إعداد بسمه فايد، باحثة بقضايا الإرهاب الدولي ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
سجلت الاستخبارات الألمانية كثيرا من محاولات التجسس من دول معادية داخل ألمانيا خصوصاً من روسيا وقد شهدت ألمانيا عمليات تجسّس نُسبت إلى الاستخبارات الروسية تتضمن تلك الأنشطة، التجسس على العديد من المؤسسات الألمانية والسياسيين بالإضافة إلى التورط في عمليات اغتيال واختراق منشآت شديدة الحساسية، كذلك التجسس على الشركات الألمانية والمؤسسات البحثية الاقتصادية عبر عملاء يعملون لدى السفارات والبعثات الدبلوماسية وذلك لمحاولة التأثيرعلى صناعة القرار السياسي في ألمانيا.
جواسيس الاستخبارات الروسية في ألمانيا
يوجد ثلاثة أنواع من العملاء الروس يعملون في أوروبا لاسيما ألمانيا عملاء “مُعلنون” وغالبًا ما يشغلون أدوارا مثل الملحق الدفاعي والعمل في الاستخبارات العسكرية الروسية، والعملاء “غير المصرح” بهم الذين قد يتنكرون من قبل الاستخبارات الروسية الخارجية “SVR” كجزء من وفد تجاري، والعملاء “غير القانونيين” وهم عملاء نائمون يعملون بشكل خفي. ولا يزال عشرات العملاء الروس ينشطون في ألمانيا وتستخدم روسيا العملاء لمحاولة التأثيرعلى صناعة القرار السياسي في ألمانيا حيث جندت روسيا عملاء من “الدائرة المقربة” للمستشارة الألمانية السابقة “أنجيلا ميركل” وفي أجهزة المخابرات النمساوية وتعتبر تلك الشبكة مجرد جزء من شبكة أوسع للكرملين في دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك جمهورية التشيك وقبرص وفرنسا واليونان ولاتفيا وليتوانيا وبولندا. هكذا يعمل العملاء العرافون السريون داخل الاستخبارات الروسية
أنشطة تجسس روسيا في ألمانيا
تطبق السلطات الأمنية قواعد صارمة على الجواسيس الروس المشتبه بهم و تواصل ألمانيا توفير الحماية للمعارضة الروسية ومنحت السلطات الألمانية حوالي (240) تصريح إقامة للروس منذ مايو 2022 ومن بين الذين حصلوا على تصريح إقامة (144) من المعارضة في روسيا. واستغلت الاستخبارات الروسية تلك التصاريح حيث تقدم جاسوس روسي للحصول على تأشيرة في موسكو وقدم خطاب دعوة من القنصلية العامة الروسية في “لايبزيغ” وبعد رفض طلبه قدم الجاسوس الروسي طلب تأشيرة جديد، وأثناء المحاولة الثانية قررت الدائرة القنصلية الألمانية منحه التأشيرة رغم تحذيرات المكتب الاتحادي لحماية الدستور وبعد ذلك اعترفت السلطات الألمانية بالخطأ وأعلنت أن التأشيرة باطلة في العاشر من أكتوبر 2022.
تشمل أنشطة أجهزة الاستخبارات الروسية في ألمانيا التجسس الموجه ضد السياسة والمكاتب الإدارية المختلفة كذلك الشركات المبتكرة والمؤسسات البحثية الاقتصادية هي أيضًا بؤرة التجسس الاقتصادي من قبل أجهزة الاستخبارات الروسية.
اكتشفت أجهزة الاستخبارات الألمانية العديد من الجواسيس المتواجدين داخل مؤسساتها سواء داخل المؤسسات العسكرية أو السفارات أو داخل الشركات الموجودة لديها، حيث أتهم ضابط احتياط ألماني في أغسطس 2022 بنقل معلومات حساسة حول قوات الاحتياط في الجيش الألماني و”الدفاع المدني” وحول تبعات العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو منذ عام 2014 إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، ونقل معلومات حول مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي يربط روسيا بألمانيا.
تورطت الاستخبارات الروسية في عمليات اغتيال داخل ألمانيا، ففي عام 2019 أدين “فاديم كراسيكوف” بقتل مقاتل شيشاني سابق في برلين وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وفي الأول من أغسطس 2022 طالبت روسيا إدراجه في صفقة تبادل مقترحة للولايات المتحدة ويعتبر الطلب إشكاليًا لعدة أسباب، من بينها أن “كراسيكوف” لا يزال محتجزًا في ألمانيا ولأن الطلب لم يتم توصيله رسميًا ولكن من جهاز الاستخبارات “FSB”
حققت الأجهزة الأمنية الألمانية في 31 أغسطس 2022 مع موظفين كبيرين مسؤولين عن ملف الطاقة في وزارة الاقتصاد الألمانية، حول تجسساً لصالح روسيا وأتضح من دراسة دقيقة لأدائهما في العمل أن أحد المشتبه بهما درس في روسيا وأنهم يدافعون عن روسيا وأنتقدوا قرارات حكومة المستشار “أولاف شولتس” بشأن الطاقة.
وجدت السلطات الأمنية الألمانية في أكتوبر 2021 العديد من الجواسيس الروس يعملون في شركات للأمن المعلوماتي ونقلوا بيانات حول مجلس النواب الألماني إلى روسيا، كما كشف عن جواسيس يعملون لدى السفارات والبعثات الدبلوماسية بنقل معلومات لموسكو بالإضافة إلى علماء روسيين تجسسوا على برامج أمنية لحساب موسكو.
ألقت الشرطة الألمانية في العاشر من أغسطس 2021 القبض علي “ديفيد سميث”حارس أمن بريطاني يعمل لدى السفارة البريطانية في برلين بتهمة التجسس لصالح روسيا.
أثبتت الأدلة لجهاز مكافحة التجسس العسكري في ألمانيا في اغسطس 2022 أن جهاز الاستخبارات الروسي أصبح نشطاً في ألمانيا حيث تجسس علي دورات لتدريب جنود أوكرانيين داخل ألمانيا، وعلى استخدام أسلحة جديدة في قواعد عسكرية في ألمانيا. وأشارت الاستخبارات الألمانية إلى وجود مركبات على مقربة من مداخل مخيّمات التدريب العسكري إلي جانب وجود طائرات مسيّرة تحلق فوق ميادين التمرينات مرات عدة.
تستغل موسكو البعثات الدبلوماسية في ألمانيا في التجسس وتحاول استقطاب عملاء للبحث عن معلومات أنشطة عسكرية ألمانية وتهريب معدات تستخدم في صناعة الأسلحة. ففي عام 2019 استقطب “ليونيد ستروكوف” ـ ضابط في الاستخبارات الروسية ـ ونائب القنصل الروسي رسمياً في ميونيخ طالب الدكتوراه الروسي “إيلنورن” في جامعة “أوغسبورغ” بحجة أنه له زميلاً في بنك روسي كان يبحث عن فرص استثمارية في شركات الفضاء. وطلب “ستروكوف” منه المساعدة وجمع ملفات ووثائق عن مركبة الإطلاق الأوروبية “آريان 6″. الاستخبارات الصينية تُصعد أنْشِطَتها داخل ألمانيا
تزايد التجسس الاقتصادي الروسي
تزايد مخاطر استهداف روسيا للقطاع الاقتصادي الألماني من خلال عمليات تجسس بعد أن أصبح الاقتصاد الروسي منعزلاً عن المعرفة والتكنولوجيا، وحذرت الاستخبارات الداخلية الألمانية من ذلك في17 مايو2022. وأشارت الاستخبارات أن هناك خطر من أن يكون المزيد من محاولات الاستدراج خاصة للموظفين في قطاعات الاقتصاد والبحث العلمي ذات الصلة في روسيا في ألمانيا وأن الموظفين الذين يحملون الجنسية الروسية معرضون للخطر بشكل خاص لأنه يمكن أن يحدث الاتصال على نحو عابر تماماً أويضطروا لإقامة اتصال مع مؤسسات أو سلطات دبلوماسية في موطنهم.
تحذيرات الاستخبارات الألمانية من روسيا
ذكرت “مارتينا روزنبرغ” رئيسة المخابرات العسكرية بألمانيا في 30 أكتوبر 2022 أن هناك تزايد في نشاط أجهزة استخباراتية معادية داخل ألمانيا خصوصاً من روسيا وأضافت أن الاستخبارات العسكرية تسجل كثيرا من محاولات التجسس، ولوحظ عمليات متكررة بطائرات بدون طيار فوق مواقع عسكرية تابعة للجيش الألماني ومراكز تدريب للجنود الأوكرانيين. الاستخبارات ـ ماهو الدور الذي تلعبه خلال الحروب والنزاعات الدولية. ملف؟
طالبت الهيئة الاتحادية لحماية الدستور الشركات والموظفين في ألمانيا في 17 مايو2022 بتوخي الحذر فيما يتعلق بكلمات المرور ومعلومات الشركات ورسائل البريد الإلكتروني المشبوهة، وأوصت بتحذير الموظفين المعينين حديثاً والذين يحملون الجنسية الروسية من محاولات الأجهزة الاستخباراتية للاتصال ودعت إلى توفير قنوات للإبلاغ عن حالات مشتبه بها.
