفشي الفيروس محليًا وهذا يمثل أضعف عرض لهذه المجموعة من الاقتصادات منذ ستين عامًا على الأقل بالتالي هذا الانخفاض لا يمكن معالجته على المدى القصير.[3]

أعلنت الحكومة الصينية عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا ثم اجتاح الوباء العالم في فترة وجيزة لم تتجاوز أيام، وأعلنت غالبية دول العالم عن اكتشاف حالات إصابة ولُحظ تفشي الوباء بسرعة كبيرة, مما دعي أغلب دول العالم سياسات احترازية  في المطارات الدولية للقادمين من جميع المسافرين جواً الصين, ثم تصاعدت حدة الاصابات والوفيات فقد أفادت منظمة الصحة العالمية بأن عدد الإصابات الإجمالي بفيروس كورونا لعام 2020 بلغ 81475053، أما إجمالي حالات الوفاة فهو 1798050, بينما وصلت عدد الاصابات حاليا ٢٨٣ مليون و ٥٫٤١ مليون من الوفيات.[4]

لقد أثرت جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وتبين ذلك من خلال رصد عدد من المؤشرات:

  • النمو الاقتصادي العالمي.
  • الطلب العالمي.
  • التجارة الدولية للسلع والخدمات.
  • قطاع النفط والبترول.
  • قطاع السياحة.

1) النمو العالمي:

توقع خبراء الاقتصاد العالمي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي قبل تفشي فيروس كرونا نتيجة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية, وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالإضافة لتقلب الاوضاع الاقتصادية في العديد من الدول الكبرى, قد خفضت المنظمات الدولية توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي العالمي قبل تفشي وباء كورونا حيث توقع صندوق النقد الدولي “نمو الاقتصاد العالمي” بنسبة 3.3 في المائة عام 2020 و 4.3 في المائة عام  2021 مقارنة بنسبة 9.2 في المائة عام 2019 ،حيث أجرى الصندوق هذه التوقعات قبل ظهور فيروس حيث اتجه الصندوق إلى تعديل هذه التوقعات بعد انتشار فيروس كورونا لأنه أثر بالسلب على جانبي العرض والطلب العالميين، بعد تباطؤ محددات الطلب العالمي خاصة  الاستهلاك والاستثمار العالميين، بالإضافة إلى شلل حركة التجارة الدولية عقب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول سواء بسياسات الاغلاق الكلية أو الجزئية، وتقييد انتقال السلع الأفراد، مما أدى إلى دخول الاقتصاد العالمي  في مرحلة ركود أعمق من تلك التي شهدها خلال فترة الكساد العالمي العظيم ( 1929 – 1939)  وخلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008 .

من الملاحظ من الشكل السابق تذبذب معلات النمو وانخفاضها بصورة كبيرة في 2020 نتيجة تفشي فيروس كورونا بصورة كبيرة وبالتالي محاولات التعافي فيما يتعلق بمعدلات النمو في 2021 بطيئة, بالإضافة إلى تحقيق الصين معدلات نمو هائلة مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان. [5]

2) الطلب العالمي.

أثر فيروس كورونا على أكبر الاقتصاديات العالمية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي واليابان ودول شرق آسيا والشرق الأوسط مما أدى إلى التأثير على حركة الطلب العالمية نتيجة عدم اليقين على مستوى القطاع العائلي وقطاع الأعمال باستثناء الطلب على المستلزمات الطبية الذي من المتوقع أن يزداد بشكل كبير مقارنة ب الطلب على السلع والخدمات الأخرى التي تأثرت بالفيروس مثل النفط، وخدمات السياحة والنقل الجوي، وتقييد حركة السلع والمسافرين عبر الحدود حتى في دول الاتحاد الأوروبي, كما تمثل منتجات وصادرات الدول الكبرى المتأثرة بتفشي فيروس كورونا، مدخلات تصنيع لبعضها البعض ولدول العالم الأخرى. بالتالي فإن أي صدمة العرض التي نتجت عن الوباء أصابت العالم ككل، من خلال العدوى عبر سلاسل القيمة الدولية وخاصة السلع الوسيطة.[6]

3) التجارة الدولية للسلع والخدمات.

