الامام الحسن (عليه السلام) بين جهل الخواص وخذلان العوام

الشيخ علي التميمي

 

بسم الله الرحمن الرحيم { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } النساء(٦٥)

ثلاثة اركان يعتمد عليها نجاح المشروع الرسالي الرباني الذي عبر عنه في دعاء الافتتاح (بالدولة الكريمة) بعد وجود القائد الكريم

وهذه الاركان الثلاثة هي من الاهمية بمكان حيث جعلها القران الكريم سببا لأكتمال الايمان من قبل الامة افرادا وجماعات ويسلب القران الايمان عن فرد اوجماعة ينعدم فيهم وجود احد هذه الاركان (فلا وربك لايؤمنون )
مااروعه من اسلوب لتركيز المعنى في الاذهان والقلوب (نفي مع قسم)!!

هذه الاركان الثلاثة سالفة الذكر هي ما تتحدث عنه الاية المباركة التي افتتحنا بها المقال وهي :-

🔹 الركن الاول ( يحكموك فيما شجر بينهم )
(شجر) من الشجار اي النزاع والخصومة فالاية تطالب الامة بالرجوع الى القيادة الربانية فيما لو حصل اي لون من الوان الخصومة والنزاع
وبطبيعة الحال فأن هذا الرجوع غير منحصر بحالة وقوع النزاع والخصومة بل على الامة ان ترجع الى قيادتها الربانية الكريمة في جميع شؤونها وانما ذكرت الاية مورد الخصومة (الشجار) لانها نزلت في حادثة معينة يرويها المفسرون في بيان سبب نزول هذه الاية
الاانه وبناءاً على قاعدة (خصوص المورد لا يخصص الوارد ) يمكننا استخلاص عموم الاية
والنتيجة : ان على الامة الرجوع في كافة شؤونها الى قيادتها الربانية
ومما تقدم يتضح صلاحية هذه الاية للاستدلال على وجوب رجوع الامة الى العلماء العاملين المخلصين لانهم الامتداد للقيادة الربانية المتمثلة بالنبي الاكرم(صلى الله عليه واله) والأئمة الاطهار(سلام الله عليهم جميعا) ولهذا الرجوع(الرجوع الى العلماء ) تفاصيل ومعنى واسع لسنا بصدد الخوض فيه

🔹 الركن الثاني (ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مماقضيت)
بمعنى انه اذا صدر حكم او موقف من تلك القيادة الربانية فعلى الامة – افرادا وجماعات – ان تتقبل الامر برحابة صدر دونما حراجة او حزازة نفسية وهذا المعنى مما يساهم في التربية النفسية للأمة
ففي بعض الاحيان قد تتخذ القيادة الربانية موقفا او حكما ما قد يصعب على الامة فهم الحكمة منه في حينه الا ان المفروض ان يكون تعاطيها مع هذا الموقف او الحكم الصادر من القيادة الربانية بأريحية حتى لو كان هذا الموقف او الحكم مخالفا لمصلحة بعض او على خلاف ميول ورغبات بعض اخر
وعلى هذا الاساس ينبغي التعامل مع القرارات والمواقف والاحكام التي تتخذها قيادتنا الدينية في هذا الزمان – زمان الغيبة الكبرى – بعد ايماننا بحكمة وحنكة تلك القيادة

🔹 الركن الثالث ( ويسلموا تسليما)
اي انه في مرحلة تنفيذ الحكم والقرار والموقف المتخذ من القيادة الربانية لا بد للأمة – افرادا وجماعات – من الاذعان والتسليم وعدم الاعتراض لان عدم الانقياد والتسليم للقيادة الربانية يجعل جبهتها ضعيفة سهلة الاختراق

🔴 ان تكامل هذه الاركان الثلاثة يسهم بنجاح المشروع الرسالي الرباني المعبر عنه (بالدولة الكريمة) بخلاف مالو انعدمت هذه الاركان جميعها او انعدم ركن منها فأنه يؤدي الى عدم امكانية تطبيق ذلك المشروع الرباني على ارض الواقع

ولو قرأنا تاريخ الامام الحسن (عليه السلام) – الذي نعيش ذكرى ولادته الميمونة – لوجدنا اختلالا واضحا في هذه الاركان الثلاثة الذي كان بسبب الامة طبعا ويتضح ذلك بملاحظة امرين :-
اولهما :- جهل او عدم اكتمال الفهم لمفهوم الامامة وكيفية التعاطي مع الامام بوصفه قائدا معصوما مفترض الطاعة على الامة مما يعني ان جميع مايصدر منه خاضع للحكمة الالهية
هذا الجهل وعدم الفهم كان حاضرا عند قطاع واسع من خواص الامام الحسن (عليه السلام) ممن يفترض بهم ان يكونوا اركان دولته المباركة
فهذا حجر ابن عدي (رضوان الله عليه ) مع جلالة قدره وعدم التشكيك بولائه للامام (عليه السلام) الا انه يقف مخاطبا الامام (عليه السلام) بعد ابرام معاهدة الهدنة مع معاوية قائلا (اما والله لوددت انك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم …)!!
وكذلك كان حال سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وقيس بن سعد و غيرهم
ولم يعاني الامام الحسن (عليه السلام ) هو فقط من وجود هذا الجهل وعدم الفهم بل عانى قبله والده امير المؤمنين (عليه السلام) وعانى منه اخوه الامام الحسين (عليه السلام) فهذا عبد الله بن عباس حبر الامة يوصي الامام الحسين(عليه السلام ) بأن لا يخرج ضد يزيد !!
ان هذه الطبقة لم تكن لتفهم وقتها كيفية تفكير الائمة (عليهم السلام) وان ادوارهم متعددة الا ان هدفهم واحد وقد يظهر ذلك من الشعر الذي تمثل به الامام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء
(وماأن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة اخرينا )

ثانيهما :- خذلان عوام الناس وهو نتيجة طبيعية لجهل الخواص وعدم فهمهم كما تقدم بيانه انفا
لذلك كانت المعاناة مريرة عند الامام الحسن (عليه السلام) لأنه يريد ان يؤسس لقاعدة واعية تفهم الائمة (عليهم السلام) فهما صحيحا
سلام على الامام المجتبى يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
ونسأله تعالى ان يرزقنا زيارته وشفاعته انه سميع مجيب

 

رابط المصدر:

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1192638024428099&id=929297887428782

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M