الأسواق المالية في ظل سياسات التحرير المالي وأثرها على العراق

د. عبدالرزاق إبراهيم شبيب – كلية المعارف الجامعة – قسم العلوم المالية والمصرفية
الخلاصة:
تواجه سياسة سعر الصرف في العراق متغيرات خارجية؛ سببها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى عالمياً، ممَّا يؤدِّي إلى تضخُّم مستورد، لا يمكن معالجته إلا بتحسين قيمة الدينار العراقي على وَفْق شروط التبادل التجاري في السوق العالمي وأسسه.
حقَّق الانفتاح المالي وسياسات التحرير المتبعة في العراق نجاحاً كبيراً في مجال القطاع المالي والمصرفي، وقد ساهم ذلك بخروج العراق وسلطته النقدية من بند الرقابة القسرية إلى الرقابة الاعتيادية لمنظمة العمل المالي العربي.
مع التقدُّم الملحوظ في التسهيلات المالية والمصرفية والقوانين المشجِّعة على الاقتراض والتداول في سوق الأوراق المالية؛ إلا أنَّ التعاليم الدينية السمحاء والأعراف والتقاليد تمنع المسلمين من التعامل في القضايا الربوية، ومن ثَمَّ محدودية تأثير تلك التسهيلات على الواقع الاقتصادي.
ضيق أداء سوق الأوراق المالية وضعفه، وأنَّ التطوُّرات التي يشهدها مؤشِّره لا تعكس طبيعة التعاملات الحاصلة داخله، وإنَّما نتيجة لتقلُّبات الأوضاع الاقتصادية للبلد، وإن كانت تأتي بصورة متأخِّرة.
يعتري سلوك المستثمرين في سوق العراق للأوراق المالية سلوك الذاكرة، وهذا يعني أنَّ تفاعلهم مع الارتفاع في أسعار الأسهم أو انخفاضها يشوبه الحذر، وعدم التفاعل المباشر؛ لمخاوفهم من تكرار الأحداث المماثلة التي حدثت في تاريخ الأسواق المالية.
تشكِّل أتمتة التعاملات المالية، ومنها استخدام التطبيقات الذكية حافزاً نحو زيادة التداول النقدي، والحركة المالية في الأسواق المالية، والاستفادة من أموال الأفراد في دخولها في الحركات المالية.
تمهيد:
يُعدُّ موضوع التحرير المالي من المواضيع التي أخذت حيزاً في الأدبيات الاقتصادية منذ مدة ليست بالبعيدة فمع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وبالتحديد عام (1971) حينما تخلَّتِ الولايات المتحدة الأمريكية عن قاعدة الذهب، وانهيار نظام (بريتون ودز) لوحِظَ أنَّ أغلب الدول التي حاولت النهوض بواقعها الاقتصادي، ومحاولتها التخلُّص من العجز الدائم في موازين مدفوعاتها، وتحريك عجلة التنمية الاقتصادية قد سلكت اتجاهات عديدة في سياساتها كتحرير أسعار الفائدة، وأسعار الصرف، وتوسيع أنشطة البنوك، وإنشاء الأسواق المالية وتطويرها، والتي يطلق عليها بسياسات التحرير المالي. وإنَّ لهذه السياسات تأثيراً كبيراً على المؤسسات المالية العاملة في الاقتصاد كلها، إذ إنَّ إزالة القيود أو التخفيف من وطئتها سوف يمكِّن الأطراف المتعاملة في تلك المؤسسات من الحصول على مزايا ومنافع لم تكن موجودة في ظل سياسات الكبح المالي، والتي يقصد بها تلك الإجراءات والقرارات التي تسعى للتضييق على النظام المالي.
   فمع انتهاء مباحثات أورغواي باتفاقية التجارة الدولية وانبثاق منظمة التجارة العالمية التي تبنَّت مسألة الخدمات المالية وتهيئة الظروف المناسبة لوضع قواعد ومعايير دولية تنظِّم سياسات الدول تجاه حركات رؤوس الأموال، والقطاع المصرفي، وفتح وتحرير الأسواق المالية، وتحرير تجارة الخدمات المصرفية، كما حدَّدت اتفاقية التجارة الدولية المدة (1996-2005) على أنَّها مرحلة انتقالية للدول للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وبناءً على ذلك سوف تتحدِّد البيئة المالية طبقاً لطبيعة العلاقات التي تفرضها منظمة التجارة العالمية ضمن القاعدة التي وضعتها، وطبقاً للمعايير التي أعدَّتها مسبقاً.
 المبحث الأول: سياسات التحرير المالي
يُعدُّ التحرير المالي الهدف الأساس للنظام المالي الحديث ولأركانه الأساسية المتمثلة بالركائز الثلاث (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية)، إذ إنَّ سياسات التحرير المالي ترتبط ارتباطاً قوياً بمبادئ الفكر الرأسمالي الهادف إلى الحد من تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي، والتحوُّل التدريجي من الاقتصاد المخطَّط إلى اقتصاد السوق.
1.1:مفهوم سياسات التحرير المالي.
يُعرِّف الاقتصاديون التحرير المالي بأنَّه كل إجراء يؤدِّي إلى تقليل القيود المفروضة على النظام المالي، وهذه القيود تتعلق بالمصارف، وأسواق الأوراق المالية، والمؤسسات المالية الأخرى وأدواتها؛ لإعطائها الدافعية للمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي، أمَّا (E. Scheow، R.Mckinnon) فقد تناولا في بداية الأمر آلية تحرير أسواق الائتمان والقطاع العام، ولكن مع مرور الوقت تبيَّن أنَّ دعواتهما طالت مرافق القطاع الخاص أيضاً. فقد عرفَّا التحرير المالي على أنَّه وسيلة فعالة؛ لتسريع عملية النمو الاقتصادي في الدول النامية عن طريق إزالة القيود المفروضة على عمل المؤسسات المالية (الجميل، 2011: 35).
وهناك مَن يتناول موضوع التحرير المالي من حيث المعنى الضيق والواسع ففي المعنى الضيق يقصد بالتحرير المالي بأنَّه مجموعة الإجراءات التي تسعى إلى خفض القيود المفروضة على القطاع الخاص، أمَّا في المعنى الواسع فيشير إلى مجموعة الإجراءات التي تعمل على تطوير الأسواق المالية، وتطبيق نظام غير مباشر للرقابة النقدية، وإنشاء نظام مالي قوي قادر على استدامة السيولة المالية لدى تلك المؤسسات.
وسواءً تعلَّق الأمر بالمعنى الضيق، أو المعنى الواسع فإنَّ موضوع التحرير المالي، وإزالة القيود، وتخفيف الرقابة النقدية المباشرة يتعلَّق بموضوع أكبر وأهم وهو استقلالية البنوك، وإعطائها الحرية التامة في إدارة أنشطتها المالية، وإلغاء الضوابط على العمل المصرفي الموجَّه كلها، ويشمل هذا القيام بعديد من الإجراءات التي تكون من صلب عمل الجهاز المصرفي كتحرير أسعار الفائدة، وإلغاء حدودها العليا والدنيا التي كانت سائدة في ظل الكبح المالي، إذ تلجأ بعض الدول ولغرض السيطرة على اتجاهات مسار النشاط الاقتصادي إلى وضع سقف سعري لأسعار الفائدة لا يمكن تجاوزها، وكذلك وضع أرضية سعرية معينة لسعر الفائدة لا يمكن أن ينخفض إلى ما دونها، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، ففي ظل سياسات الكبح المالي تلجأ الدولة إلى توجيه الائتمان نحو مجالات مرغوبة من قبلها، سواءً بالتوجيه القسري أم بالتوجيه الأدبي التأشيري، ويكون ذلك عن طريق منح مزايا معينة لبعض المصارف لتمويل المجالات المتوافقة مع توجهات السياسة الاقتصادية (الجميل، 2012: 85).

لقراءة المزيد اضغط هنا

 

.

رابط المصدر:

https://www.bayancenter.org/2022/10/8934/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M