الاستثمار والصناعة والتجارة.. ثلاثية تحفيز الاقتصاد المصري

أسماء رفعت

 

منذ بدء التعافي من جائحة كورونا اتخذت الدولة المصرية العديد من القرارات التي من شأنها إعادة دفع النمو الاقتصادي، ولكن جاءت الريح بما لا تشتهي السفن حيث تأثر الاقتصاد العالمي بتداعيات الصراع الروسي الأوكراني، وانعكست تلك التداعيات على الاقتصاد الوطني، فتم عقد مؤتمر صحفي في منتصف مايو العام الماضي للإعلان عن خطة الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكذلك جاء المؤتمر الاقتصادي في أكتوبر من العام ذاته بهدف التوافق على خارطة الطريق الاقتصادية للدولة خلال الفترات المقبلة، واقتراح سياسات وتدابير واضحة تسهم في زيادة تنافسية ومرونة الاقتصاد المصري، ثم تم إطلاق جلسات الحوار الوطني في مايو الماضي للاستماع إلى مختلف الآراء والمقترحات من كافة فئات الشعب المصري بهدف الوصول إلى مخرجات لصالح المواطن المصري، وتكون بمثابة خطوة فارقة في مسيرة البناء نحو الجمهورية الجديدة. وفي هذا الإطار، يتناول المقال بالعرض والتحليل سياسات الدولة لدعم وتحفيز الاقتصاد المصري من خلال تحسين بيئة ومناخ الأعمال، وتشجيع الصناعة وتطوير منظومة التجارة.

سياسات جذب وتحفيز الاستثمارات

استحوذ هدف الاستثمار على جانب كبير من سياسات الدولة، وقد شهد شهر مايو الماضي انعقاد أولى جلسات المجلس الأعلى للاستثمار بتشكيله الجديد، وقد أسفر عن اتخاذ 22 قرارًا تهدف إلى جذب الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، وقد تضمنت تلك القرارات تيسير إجراءات تأسيس الشركات، وتعزيز التنافسية، وتسهيلات تتعلق بالاستيراد والتصدير، بالإضافة لخفض الأعباء المالية للشركات، ودعم الشركات الناشئة والاستعانة بالخبرات الدولية. وقد تم بالفعل بدء تنفيذ عدد من القرارات التي تم اتخاذها، منها: إصدار قرار يُعمم على كافة الجهات، لتحديد مدى زمني محدد لكافة الموافقات بـ 10 أيام عمل ولمرة واحدة عند التأسيس، كما تم توسيع منح الرخصة الذهبية وتم منحها لشركتين في أواخر شهر مايو الماضي ليصل إجمالي عدد الشركات التي حصلت عليها 15 شركة. وكذلك تمت موافقة مجلس الوزراء على تعديل المادة 67 من اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار والمتعلق بإقامة مشروعات المناطق الحرة الخاصة، وأيضًا تمت الموافقة على مقترح تعديل المادة (4) من اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، بما يسمح بحصول المستثمر الأجنبي الجديد على الإقامة المؤقتة لمدة عام (لغير السياحة) وقابلة للتجديد لمدة 6 أشهر أو عام خلال فترة تأسيس الشركات والكيانات الاقتصادية بما يمكن المستثمرين من التعامل مع البنوك وفتح حساب مصرفي واستكمال كافة الإجراءات الخاصة بتأسيس شركاتهم.

وتهدف الجهود المبذولة لجذب الاستثمار إلى رفع حصة مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وبناء قاعدة إنتاج قوية ومتنوعة، بما يؤدي إلى زيادة فرص التشغيل ورفع معدلات الناتج وتوفير فائض للتصدير وزيادة تدفقات النقد الأجنبي. كما تهدف إجراءات تحسين مناخ الأعمال إلى زيادة الاستثمارات في عدد من القطاعات التي تتميز بقدرات تنافسية عالية، ومن أبرزها قطاع الصناعة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة.

دعم وتوطين الصناعة المحلية

حرصت الدولة على دعم وتوطين الصناعة المحلية من خلال التوسع في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والمكون التكنولوجي المرتفع، وإنشاء العديد من المجمعات الصناعية المتخصصة الداعمة لخطط التنمية المستدامة، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بهدف زيادة القيمة المضافة للمنتج الصناعي المصري. وقد تم إطلاق مبادرة دعم وتوطين الصناعة الوطنية وتأسيس شركة “ابدأ” لتنمية المشروعات والتي تعد بمثابة الذراع الاقتصادي لمبادرة “حياة كريمة” التي تهدف بشكل أساسي إلى توطين الصناعة الحديثة، وتقليل الفجوة الاستيرادية، وتوفير فرص عمل. وتتعدد محاور عمل المبادرة، حيث تتضمن محور دعم الصناعة من خلال تقديم الدعم الفني والمادي للمصانع المخالفة والمتعثرة ومساندتها حتى تستطيع تقنين أوضاعها، وكذلك محور التدريب والبحث والتطوير لبحث مشكلات المصانع المتعثرة وإيجاد أنسب الحلول لها بطرق علمية عملية حديثة وبأقل تكلفة، وأيضًا محور المشروعات الكبرى الذي يقوم على عقد شراكات مع كبار المصنعين، سواء كانت مشروعات قائمة ترغب في تطوير أنشطتها أو مشروعات جديدة.

