د. حسين أحمد السرحان
هوت اسعار النفط يوم الاثنين 9/اذار/2020 بنسبة 25% لتستقر عند 35 دولارا في أعقاب إعلان السعودية وروسيا أنهما ستزيدان الإنتاج بعدما انهار يوم الجمعة الماضي اتفاق بين كبار المنتجين استمر لثلاث سنوات لكبح المعروض في الأسواق.
وذهب بعض المتابعين ان المضاربة على اسعار النفط وتصارع الارادات تنعكس سلبا على الاقتصادات التي تعتمد بنسبة كبيرة على الايرادات النفطية بما فيها الاقتصاد السعودي الذي يحتاج الى ايرادات كبيرة لتلافي انخفاض احتياطاته من العملة الصعبة والتي وصلت الى ما يقارب الـ (500) مليار دولار بعدما كانت قد تعدت الـ(740 مليار دولار بداية عام 2014).
وعلى اثر هذا الانخفاض السريع في سعر النفط الذي تشكل ايراداته اكثر من 90% من ايرادات الموازنة العامة للدولة العراقية خلال السنوات السابقة، برز تخوف مبرر حول الاوضاع الاقتصادية في العراق خلال عام 2020 ولا سيما في ظل الاوضاع السياسية المتردية. الامر الذي دفع اللجنة المالية النيابية الى الاعلان عن عدم التخوف على الرواتب في خطوة لطمأنة اغلب المواطنين على مصدر دخلهم.
هذا التخوف لدى المواطنين والمتابعين مبرر بسبب عجز الحكومات ولاسيما بعد العام 2003 عن تنويع الايرادات العامة وزيادة مساهمة القطاعات الانتاجية في الناتج المحلي الاجمالي على الرغم من اقرار خطط واستراتيجيات عدة ترتبط بزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج، والتخفيف من الفقر، والمبادرة الزراعية والمبادرة الصناعية وغيرها. وسبب كل هذا الفشل يؤطر بالإفساد الذي تمارسه القوى السياسية لعدم تحقيق كتلة او جهة سياسية نجاح يحسب لها من خلال وجودها في السلطة التنفيذية.
الانخفاض الحاد في اسعار النفط ليس جديدا على الدولة العراقية، سبق وان انخفضت الاسعار حتى وصلت الى 24 دولار للبرميل نهاية عام 2014 وبداية عام 2015، وترافق ذلك مع زيادة كبيرة في الانفاق العسكري لتحرير الاراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي والتي استمرت لغاية كانون الاول 2017 واعلان الهزيمة العسكرية للتنظيم. وهذان العاملان برزا الى السطح ازمة مركبة استطاع العراق تجاوزها بفعل المساعدة الدولية التي تأطرت باتفاق الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي والقروض الدولية، وليس بفعل سياسات حكيمة في الانفاق، او الحد من الفساد من قبل الحكومة سوى تحويل تخصيصات الموازنة الاستثمارية الى الانفاق العسكري مما تسبب بركود واضح في الاقتصاد العراقي وتوقف العمل بالآلاف من المشاريع لأكثر من عامين.
في ظل الوضع الحالي لا نتوقع ان تقوم الحكومة او مجلس النواب باتخاذ اجراءات موضوعية وطنية في تخفيض النفقات غير الضرورية والمحافظة قدر الامكان على الموازنة الاستثمارية وبشكل يخدم الاقتصاد العراقي ويجنبه الركود المتوقع.
سنحاول في هذه الورقة الاشارة الى مجموعة من النقاط التي نرى فيها انها ضرورية لمواكبة الانخفاض في اسعار النفط، ويمكن تضمينها في مشروع قانون الموازنة الذي لابد من اقراره في الفترة القريبة بعد تشكيل الحكومة المؤقتة. اذ بدون اقرار مشروع قانون الموازنة لعام 2020 سيكون الانفاق وفق لقانون الادارة المالية (1/ 12) لسنة 2004 المعدل.