أدى الاغلاق العام والجزئي والقيود على حركة الأفراد والسلع والخدمات إلى تبطئ كبير في حركة التجارة العالمية والتي أثرت على دخل العديد من الدول خاصة التي تقع على الممرات الدولية, بالإضافة إلى نقص العديد من السلع والخدمات على المستوى العالمي.

4) قطاع النفط والبترول

اقترحت أوبك خفض الإنتاج 1.5 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من عام 2020، منها مليون برميل من إنتاج أعضاء أوبك، ونصف مليون من بلدان غير أعضاء في المنظمة أبرزها روسيا، لكن رفضت روسيا الاقتراح مما دفع السعودية، أكبر مُصدر للنفط في العالم، إلى رفع الإنتاج إلى 12.3 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل طاقتها الإنتاجية القصوى, كما أعلنت المملكة خصومات غير مسبوقة وصلت إلى 20% في الأسواق الرئيسية, وكانت النتيجة هبوطًا فوريًا في الأسعار بنسبة تزيد على 30% واستمرار الانخفاضات منذ ذلك الحين, فوصل سعر خام غرب تكساس الوسيط القياسي إلى مستوى منخفض بلغ 22.39 دولار للبرميل في جلسة منتصف اليوم في 20 مارس 2020  أي أقل من نصف السعر في بداية الشهر, ويشير منحنى العقود الآجلة إلى أن السوق تتوقع انتعاش أسعار النفط ببطء – بحيث لا تصل إلى 40 دولارًا للبرميل حتى نهاية عام 2022.[7]

كما ارتبط عنصر الطلب في الصدمة النفطية بالانخفاض الحاد في استهلاك النفط نتيجة التدابير الاحترازية لوقف انتشار الفيروس، بما في ذلك إغلاق المدن، وهو ما أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، فإن الانخفاض بنسبة 10% في استهلاك النفط من عام 2019، أو حوالي 10 مليون برميل في اليوم، هو نتيجة انخفاض السفر جواً وبراً, وفي حين أن عمق ومدة الصدمة الوبائية غير مؤكد، فمن المتوقع أن تكون قصيرة الأجل, والواقع أن شدة الصدمة أثارت تدابير محلية غير مسبوقة في البلدان المتقدمة والنامية.

5) قطاع السياحة.

يعتبر السائحون الصينيون من أهم جنسيات السائحين في عدد من دول العالم وبالتالي فإن انتشار الفيروس أثر على الإيرادات المتوقعة لشركات السياحة حول العالم التي تُعد أسواقا سياحية للصين من أهمها اليابان، وكوريا الجنوبية، وعدد من الدول العربية ميزان المدفوعات الذي لن ينحصر فقط في الأثر السلبي على قطاع السياحة و قطاع الفنادق الذي سجل خسائر في الصين، حيث تم إلغاء غالبية حجوزات الفنادق منذ الإعلان عن  تفشي الفيروس مما كبد القطاع السياحي في الصين خسائر فادح, ليس من المتوقع أن يسترد القطاع السياحي عافيته خلال الفترة الحالية. [8]

ومن المتوقع أن يتغير ترتيب دول العالم في مؤشر تنافسية السفر والسياحة الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي, فالصين التي تحتل المركز رقم 13 بنحو 7.26 نقطة في المؤشر من المتوقع أن تشهد مزيد من التراجع، وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تشهد معدلات إصابة مرتفعة بالفيروس وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للضوابط والقيود التي فرضتها الدول القاضية بمنع الدخول والخروج بالإضافة إلى إغلاق المناطق السياحية والترفيهية.

فقد أدت جائحة كورونا إلى العديد من الأزمات في هيكل الاقتصاد العالمي أدى إلى الركود:

1)  الضغط على أنظمة الرعاية الصحية الضعيفة.

2) وفقدان التجارة والسياحة.

3) وتضاؤل ​​التحويلات المالية.

4) وتراجع تدفقات رأس المال.

5) والظروف المالية المشددة وسط تصاعد الديون, وسيتضرر مصدرو الطاقة أو السلع الصناعية بشكل خاص.

كما أن الانكماش في ساعات العمل أثناء الوباء أقوى بكثير مما كان عليه خلال فترة الركود العظيم بسبب خسائر التوظيف الكبيرة  وانخفاض ساعات العمل لكل موظف, كما منعت تدابير الإغلاق المنتشرة الأفراد من العمل كشركات أغلقت أو قللت من عملياتها، بينما أدت عمليات الإغلاق المتعلقة بالمدارس إلى زيادة الحاجة إلى رعاية الأطفال في المنزل في عام 2020, انخفض إجمالي ساعات العمل بنسبة 8٪ مقارنة بعام 2019، أي ما يقرب من 2.5 مرة أكثر مما كان عليه خلال فترة الركود الاقتصادي الكبير كان هذا بسبب انخفاض النسبة المتساوية في التوظيف وعدد ساعات العمل لكل موظف, كما كان تدهور سوق العمل منتشرًا على نطاق واسع عبر البلدان، ولكنه أكثر وضوحًا إلى حد ما في اقتصادات السوق الناشئة, بالمقارنة بفترة الركود العظيم ، حدث الانخفاض في إجمالي ساعات العمل في الغالب نتيجة فقدان الوظائف وكان أكبر في الاقتصادات المتقدمة, فقد أدت انخفاض العمالة إلى زيادة نسبة معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي.[9]

2) تأثير التغير المناخي على الاقتصاد العالمي.

يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس, قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية, ولكن منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.

ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة, تشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان, تنتج هذه الغازات عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني, وأيضا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون, وتعتبر مدافن القمامة مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان, ويعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.

تشمل عواقب تغير المناخ، من بين أمور أخرى، الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي, كما يؤثر تغير المناخ على الصحة والقدرة على زراعة الأغذية والسكن والسلامة والعمل, وسوف يؤثر تغير المناخ على سكان الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية الأخرى, حيثٌ ساءت الظروف مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة إلى درجة اضطرت فيها مجتمعات بأكملها إلى الانتقال، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعرض الناس لخطر المجاعة في المستقبل، من المتوقع أن يرتفع عدد “اللاجئين بسبب المناخ” مما يزيد من أزمة اللاجئين بالعالم.[10]

أشارت أغلب التقارير الدولية بأن ارتفاع درجات الحرارة من المرجح أن يقلل الثروة العالمية بشكل كبير بحلول عام 2050، مع انخفاض غلة المحاصيل، وانتشار الأمراض، وارتفاع مستوى البحار يستهلك المدن الساحلية، مما يسلط الضوء على العواقب إذا فشل العالم في إبطاء استخدام الوقود الأحفوري بسرعة, من المتوقع أن تقلص آثار تغير المناخ 11٪ إلى 14٪ من الناتج الاقتصادي العالمي بحلول عام 2050 مقارنة بمستويات النمو دون تغير المناخ، وفقًا لتقرير صادر عن Swiss Re ، أحد أكبر مزودي التأمين في العالم لشركات التأمين الأخرى ويصل ذلك إلى ما يصل إلى 23 تريليون دولار من الناتج الاقتصادي العالمي السنوي المنخفض في جميع أنحاء العالم نتيجة لتغير المناخ .

إن تغير درجة حرارة الأرض سوف ينتج عنها تداعي الاقتصاد العالمي حيث ستفقد اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 7 في المائة مما هو عليه في عالم خالٍ من تغير المناخ, فقد تخسر الدول الغربية بما في ذلك كندا وبريطانيا وفرنسا، ما بين 6 في المائة و 10 في المائة من ناتجها الاقتصادي المحتمل, بالنسبة للدول الفقيرة، التي تميل إلى أن تكون أكثر تعرضًا لدرجات حرارة أكثر دفئًا ولكن لديها قدرة أقل على تكييف بنيتها التحتية واقتصاداتها استجابة لذلك، ستكون العواقب وخيمة للغاية, كما أن مستويات الثروة في ماليزيا والفلبين وتايلاند ستنخفض بمقدار النصف تقريبًا مقارنة بعالم لا يوجد فيه تغير مناخ,  سيكون اقتصاد إندونيسيا أصغر بنسبة 40 في المائة,  ستكون الهند أصغر بنسبة 35 في المائة.[11]

عند رصد حوادث تغيير المناخ في الولايات المتحدة الامريكية خلال عام2021, أشار دونالد إل جريفين، نائب رئيس الجمعية الأمريكية للتأمين ضد حوادث الممتلكات، التي تمثل شركات التأمين، خلال الأربعين عامًا الماضية، شهدت الولايات المتحدة ما يقرب من 300 كارثة مرتبطة بالطقس والمناخ ، تجاوزت خسائر كل منها مليار دولار, في العام 2021، كان هناك 22 كارثة من هذا القبيل بلغت قيمتها مليار دولار, وقال إنه إذا استمر تغير المناخ، فإن تكلفة مخاطر التأمين ستصبح مرتفعة للغاية في المناطق المعرضة للخطر.[12]

3) تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد العالمي.

إن ازمة الطاقة العالمية تتمثل في انقطاع الكهرباء، ونقص إمدادات الفحم، وارتفاع تاريخي في أسعار الكهرباء والفحم والغاز المسال, وصاحب ذلك تجاوز أسعار النفط 80 دولاراً للبرميل, يرجع ذلك إلى العديد من الأسباب التالية:

1) السياسات المناخية المتطرفة للدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية وتجاهلها أساسات أمن الطاقة ومبالغات وكالة الطاقة الدولية والأمم المتحدة وحماة البيئة والشركات التي تستفيد من الإعانات الحكومية الضخمة للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ومبالغات وسائل الإعلام الموالية لهم دون تحقيق نتائج جذرية للاتجاه نحو الطاقة المتجددة بديلا عن النفط والبترول، وتركيز مؤتمرات الطاقة المختلفة، بما في ذلك التي عقدت في دول “أوبك”، على هذه المبالغات وإعطائها مصداقية لا تستحقها.

2) انتشار الجفاف حول العالم، الأمر الذي خفض منسوب المياه في السدود، فانخفضت كمية الكهرباء المولدة من الطاقة الكهرومائية, لا يمكن التعويض عنها بالطاقة المتجددة، فتم استخدام مزيد من الغاز والفحم، وأحياناً زيت الوقود، كما تم ترشيد الكهرباء، وأحياناً انقطاعها, وقد حدث ذلك في البرازيل وكاليفورنيا وبعض دول آسيا الوسطى, وقد بلغ انخفاض توليد الكهرباء في الغرب الأميركي 14 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

3) زيادة الطلب على النفط والفحم في الشتاء القارس خاصة مع انخفاض شديد في دراجات الحرارة ، وتزامن ذلك مع تفشي فيروس كورونا وعمليات الحجر المستمرة، ما يعني بقاء الناس في بيوتهم، وزيادة الطلب على التدفئة.

4) إن نمو الطلب بسبب الانتعاش الاقتصادي ما زال الداعم الأول، إلا أن المستجدات تتعلق بثلاثة عوامل، الأول هو وقف عمليات الإنتاج في خليج المكسيك بسبب إعصار “آيدا”، الذي ساهم في دعم أسعار الغاز الطبيعي, والثاني هو أن النفط أصبح بديلاً للغاز المسال في توليد الكهرباء في دول آسيوية عدة بعد الارتفاع التاريخي في أسعار الغاز المسال, والثالث هو التوليد الخاص، ويقصد به قيام المصانع والمستشفيات والمؤسسات التجارية والأفراد باستخدام مولدات كهرباء خاصة بها، غالباً تعمل بالديزل، في ظل الانقطاع الدائم والمستمر للكهرباء في بعض المناطق, وفي هذه الحالة يتم استخدام النفط كبديل للفحم أو الغاز, مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بسبب الإحلال محل الغاز المسال والتوليد الخاص.[13]

