الاكتشافات البترولية: كيف تنعكس على خطة الدولة نحو الاكتفاء الذاتي؟

ينفرد النفط بأهمية استراتيجية خاصة عن مصادر الطاقة الأخرى بأنه صناعة تحويلية، بمعني أن البترول الخام لا يتم استهلاكه مباشرة، بل يدخل بعد عمليات استخراجه من آبار النفط إلى المصافي بهدف تكريره وتحويله إلى مواد وصور أخرى ومواد مكررة كالبنزين والديزل والكيروسين مع مواد ثقيلة أخرى كالنافتا والمواد البتروكيماوية الأخرى، والتي تصنف بالآلاف من المنتجات النهائية والوسيطة كالبرافين والأسمدة. وعلى الرغم من أن الوقود الأحفوري في مصر لا يكفي استهلاكها -فهي تُعد مستوردة للنفط الخام ومشتقاته- فإنها من أقدم الدول التي بحثت عن النفط والغاز واستكشافهما. ومع امتلاك مصر ممر قناة السويس، بالإضافة إلى خط سوميد الواقع على أراضيها، تؤدي مصر دورًا مهمًا ومحوريًا في تجارة النفط والغاز الطبيعي عالميًا. حيث يواصل إنتاج النفط في مصر تسجيل مستويات قياسية مدعومًا بتكثيف وتيرة الحفر الاستكشافي وخطط زيادة الإنتاج، في حين يبدو أن إمكانات النفط لدى القاهرة شكلت عامل جذب قوي لكبريات شركات الطاقة العالمية.

مدخل

تولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بقطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة؛ إذ ترى الدولة إن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص بصناعة البتروكيماويات، خاصة أنها تُشكل أهمية كبيرة في تحقيق القيمة المضافة ودفع عجلة الإنتاج وتحسين وتيرة الاقتصاد محليًا وخارجيًا، وهو ما جعلها تخطو خطوات جادة وسريعة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية. وذلك من خلال عوامل عدة شملت: عمليات الاستكشاف والإنتاج، ورفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير، وتنويع مصادر الطاقة، والتوسع في المشروعات التي تساعد في ترشيد استهلاك الوقود، وأيضًا تلك التي تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات لقطاع البترول المصري.

واستكمالًا لما سبق، تلقى إنتاج النفط في مصر دعمًا جديدًا، وذلك من خلال وضع إحدى الآبار النفطية الجديدة على خطوط الإنتاج والتي تقع ضمن نطاق منطقة خليج السويس، في خطوة من شأنها دعم خطط الحكومة المصرية الهادفة لتأمين احتياجاتها من الخام، وبالتالي خفض فاتورة الاستيراد (هدف تحقيق الإكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية). حيث نجحت شركة بترول خليج السويس (جابكو) في وضع البئر الأولى من حقل بترول شمال صفا بمنطقة شمال شرق رمضان في خليج السويس على خريطة الإنتاج في بداية العام الحالي 2024.

إشكالية النفط في مصر

مع تزايد استهلاك الوقود الأحفوري في مصر، تضطر الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد في توفير احتياجات السوق المحلية، وهو ما يعرضها لتقلبات أسعار النفط والضغط على بند المصروفات في الموازنة. حيث إن استهلاك مصر من النفط ارتفع، خلال عام 2022، إلى حوالي 750 ألف برميل يوميًا، مقابل حوالي 644 ألف برميل يوميًا في عام 2021، وحوالي 598 ألف برميل يوميًا عام 2020. ونجد إن مستويات الاستهلاك قد سجلت أعلى مستوى لها بقرابة 836 ألف برميل من النفط في عام 2016، ثم تراجع إلى حوالي 801 ألف برميل يوميًا في عام 2017، وإلى حوالي 720 ألف برميل في عام 2018، وإلى حوالي 686 ألف برميل يوميًا في 2019.