وتتكامل جهود الدولة لدعم الصناعة مع الجهود المبذولة لدعم مناخ الاستثمار؛ إذ تعد تهيئة بيئة الأعمال مطلبًا أساسيًا لتطوير القطاعات الإنتاجية المختلفة. وتركز جهود الدولة في دعم الصناعة على عدد من القطاعات منها: استصلاح واستزراع الأراضي، والنقل واللوجستيات، والسياحة والفنادق، والصناعات الغذائية، والصناعات الطبية والدوائية، والصناعات النسيجية، والطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، والصناعات المعدنية، والشركات الناشئة وريادة الأعمال، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.

فرص تعزيز التجارة 

يتمثل المحور الثالث في ثلاثية تحفيز الاقتصاد المصري في تطوير منظومة التجارة، والتي من شأنها إبراز جهود تحفيز الاستثمارات ودعم الصناعة. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى ضرورة العمل على مواجهة تحديات ارتفاع تكلفة الاستيراد والتصدير، وتعدد الإجراءات المتعلقة بمنظومة التجارة، لا سيما الإجراءات الخاصة باستيراد المكونات اللازمة لإنتاج السلع التصديرية والبرامج المتعلقة بها (نظام الدروباك ونظام السماح المؤقت) اللذين يؤثران على إجراءات استرداد المستحقات المالية للمصدرين بعد حساب المكونات المستوردة.

كما يتطلب الأمر ضرورة العمل على إزالة التداخل بين أدوار وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة فيما يتعلق بدور منظومة دعم الصادرات، وكذلك التداخل بين مصلحة الجمارك وسلطات الموانئ، وجهات الفحص التي تصل إلى 38 جهة. ويتطلب تطوير العمل رقمنة منظومة الجمارك بدرجة أكبر بهدف توحيد الإجراءات المتبعة على نفس المنتج، وتقليل عدد الإجراءات، وتخفيف الازدحام، وتخفيض الوقت المستغرق لإتمام الخدمة وتسريع دورة المستندات والتي تعد أبطأ من حركة دورة المنتجات بعكس المتعارف عليه.

وقد تضمنت قرارات المجلس الأعلى للاستثمار الموافقة على تعديل القانون رقم 7 لعام 2017، حيث سمح التعديل بقيد المستثمر بسجل المستوردين حتى لو كان غير مصري، ويمتد ذلك السماح لمدة 10 سنوات لتسهيل بيئة الأعمال ومعالجة صعوبات الاستيراد الخاصة بمستلزمات الإنتاج من خلال تسهيل العملية الاستيرادية بالنسبة للمستورد الأجنبي. كما تم اعتماد عدد من الحوافز الداعمة لعدد من القطاعات والمشروعات التي تتعلق بالقطاع الزراعي والصناعي والطاقة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى قطاع الإسكان وما يخص المطورين العقاريين والمشروعات الاستثمارية بالمدن الجديدة، وكذلك النقل فيما يتعلق برسوم التصدير والجمارك.

ومن أبرز مقترحات الإصلاح فيما يتعلق بالتصدير: ضرورة تيسير إجراءات الحصول على مستحقات دعم الصادرات وتخفيض مدتها، وتبسيط إجراءات أنظمة السماح المؤقت والدروباك وتسريعها. أما عن أبرز مقترحات الإصلاحات من جانب الاستيراد: فتتمثل في تطبيق منظومة مخاطر موحدة على مستوى كافة الجهات الرقابية ووفقا لأفضل الممارسات الدولية، وتطوير منظومة “نافذة” لتفادي المشكلات التقنية ولاختصار الإجراءات في منصة واحدة ورفع كفاءتها، وزيادة الشفافية في تقدير إجمالي الرسوم التي يتحملها المستورد المصري خاصة المُصنع خلال إجراءات الإفراج الجمركي.

وختامًا، فإنه يمكن القول إن أساس الإصلاح يكمن في تطوير عمليات الإنتاج والتشغيل والتصنيع أولًا، ثم يأتي تطوير أداء منظومة التجارة، مع أهمية النظر للقطاع الخاص بصفته شريكًا في عملية صنع القرار وليس فقط متلقيًا للقرارات، فضلًا عن أهمية تطوير خطة للمتابعة والتقييم وفقًا لمدى زمني محدد.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34561/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M