أن العالم يستهلك 40.000 جالون من الزيت في الثانية وبسبب ذلك بلغ إنتاج النفط ذروته في 33 من أصل 48 دولة تنتج النفط, حيث  يعتبر النفط اليوم جزءًا مهمًا جدًا من الحياة اليومية,  ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتم نقل قطاع النقل بشكل حصري تقريبًا بواسطة الطاقة المصنوعة من النفط, الزيت أيضًا هو السبب وراء إمكانية الحصول على الفواكه والخضراوات مثل الموز أو البطيخ في الشتاء, المشكلة الكبرى هي نفاد النفط والغاز يقول الخبراء أن النفط سينتهي في حوالي عام 2050 والغاز في حوالي عام 2070, هذه الحقائق لها تأثيرات هائلة على أسعار النفط, سترتفع أسعار النفط والغاز بشكل حاد خلال العقود القليلة القادمة, وينطبق الشيء نفسه على الكثير من العناصر الأخرى التي تحتاج إلى النفط لإنتاجها أو لنقلها, نتيجة لذلك ستتأثر حياة الجميع وستصبح أكثر تكلفة.[14]

كما توجد بدائل عديدة للنفط أو الغاز, أهمها الطاقات المتجددة يمكن أن تحل محلها هذه فرصة لتقليل الاعتماد على النفط أو الغاز في المستقبل, لذلك من المهم جدًا أن يحظى تطوير الطاقات المتجددة بالدعم وأن يتطور بشكل عام, كما أن أزمة الطاقة ثلاثة تأثيرات رئيسية على الاقتصاد:

1) ارتفاع أسعار النفط.

2) والانكماش المالي.

3) كما أنها تتيح الفرصة لتطوير الطاقات المتجددة.

حيثُ تزامنت أزمة الطاقة مع جائحة كورونا والتغير المناخ ومحاولات تصحيح مسار الاقتصاد العالمي حيث تم زيادة المعروض من الوقود الأحفوري من أجل اللحاق بالطلب المتعافي، مما تسبب في ارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم، خاصة في نصف الكرة الشمالي حيث تعرض البلدان لفصل الشتاء البارد, ساهمت العديد من العوامل في أزمة الإمداد، بما في ذلك الجهود الأخيرة التي بذلتها الدول الأوروبية والآسيوية لإزالة الكربون من الاقتصاد، ونقص رأس المال لمنقبين عن الغاز الطبيعي، والإنتاج المنخفض بشكل غير متوقع من موردي الطاقة الروس مثل غازبروم .

تعد المملكة المتحدة من أكثر البلدان تضررا  قفزت أسعار الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة بنسبة 420٪ على أساس سنوي في سبتمبر، مما تسبب في توقف مصانع الأسمدة التي وفرت 60٪ من ثاني أكسيد الكربون في المملكة المتحدة لإنتاج الأغذية والمشروبات كان أحد مصانع الأسمدة هذه هو CF Industries ومقرها إلينوي، والتي قررت وقف عملياتها إلى أجل غير مسمى, ستواجه المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة الآن حتماً نقصاً في اللحوم والأطعمة الطازجة الأخرى في غضون أسابيع ، مع نفاد المخزونات الحالية من ثاني أكسيد الكربون, ستكون أزمة سلسلة الإمداد بالطاقة التي تحولت إلى الغذاء بمثابة درس مفاده أن الانتقال الصالح إلى طاقة نظيفة ومتجددة وغير كربونية سيكون صعبًا, في ظل الأزمات العالمية المتعاقبة. [15]

الخاتمة :

وأخيرًا تبين تعرض الاقتصاد العالمي لهزات عنيفة نتيجة الأزمات العالمية المرتبطة بهيكل الاقتصاد العالمي حيث أدت جائحة كورونا إلى انغلاق تام وجزئي في أغلب بلدان العالم, وتعرض هيكل الصحة والتعليم إلى التداعي, وتزامن هذا مع تغير المناخ الذي أدى إلى تشريد الملايين من البشر بسبب موجات الفيضانات والحرائق مما أدى إلى تدمير العديد من البنية التحتية خاصة في الولايات المتحدة الامريكية والفلبين واستراليا والعديد من الدول, بالرغم من ذلك حاول الاقتصاد الانتعاش مجددًا بالرغم من خطورة المخاط التي تحيط بالاقتصاد العالمي فواجه أزمة ارتفاع أسعار الطاقة ونفاذ النفط والغاز الطبيعي بحلول عام 2050, من هنا على المجتمع الدولي صياغة سياسات جماعية من أجل تعافي الاقتصاد العالمي والبحث في الموارد المتجددة من أجل تغطية احتياجات الدول من الطاقة بالإضافة إلى ضرورة الوصول إلى لقاحات فعالة للحد من تفشي فيروس كورونا, واتباع سياسات جادة لمواجهة تغير المناخ, لا بد من تشغيل أنظمة الإنذار المبكر للكوارث تنقذ الأرواح والممتلكات، وقد تمكن من تحقيق فوائد تصل إلى 10 أضعاف التكلفة الأولية, كما يتطلب العمل المناخي استثمارات مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات.

النتائج:

1) جائحة كورونا كبدت الاقتصاد العالمي خسائر فادحة, وضرورة اختبار عدد من اللقاحات الفعالة للتخفيف من آثار تفشي فيروس كورونا ومتحوراته.

2) التغير المناخي سوف يؤثر على هيكل الاقتصاد العالمي, وفقًا للحوادث الطبيعة مثل الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات, بالإضافة لاختفاء عدد من المدن الهامة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر وذوبان الجليد.

3) وجوب الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة خاصة النووية بسبب قلة تأثرها بالتغير المناخي.

قائمة المراجع:

[1] “بلومبرغ” تحذر من أزمة تهدد الاقتصاد العالمي, موقع روسيا اليوم. 4نوفمبر 2021. متاح على الرابط التالي: https://arabic.rt.com/

[2] فرانشيسكو غريغولي وداميانو ساندري. تأثير جائحة كورونا في الوقت الحقيقي: إيجاد التوازن في خضم الأزمة. صندوق النقد الدولي. 7 أكتوبر 2020. متاح على الرابط التالي: https://www.imf.org/

[3] The Global Economic Outlook During the COVID-19 Pandemic: A Changed World .The  world bank. JUNE 8, 2020.

[4] حصيلة وفيات وإصابات فيروس كورونا لعام 2020. arabic.rt. 01.01.2021. متاح على الرابط التالي: https://arabic.rt.com/

[5] صندوق النقد الدولي. توقعات النمو الاقتصادي 2020و2021.

[6] الوليد أحمد طلحة. التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد على الدول العربيـة. صندوق النقد العربي. 2020.

[7] رباح أرزقي وها نغوين. التعامل مع صدمة مزدوجة: جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط. البنك الدولي. https://www.albankaldawli.org/

[8] فرنسا: تأثر قطاع السياحة بشكل ملحوظ بسبب تفشي فيروس كورونا. فرانس24. 24/02/2020. متاح على الرابط التالي: https://www.france24.com/

[9] Julia Doleschel and Ana-Simona Manu. Scarring effects of the COVID-19 pandemic on the global economy – reviewing recent evidence. part of the ECB Economic Bulletin, Issue 7/2021.

[10] العمل المناخي. الأمم المتحدة. https://www.un.org/

[11] Christopher Flavelle. Climate Change Could Cut World Economy by $23 Trillion in 2050, Insurance Giant Warns. The New York Times . https://www-nytimes-com.

[12] المرجع السابق ذكره.

[13] أنس بن فيصل الحجي. أسباب أزمة الطاقة العالمية. انديبندنت بالعربية. 12 أكتوبر 2021. متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/

[14] Sehr Gut . Energy Crisis´ Impact On The Economy. Essay, 2009.

[15] Cade Ahlijian. The Economic Impact of a Global Energy Crisis. Global EDGE. 9/29/2021. https://globaledge.com

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=81885

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M