حيث تُظهر البيانات المعلنة ارتفاع استهلاك مصر من المنتجات النفطية، خلال عام 2022، إلى حوالي 81 مليون طن؛ أي بنسبة ارتفاع سنوية حوالي 6.3%، والتي تضمنت حوالي 35.5 مليون طن من المنتجات النفطية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي. كما يوضح الشكل التالي معدلات الاستهلاك النفطي في مصر خلال السنوات الماضية.

وعليه يمكن القول، إن زيادة معدلات الاستهلاك النفطي وعدم وجود معادلة متزنة بين معدلات الاستهلاك ومستويات الإنتاج النفطي للدولة، يترتب عليها زيادة وفجوة كبيرة في فاتورة الاستيراد، مما يترتب عليه أعباء وضغوط على موازنة للدولة.

احتياطيات النفط في مصر

بشكل عام، توجد في الحقول المصرية للنفط حوالي 3 أنواع من النفط: الأول، هو الخام الخفيف والحلو الموجود في الحقول البرية بالصحراء الغربية، في حين يُستخرج النوعان الآخران -وهو من الخام المتوسط والحامض- من حقول خليج السويس وبلاعيم البحرية ويُجرى تكريره محليًا.

تظهر البيانات المعلنة استقرار احتياطيات مصر من النفط بنهاية عام 2023 عند حوالي 3.3 مليار برميل. وكان أعلى مستوى سجله احتياطي مصر من النفط عام 1987، إذ بلغ حوالي 4.7 مليار برميل، مقابل حوالي 2.9 مليار برميل وذلك في عام 1980 الذي يُعد أدنى مستوى له. حيث ظل احتياطي مصر من النفط يتراوح صعودًا وهبوطًا ما بين مستويات 3.1 مليارًا و4.7 مليار برميل، كما هو موضوح في الشكل التالي.

واستكمالًا لما سبق، تحتل مصر المركز الخامس في القارة الأفريقية من حيث حجم الاحتياطيات، بعد كل من ليبيا ونيجيريا والجزائر والسودان. حيث بلغ احتياطي النفط الخام المؤكد في القارة الأفريقية، حوالي 120.2 مليار برميل، وذلك في عام 2022، وبلغت حصة مصر حوالي 2.7%، كما هو موضح في الشكل التالي. وعليه يمكن القول بأن الدولة المصرية تعمل جاهدة علي زيادة معدلات الحفر والتنقيب، وذلك بهدف زيادة احتياطياتها النفطية.

واستكمالًا لما سبق، قفزت مستويات الإنتاج إلى أعلى مستوياتها خلال العام الماضي، وذلك في ظل اتساق معدلات الحفر الاستكشافي مع الخطط الإنتاجية الطموحة، حيث بلغ إجمالي إنتاج قطاع النفط المصري خلال العام الماضي 2023، حوالي 74 مليون طن، وذلك بواقع حوالي 525 مليون برميل من النفط المكافئ (حوالي 28 مليون طن) حوالي 200 مليون برميل نفط خام ومتكثفات، ونحو حوالي 45 مليون طن غاز طبيعي، ومليون طن بوتاجاز (غاز النفط المسال)، بالإضافة إلى البوتاجاز المنتج من مصافي التكرير.

حيث شهد إنتاج النفط في مصر والمكثفات زيادة بنحو حوالي 2% عن العام السابق، حيث جاءت الزيادة بدفع قوي من الاستكشافات الجديدة؛ إذ تم تحقيق حوالي 65 كشفًا جديدًا للبترول والغاز بواقع 51 كشفًا للبترول و14 للغاز وذلك بمناطق بالصحراء الغربية وخليج السويس ودلتا النيل وسيناء، وتم توقيع 14 عقداَ لتنمية الحقول بالصحراء الغربية ودلتا النيل (وذلك وفقًا للبيانات المعلنة). ومن ضمنها وضع بعض الآبار الجديدة على الإنتاج مثل حقل شمال جيسوم الشمالي بخليج السويس، وحقل شمال صفا. حيث تمكن قطاع النفط المصري ووفقًا للبيانات المعلنة من وضع 5 مشروعات لحقول النفط الخام والغاز الطبيعي على خريطة الإنتاج، وذلك بهدف إنتاج نحو حوالي 15 ألف برميل خام ومكثفات يوميًا، ونحو حوالي 144 مليون قدم مكعبة غاز يوميًا باستثمارات بلغت أكثر من حوالي 307 ملايين دولار، كما يوضح الشكل التالي مستويات إنتاج النفط.

وبشكل عام، وصل معدل إنتاج النفط في مصر إلى حوالي 582 ألفًا و700 برميل يوميًا، مسجلًا أعلى مستوياته خلال العام الماضي. فقد أسهمت الصحراء الغربية -منطقة رئيسة بالنسبة لإنتاج الزيت الخام- بنحو حوالي 289 ألفًا و300 برميل يوميًا (نسبة مساهمة حوالي 55%)، كما هو موضح في الشكل التالي.

حقل شمال صفا

يقع حقل شمال صفا في منطقة شمال شرق رمضان في خليج السويس، وتم اكتشافه في عام نهاية عام 2021 (وتم وضعه على خريطة الإنتاج في بداية الشهر الجاري)، حيث يُعد أكبر الاكتشافات النفطية في منطقة خليج السويس خلال العشرين عامًا الأخيرة، بمخزون بترولي تجاوز حوالي 90 مليون برميل (تقديرات أولية)، وهو الأمر الذي حفز الشركة على تبني مشروع طموح للإنتاج المبكر بإجمالي استثمارات يبلغ قرابة 200 مليون دولار. حيث نجحت شركة بترول خليج السويس في وضع البئر الأول من حقل بترول شمال صفا بمنطقة شمال شرق رمضان في خليج السويس على خريطة الإنتاج في بداية العام الجديد 2024، وهو ما يأتي في ظل تنفيذ استراتيجية الدولة المصرية التي تهدف إلى زيادة إنتاج النفط الخام، وضرورة الإسراع فى تنمية الحقول المكتشفة، والاستغلال الأمثل للفرص المتاحة لتعظيم الإنتاجية النفطية من المناطق المصرية.

وفيما يلي أهم المعلومات وكانت كالتالى:

  • المرحلة الأولى من الإنتاج المبكر بحقل شمال صفا نفذتها تحالف شركات مصرية، يضم إنبي وبتروجيت وخدمات البترول البحرية لإنشاء وتركيب محطة إنتاج شمال صفا، ومد خطي إنتاج بطول حوالي 10 و11كم بإجمالي استثمارات حوالي 125 ملايين دولار.
  • تستهدف المرحلة الأولى من مشروع الإنتاج المبكر من الحقل أن تصل معدلات الإنتاج اليومي من النفط الخام إلى حوالي 6 آلاف برميل في منتصف شهر يناير الجاري، بعد أن تم وضع البئر الأول على خريطة الإنتاج بمعدل حوالي 2500 برميل يوميًا من النفط الخام. وذلك من خلال ربط البئر الثاني مع خط الإنتاج خلال منتصف شهر يناير الجاري، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية إلى حوالي 3000 برميل من الزيت الخام يوميًا، ليرتفع بذلك إنتاج المنصة البحرية (الوصل) إلى حوالي 6000 برميل من الزيت الخام يوميًا.
  • جارٍ الانتهاء من وضع البئر الثاني منتصف شهر يناير ليرتفع بذلك الإنتاج إلى المعدلات المستهدفة.
  • من المخطط زيادتها مجددًا إلى حوالي 12 ألف برميل يوميًا، وذلك من خلال تنفيذ خطة طموحة لحفر عدد 7 آبار جديدة.

انعكاسات مختلفة على الاقتصاد المصري

على مدار السنوات الماضية، شهد قطاع البترول والغاز في مصر طفرة كبيرة في معدلات الإنتاج، وخطط البحث والاستكشاف والتنمية والمشروعات، وذلك من خلال استراتيجية متكاملة من عدة محاور، حيث تسعى مصر إلى خفض استهلاكها المحلي من الطاقة، من أجل زيادة كمية صادراتها من النفط والغاز، وبالتالي زيادة مواردها من العملة الصعبة. ومن هنا يجب إلقاء الضوء على الانعكاسات المختلفة والعوائد المتوقعة من تلك الاكتشافات التجارية المعلنة والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • الاكتشافات التجارية الحالية تأتي في إطار استراتيجية الدولة للنهوض بقطاع الطاقة، وفي إطار رؤيتها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة وجذب الاستثمارات الأجنبية، مستغلة في ذلك موقعها الاستراتيجي والثروات الطبيعية التي تتمتع بها، وكذلك الأصول والبنية التحتية التي تم تطويرها على مدار السنوات السابقة وبالتحديد بعد عام 2014.
  • تسعى الحكومة المصرية إلى خفض فاتورة استيراد المشتقات النفطية في ظل ارتفاع مستويات الطلب المحلي علي المشتقات البترولية، وتُشكل زيادة إنتاج النفط في مصر إحدى أدوات الحكومة لتحقيق أهدافها، خاصة أن حجم استهلاك القاهرة من الديزل يصل إلى حوالي 12 مليون طن سنويًا، والبنزين حوالي 6.7 مليون طن.
  • الاكتشافات التجارية الجديدة، ستحدث فرقًا كبيرًا في الاقتصاد المصري، وبالتالي زيادة العملة الأجنبية للدولة، ولذلك القيادة السياسية تنادي دائمًا بضرورة الإسراع في وضع الاكتشافات الجديدة على خريطة الإنتاج والتعجيل بتنفيذ خطط التنمية لها، (بدء الإنتاج، وإن لم يحقق زيادة في الصادرات، فإنه سيقلل جزءًا كبيرًا من الواردات وبالتالي تنخفض فاتورة الاستيراد).
  • تلك الاكتشافات الضخمة (التي تتمتع باحتياطيات كبيرة)، قد تعطي دفعة قوية لمزيد من الاستثمارات والثقة بين الشركات الأجنبية والدولة المصرية، وبالتالي، تنعكس علي توسع نطاق الاكتشافات البترولية في مصر بشكل دائم على فترات طويلة الأجل، وبالأخص إن السوق المصرية تعد في الوقت الحالي من أفضل الأسواق الواعدة اقتصاديًا في المنطقة في مجال الطاقة.
  • حماية الاقتصاد المصري من حالة التذبذب والتقلب في أسعار النفط العالمية، عن طريق زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي خفض معدلات الواردات النفطية.
  • تعطي تلك الاكتشافات التجارية دفعة قوية لزيادة الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في مصر، مما ينعكس علي زيادة رقعة البحث الاستكشافي في الدولة.
  • يعد هذا الاكتشاف (شمال صفا) خطوة مهمة نحو الأمام بالنسبة لشركة دراجون أويل في مصر، والذي يُعد أول كشف تجاري لها في مصر، لتعزيز مكانتها في صناعة النفط المصري نحو المزيد من التوسع والتأثير الإيجابي في السوق المحلية.

خلاصة القول، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة والنفط؛ إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما دفعها إلى المضي قدمًا وبخطوات جادة وحاسمة نحو تحقيق هدفها الثاني وهو الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمواد البترولية، وذلك من خلال خطط عمل شملت التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والإنتاج، بالإضافة إلى العمل على رفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير المصرية، والعمل على تنويع مصادر الطاقة، وزيادة نشر ثقافة ترشيد استخدام واستهلاك الوقود، وزيادة جذب الاستثمارات لقطاع البترول.

المصدر :

ينفرد النفط بأهمية استراتيجية خاصة عن مصادر الطاقة الأخرى بأنه صناعة تحويلية، بمعني أن البترول الخام لا يتم استهلاكه مباشرة، بل يدخل بعد عمليات استخراجه من آبار النفط إلى المصافي بهدف تكريره وتحويله إلى مواد وصور أخرى ومواد مكررة كالبنزين والديزل والكيروسين مع مواد ثقيلة أخرى كالنافتا والمواد البتروكيماوية الأخرى، والتي تصنف بالآلاف من المنتجات النهائية والوسيطة كالبرافين والأسمدة. وعلى الرغم من أن الوقود الأحفوري في مصر لا يكفي استهلاكها -فهي تُعد مستوردة للنفط الخام ومشتقاته- فإنها من أقدم الدول التي بحثت عن النفط والغاز واستكشافهما. ومع امتلاك مصر ممر قناة السويس، بالإضافة إلى خط سوميد الواقع على أراضيها، تؤدي مصر دورًا مهمًا ومحوريًا في تجارة النفط والغاز الطبيعي عالميًا. حيث يواصل إنتاج النفط في مصر تسجيل مستويات قياسية مدعومًا بتكثيف وتيرة الحفر الاستكشافي وخطط زيادة الإنتاج، في حين يبدو أن إمكانات النفط لدى القاهرة شكلت عامل جذب قوي لكبريات شركات الطاقة العالمية.

مدخل

تولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بقطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة؛ إذ ترى الدولة إن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص بصناعة البتروكيماويات، خاصة أنها تُشكل أهمية كبيرة في تحقيق القيمة المضافة ودفع عجلة الإنتاج وتحسين وتيرة الاقتصاد محليًا وخارجيًا، وهو ما جعلها تخطو خطوات جادة وسريعة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية. وذلك من خلال عوامل عدة شملت: عمليات الاستكشاف والإنتاج، ورفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير، وتنويع مصادر الطاقة، والتوسع في المشروعات التي تساعد في ترشيد استهلاك الوقود، وأيضًا تلك التي تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات لقطاع البترول المصري.

واستكمالًا لما سبق، تلقى إنتاج النفط في مصر دعمًا جديدًا، وذلك من خلال وضع إحدى الآبار النفطية الجديدة على خطوط الإنتاج والتي تقع ضمن نطاق منطقة خليج السويس، في خطوة من شأنها دعم خطط الحكومة المصرية الهادفة لتأمين احتياجاتها من الخام، وبالتالي خفض فاتورة الاستيراد (هدف تحقيق الإكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية). حيث نجحت شركة بترول خليج السويس (جابكو) في وضع البئر الأولى من حقل بترول شمال صفا بمنطقة شمال شرق رمضان في خليج السويس على خريطة الإنتاج في بداية العام الحالي 2024.

إشكالية النفط في مصر

مع تزايد استهلاك الوقود الأحفوري في مصر، تضطر الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد في توفير احتياجات السوق المحلية، وهو ما يعرضها لتقلبات أسعار النفط والضغط على بند المصروفات في الموازنة. حيث إن استهلاك مصر من النفط ارتفع، خلال عام 2022، إلى حوالي 750 ألف برميل يوميًا، مقابل حوالي 644 ألف برميل يوميًا في عام 2021، وحوالي 598 ألف برميل يوميًا عام 2020. ونجد إن مستويات الاستهلاك قد سجلت أعلى مستوى لها بقرابة 836 ألف برميل من النفط في عام 2016، ثم تراجع إلى حوالي 801 ألف برميل يوميًا في عام 2017، وإلى حوالي 720 ألف برميل في عام 2018، وإلى حوالي 686 ألف برميل يوميًا في 2019.

حيث تُظهر البيانات المعلنة ارتفاع استهلاك مصر من المنتجات النفطية، خلال عام 2022، إلى حوالي 81 مليون طن؛ أي بنسبة ارتفاع سنوية حوالي 6.3%، والتي تضمنت حوالي 35.5 مليون طن من المنتجات النفطية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي. كما يوضح الشكل التالي معدلات الاستهلاك النفطي في مصر خلال السنوات الماضية.

وعليه يمكن القول، إن زيادة معدلات الاستهلاك النفطي وعدم وجود معادلة متزنة بين معدلات الاستهلاك ومستويات الإنتاج النفطي للدولة، يترتب عليها زيادة وفجوة كبيرة في فاتورة الاستيراد، مما يترتب عليه أعباء وضغوط على موازنة للدولة.

احتياطيات النفط في مصر

بشكل عام، توجد في الحقول المصرية للنفط حوالي 3 أنواع من النفط: الأول، هو الخام الخفيف والحلو الموجود في الحقول البرية بالصحراء الغربية، في حين يُستخرج النوعان الآخران -وهو من الخام المتوسط والحامض- من حقول خليج السويس وبلاعيم البحرية ويُجرى تكريره محليًا.

تظهر البيانات المعلنة استقرار احتياطيات مصر من النفط بنهاية عام 2023 عند حوالي 3.3 مليار برميل. وكان أعلى مستوى سجله احتياطي مصر من النفط عام 1987، إذ بلغ حوالي 4.7 مليار برميل، مقابل حوالي 2.9 مليار برميل وذلك في عام 1980 الذي يُعد أدنى مستوى له. حيث ظل احتياطي مصر من النفط يتراوح صعودًا وهبوطًا ما بين مستويات 3.1 مليارًا و4.7 مليار برميل، كما هو موضوح في الشكل التالي.

واستكمالًا لما سبق، تحتل مصر المركز الخامس في القارة الأفريقية من حيث حجم الاحتياطيات، بعد كل من ليبيا ونيجيريا والجزائر والسودان. حيث بلغ احتياطي النفط الخام المؤكد في القارة الأفريقية، حوالي 120.2 مليار برميل، وذلك في عام 2022، وبلغت حصة مصر حوالي 2.7%، كما هو موضح في الشكل التالي. وعليه يمكن القول بأن الدولة المصرية تعمل جاهدة علي زيادة معدلات الحفر والتنقيب، وذلك بهدف زيادة احتياطياتها النفطية.

واستكمالًا لما سبق، قفزت مستويات الإنتاج إلى أعلى مستوياتها خلال العام الماضي، وذلك في ظل اتساق معدلات الحفر الاستكشافي مع الخطط الإنتاجية الطموحة، حيث بلغ إجمالي إنتاج قطاع النفط المصري خلال العام الماضي 2023، حوالي 74 مليون طن، وذلك بواقع حوالي 525 مليون برميل من النفط المكافئ (حوالي 28 مليون طن) حوالي 200 مليون برميل نفط خام ومتكثفات، ونحو حوالي 45 مليون طن غاز طبيعي، ومليون طن بوتاجاز (غاز النفط المسال)، بالإضافة إلى البوتاجاز المنتج من مصافي التكرير.

حيث شهد إنتاج النفط في مصر والمكثفات زيادة بنحو حوالي 2% عن العام السابق، حيث جاءت الزيادة بدفع قوي من الاستكشافات الجديدة؛ إذ تم تحقيق حوالي 65 كشفًا جديدًا للبترول والغاز بواقع 51 كشفًا للبترول و14 للغاز وذلك بمناطق بالصحراء الغربية وخليج السويس ودلتا النيل وسيناء، وتم توقيع 14 عقداَ لتنمية الحقول بالصحراء الغربية ودلتا النيل (وذلك وفقًا للبيانات المعلنة). ومن ضمنها وضع بعض الآبار الجديدة على الإنتاج مثل حقل شمال جيسوم الشمالي بخليج السويس، وحقل شمال صفا. حيث تمكن قطاع النفط المصري ووفقًا للبيانات المعلنة من وضع 5 مشروعات لحقول النفط الخام والغاز الطبيعي على خريطة الإنتاج، وذلك بهدف إنتاج نحو حوالي 15 ألف برميل خام ومكثفات يوميًا، ونحو حوالي 144 مليون قدم مكعبة غاز يوميًا باستثمارات بلغت أكثر من حوالي 307 ملايين دولار، كما يوضح الشكل التالي مستويات إنتاج النفط.

وبشكل عام، وصل معدل إنتاج النفط في مصر إلى حوالي 582 ألفًا و700 برميل يوميًا، مسجلًا أعلى مستوياته خلال العام الماضي. فقد أسهمت الصحراء الغربية -منطقة رئيسة بالنسبة لإنتاج الزيت الخام- بنحو حوالي 289 ألفًا و300 برميل يوميًا (نسبة مساهمة حوالي 55%)، كما هو موضح في الشكل التالي.

حقل شمال صفا

يقع حقل شمال صفا في منطقة شمال شرق رمضان في خليج السويس، وتم اكتشافه في عام نهاية عام 2021 (وتم وضعه على خريطة الإنتاج في بداية الشهر الجاري)، حيث يُعد أكبر الاكتشافات النفطية في منطقة خليج السويس خلال العشرين عامًا الأخيرة، بمخزون بترولي تجاوز حوالي 90 مليون برميل (تقديرات أولية)، وهو الأمر الذي حفز الشركة على تبني مشروع طموح للإنتاج المبكر بإجمالي استثمارات يبلغ قرابة 200 مليون دولار. حيث نجحت شركة بترول خليج السويس في وضع البئر الأول من حقل بترول شمال صفا بمنطقة شمال شرق رمضان في خليج السويس على خريطة الإنتاج في بداية العام الجديد 2024، وهو ما يأتي في ظل تنفيذ استراتيجية الدولة المصرية التي تهدف إلى زيادة إنتاج النفط الخام، وضرورة الإسراع فى تنمية الحقول المكتشفة، والاستغلال الأمثل للفرص المتاحة لتعظيم الإنتاجية النفطية من المناطق المصرية.

وفيما يلي أهم المعلومات وكانت كالتالى:

  • المرحلة الأولى من الإنتاج المبكر بحقل شمال صفا نفذتها تحالف شركات مصرية، يضم إنبي وبتروجيت وخدمات البترول البحرية لإنشاء وتركيب محطة إنتاج شمال صفا، ومد خطي إنتاج بطول حوالي 10 و11كم بإجمالي استثمارات حوالي 125 ملايين دولار.
  • تستهدف المرحلة الأولى من مشروع الإنتاج المبكر من الحقل أن تصل معدلات الإنتاج اليومي من النفط الخام إلى حوالي 6 آلاف برميل في منتصف شهر يناير الجاري، بعد أن تم وضع البئر الأول على خريطة الإنتاج بمعدل حوالي 2500 برميل يوميًا من النفط الخام. وذلك من خلال ربط البئر الثاني مع خط الإنتاج خلال منتصف شهر يناير الجاري، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية إلى حوالي 3000 برميل من الزيت الخام يوميًا، ليرتفع بذلك إنتاج المنصة البحرية (الوصل) إلى حوالي 6000 برميل من الزيت الخام يوميًا.
  • جارٍ الانتهاء من وضع البئر الثاني منتصف شهر يناير ليرتفع بذلك الإنتاج إلى المعدلات المستهدفة.
  • من المخطط زيادتها مجددًا إلى حوالي 12 ألف برميل يوميًا، وذلك من خلال تنفيذ خطة طموحة لحفر عدد 7 آبار جديدة.

انعكاسات مختلفة على الاقتصاد المصري

على مدار السنوات الماضية، شهد قطاع البترول والغاز في مصر طفرة كبيرة في معدلات الإنتاج، وخطط البحث والاستكشاف والتنمية والمشروعات، وذلك من خلال استراتيجية متكاملة من عدة محاور، حيث تسعى مصر إلى خفض استهلاكها المحلي من الطاقة، من أجل زيادة كمية صادراتها من النفط والغاز، وبالتالي زيادة مواردها من العملة الصعبة. ومن هنا يجب إلقاء الضوء على الانعكاسات المختلفة والعوائد المتوقعة من تلك الاكتشافات التجارية المعلنة والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • الاكتشافات التجارية الحالية تأتي في إطار استراتيجية الدولة للنهوض بقطاع الطاقة، وفي إطار رؤيتها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة وجذب الاستثمارات الأجنبية، مستغلة في ذلك موقعها الاستراتيجي والثروات الطبيعية التي تتمتع بها، وكذلك الأصول والبنية التحتية التي تم تطويرها على مدار السنوات السابقة وبالتحديد بعد عام 2014.
  • تسعى الحكومة المصرية إلى خفض فاتورة استيراد المشتقات النفطية في ظل ارتفاع مستويات الطلب المحلي علي المشتقات البترولية، وتُشكل زيادة إنتاج النفط في مصر إحدى أدوات الحكومة لتحقيق أهدافها، خاصة أن حجم استهلاك القاهرة من الديزل يصل إلى حوالي 12 مليون طن سنويًا، والبنزين حوالي 6.7 مليون طن.
  • الاكتشافات التجارية الجديدة، ستحدث فرقًا كبيرًا في الاقتصاد المصري، وبالتالي زيادة العملة الأجنبية للدولة، ولذلك القيادة السياسية تنادي دائمًا بضرورة الإسراع في وضع الاكتشافات الجديدة على خريطة الإنتاج والتعجيل بتنفيذ خطط التنمية لها، (بدء الإنتاج، وإن لم يحقق زيادة في الصادرات، فإنه سيقلل جزءًا كبيرًا من الواردات وبالتالي تنخفض فاتورة الاستيراد).
  • تلك الاكتشافات الضخمة (التي تتمتع باحتياطيات كبيرة)، قد تعطي دفعة قوية لمزيد من الاستثمارات والثقة بين الشركات الأجنبية والدولة المصرية، وبالتالي، تنعكس علي توسع نطاق الاكتشافات البترولية في مصر بشكل دائم على فترات طويلة الأجل، وبالأخص إن السوق المصرية تعد في الوقت الحالي من أفضل الأسواق الواعدة اقتصاديًا في المنطقة في مجال الطاقة.
  • حماية الاقتصاد المصري من حالة التذبذب والتقلب في أسعار النفط العالمية، عن طريق زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي خفض معدلات الواردات النفطية.
  • تعطي تلك الاكتشافات التجارية دفعة قوية لزيادة الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في مصر، مما ينعكس علي زيادة رقعة البحث الاستكشافي في الدولة.
  • يعد هذا الاكتشاف (شمال صفا) خطوة مهمة نحو الأمام بالنسبة لشركة دراجون أويل في مصر، والذي يُعد أول كشف تجاري لها في مصر، لتعزيز مكانتها في صناعة النفط المصري نحو المزيد من التوسع والتأثير الإيجابي في السوق المحلية.

خلاصة القول، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة والنفط؛ إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما دفعها إلى المضي قدمًا وبخطوات جادة وحاسمة نحو تحقيق هدفها الثاني وهو الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمواد البترولية، وذلك من خلال خطط عمل شملت التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والإنتاج، بالإضافة إلى العمل على رفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير المصرية، والعمل على تنويع مصادر الطاقة، وزيادة نشر ثقافة ترشيد استخدام واستهلاك الوقود، وزيادة جذب الاستثمارات لقطاع البترول.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M