عليه في الحالتين (اقرار موازنة او عدم اقرارها)، نحن بحاجة الى الاحاطة بتنفيذ الموازنة لعام 2019 لتكوين صورة واضحة ليتم تعديل مشروع قانون موازنة 2020 بموجبها، ولنكون امام صورة لحالة التناقض في الانفاق وفقا لقانون الادارة المالية في حال عدم اقرار مشروع قانون الموازنة في ظل انخفاض الايرادات النفطية. وسنعتمد في النقاط المطروحة على ما تم تنفيذه في موازنة العام 2019 وفقا لتقارير تنفيذ الموازنة والصادرة عن وزارة المالية لغاية شهر تشرين الاول 2019 وهو اخر تقرير لتنفيذ الموازنة!
– بلغت الايرادات المخططة لعام 2019 (105.569.686.870.000). وبلغت مجموع الايرادات الفعلية لغاية تشرين الاول/2019 (73.603.392.333.540)، اي بنسبة (69.7%) من الايرادات المخططة، وشكلت الايرادات النفطية منها بنسبة (92%) من مجموع الايرادات بسعر 56 دولار للبرميل. وبفعل الانخفاض الحالي لأسعار النفط، او حتى مع ارتفاعها لتصل الى اقل من 56 دولار للبرميل، نكون امام صعوبة في تحقيق هذه النسبة من الايرادات اذا ما تم اعتماد آلية انفاق 1/12 وفقا لقانون الادارة المالية.
وكان اجمالي النفقات المخططة (جارية واستثمارية) لعام 2019 (133.107.616.412)، وكان اجمالي النفقات الفعلية (جارية واستثمارية) لغاية تشرين الاول 2019 (74.456.451.508.548)، اي ان نسبة تنفيذ الموازنة لغاية الشهر ذاته هي (55.9%).
– بالنسبة للنفقات الاستثمارية الفعلية المتحققة لغاية تشرين الاول بلغت نسبة (29.9%) من اجمالي النفقات الاستثمارية المخططة وهي نسبة ضئيلة جدا تؤشر عدم قدرة مؤسسات الدولة على تنفيذ الموازنة الاستثمارية. وبالرغم من ذلك، هذا يعني ان اعتماد آلية إنفاق 1/12 وفقا لقانون الادارة المالية لا يمكن ان يتحقق إذا ما استمر الانخفاض في اسعار النفط في وضعه الحالي.
ومع ان هذه النسبة المتحققة من تنفيذ الميزانية الاستثمارية هي ضئيلة، الا انها ساهمت بشكل او بآخر في الحد من الركود. وهذا يؤشر ضرورة الاهتمام بوجود ميزانية استثمارية للبلاد خلال العام 2020 إذا ما تم العمل على اعداد مشروع للموازنة او تعديل المشروع الحالي، لا ان يتم الغائها او مصادرتها لصالح الميزانية التشغيلية، كما جاء في تصريحات على انه حل لتأمين الرواتب وتعويضات الموظفين والتي شكلت نسبة (86.6%) من الانفاق الفعلي خلال الشهور العشرة الاولى من العام 2019. ولكن هل من سبيل لذلك؟
بالتأكيد هناك نفقات كثيرة في الميزانية الجارية ولاسيما على مستوى الرئاسات الثلاث على اقل تقدير. اذ هناك مخصصات كبيرة في هذه الرئاسات في ابواب (المستلزمات الخدمية، والمستلزمات السلعية، وصيانة الموجودات، والنفقات الرأسمالية، والمنح والاعانات وخدمة الدين، والالتزامات والمساعدات الخارجية والبرامج الخاصة، والرعاية الاجتماعية) وذلك عدا الرواتب والاجور. اذ بلغت النفقات الجارية للرئاسات الثلاث ما مقداره (4.041.836.221.106) من مجموع الميزانية الجارية خلال العشرة أشهر الاولى، وبنسبة (6.26%) من اجمالي الميزانية الجارية للمدة ذاتها وهو رقم كبير وبالإمكان مراجعة بعض الابواب خلال السنة المالية 2020 لتقليل العجز وتحويل الغير ضروري منها الى النفقات الاستثمارية.
ونذكر ان النفقات الاستثمارية لرئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء فقط للأشهر العشرة الاولى من عام 2019 بلغ (318.845.252.396) مليار دينار، وهي أكثر من النفقات الاستثمارية لمحافظات (كربلاء، المثنى، الديوانية، النجف، ديالى، نينوى، ذي قار، والدوائر غير المرتبطة بوزارة) والتي بلغ مجموعها (310.003.244.728) مليار دينار للمدة ذاتها! وهذا يؤكد ما ذكرناه في الاعلى ان هناك انخفاض في تنفيذ النفقات الاستثمارية في الوزارات الاتحادية والمحافظات. الامر الذي يستدعي الوقوف على مكامن الخلل لتلافيها في السنة المالية 2020.
ولتحقيق العدالة الاقتصادية وضمان تعزيز أمثل للموارد، كانت هناك حاجة لإيجاد اتفاق مع حكومة اقليم كردستان يضمن التزامها بدفع ما بذمتها في السنة المالية 2019 قبل ان يتم تسليمها نفقاتها وفق قانون الادارة المالية. وهذا الشيء لم يحصل وليس هناك تقارير صرف النفقات المالية خلال الاشهر الثلاثة من السنة المالية 2020.
اما اذ استمر اعتماد الانفاق وفقا لقانون الادارة المالية، فنجد ان نفقات حكومة الاقليم الجارية لعام 2020 ستكون ذاتها للسنة المالية 2019، وهذا يعني انعدام للعدالة الاقتصادية والتوزيع العادل للموارد. فقد بلغت نفقات حكومة الاقليم – وهي نفقات جارية فقط، للأشهر العشرة الاولى من عام 2019 (4.535.779.271.242) وهو ما يزيد عن النفقات الجارية لمحافظات (صلاح الدين، كربلاء، المثنى، الديوانية، النجف، واسط، ميسان، الانبار، بابل، نينوى، والدوائر غير المرتبطة بوزارة) والتي بلغت (4.262.920.377.724)، اي ان النفقات الجارية لثلاث محافظات يزيد عن النفقات الجارية لعشر محافظات في شمال ووسط وجنوب العراق والدوائر غير المرتبطة بوزارة!
وبالتالي، على البرلمان العراقي واللجنة المالية النيابية ونواب المحافظات خارج الاقليم ان يعملوا على اقرار مقترح قانون يلزم حكومة الاقليم بدفع ما عليها من التزامات قبل ان يتم تسليمها نفقاتها وفقا لقانون الادارة المالية المعدل. اما في الحال العمل على تعديل مشروع قانون الموازنة لعا م2020، فان الحاجة ماسة لتضمينها هذا الالزام، فضلا عن افصاح الاقليم عن كميات النفط المصدر بكل شفافية، وفي حال رفض الاقليم لهه الالتزامات، نرى ان تتوجه لك النفقات الى النفقات التشغيلية لسد العجز المتوقع في الرواتب، او يتم تحويلها الى النفقات الاستثمارية للمحافظات. ونعتقد ان انخفاض اسعار النفط في وضعها الحالي سيكون عامل ضاغط على حكومة الاقليم للقبول بشروط العدالة بتوزيع الموارد، هذا من جانب،
من جانب آخر، وبما ان مخصصات (الاجور والرواتب) –وفقا لأرقام غير رسمية- تشكل بما نسبته اكثر من 60% من النفقات التشغيلية، وبما ان الدرجات الخاصة تستحوذ على النسبة الاكبر من هذه المخصصات، ولضرورة تبديد المحاذير من القدرة على دفع الرواتب والاجور، ولقيام الحكومة المستقيلة بتوظيف عدد كبير خلال الاشهر السابقة، نرى امكانية طرح مقترح ودراسته بشمولية وموضوعية الا وهو ان يتم تطبيق آلية الادخار الاجباري لما نسبته 30–40% من المخصصات وذلك عبر تعديل قانون الادارة المالية النافذ او تضمينها في مشروع الموازنة لعام 2020.
رابط المصدر: