شهدت قرابة 60 بالمئة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية المستوردة للنفط انخفاضا في قيمة عملاتها المحلية مقابل الدولار الأمريكي، مما تسبب بارتفاع أسعار الغذاء والوقود على نحوٍ قد يفاقم من أزمات الغذاء والطاقة التي يشهدها بالفعل كثير من تلك البلدان. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن كل ارتفاع في سعر الدولار بنسبة 10% ينتقل تأثيره إلى التضخم على هيئة ارتفاع بنحو 1% في المتوسط.
وقد ساهمت الضغوط الاقتصادية المتزايدة جراء انخفاض قيمة العملات التي تواجهها البلدان النامية إلى ارتفاع عدد البلدان التي لديها أسواق صرف عملات موازية نشطة. وقد أشار البنك الدولي في أحدث تقاريره إلى أن هناك أسواق عملات موازية نشطة في نحو 24 اقتصاداً تنتمي إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، كما قد يتجاوز الفرق بين السعر الرسمي والسعر الموازي 10% في نحو 14 اقتصاداً منها على الأقل.
وعليه يحاول هذا المقال في فقراته التالية أن يسلط الضوء على أبرز الآثار والتبعات المترتبة على أسواق صرف العملات الموازية وما ترتبه من تشوهات واختلالات في طرق عمل الأسواق.
- أسواق الصرف الموازية حول العالم:
تأتي إيران في مقدمة البلدان النامية التي يزدهر بها أسواق صرف موازية؛ حيث يتجاوز فرق سعر الصرف بين السوق الرسمي والموازية نحو 1100 %، إذ يسجل الدولار في السوق الرسمية نحو 42 ألف ريال، لكنه يباع بنحو 544 ألف ريال في السوق الموازية.
وتضمنت القائمة سبع دول عربية، تصدرها لبنان الذي يصل فيه فرق سعر صرف الدولار في السوق الرسمية عن الموازية نحو 616.7 %، فيما يبلغ فرق سعر الصرف في اليمن نحو 392 %، مقابل نحو 150 % في سوريا، بينما الفرق في الجزائر نحو 53.5 %، بينما ينخفض الفارق بين السعرين في كل من مصر وليبيا والسودان ليسجل الفارق نحو 15% و6.2 % و2.6 % على التوالي.
- التأثيرات الاقتصادية المرتبطة بأسواق الصرف الموازية:
تمثل الأثار الاقتصادية السلبية المرتبطة بأسعار الصرف الموازية في خلق حالة من عدم اليقين لجميع الفاعلين بالسوق، وتعوق تنمية القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، كما أنها تؤدي إلى انخفاض معدلات النمو، هناك أيضاً ارتباط قوي، إن لم يكن ارتباطاً سببياً، بين وجود أسعار صرف موازية والفساد.
هذا وتؤثر سوق الصرف الموازي على تصرفات واتجاهات الأفراد بما قد يساهم في رفع معدلات التضخم والتأثير على اسعار المستهلكين وهذا وفقا لدراسة حديثة صدرت من قبل صندوق النقد العربي.
- أبرز التأثيرات على الاقتصاد المصري:
لا يزال سوق الصرف الموازي في مصر ظاهرة حديثة نسبيا وتكاد أن تكون مؤقتة مرتبطة بالظروف والتأثيرات الضاغطة التي يمر بها الاقتصاد بدأ من الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من خروج لرؤوس الأموال، ولكنها ساهمت في إحداث عدد من التأثيرات الملحوظة بداية من انخفاض حصيلة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وارتفاع معدلات التضخم ليشهد المستوى العام للأسعار قفزات متلاحقة بناء على تطور اسعار السوق الموازي، هذا إلى جانب تزايد حالة من عدم اليقين وظهر هذا جليا في تكالب الأفراد على شراء الذهب والسبائك تحوطا من انخفاض سعر العملة.
شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج انخفاضا؛ نتيجة وجود سوق موازية غير رسمية يكون سعر الدولار فيها أعلى من سعره الرسمي، فهذا جعل الكثير من المصريين يفضلون التحويل بعيدا عن البنوك، لتحقيق مكسب أكبر. كما إن هناك تحويلات تتم بما يعرف بالمقاصة، عبر وسطاء بالدول الخارجية لتسلم الأموال من قبل المصريين بالخارج ويقوم وسطاء متواجدين في مصر بتسليم مقابل الدولار في مصر بالجنيه للأهل، بسعر أعلى من السعر الرسمي.
وجدير بالإشارة أن سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بلغت أعلى مستوى في تاريخها خلال العام المالي 2021/2022. وبلغت 31.9 مليار دولار بنسبة نمو سنوي 1.6%، حسب بيانات البنك المركزي. وأرجع خبراء أسباب هذا النمو القياسي في التحويلات إلى طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد وانخفاض الجنيه أمام الدولار مما جذب مدخرات العاملين بالخارج، بينما شهد النصف الأول من العام المالي الجاري (يوليو – ديسمبر 2022) انخفاضا بنحو 20% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي؛ تزامنا مع ظهور السوق الموازي بنهاية عام 2022 وبداية عام 2023.
ختاما يمكن القول بأن سعر الصرف يمثل عاملا مهما في استقرار الأسعار المحلية المرتبطة بعمليات الاستيراد التي تحتاجها الأسواق، وفي ظل ما تشهده الاقتصادات النامية والصاعدة من تطورات وتراجع لقيم عملتها المحلية وظهور اسواق صرف موازية، الأمر الذي تسبب في تراجع قدرة الاقتصادات في النمو وتراجعت معه حصيلة النقد الاجنبي المحققة كنتيجة لتسربها للأسواق الموزاية بما تسبب في تفاقم الأزمة.
ويستلزم هذا الأمر تشديد الرقابة على الأسواق والتجار وبث حالة من الاطمئنان والترويج للرسائل إيجابية للتصدي لحالة عدم اليقين المحيط بالأوضاع، فلا يزال الأفراد يتوقعون الأسوأ بما يدفع الافراد نحو التكالب على شراء العملة من السوق الموازي والعمل على رفع أثمانها (الدولرة). هذا بجانب تحرك الدول لاتخاذ مجموعة من السياسات المالية والنقدية الضرورية لسد الفجوة بين سعري الصرف واعتماد سعر واحد لصرف العملة .
.
رابط المصدر: