الاتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي: الترتيبات والتداعيات المتوقعة

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، توقيع اتفاق لاقتسام السلطة بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، التي تدعمها المملكة العربية السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة. وتضمنت وثيقة الاتفاق جملة من البنود والترتيبات، أبرزها تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، وعودة رئيس الحكومة معين عبد الملك إلى عدن لتفعيل مؤسسات الدولة. كما اشتملت على ثلاثة ملاحق تتضمن بنودًا سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، تتولى السعودية الإشراف على تنفيذها.

أولًا: أبرز بنود الاتفاق

تم توقيع الاتفاق، بعد مفاوضات دعت إليها السعودية في 11 آب/ أغسطس 2019، جاءت بعد أن أقدمت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على طرد قوات حكومة الرئيس هادي من عدن ومناطق جنوبية أخرى. وفيما يلي أبرز بنود هذا الاتفاق[1].

1. تفعيل مؤسسات الدولة

تضمنت الوثيقة اتفاق الطرفين اليمنيين على مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تفعيل مؤسسات الدولة، أهمها:

  • تفعيل دور سلطات الدولة اليمنية ومؤسساتها، سياسيًا واقتصاديًا.
  • إعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع.
  • إعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية.
  • الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة، ونبذ التمييز المناطقي، والمذهبي، والفُرقة، والانقسام.
  • وقف الحملات الإعلامية بين مختلف الأطراف.
  • توحيد الجهود تحت قيادة التحالف، واستعادة أمن اليمن واستقراره.
  • مواجهة التنظيمات الإرهابية.
  • تشكيل لجنة بقيادة السعودية، وبإشراف التحالف، لمتابعة تنفيذ أحكام الاتفاق وملحقاته وتحقيقها.
  • مشاركة المجلس الانتقالي في وفد الحكومة في مشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء الانقلاب الحوثي.
  • إصدار الرئيس هادي توجيهات إلى أجهزة الدولة لتنفيذ الاتفاق فور توقيعه.

وقد حُدد تنفيذ البند الأول وفقًا للترتيبات الواردة في الملحق الأول بالاتفاق، وحدد تنفيذ البند الثاني وفقًا للترتيبات الواردة في الملحق الثاني، أما البند الثالث فيتم تنفيذه وفقًا للترتيبات الواردة في الملحق الثالث.

2. الملحق الأول: الترتيبات السياسية والاقتصادية

تنظّم هذه الترتيبات البند الأول في الاتفاق. وتشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية، مناصفةً، بين الشمال والجنوب، بواقع 24 وزيرًا، خلال ثلاثين يومًا من توقيع الاتفاق. ويقوم الرئيس هادي بتسمية رئيسها، واختيار أعضائها، ممن لم ينخرطوا في القتال أو التحريض أثناء أحداث آب/ أغسطس 2019. ويعيّن الرئيس، بالتشاور، محافظًا ومديرًا لأمن محافظة عدن خلال خمسة عشر يومًا، ومحافظَين لمحافظتي أبين والضالع خلال ثلاثين يومًا، ومحافظِين ومديري أمن لبقية المحافظات الجنوبية خلال ستين يومًا.

يباشر رئيس الحكومة الحالية عمله في عدن، خلال أقل من أسبوع من توقيع الاتفاق؛ بقصد تفعيل مؤسسات الدولة، وإدارة مواردها وإيراداتها، بما فيها الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية، وإيداعها في البنك المركزي بعدن، وصرف الرواتب والمستحقات، وموافاة البرلمان بتقرير دوري حول الإيرادات والمصروفات، وتفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإعادة تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمجلس الاقتصادي الأعلى.

3. الملحق الثاني: الترتيبات العسكرية

تنظم هذه الترتيبات البند الثاني في الاتفاق. وتشمل عودة القوات التي تقدمت نحو عدن وأبين وشبوة، منذ بداية آب/ أغسطس 2019، إلى مواقعها الأصلية، بكامل أفرادها وأسلحتها، وأن تحل محلها قوات أمن السلطة المحلية خلال خمسة عشر يومًا من توقيع الاتفاق، وجمع كل أنواع الأسلحة من القوات العسكرية والأمنية المتمركزة بمدينة عدن خلال مدة مماثلة، ونقلها إلى معسكرات خارج المدينة، بإشراف التحالف، وبموجب خطط معتمدة من جانبه، ونقل جميع القوات الحكومية وتشكيلات المجلس الانتقالي بمحافظة عدن إلى معسكرات خارجها، تحددها قيادة التحالف، خلال مدة مماثلة، وبالآلية نفسها، ويستثنى من ذلك اللواء الأول حماية رئاسية، لحماية القصور الرئاسية، ومحيطها، وتأمين تحركات رئيس الجمهورية، وأن يتم توفير الحماية الأمنية لقادة المجلس الانتقالي، بإشراف التحالف.

كما تشمل هذه الترتيبات توحيد القوات العسكرية الحكومية، وتشكيلات المجلس الانتقالي المنتشرة في عدن، وترقيمها، وضمها إلى وزارة الدفاع، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة، وبإشراف التحالف، خلال ستين يومًا من توقيع الاتفاق، وإعادة تنظيم القوات العسكرية بمحافظتي أبين ولحج، تحت قيادة وزارة الدفاع، وبالإجراءات ذاتها، والمدة نفسها، وهكذا بقية القوات في المحافظات الجنوبية الأخرى، لكن خلال تسعين يومًا من توقيع الاتفاق.

4. الملحق الثالث: الترتيبات الأمنية

تنظم هذه الترتيبات البند الثالث في الاتفاق. وتشمل اضطلاع قوات الشرطة والنجدة بمحافظة عدن، بمسؤولية تأمينها، وإعادة تنظيم القوات الحكومية وتشكيلات المجلس الانتقالي، وفقًا للحاجة، وخطة التأمين، وربطها بمدير أمن المحافظة، في إطار وزارة الداخلية، خلال ثلاثين يومًا من توقيع الاتفاق. وكذلك إعادة تنظيم قوات الأمن الخاصة ومكافحة الإرهاب، بمحافظة عدن، وتزويدها بعناصر من القوات الحكومية وتشكيلات المجلس الانتقالي، وتعيين قائدٍ لها، وترقيمها في إطار وزارة الداخلية، في المدة السابقة نفسها. ومِثلُ ذلك تُنظّم قوات حماية المنشآت لاضطلاعها بحماية المنشآت المدنية والحيوية في المحافظات المحررة، وموانئ المكلا، والضبة، والمخاء، ومنشأة بلحاف للغاز، خلال تسعين يومًا من توقيع الاتفاق. وعلى نحو ذلك قوات حماية المنشآت بمحافظتي أبين ولحج، خلال ستين يومًا من توقيع الاتفاق، ومثلها بقية القوات الأمنية في المحافظات الجنوبية المتبقية، لكن خلال تسعين يومًا.

ثانيًا: التحديات المتوقعة

من المتوقع أن يواجه الاتفاق، وعملية تنفيذه جزئيًا أو كليًا، تحديات على مختلف المستويات، يمكن ملاحظة أهمها:

1. المستوى السياسي

بدا واضحًا مقدار الضغوط التي مارستها دولة الإمارات لفرض قيود على مشاركة عدد من الأعضاء البارزين في الحكومة الحالية في حكومة الشراكة التي نص عليها الاتفاق[2]؛ نتيجة لمواقفهم المناهضة لها[3]. ولوحظ أيضًا أن الاتفاق لم يتعرض لعودة الرئيس هادي، ونائبه الفريق علي محسن الأحمر، وأعضاء الحكومة، إلى عدن؛ حيث اقتصرت الإشارة في الاتفاق إلى عودة رئيس الحكومة الحالية، وهو ما يطرح تساؤلات إضافية أيضًا عن معنى الشراكة إذا لم يكن في مقدور الرئيس ونائبه العودة إلى العاصمة المؤقتة للدولة.

في المقابل، ينتزع الاتفاق نصرًا سياسيًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، في ترجمةٍ للنصر العسكري الذي حققه على القوات الحكومية، في الجولة الأولى من مواجهات آب/ أغسطس 2019؛ حيث تمكن من السيطرة على ثلاث محافظات، هي عدن، ولحج، والضالع. فقد تحول المجلس الانتقالي إلى شريك كامل في حكومة الرئيس هادي، بعد أن كان متمردًا عليها، وبات بذلك أقوى الكيانات السياسية الجنوبية باعتراف هذا الاتفاق والراعين له. بهذا المعنى، يُعدّ الاتفاق نقلة نوعية للمجلس الانتقالي، سواء أكان هدفه النهائي الانفصال بالجنوب أم قيادة الجنوب كإقليم كامل يخضع لسيطرته في أي تسوية سياسية شاملة للبلاد.

2. التحديات الميدانية

بالمثل، قد يمثّل الاتفاق مَعْبرًا للمجلس الانتقالي، لتعزيز سيطرته العسكرية والأمنية على بعض المحافظات الجنوبية. والواقع أن الاتفاق لم يحدد، صراحةً، وضع القوات المنتشرة في الساحل الغربي التي لا تزال خارج سيطرة وزارة الدفاع، كما لم يحدد وضع أرخبيل سقطرى الذي يشهد توترًا متصاعدًا بين السلطة المحلية وعناصر موالية للمجلس الانتقالي. وقد يترك هذا الغموض الباب مفتوحًا أمام عودة المواجهات، خاصة إذا لم يلتزم المجلس الانتقالي بعملية الانسحاب من المعسكرات والهيئات الحكومية، أو بدمج قواته ضمن هياكل وزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الشرعية[4]. في المقابل، لن تقف قوات الحكومة الشرعية مكتوفة الأيدي في حال تنصل المجلس الانتقالي من التزاماته بموجب الاتفاق، وقد ينفجر الموقف بينهما؛ أخذًا في الاعتبار خلفيات الصراع بين مراكز الاستقطاب المناطقية والحزبية، والتي مثلت محركات أساسية للعديد من دورات العنف التي مر بها الجنوب[5].

علاوة على ذلك، يبدو الوقت الممنوح لتنفيذ الاتفاق غير واقعي؛ أخذًا في الاعتبار التعقيدات الموجودة على الأرض، من دون أن نغفل أيضًا إمكانية أن يعاود تنظيم القاعدة نشاطاته، وكذلك احتمال أن يستهدف الحوثيون الاتفاق عبر استئناف هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة، والهجمات البرية[6].

ثالثًا: تداعيات الاتفاق على العلاقات السعودية – الإماراتية

سيتيح الاتفاق حضورًا عسكريًا سعوديًا، في مناطق نفوذ الإمارات في مدن الساحل الجنوبي، علاوة على ما حققته السعودية سابقًا في محافظات شبوة والمهرة وحضرموت؛ حيث شرعت في تعزيز وجودها العسكري في عدن وشبوة، منذ اندلاع أحداث أوائل آب/ أغسطس 2019، تحت غطاء مراقبة وقف إطلاق النار، ومنع أي تصعيد عسكري متبادل. ولا تزال قواتها تحل محل القوات الإماراتية تباعًا، في القواعد العسكرية، ومطار عدن، ومقر قيادة التحالف، وسيزداد ذلك أثناء عملية الإشراف الأمني على تنفيذ الاتفاق[7].

هذا يعني تراجعًا في الدور الإماراتي، خاصة في عدن؛ إذ حرصت الإمارات، منذ بداية تدخلها عسكريًا في اليمن قبل نحو خمس سنوات، على إنشاء وكلاء محليين لها لحماية مصالحها في منطقة بحرية ذات أهمية جيوسياسية كبرى؛ لكونها تتحكم في خطوط التجارة البحرية الدولية، وتدفق النفط، فضلًا عن ارتباطها بمصالح إقليمية أخرى للإمارات، بوصفها مكملًا تجاريًا واقتصاديًا لنفوذها في جنوب غرب قناة السويس، وامتداد ذلك إلى خليج عدن، وصولًا إلى غربي المحيط الهندي[8]. وقد ثبت عدم واقعية هذه التصورات وهشاشة هذا التمدد. وقد تظهر لهذا الأمر انعكاسات على التحالف السعودي – الإماراتي، الذي شهد خلال الفترة الأخيرة اختبارات عديدة، سواء في اليمن أو فيما يخص موضوع إيران.

من جهة أخرى، قد يغذي الانقسامُ الحاصل بين أطراف التحالف اليمنيين التنافسَ السعودي – الإماراتي؛ ففي وقت تلتصق حكومة الرئيس هادي بالسعودية، وتناكف الإمارات علنًا بسبب سياساتها في اليمن، يبدو موقف المجلس الانتقالي، على النقيض من ذلك، أكثر قربًا من الإمارات وأكثر استعدادًا للعمل تحت مظلتها.

والأمر المنسي في هذا كله هو المعركة الرئيسة التي بدأت الحرب بسببها، وهي قضية السيطرة الحوثية على صنعاء وأجزاء كبيرة من اليمن. فثمة بوادر لحوار سعودي مع الحوثيين، لم يتضح بعد مدى مراعاته مصالح الطرفين.

خاتمة

يرتبط نجاح تنفيذ اتفاق الرياض إلى حد كبير بقناعة أطرافه المحليين بأن الاتفاق يحقق مصالحهم في هذه المرحلة أكثر مما يحققها لهم الصراع أو استئناف القتال. لكنه سوف يعتمد من جهة أخرى على استمرار التوافق في المصالح بين الرياض وأبوظبي في حرب اليمن؛ وهو أمر يبدو غير مضمون على المدى البعيد. فالرياض تبدو أكثر تخوفًا من سيناريو قيام دولة حوثية على حدودها الجنوبية، في حين تكرس الإمارات جل همها لمصالحها في الجنوب؛ حيث ما زالت تحتفظ بقوات في حضرموت (الساحل)، وأجزاء من ساحل شبوة (بلحاف)، وتتشبث بجزيرة سقطرى، فضلًا عن علاقتها القوية بالقوات المشتركة المتمركزة بالساحل الغربي.

[1] “نص ’اتفاق الرياض‘ بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي ’وثيقة‘”، وكالة الأناضول، 5/11/2019، شوهد في 8/11/2019، في:

https://bit.ly/2CiQPnW

[2] “تأجيل اتفاق جدة: الشرعية أحبطت تعديلات إماراتية وترتيبات أمنية مستمرة بعدن”، العربي الجديد، 20/10/2019، شوهد في 20/10/2019، في: https://bit.ly/2WOWECU

[3] نص الاتفاق على استبعاد كل من شارك في أعمال العنف والتحريض عليها في مواجهات آب/ أغسطس 2019. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، وزير الداخلية أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، اللذين سيحرمان من تقلد مناصب في الحكومة. ويواجه المصير ذاته محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، وقادة عسكريون مثل العميد عبد الله الصبيحي، والعميد مهران القباطي، وهما قائدان عسكريان في قوات الحماية الرئاسية، بينما قد ينجو من الاستبعاد اللواء فضل حسن، واللواء فضل باعش، لكونهما لم يشتركا في القتال، مع ميلهما إلى المجلس الانتقالي؛ حيث يتولى الأول قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، ويتولى الثاني قيادة قوات الأمن الخاصة بمحافظتي عدن وأبين. وفي جانب المجلس الانتقالي، يبرز قائد النخبة الشبوانية المقدم محمد سالم البوحر، ونائب رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، ورئيس الجمعية الوطنية بالمجلس اللواء أحمد سعيد بن بريك.

[4] “سيطرة المجلس الانتقالي على عدن والتوسع شرقًا: التداعيات والسيناريوهات”، تقدير موقف، مركز الجزيرة للدراسات، 5/9/2019، شوهد في 21/10/2019، في: https://bit.ly/2JYGjX7

[5] “الصراع في عدن: أبعاد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي وترتيباته”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 19/8/2019، شوهد في 27/10/2019، في: https://bit.ly/2JUVuAQ

[6] تمثل التفجيرات الإرهابية، والاغتيالات، واستهداف وسائط نقل الطاقة، أساليب معهودة في عدن وحضرموت وشبوة، منذ أربع سنوات، قضى فيها العشرات من الدعاة، وأئمة المساجد، والمناوئين للوجود الإماراتي، وقد سُجل عدد من الحوادث في وقت لم توقّع فيه الأطراف الاتفاق، ومن ذلك ما حدث بمدينة عتق (شبوة)؛ حيث فككت عبوة متفجرة استهدفت منزل محافظ المحافظة المعروف بمناوأته للإمارات.

[7] عزيز اليعقوبي، “السعودية تتولى السيطرة على عدن لإنهاء أزمة بين حليفيها في اليمن”، رويترز، 14/10/2019، شوهد في 27/10/2019، في: https://bit.ly/36JK5xh

[8] “سيطرة المجلس الانتقالي على عدن والتوسع شرقًا”.

 

رابط المصدر:

https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/Agreement-between-the-Government-of-Yemen-and-the-Southern-Transitional-Council.aspx

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M