النووي الإيراني بين عين الوكالة وعصا إسرائيل وخيارات أمريكا

د.سامح شعبان

 

جاء إعلان مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبول تفسيرات إيران بشأن بعض التساؤلات عن آثار اليورانيوم المخصب في أحد المواقع ليثير عاصفة من الانتقادات الإسرائيلية للوكالة نفسها وتهديدات لطهران واتهامها بالكذب والمماطلة. وغالبًا ما يصاحب ذلك تصريحات أمريكية جاءت هذه المرة على لسان وزير خارجيتها. تأتي كل هذه الأحداث في ظل أجواء لا تحمل عنوانًا سوى تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني انيا ودول كبرى مثل الصين وروسيا، وتم التوصل إليه على أرض لوزان بسويسرا وقد كان بمثابة خطة عمل شاملة مشتركة (JCPOA) وعرف باسم اتفاقية “(5+1) أو بالإتفاق النووي الإيراني“، ومن أهم بنوده مايلي:

● تلتزم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% بمنشأة (نطنز) فقط وباستخدام أجهزة طرد مركزي قديمة، مع الالتزام بتحويل منشأة “فوردو” من موقع لتخصيب اليورانيوم إلى مركز للأبحاث النووية والتقنية، وتشرف روسيا على تأمين الوقود النووي. وتلتزم طهران خلال 15 عامًا القادمة بعدم بناء أي مفاعلات تعمل بالماء الثقيل، بينما يبقى “أراك” موقعًا للماء الثقيل مع إجراء تعديل في قلب المفاعل بحيث لا يسمح بإنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه لإنتاج سلاح نووي، ولن يتم فيه إجراء عمليات إعادة المعالجة وسيتم تصدير الوقود المستهلك فيه. ونص الاتفاق أيضًا على تحديد مخزونات إيران من اليورانيوم بكميات محددة خلال المدة المشار إليها، وتنفيذ البروتوكول الإضافي بشكل طوعي.

● تلتزم إيران بتزويد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتصاريح اللازمة للقيام بمهام التفتيش، وستستخدم الوكالة تقنيات حديثة للمراقبة.

● تتعهد الدول الكبري برفع كافة العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران، وفك الحظر على الأموال المجمدة لإيران.

● بموجب الاتفاق يتم إصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يلغي ما سبقه من قرارات ويحث الأطراف على المضي قدمًا في تنفيذ خطة العمل الشاملة المشترك.

الانسحاب الأمريكي من الاتفاق

انسحب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني، موفيًا لوعوده الانتخابية واصفًا إياه بأنه “كارثي“، ومتوعدًا إيران بأقصى مستوى من العقوبات الاقتصادية. وقد تجاوز عدد العقوبات في عهد “ترامب” 1500 قرار. واقتنصت إيران فرصة انسحاب “ترامب” وتحللت من التزاماتها فعطلت عمل بعض كاميرات المراقبة التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسعت إلى زيادة نسب التخصيب وزيادة مخزون اليورانيوم المسموح به.

ومع صعود الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى الحكم، كانت لديه النية في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، إلا أن الحرب الأوكرانية الروسية غيّرت المشهد السياسي وأبطأت مسار المفاوضات، واستخدمت روسيا الأزمة كورقة ضغط لتحقيق مكاسب في حربها مع أوكرانيا. وأصبح البرنامج النووي الإيراني سجالًا بين تساؤلات الوكالة وردود طهران على تلك التساؤلات ومدى تقبل الدول الكبرى وإسرائيل والدول المحيطة لمسار التعامل الذي تنتهجه إيران.

تخصيب اليورانيوم

يحتوي اليورانيوم الطبيعي على ثلاثة نظائر هي اليورانيوم-235، واليورانيوم-238، واليورانيوم-234. يعرف نظير اليورانيوم-235 “باليورانيوم المخصب” بينما نظير اليورانيوم-238 يعرف باسم “اليورانيوم المنضب” أما النظير-234 فنسبة وجوده ضئيلة جدًا. وتهدف أي عملية تخصيب لليورانيوم إلى زيادة نسبة النظير235 اعتمادًا على فرق الكتلة الضئيل بين كلا النظيرين 235 و238. ووفقًا لهيئة الرقابة النووية الأمريكية، توجد عدة طرق لتخصيب اليورانيوم أهمها ثلاث طرق هي:

  • الطرد المركزي.
  • الانتشار الغازي.
  • الفصل بالليزر.

وتعد طريقة التخصيب باستخدام الطرد المركزي هي الأكثر شيوعًا في العالم، وهي الأنسب من الناحية التجارية، وهي الطريقة التي تستخدمها إيران في منشآت التخصيب التي تمتلكها. وفي هذه الطريقة يوضع غاز سادس فلوريد اليورانيوم ((UF6 في أسطوانة ويتم تحريكه بسرعة عالية (دوران) ينتج عنها قوة طرد مركزي قوية بحيث تتحرك جزيئات الغاز الأثقل (المحتوية على ذرات U-238  نحو السطح الخارجي للأسطوانة) بينما تتجمع جزيئات الغاز الأخف (المحتوية على U-235 بالقرب من المركز). يُسحب الجزء المخصب قليلًا من U-235 ويغذى في جهاز الطرد المركزي التالي تمهيدًا للمرحلة الأعلى اللاحقة، في حين يُعاد تدوير الجزء المنضب في المرحلة الأدنى.

وتحتوي منشآت التخصيب بالطرد المركزي على صفوف طويلة تشتمل على العديد من الأسطوانات الدوارة التي ترتبط مع بعضها في تشكيلات متسلسلة. وتجدر الإشارة إلى أن طهران قد استخدمت أجهزة طرد مركزي متطورة، واكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق أثناء إحدى العمليات التفتيشية أن “سلسلتي طرد مركزي من طراز آي آر-6 تم ربطهما بشكل مختلف عما أعلنته طهران من قبل”.

تطورات المواقف

الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران قد قدمت تفسيرات وصفتها بالمرضية لآثار يورانيوم مخصب عثر عليها في السابق، وأوضحت أن إيران سمحت بإعادة تركيب كاميرات المراقبة في بعض منشآتها النووية. وفي تقريرها الفصلي، ألقت الوكالة الضوء على المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب والذي تشير التقديرات إلى أنه قد تضاعف لأكثر من 23 ضعف ما نُصّ عليه في اتفاق 2015 وفقًا لبي بي سي عربية.

وقد أرجع المدير العام للوكالة “جروسي” ما يحدث في الملف الإيراني بأنه  إلا انعكاس طبيعي لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران والذي قيد حرية الوكالة في القيام بالعمليات التفتيشية داخل المنشآت النووية الإيرانية، مشيرًا إلى أن إيران تتعاون فقط في “جزء” من عمليات التفتيش النووي، ومخزونها من اليورانيوم عالي الإثراء قد زاد على 100 كيلوجرام؛ أي أنه ارتفع بأكثر من الربع في خلال ثلاثة أشهر وهي وتيرة وصفها بالسريعة في كلمته الافتتاحية أمام مجلس محافظي الوكالة.

إسرائيل: بعد أن قام مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإعلان أن إيران تتعاون مع الوكالة بتقديم تفسيرات لآثار اليورانيوم المخصب بأحد مواقعها، وأنها سمحت بإعادة تركيب بعض معدات المراقبة التي وضعت في الماضي حين تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015 قبل أن يتوقف العمل به. على الفور وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” الاتهامات لكل من طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فأكد أن طهران تكذب بخصوص التفسيرات التي قدمتها بشأن اكتشاف جزيئات يورانيوم مخصب في أحد المواقع، واتهم الوكالة بأنها باتت تخضع للضغط الإيراني وبالتالي فإنها إذا استمرت على هذا المنوال فإن هذا سيصبح وصمة في تاريخها بأن أصبحت منظمة مسيسة، مما سيضع الكثير من علامات الاستفهام على أدائها الرقابي. وصعد ” نتنياهو ” من لهجته مؤكدًا أن إسرائيل لن تكون ملزمة بأي اتفاق نووي مع إيران.

يذكر أن طهران نجحت في زيادة تخصيب اليورانيوم ليصل إلى نسبة 60% بعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية من الانسحاب من الاتفاقية في عام 2018. وتتخوف إسرائيل بشكل كبير خاصة مع ظهور آثار يورانيوم في وقت سابق مخصب بنسبة ٨٣.٧% من أن تقوم إيران بزيادة نسبة التخصيب هذه لتصل إلى 90% (مستوى التخصيب المناسب لصنع سلاح نووي) وهو أمر تصفه إسرائيل بأنه خط أحمر وسيمثل تهديدًا للمجتمع الدولي ويستدعي توجيه ضربة استباقية.

الولايات المتحدة: صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمام مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (إيباك) أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت ترى أن الحل الدبلوماسي هو الحل الأمثل في التعامل مع النووي الإيراني في هذه المرحلة، مؤكدًا أن هذه الدبلوماسية يعززها كلًا من سياسة الردع بالإضافة إلى الضغط الاقتصادي، لكنه لوح كذلك بأن جميع الخيارات من أجل منع إيران من امتلاك سلاح نووي تظل مطروحة طوال الوقت. ويظل تمسك الولايات المتحدة بالخيار الدبلوماسي نقطة خلاف مع إسرائيل. وقد أقر مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة “جلعاد إردان” بوجود عدم تطابق في الرؤى بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية بشأن كيفية مواجهة “التهديد النووي” الذي تمثله إيران.

وفي سياق آخر، ينظر إلى الإفراج الأمريكي عن ثلاثة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة لدى العراق بأنها مقدمة للتهدئة بين طهران وواشنطن، في حين أن بعض الآراء تشير إلى الكونجرس الأمريكي قد يرفض أي اتفاق نووي مع إيران. يأتي هذا في ظل تصريحات للمرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” يشير فيها إلى أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب شريطة عدم المساس بالبنية التحتية النووية لبلاده.

دول الخليج: تنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى البرنامج النووي الإيراني على أنه أحد المهددات لأمنها خاصة في ظل ظروف تسعي فيها إيران وتصر على تخصيب اليورانيوم بنسب تتخطي النسب المطلوبة للاستخدامات السلمية المتعارف عليها، وبالتالي فإن أي سيناريو يضمن عودة طهران إلى اتفاق نووي سيكون له أثر في تقليص الاحتمالات التى تؤدي إلى امتلاكها سلاح نووي.

وفي هذا الإطار، فقد تواردت معلومات عن زيارة سرية ذكرت بعض المصادر الغربية أنه قد قام بها كبير مستشاري الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط لسلطنة عمان من أجل وساطة عمانية كخطوة أولية لإعادة إحياء اتفاق نووي قد يكون جزئيًا أو تفاهمات نووية مع إيران، مما أسفر عن قيام سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد بزيارة إيران في 28 مايو 2023، والتقى خلال تلك الزيارة بالمرشد الأعلى الإيراني والرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”.ختامًا، لا شك أن المفاوض الإيراني برع في تسويق التفسيرات العلمية التي قدمها علماؤه بشكل جيد واختار لها التوقيت المناسب قبيل انعقاد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتشير التوقعات إلى أنه مثلما كان فشل إيران في تقديم تفسيرات منطقية بشأن منشأ جزيئات اليورانيوم المخصب في ثلاثة مواقع غير معلنة عقبة أمام المساعي الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي مع أمريكا، فإن إعلان الوكالة بقبول التفسيرات –حتى ولو لم تكن لكل المواقع- على الأقل سيحرك المياه الراكدة نحو الوصول إلى إتفاق مؤقت أو جزئي أو على الأقل تفاهمات في هذه الفترة، خاصة مع استجابة طهران وامتثالها لتركيب معدات المراقبة داخل منشآتها. أما فيما يتعلق بالتصريحات الإسرائيلية فيُحتمل ألا تتعدى كونها تصريحات إلى ماهو أبعد منها على الأقل في هذه الآونة شريطة ألا تتعدى إيران الخط الأحمر الإسرائيلي. أما فيما يخص الموقف الخليجي فإنه غير داعم بأي شكل لأية احتمالات أو سيناريوهات قد تربك منطقة الخليج وتزحزح مركز ثقلها خاصة إذا امتلكت إيران سلاح نووي وهو أمر من المحتمل أن يكون له ردة فعل بعدية للحفاظ على ميزان القوى في منطقة الخليج لذا فإن تحريك المفاوضات للوصول إلى اتفاق هو أمر يفي بالغرض في هذه المرحلة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77875/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M