البحث عن تفسير منطقي للشائعات السعودية: دليل لسياسة العائلة المالكة

سايمون هندرسون

منذ وصول الملك سلمان إلى عرش السعودية خلفاً للملك الراحل عبدالله في عام 2015، أصبح التحدي الرئيسي أمام آل سعود متمثلاً في آلية وتوقيت انتقال الحكم إلى نجله ووريثه المنشود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي السادس من آذار/مارس، أفادت بعض التقارير أن الأمير تحرّك ضد مَن يعتبرهم خصوماً له والذين ربما كانوا يخططون لإحباط مسيرته نحو العرش، على الرغم من أن بعض الوقائع لا تزال غير مؤكدة، ولم تظهر يعد الأحداث ذات الصلة في الإعلام السعودي.

وتاريخياً، كانت الخلافة السعودية تعتمد على الأقدمية والتوافق داخل العائلة المالكة. غير أنه من الواضح أن ولي العهد البالغ من العمر 34 عاماً لا يستوفي المعيار الأول ولا يبالي كثيراً بالثاني على ما يبدو، لأنه عمد على إقصاء العديد من الأمراء وإلى وضع الكثير من أبناء العائلة المالكة ورجال الأعمال تحت الحجز المؤقت في فندق “ريتز-كارلتون الرياض” عام 2017 بتهمة الفساد، ولم يفرج عنهم إلا بعد أن وافقوا على دفع غرامات مالية ضخمة. وتضمنت الأزمة الأخيرة اعتقالات واستجوابات إضافية، مما أثار تساؤلات حول نوايا ولي العهد، وصحة والده، وغيرها من العوامل المحلية.

من الذي تم احتجازه؟

إنّ أبرز أميرَين تم إلقاء القبض عليهما هما الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك، والأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي اكتسب العديد من الأصدقاء في أجهزة الاستخبارات والأمن الأمريكية خلال فترة توليه منصب وزير الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، تم احتجاز أحد أبناء الأمير أحمد، وتم استدعاء أميرين آخرين على الأقل لاستجوابهما من قبل الديوان الملكي، وهما وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف ووالده، حاكم المنطقة الشرقية الغنية بالنفط سعود بن نايف. وتفيد بعض التقارير عن استجواب أكثر من 12 أميراً.

وينبع الدور المحتمل الذي قد تؤديه بعض هذه الشخصيات في مسرحية الخلافة الملكية من علاقتها بالأمير الراحل نايف، وهو الأخ الشقيق الأكبر للملك سلمان الذي كان سيصبح ملكاً لو لم تتوفاه المنية عام 2012. وفي هذا السيناريو، من المحتمل أنه كان سيعيّن الأمير محمد بن نايف ولي عرشه، في حين كان سيمنح سلمان وابنه محمد أدواراً أقل أهمية – وهذا واقعٌ لا يخفى على أيٍّ من الأطراف المعنية الرئيسية.

ما مدى واقعية الحديث عن انقلاب؟

ليس هناك أدنى شك في أن بعض أعضاء آل سعود، وربما الكثير منهم، لا يريدون أن يصبح الأمير محمد بن سلمان عاهل السعودية ويعتبرونه بعيداً كل البعد عن الاعتدال ويتجاوز الحدود إلى حد كبير مع احتمال أن يكون خطراً على حكم العائلة في المستقبل. وقد لا يوافق البعض أيضاً على مبادرات محددة من التحرر الاقتصادي والاجتماعي التي ناصرها، رغم أن هذا الاستهجان أقل وضوحاً.

لقد تلاشى الحديث عن انقلاب فعلي منذ أن قام محمد بن سلمان بإبعاد الأمير محمد بن نايف في صيف 2017. وربما أدّت طريقته الوحشية لهذا المناورة – يقال إنه أخذ الهواتف المحمولة لمحمد بن نايف وأدويته الخاصة بمرض السكري – إلى إثارة الخوف لدى أبناء عمومته الأمراء. فمنذ ذلك الحين تم وضع الأمير محمد بن نايف قيد الإقامة الجبرية، ونادراً ما يظهر على العلن، لذلك فإن احتجازه الأخير سيعزز بالتأكيد هذه الرسالة.

من هم الأمراء الآخرون الجديرون بالاهتمام؟

من المثير للدهشة أن أيّاً من التقارير لم يذكر أحد أقرب الحلفاء الملكيين المقربين من محمد بن نايف، وهو الأمير متعب بن عبدالله، الابن البكر للملك السابق والوزير السابق لـ “الحرس الوطني السعودي”، وهي قوات اضطلعت سابقاً بدور رئيسي في الأمن الداخلي. وهو أيضاً من الأمراء الذين احتُجزوا في فندق “ريتز- كارلتون” عام 2017، ويُعتقد أنه لا يزال في المملكة، ويُقال أن أربعةً من أقرب أقربائه الذكور يعيشون في المنفى في باريس. وإلى الحد الذي لا تزال فيه المؤامرات ضد الأمير محمد بن سلمان قيد المناقشة، فإن الأحاديث المتداولة تدور حول الأمير محمد بن نايف ومتعب وأوساطهما المقرّبة.

أما الحليف الملكي الأقرب إلى ولي العهد فهو شقيقه الأصغر سناً الأمير خالد، السفير السابق في واشنطن الذي يشغل حالياً منصب نائب وزير الدفاع. ومن بين الحلفاء الآخرين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل الذي غالباً ما يظهر إلى جانب الملك سلمان، وشقيقه تركي الفيصل الذي تولى سابقاً رئاسة الاستخبارات العامة السعودية وكان سفيراً في واشنطن ولا يزال حالياً على علاقةٍ وطيدة بمعارفه في أمريكا.

كما أنشأ الأمير محمد بن سلمان جيلاً جديداً من أفراد العائلة المالكة عبر تعيينهم في مناصب بارزة، وربما للحفاظ على ولاء آبائهم. ويبدو أن هذا التكتيك لم ينجح في بعض الحالات (على سبيل المثال، تعيين ابن سعود بن نايف وزيراً للداخلية)، ولكن ربما كان مثمراً في حالات أخرى (على سبيل المثال، تعيين نجل تركي الفيصل وزيراً للرياضة في الشهر الماضي). كما أنه قام بترقية أبناء الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن والذي اعتُبر عنصراً سياسياً فاعلاً بارعاً أثناء خدمته داخل البلاد وخارجها. وابنته الأميرة ريما هي السفيرة الحالية في الولايات المتحدة، في حين أن ابنه الأمير خالد هو سفير المملكة في لندن.

ما هو الوضع الصحي للعاهل السعودي؟

حتى قبل أن يصبح سلمان ملكاً في سن التاسعة والسبعين، كانت هناك شكوك حول صحته الجسدية والعقلية. فقد سبق أن توفي اثنان من أبنائه إثر نوبات قلبية، وأفاد السفراء الذين قابلوه أن طاقته محدودة ولا يستطيع إجراء محادثة ذي مغزى لأكثر من خمسة عشر دقيقة، حتى عندما تكون الإجابات مكتوبة على شاشة حاسوب مخبأة في باقة زهور على مكتبه. وقد أصبح تدهور حالته الجسدية أكثر وضوحاً في الوقت الحالي. (مسؤولو المخابرات الغربية عبّروا عن قلقهم أيضاً بشأن الوتيرة المحمومة لنمط حياة ولي العهد، والتي يعتقدون أنها قد تؤدي إلى مشاكل صحية).

إن شعبية الملك ليست على المحك – فمركزه كعاهل السعودية يضعه خارج نطاق النقاش العام. وبدلاً من ذلك، ربما شكلت الاعتقالات “تنبيهاً ثاقباً للحفاظ على التأييد لولي العهد،” وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”. ولا يزال العاهل السعودي يحظى بالاحترام والتأييد في أوساط عديدة رغم قدراته العقلية المشكوك فيها. ولعل النقطة الجوهرية هي أن هذه المشاعر لا تطال تلقائياً الأمير محمد بن سلمان.

ما هي العوامل المحلية الأخرى التي يجدر تتبّعها؟

يشهد مشروع “رؤية السعودية 2030” الذي وضعه ولي العهد تأخيرات بالفعل، ويتبين ذلك من الأداء المتدني والمحدود الذي سجله الطرح الأولي العام لأسهم شركة النفط الحكومية السعودية [“أرامكو”]. وتزامنت اعتقالات الأسبوع الماضي مع انهيار المحادثات بين “أوبك” والدول الأخرى المنتجة للنفط من خارج “أوبك” حول التوافق على خفض الإنتاج. وبالنتيجة سوف يرفع المنتجون حجم إنتاجهم اعتباراً من 1 نيسان/أبريل، وهذا قرار تسبب منذ الآن بانخفاض أسعار النفط في العالم. وإذ تنتج المملكة حالياً 9,7 ملايين برميل يومياً، فقد ذكر المسؤولون أن هذا الرقم سيتخطى 11 مليون برميل مع تخفيضات كبيرة في الأسعار. ومن المرجح أن يستحوذ هذا الأمر على حصة المنتجين الروس من السوق، الذين قد لا يتمكّنون من تحمل كلفة العمل بمثل هذه الأسعار المنخفضة (وقد سارع المسؤولون في موسكو بانتقاد قرار الرياض وإصدار تحذيرات عامة).

كما أن تفشي فيروس كورونا يثير قلقاً كبيراً، لا سيما بالنظر إلى الحدث الجديد وهو أن السعوديين المصابين بالفيروس كانوا قد سافروا مؤخراً إلى إيران، العدوّة اللدودة للمملكة. وفي 8 آذار/مارس، أعلنت السلطات السعودية عن فرض الحجر الصحي على محافظة القطيف التي تعتبر المنطقة الشيعية الرئيسية في المملكة – وهي خطوة من المرجح أن تثير غضب السكان المحليين وتعيق المنشآت النفطية التي يعمل فيها الكثير منهم.

ما هي خيارات ولي العهد؟

إذا توفي الملك سلمان في المستقبل القريب، فمن المحتمل أن يخلفه محمد بن سلمان سواء شاء بعض أفراد أسرته أم أبوا، حيث يبدو أن المعارضة تفتقر إلى العديد اللازم وإلى وحدة الهدف. وستظهر الصعوبات إذا لم يتوفَّ الملك سلمان لكنه أصبح عاجزاً عن الظهور علناً. وبالرغم من وجود مجلس شكلي مسؤول عن مناقشة مثل هذه القضايا، وهو “هيئة البيعة”، إلّا أن محمد بن سلمان من المحتمل أن يجد وسيلة للتحايل عليه.

وبالطبع، إن التنازل عن العرش ليس وارداً، نظراً للذكريات الأليمة التي خلّفتها الإطاحة القسرية بالملك سعود عام 1964 بسبب عدم كفاءته. وعوضاً عن ذلك، قد يتخلى سلمان عن بعضٍ من مناصبه كمنصب رئيس الوزراء، لكن التحدي الأكبر هو ما سيفعله بلقب “خادم الحرمين الشريفين” – وقد أمرت الحكومة مؤخراً بالإغلاق الجزئي للمسجد الحرام في مكة المكرمة من أجل مواجهة فيروس كورونا، لكن إذا استمرت هذه التدابير، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف ستؤثر هذا الإجراءات على مسؤولية المملكة في تسهيل دخول الحجاج الأجانب؟

تذكُّر المصالح الأمريكية

تربط الرياض شراكة قديمة مع الولايات المتحدة قائمة على التعاون في مجالي النفط والأمن، لكن إقناع الكونغرس والرأي العام الأمريكي عموماً بأهمية هذه العلاقة شكّل تحدياً على مر السنين. وقد تراجعت المخاوف بشأن الدعم المادي السعودي النشط للإسلام المتشدد إلى حدٍّ كبير، ومن المفترض أن يكون التعاون في مكافحة الإرهاب جيداً  – وكلاهما حسنات كبيرة. ومع ذلك، توترت العلاقات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، مثل مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي واستمرار احتجاز الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول. واليوم قد يكون لاحتمال قيام الرياض بتخفيض أسعار النفط، عواقب وخيمة على قطاع الزيت الحجري في الولايات المتحدة، مع إمكانية أن تصبح العلاقة الثنائية مسألة سياسية مثيرة للجدل في الانتخابات الرئاسية الحامية هذا العام.

إنّ الإجراءات التي اتخذها ولي العهد ضد خصومه في العائلة المالكة هي تذكير بأن أولوياته لا تتداخل إلا جزئياً مع الأولويات الأمريكية. ولكن استقرار السعودية يبقى مهماً للمصالح الأمريكية، مما يوحي بأن التحضير يجري على قدم وساق للرد على الاضطرابات الجارية بطريقة واضحة ودقيقة لا تلفت النظر.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/making-sense-of-the-saudi-rumors-a-guide-to-royal-family-politics#.XmewTcPtAQk.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M