حذرت الاستخبارات الألمانية في السابع من مارس 2022 من إمكانية استهداف الشركات التي تشكل جزءاً من البنية التحتية الحيوية والمؤسسات السياسية والعسكرية في ألمانيا.
أكدت الاستخبارات الألمانية في 17 فبراير 2022 أن أنشطة أجهزة المخابرات الروسية في ألمانيا لاتزال دون تغيير وعلى “مستوى عالٍ” لسنوات عديدة وإن القدرة على النشاط المكثف موجودة بالتأكيد حيث يقدر العدد الإجمالي لموظفي أجهزة الاستخبارات الروسية الثلاثة بحوالي (400000) موظف.
تصاعدت التحذيرات بشأن اهتمام روسيا باستجلاء أمور في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بألمانيا، وصارت الأساليب والاستراتيجيات التي تنتهجها موسكو في ألمانيا أكثر تعقيداً، وباتت ترقى إلى مستواها في أثناء الحرب الباردة فعلي سبيل المثال استخدمت موسكو أساليب جديدة جديدة مثل “دبلوماسية اللقاحات والكمامات” خلال أزمة تفشي فيروس كورونا.
تقييم وقراءة مستقبلية
– اتخذت أساليب واستراتيجيات وكالات الاستخبارات الروسية بعداً آخر أكثر تعقيداً في ألمانيا، ومما لا شك أن حالات التجسس في ألمانيا من قبل روسيا كانت متوقعه خصوصاً بعد أزمة روسيا وأوكرنيا.
– ترفق روسيا عملها أنشطتها التجسسية بشكل متزايد بعمليات اغتيال للمعارضة الروسية الذين فروا إلى ألمانيا، كذلك الجنود الروس المتواجدين في ألمانيا والمنشقين عن الأجهزة العسكرية والأمنية الروسية.
– اعتادت ألمانيا في بعض الأحيان فقط طرد الجواسيس الروس المشتبه بهم الذين تم اعتمادهم كدبلوماسيين، لكن في ظل أزمة أوكرانيا وتنامي أنشطة روسيا التجسسية في ألمانيا طردت برلين (40) موظفاً في السفارة الروسية.
– تميل موسكو إلى الرد على مثل عمليات الطرد من خلال طرد عدد متساوٍ من الألمان من روسيا، ومن المحتمل أن تكون برلين شديدة الحذر مع عمليات الطرد هذه خوفاً من أنها فقد نفوذها في روسيا.
– تتصاعد المخاوف بشأن عمليات التخريب المحتملة في ألمانيا التي تستهدف على سبيل المثال شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا. ولا يمكن استبعاد محاولة موسكو إثارة الاضطرابات في ألمانيا مثل تسليم متفجرات للمتطرفين خاصة جماعات اليمين المتطرف المواليين لروسيا.
– تدفع أنشطة الاستخبارات الروسية في ألمانيا السلطات إلى تغيير نهجها تجاه روسيا ومعالجة الثغرات وأوجه القصور للأجهزة الاستخباراتية الألمانية على المستوى الفيدرالي، واتخاذ إجراءات لحماية المستشارية والوزارات الرئيسية مثل حقائب الخارجية والداخلية والدفاع والاقتصاد والبرلمان الألماني من التجسس.
الهوامش
بدء محاكمة ضابط احتياط ألماني بتهمة التجسس لصالح روسيا
https://bit.ly/3E3cy3X
شكوك في ألمانيا حول وقوف روسيا وراء “تخريب” طال السكك الحديد
https://bit.ly/3T1q4JC
German cybersecurity chief sacked following reports of Russia ties
https://bit.ly/3E0jQWa
الاستخبارات الألمانية تحذر من تزايد مخاطر التجسس الاقتصادي الروسي
https://bit.ly/3FLOq74
تحذيرات ألمانية من تهديدات أجهزة استخباراتية “معادية”
https://bit.ly/3Ur48bR
الاستخبارات الألمانية تحذّر من هجمات إلكترونية روسية ضد منشآت حكومية وخاصة
https://bit.ly/3fD4nlq
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: