اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي
من أجل إدامة تمويل القوة المشتركة للساحل G5 Sahel و FC-G5S تقدم القائد العسكري لقوة الساحل الخماسية G 5 Sahel الجنرال Oumarou Namata ووزير الخارجية التشادي عمر بن داود بطلب لمجلس الأمن الدولي خلال جلسته الإفتراضية التي عُقدت في 18 مايو 2021 لإنشاء “مكتب دعم الأمم المتحدة” من أجل توفير الدعم اللوجستي والتشغيلي لهذه القوة (وهو ما سبق وأوصى بها الأمين العام لأول مرة في عام 2017) , لكن هذا الطلب لم توافق عليه الولايات المتحدة إذ رفضت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة Linda Thomas-Greenfield بصفة قاطعة هذه المبادرة التي تقدمت بها النيجر وتشاد بدعم من فرنسا , وقالت : “إن الولايات المتحدة لا تريد أن تساهم بأكثر مما تفعله من أجل الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل ” وأنها : “تعتقد أنه لا ينبغي تخصيص الأموال المرصودة لعمليات السلام الأمم المتحدة لهذا الغرض” ثم أوضحت أنها “نعتقد أن أموال عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة ليست مصدرًا عمليًا لتمويل القوة المشتركة , وأن إعطاء تفويض قوي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ليس مناسبًا ولا مثاليًا لمساعدة القوة الخماسية للساحل على إنجاز مهمتها ” ثم نوهت بأن : “الولايات المُتحدة خصصت أكثر من 580 مليون دولار كمساعدات أمنية وغيرها من أشكال الدعم ضد التطرف العنيف لدول مجموعة الخمس لأن هذا هو النهج الصحيح ” .
تضمنت إفادة الجنرال Oumarou Namata ووزير الخارجية التشادي لمجلس الأمن حث أعضاء المجلس على إنشاء “مكتب دعم الأمم المتحدة للقوة الخماسية للساحل G 5 Sahel يكون ممولاً من ميزانية عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة ” , وشدد الجنرال Namata في إفادته عن هذا الطلب على أنه “من المهم التذكير بالحاجة إلى إيجاد طريقة لجعل نظام تمويل القوة المشتركة لمنطقة الساحل مستدامًا “. ثم أضاف قوله إن”الحل الأكثر استدامة هو إنشاء مكتب دعم للأمم المتحدة يتم تمويله من خلال مساهمات قانونية أو طوعية ” , بينما كانت وجهة النظر الفرنسية في هذا الصدد وفقاً لما قاله المندوب الفرنسي لدي الأمم المتحدة في مناقشات هذه الجلسة الأفتراضية بمجلس الأمن : “أن الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي يؤيدان فكرة إنشاء مكتب دعم للأمم المتحدة لمجموعة السـاحل الـخمـاسـية G 5 Sahel بتمويل من المساهمات الإجبارية ” , بمعني أنه إذا أُجيزت وجهة النظر الفرنسية تلك – وهذا أمر مستبعد لرفض الولايات المتحدة الطلب برمته – فسوف تساهم دول مجموعة الساحل الخماسية G 5 Sahel وهو الأمر الذي تنأي هذه الدول بنفسها عنه لقناعتها أن تشكيل هذه القوة منذ البداية مُعبر عن إحتياج فرنسي .
يمكن القول أن المحاولة الفرنسية لإنشاء مكتب لدعم مجموعة دول الساحل الخمس G 5 Sahel تابع للأمم المتحدة قد فشلت بسبب معارضة أكبر دولة مساهمة في الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة ومعارضة المملكة المتحدة أيضاً للربط ما بين مكتب يتبع الأمم المتحدة ويُمول منها وبين قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel التي تدعمها فرنسا لمساندة عملية Barkhane العسكرية الفرنسية في شمالي مالي (والنيجر) فكل من واشنطن ولندن لا يوافقان علي استخدام المساهمات التي حددتها الأمم المتحدة لدعم البعثات غير التابعة للأمم المتحدة , ولما كان هناك إنقسام في الآراء حول هذه القضية داخل مجلس الأمن فإن إرسال دول هذه القوة أو إحداها لخطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة يتضمن طلب المزيد من المعلومات حول الطرق والاحتياجات لإنشاء هذا المكتب أصبح غير ذي معني .
لقد كانت هناك معركة مماثلة لمعركة فرنسا الفاشلة بشأن إنشاء مكتب دعم لقوة الساحل الخماسية يكون تابعاً للأمم المتحدة , هذه المعركة المُماثلة كانت عندما جرت مفاوضات في أواخر عام 2018 بين مجلس السلم والأمن (PSC) التابع للإتحاد الأفريقي ومجلس الأمن وقد تعرضت هذه المفاوضات لانقسام شديد فقد حاولت إثيوبيا الحصول على قرار يُرسي مبدأ يجيز استخدام المساهمات المقدرة لعمليات حفظ السلام التي تقودها الأمم المتحدة لتمويل عمليات دعم تتم بواسطة أطراف أخري خارج نظام الأمم المتحدة كالإتحاد الأفريقي مثلاً , وبسبب ذلك هددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض ضد هذا القرار على أساس أن الاتحاد الأفريقي لم يستوف شروط المجلس بشأن القضايا الخلافية الرئيسية المتعلقة بالتمويل والامتثال لحقوق الإنسان والحوكمة المالية , وهنا تدخلت الدبلوماسية الفرنسية بحل وسط لكن غالبية الدول الأفريقية رفضت المبادرة الفرنسية ، ولم تكن المحاولات التالية التي بذلتها جنوب إفريقيا لإحياء المناقشات في يوليو 2019 حول هذا الموضوع بأفضل حالًا من المحاولة الفرنسية إذ فشلت جنوب إفريقيا والأعضاء الآخرون في A3 في التشاور بشكل كافٍ مع مجلس السلم والأمن الأفريقي PSC في أديس أبابا لدعم لن يمكن توجيهه إليه والحالة هذه .
لم يكن هناك قرار من مجلس الأمن بشأن إقامة فوة الساحل الخماسية وكل علاقة هذه القوة بالأمم المتحدة قرار صدر عام 2017 من مجلس الأمن برقم 2359 يرحب فيه المجلس بالمفهوم الاستراتيجي لعمليات القوة المشتركة بين G5 Sahel و FC-G5S , بينما أقر هذا المجلس سابقاً إنشاء أول مكتب لدعم المساهمات المقدرة (UNSOA) بموجب القرار رقم 2245 بتاريخ 9نوفمبر 2015 وهو القرارالذي تضمن إحلال مكتب الأمم المتحدة للدعم في الصومال (UNSOS) محل مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي AMISOM , كذلك سبق للأمم المتحدة تمويل البعثات الأفريقية في السودان(AMIS) وفي مالي AFISMA وفي جمهورية أفريقيا الوسطي MISCA والتي سبقت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفورUNAMID , وذلك عن طريق صندوق إستئمانيTrust Fund , وربما إستندت المعارضة الأمريكية في حالة إنشاء مكتب دعم أممي لقوة الساحل المُشتركة من بين أمور أخري إلي أن هناك فرق بين دعم الأمم المتحدة لقوة تابعة للإتحاد الأفريقي وقوة G 5 Sahel التي ليست تحت مظلة الإتحاد الأفريقي , ولهذا أكدت اللجنة المستقلة رفيعة المستوى لعام 2015 بشأن عمليات السلام وتقرير الإبراهيمي في عام 2000 إلي أن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ليست مناسبة لعمليات إنفاذ السلام ومكافحة الإرهاب , وأن التغلب على المعضلة المالية يكون بإعادة تحويل قوة دول الساحل الخمس إلى بعثة للأمم المتحدة كما حدث مع بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور UNAMID وفي بعثة الأمم المتحدة في مالي MINUSMA (التي تم تفويضها لدعم قوة الساحل G5 عام 2017 وعملت بشكل وثيق مع عملية Barkhane بقيادة فرنسا منذ انتشارها) وكذلك الحال في بعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى MINUSCA أو دمج قوة دول الساحل الخمس في بعثة للأمم المتحدة كحالة ضم لواء قوة التدخل في جمهورية الكونجو الديمقراطية للأمم المتحدة .
كما أشرت فقد قدمت الأمم المتحدة الدعم لقوة الساحل G 5 Sahel عبر بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA) منذ ديسمبر 2017 وشمل ذلك الوقود وحصص الإعاشة والإجلاء الطبي والدعم الهندسي مثل بناء المعسكرات و كان هذا الدعم يهدف إلى سد الثغرات الحرجة التي أعاقت تنقل القوة ووتيرة عملياتها , ومع ذلك أشارتقرير أممي صدر في يونيو 2020 إلي أن الأمين العام للأمم المتحدة Antonio Guterres حذرمن أنه على الرغم من أن دعم MINUSMA لقوة الساحل G5 كان ضروريًا وحاسمًا إلا أن عددًا من التحديات حالت دون استفادة القوة بشكل كامل من الدعم المقدم من الأمم المتحدة وأن الترتيبات الحالية ليست مستدامة للتغلب على هذه التحديات وفي هذا الصدد قدم الأمين العام ثلاثة خيارات لمجلس الأمن :
- الخيار الأول / إنشاء مكتب دعم مخصص للأمم المتحدة يتم تمويله من المساهمات المقررة .
- الخيار الثاني/ إنشاء مكتب دعم مخصص للأمم المتحدة يُمول من خلال مساهمات طوعية عبر صندوق استئمانيTrust Fund .
- الخيار الثالث / استمرار الترتيب الحالي لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA) ، ولكن مع توسيع نطاق ولايتها التي من شأنها أن تسمح لها بالعمل في جميع دول الساحل .
إتصالاً بعلاقة الأمم المتحدة بالقوة الخماسية للساحل يُشار إلي أن رؤية أمين عام الأمم المُتحدة بشأن علاقة الهيئة الدولية بهذه القوة محل إنتقاد من المُعارضين لمسألة إنشاء مكتب الدعم المُشار إليه لأن تقديم دعم الأمم المُتحدة للقوة من خلال بعثة MINUSMA التي فُوضت لدعم قوة الساحل G5 منذ عام 2017 والتي عملت بشكل وثيق مع عملية Barkhane التي تقودها العسكرية الفرنسية منذ انتشارها في شمال مالي عام 2014 وضع يجعل التمييز بين عمليات حفظ السلام وعمليات مكافحة الإرهاب صعبًا بالنسبة لصانعي السياسات والممارسين ، ويكاد يكون من المستحيل بالنسبة للسكان المحليين أيضاً التفرقة بين مفهوم مكافحة الأرهاب بواسطة G 5 Sahel وقوة MINUSMA وذلك علي فرض أن هذا المكتب نشأ , كذلك فسوف ينشأ عن هذا التداخل تحديات قانونية مختلفة , ومن بين المشكلات التي قد تعيق دعم MINUSMA لقوة الساحل G5 عدم وجود اتفاق حول من يجب أن يتحمل المخاطر والمسؤولية المالية عندما يتعلق الأمر بتقديم الدعم لدول مجموعة الخمس الأخرى عبر المتعاقدين فستكون هذه هي المرة الأولى والحالة هذه التي يتم فيها نشر بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة جنبًا إلى جنب مع مكتب دعم تابع للأمم المتحدة لعملية مكافحة الإرهاب , وهو وضع شاذ حتي بالرغم من الإعتقاد الذي يُروج له الفرنسيين بالقول بأن دعم الأمم المتحدة عبر MINUSMAأساسي لضمان الأسبقية السياسية والمساعدة في تحويل التركيز بعيدًا عن الانشغال الأمني القوي قصيرالمدى بمكافحة الإرهاب بحيث يكون التركيز مُوجه لإستراتيجية شاملة متوسطة وطويلة الأجل تهدف إلى استدامة السلام وتعزيز التنمية وإدارة مخاطر السلام والأمن والتنمية المتعلقة بالمناخ وهو كلام ترويجي دعائي لا أكثر , لكن الأمر المُلفت للدهشة أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان في إطار امتثال مصمم خصيصاً لبيئة تشغيل FC-G5S ودعماً لدول الساحل G5 وبالتعاون معها قدمت – كما أعلنت – المساعدة التقنية بشأن تدابير تعميم مراعاة حقوق الإنسان وحماية المدنيين في تخطيط العمليات وتنفيذها وتنمية الموارد البشرية والدعم المباشر للقوة المُشتركة FC-G5S لتفعيل وتنفيذ التدابير والأدوات التي من شأنها تقليل الضررالذي يلحق بالمدنيين والاستجابة للانتهاكات , أي أن هناك إعتراف أممي مباشر بأن قوة FC-G5S أصابت وتصيب السكان في شمالي مالي بأضرار مُسلم بها وأن كل الجهد المبذول من المفوضية السامية لحقوق الإنسان هو لتقليل الضرر لا محوه وكأن هؤلاء السكان ليسوا من بني البشر وتأكيداً لذلك أفاد تقرير آخر صادر في 30 أبريل 2020عن قسم حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA) إلي أنه من بين انتهاكات أخرى إرتكبت القوات المالية 101 حالة إعدام خارج نطاق القضاء خلال الربع الأول من عام 2020 , ويشير التقرير نفسه أيضًا إلى 34 حالة إعدام خارج نطاق القضاء أُرتكبت على يد القوات المسلحة النيجيرية في منطقة الحدود المالية مع النيجر , كما سلطت تقارير Human Rights Watch ومجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group الضوء على انتهاكات مماثلة ارتكبتها القوات في بوركينا فاسو والنيجر بما في ذلك القتل المفترض لـ 102 من المدنيين الذكور ، معظمهم من الطوارق والداوساك في غرب النيجر خلال أواخر مارس وأوائل أبريل , وأشار التقرير إلي أن تقرير الأمين العام عن مالي تضمن الترحيب بإعلاني حكومتي مالي والنيجر بأنهما ستجريان تحقيقات في مثل هذه الادعاءات التي أثارت المخاوف بشأن زيادة الانتهاكات المبلغ عنها بعض الجدل داخل المجلس مما دفع النيجر على ما يبدو نيابة عن أعضاء مجموعة الساحل الخمس إلى الاعتراض في البداية على عقد اجتماع المجلس بشأن FC-G5S والذي يُعقد عادةً في مايو (كان عام 2020 الأكثر دموية للمدنيين في البلاد في منطقة الحدود الثلاثية Liptako Gourma بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر وهي منطقة تلال كبيرة وشبه صحراوية حيث فقد بها 2440 مدنياً وعناصر من قوات الأمن حياتهم) , وبالتالي فقوة الساحل الخماسية شأنها شأن عملية Barkhane العسكرية الفرنسية كلاهما يتسبب في القتل العشوائي للمدنيين بدون رقابة ولا محاسبة اللهم إلا بيان مُصاغ بأيدي القتلة وعقولهم تبرر القتل العشوائي بكلمات عشوائية وهو في إعتقادي نوع من أنواع الإستغفال بإستخدام مركبات لغوية دخيلة ولي للمفاهيم ( ولذلك من الغريب ان يقول الرئيس الرواندي Paul Kagame في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي أن الخطاب الذي ألقاه Emmanuel Macron في ذكرى الإبادة الجماعية للتوتسي عام 1994 في Kigali في 27 مايو 2021كان عملا “شجاعا هائلا” له “قيمة أكبر من الاعتذار”, مع أن الفرنسيين إعترفوا بدورهم في مذابح التوتسي , ففي الخطاب المُشار إليه قال الرئيس الفرنسي Macronأنه سيأتي “للاعتراف بمسؤوليات” فرنسا في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا والتي حصدت أرواح 800 ألف قتيل بين أبريل ويوليو 1994 وفقًا للأمم المتحدة , لكن الرئيس الفرنسي إستدرك قائلاً إن فرنسا “لم تكن متواطئة” ؟؟؟؟ ) .
إن فرنسا أصبحت لا تخجل من أفعالها الدموية التي تقترفها عسكريتها حتي في المناطق التي توجد بها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار بمالي (MINUSMA)فقد انتقد قائد القوات المسلحة الفرنسية الجنرالFrancois Lecointre في مقابلة مع صحيفة Le Figaro الفرنسية في 22 مايو 2021 تقريرا للأمم المتحدة عن الضربات الجوية في مالي التي أسفرت عن مقتل 19 مدنيا وقال إن هذا التقرير منحاز لنزع الشرعية عن عمليات قوة Barkhane التي تقودها فرنسا هناك , وأنه “من الواضح جدا أن هذا (التقرير) يشمل هجوما على الجيش الفرنسي وعملية Barkhane وعلى شرعية ارتباطاتنا , وأن تقرير الأمم المتحدة الذي نُشر في مارس بشأن الضربة الجوية في 3 يناير2021 وتضمن الإشارة إلي أن القوات الفرنسية قتلت 19 مدنيا خلال احتفالات زفاف بالقرب من قرية Bounti بوسط مالي احتوى على “أخطاء” و “انحياز” وأضاف هذا القاتل قوله “إن انتقادات الأمم المتحدة ضربة للمهمة التي تقودها فرنسا لتحقيق الاستقرار في مالي التي مزقتها النزاعات حيث فقد الآلاف من الأرواح ونزح المئات والآلاف بسبب عنف الجهاديين منذ عام 2012, وعبر عن إعتقاده بأنهم سيواجهون في المستقبل بشكل منهجي هذا النوع من المحاولات التي تسعى إلى إعاقة عملنا وتشويه سمعتنا (بإفتراض أن لهم سمعة قد تبقت من مجازرهم في حرب التحرير الجزائرية والتوتسي في رواندا وغيرهما كثير) ونزع الشرعية عن عملنا ووضع السكان المحليين ضد عملنا ” , ولم يكن مدهشأ أن تعلن وزارة الدفاع الفرنسية والجيش الفرنسي دعمهما لهذه الترهات التي نطق بها المدعوFrancois Lecointre لكن الغريب أن حكومة مالي هي الأخري دعمت رواية الجيش عن أن الهجوم كان يستهدف الجهاديين , وللتعرف علي درجة الكذب في كلام هذا الجنرال أسوق تصريحات أدلي بها Ben Rhodes مستشار الرئيس الأمريكي الاسبق Barack Obama نشرها موقع MAGHREB ONLINE في 31 مايو 2021 أعرب فيها عن مخاوفه بشأن السياسة الخارجية الأمريكية والبريطانية في معالجة الإرهاب بالصراع في الخارج خلال العشرين عامًا الماضية وما سيحدث لاحقًا , حيث أوضح قوله : ” عملت في البيت الأبيض لمدة 8 سنوات في عهد الرئيس Obama وخلال ذلك الوقت ، أصبحت على دراية تقشعر لها الأبدان بالطرق التي تعلمتها أمريكا لقتل الناس منذ 11 سبتمبر2001 والتي امتدت إلى عدة دول مع حروب تقليدية في العراق وأفغانستان ومزيج من الطائرات بدون طيار والعمليات الخاصة والقوة الجوية من جنوب آسيا إلى شمال إفريقيا , وأشار السيد Benأنه بعد هجوم بصاروخ cruise في اليمن تم رصده من خلال الصور الجوية استخدم أحد الجنرالات الأمريكيين مصطلحًا للإشارة إلى الصور الصغيرة للأشخاص الفارين من مكان الانفجار فقال : “القاذورات” , وهذه الكلمة مازالت عالقة في رأسي .
التخطيط العسكري الفرنسي في مواجهة التخطيط العسكري الأمريكي بالساحل :
أعني بلفظ في “مـواجــهـة ” : في “مـقـابـل ” فالتخطيط العسكري لكلا القوتين الدوليتين ليس نسقاً واحداً أو أنهما يسيران في مسار واحد يحقق نظرية أمن قومي واحدة مُتحدة بل كلاهما له مسار خاص به يتلائم مع نظرية أمنه القومي المُتضمنة مصالحه المختلفة , إذ أن هناك موانع متعددة للمواجهة بين هاتين القوتين أهمها مثلاً أن كلاهما عضو بحلف شمال الأطلنطي وكلاهما أشترك ومعهما بريطانيا ودول اخري في التدخل العسكري في ليبيا في 19 مارس 2011 بقيادة حلف شمال الأطلنطي بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 . لكن هناك درجة من الإختلاف في التخطيط العسكري الفرنسي والأمريكي , ومن بين أوجه ذلك :-
(ألف) الإختلاف الظاهر في نظرة العسكرية الأمريكية للتخطيط العسكري الفرنسي في الساحل ( تبلغ مساحتة هذه المنطقة 5 ملايين كيلومتر مربع) ويُعد الدعم الدبلوماسي والعسكري الفرنسي لقوة الساحل الخماسية أو G 5 Sahel مثالاً واضحاً علي ذلك حتي منذ أن كان لنظام القذافي دور منافس للدور الفرنسي في منطقة الساحل فقد كان للقذافي صلات قوية بالتنظيمات الطوارقية بمنطقة الصحراء الكبري المُتداخلة جغرافيا وجيوسياساً بمنطقة الساحل وبعد سقوط نظامه إنفردت فرنسا مُجدداً بالعمل السياسي / العسكري بمنطقتي الساحل والصحراء , ولكنها تحققت أن إنفرادها بالعمل العسكري من خلال عمليتيServal (التي ساهمت في تمويلها الإمارات مساهمة مالية فعالة) و Barkhane مُكلف بشرياً ومالياً فبحثت عن منفذ يوفر لعمليتها العسكرية مزيد من الشرعية والقبول في أوساط دول الساحل الخمس التي تُستهدف فيها المصالح الفرنسية بتوتيرة مُتصاعدة فعملت علي إنشاء ما يُسمي بقوة الساحل الخماسية G5 Sahel لإضفاء نوع مزيف من الشرعية لتدخلها وبقاءها العسكري بالمنطقة ولضمان مسلسل نهبها لهذه الدول تحت عنوان “الفرانكفونية”, وكان من الواضح أن الولايات المتحدة وتحديداً القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM لم تر في إنشاء هذه القوة إضافة تمكن من مواجهة التنظيمات الإسلامية المُسلحة في المنطقة , وبالرغم من القدرة النسبية الفرنسية علي حل مشكلة تمويل إنشاء قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel إلا أنها كانت معنية بصفة أساسية بإستقطاب الولايات المتحدة للدخول في عملية التمويل تلك لسببين الأول/ أن التمويل الأمريكي قد يكون معبراً عن قيادة الولايات المتحدة لحلف الأطلنطي وهو حلف معني أولاً بالشأن العسكري في عموم دوائر أمن هذا الحلف ومنها منطقة الساحل التي تعني في المقام الأول الإتحاد الأوروبي الذي يشكل كتلة رئيسية أطلسية وبالتالي فقد توقعت فرنسا أن تكون المساهمة الأمريكية كبيرة وهو مالم يتحقق كما سأشير لاحقاً , الثاني/ أن مجرد تمويل الولايات المتحدة لقوة الساحل الخماسية يعني موافقة الولايات المتحدة علي إنشاء هذه القوة وهو ما تهتم به العسكرية والدبلوماسية الفرنسية , فقوة الساحل الخماسية التي تأسست بعد أكثر من سبع سنوات من إقامة الولايات المتحدة لقيادتها العسكرية لأفريقيا قوة مصنوعة علي أعين الفرنسيين ولخدمة مصالحهم الإقتصادية والعسكرية بالساحل , ولإن فرنسا تعلم مُسبقاً وجهة النظر الأمريكية بشأن G 5 Sahel ومفادها تجنب تمويل هذه القوة بشكل مباشر أو عدم المساهمة في تمويلها إن وجدت إلي ذلك سبيلاً في ضوء العلاقة التلازمية بين قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel وبين المصالح الفرنسية وإحتياج العسكرية الفرنسية لساتر مكون من الدول الخمس التي تتمركز فيها القوات الفرنسية بكثافة نسبية والتي تنتشر في ربوعها تنظيمات المقاومة الإسلامية المسلحة المُناهضة للوجود الفرنسي الإقتصادي والعسكري , وقد حاولت فرنسا من خلال مؤتمر باريس إقناع واشنطن بتقديم دعم مالي مباشر لإنشاء القوة الخماسية عبر الأمم المتحدة وإقترحت في مستهل بذل جهودها لحث الولايات المتحدة علي تمويلها أن يتم تقديم هذا التمويل مباشرة من خلال الأمم المتحدة أو مباشرة للإتحاد الأوروبي وهو ما سارعت الولايات المتحدة برفضه , وظل أمر المساهمة الأمريكية غير معروف بصفة مُحددة حتي نهاية أكتوبر 2017 , ولحشد التمويل للقوة الخماسية عُقدت في 13 ديسمبر 2017 قمة مُصغرة في Celle Saint-Cloud بالقرب من العاصمة الفرنسية ضمت بالإضافة للرئيس الفرنسي Emmanuel Macron رؤساء دول القوة الخماسية مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا (رفضت الجزائر الإنضمام لهذه الجهود) بهدف تسريع وضع القوة الخماسية موضع التنفيذ في ضوء إفتقاد التمويل اللازم الذي يُقدر حده الإدني آنئذ بنحو 250 مليون يورو , وقد أعلن الرئيس الفرنسي أمام هذه القمة عن تعهد السعودية بالمساهمة بنحو 100 مليون يورو وكذلك عن مساهمة الإمارات بنحو 30 مليون يورو (طبعاً كانت هاتين المُساهمتين مُعبرتان عن خضوع فماهي علاقة هاتين الدولتين بما يجري في الصحراء الكبري وكان أجدر بهما المساهمة المالية لدرء الأزمة الغذائية التي يعاني منها المسلمون هناك لكن لا محاسبة في هاتين الدولتين تمنعهما من هذا السفه) بل إن قطر هي الأخري قدمت مساهمة عينية في سياق تخفيف الضغوط الفرنسية عليها بعدد 35 مركبة عسكرية للقوة الخماسية , ومع ذلك ظلت الدبلوماسية الفرنسية تجتهد لحل مشكلة التمويل إلي أن عُقد المؤتمرالدولي للساحل لدعم تمويل إقامة القوة الخماسية في بروكسل في 23 فبراير 2018 والذي يُمكن وصفه بمؤتمر المانحين لتمويل القوة الخماسية , وفي هذا المؤتمر أعلن الإتحاد الأوروبي عن مضاعفة مساهمته للقوة من 50 مليون يورو تقررت في يوليو 2018 لتصبح 100 مليون يورو .
علي التوازي مع ما تقدم قام رئيس دورة مجلس الأمن الدولي وهو الفرنسي Jean-Yves Le Drian بالدعوة لجلسة إستثنائية لمجلس الأمن تركزت علي مناقشة إنقاذ ما يُسمي بقوة الساحل الخماسية التي قدر البعض تكلفة إنشاءها ما بين 250 إلي 450 مليون يورو , وقال الوزير الفرنسي في هذه الجلسة وهي جلسة تسول دولي أن فرنسا تأمل في تلقي مساهمات من دول أوروبية (قال قصر الإليزيه إن فرنسا تعول على ألمانيا وهولندا وبلجيكا بصفة خاصة ) ودول آسيوية (يُعتقد أنها الصين واليابان) بصفة أحادية تُضاف إلي ما سبق وتعهد الإتحاد الأوروبي بالمساهمة به ويبلغ 60 مليون يورو مع المساهمة الفرنسية البالغة 8 مليون يورو , وتصاعد إصرارفرنسا علي تحقيق رغبتها في إقامة قوة الساحل الخماسية التي بدا إنشاؤها عام 2014وكأنه أمر مُتعلق بسمعة فرنسا نفسها , إذ وجهت الرئاسة الفرنسية في نهاية أكتوبر 2017 الدعوة لأعضاء مجلس الأمن الدولي الخمس عشر لزيارة عواصم دول القوة الخماسية للساحل وكانت هذه الزيارة في الفترة من 19 إلي 22 أكتوبر 2017 , وكان الهدف الرئيسي من هذه الدعوة حث أعضاء مجلس الأمن بما فيهم الولايات المتحدة علي تقديم الدعم الممكن لإرساء هذه القوة الخماسية من خلال ترتيب لقاءات لممثلي هذه الدول خاصة الدائمين منهم مع رؤساء دول القوة الخماسية للساحل الذين نسقت فرنسا معهم صياغة مضمون ما سيقولونه لهؤلاء, إنها مهزلة بكل المقاييس عملية تسول بممارسة الضغوط وهو مضمون لا يُتوقع أن يخلو من تعظيم مخاطر “الجهاديين” علي إستقرار الأمن والسلام في الساحل وتهديد مصالح الدول الكبري بالمنطقة ودعم العلاقات الثنائية مع أن هؤلاء “الجهاديون” هم أيضاً في الواقع مقاومون لا أكثر ولا أقل , و في النهاية تحقق لفرنسا بعض مما توقعته فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي Rex Tillerson في 30 أكتوبر 2017 عن تقديم عون مالي يمكن أن يبلغ نحو 51 مليون يورو يُوجه “بصفة ثنائية” للدول أعضاء قوة الساحل الخماسية أي أن المساهمة الأمريكية ذهبت لدول مجموعة الساحل الخماسية وليس للأمم المتحدة أو غيرها , وفي تقديري أن هذه المُساهمة الأمريكية تعد تنازل أمريكي كبير في ضوء القرار الأمريكي السابق بخفض مساهمات الولايات المتحدة في ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في يوليو 2017 , وقد ترك وزير الخارجية الأمريكي Tillerson – وفقاً لما أعلنه – لمندوبة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة Nikki Haley مسألة توضيحية تتعلق بهذه المُساهمة الأمريكية , إذ كان عليها بيان أن هذه المُساهمة لن تُوجه للأمم المتحدة لتمويل القوة الخماسية , وبرر Andrew Lebovich الباحث المُتخصص في شؤون الساحل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ذلك الموقف الأمريكي بقوله أن ” إدارة الرئيس Trumpقالت وبوضوح أن ثقتها في الأمم المتحدة محدودة جداً …. وأنها لشديدة الحذر من منح تفويض كبير جداً للقوة الخماسية , وهي تخشي من ألا تدفع الأمم المتحدة التكاليف في نهاية المطاف ومنها المساهمة الأمريكية ” وتابع بقوله ” إنها معركة لابد لنا من أن نظفر بها فهذه الأموال ستلعب دوراً رئيسياً لتحقيق ذلك ” , وهو تقريباً ما أشارت إليه السيدة Haley مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة إذ أنها قالت ” نعتقد أن قوة الساحل الخماسية G5 يجب أولاً وقبل كل شيئ أن تكون ملكاً لدول المنطقة أنفسها ونحن أيضاً “لدينا تحفظات جدية ومعروفة ” للكافة بشأن إستخدام الموارد من قبل الأمم المتحدة لدعم أنشطة لا علاقة لها بالأمم المتحدة “, كذلك أحالت صحيفة THE WALL STREET JOURNAL في 23 فبراير 2018علي Christopher Runyanâ نائب المساعد الإداري للوكالة الدولية للتنمية لأفريقيا التابعة للحكومة الأمريكية USAID قوله”إن الولايات المُتحدة يمكنها أن تنظر في مساعدات للقوة الخماسية فيما بعد هذا العام , لكنها تريد أولاً أن تري إلي أي مدي تعمل هذه القوة بكفاءة” , وإتصالاً بذلك يُذكر أن رئيس بوركينا فاسو نفسه أكد هذا المعني في تصريح أدلي به قبل عقد قمة مصغرة بفندق Peninsula بالعاصمة الفرنسية ضمت رؤساء دول وحكومات مجموعة الساحل الخمس وذلك علي هامش إنعقاد قمة باريس لتمويل الاقتصادات الأفريقية التي عُقدت في 18 مايو 2021 , إذ قال رئيس بوركينافاسو “إن الاجتماع الذي عقدناه بعد ظهر اليوم كان فرصة لنا لتقييم الوضع في تشاد , ولقد رأينا أيضًا أنه على الرغم من العمليات المشتركة المختلفة التي تم تنفيذها على الأرض إلا أننا لم ننجح بعد في توجيه ضربة كبيرة للإرهاب في منطقتنا الفرعية , وبالتالي فهناك حاجة إلى إعادة النظر في طريقة عمل G5 Sahel من أجل مزيد من الكفاءة ” وهو تقدير يخالف ما ذهب إليه Jean-Pierre Lacroix مساعد أمين عام الأمم المُتحدة لعمليات السلام الذي أشار إلي أنه ” منذ عام 2019سُجل تقدم ملموس ومشجع في تفعيل مجموعة دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد) ولا سيما من خلال إصلاح أمانتها الدائمة وتطوير أدوات الإدارة ودعم القرار” , كذلك أشار إلي أنه “تم إحراز تقدم في تعزيز قوتها المشتركة بفضل جهود بناء القوات ومراجعة مفهومها الاستراتيجي للعمليات وتفعيل مركز تحليل الساحل لتحليل التهديدات والإنذار المبكر وأن إنشاء آلية قيادة مشتركة في نيامي أدي إلى تعزيز التنسيق مع القوات الدولية الأخرى وأن كل هذه الجهود دفعت القوة المشتركة إلى إطلاق عملية عسكرية كبيرة تعرف باسم” Sama “وهي جارية حاليا وتتقدم بشكل جيد” , أي أن هناك تضارب في تقدير فاعلية وقدرات قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel ميدانياً وهو أمر لابد من التنبه إليه لأنه يشير إلي أن موضوع هذه القوة لا يخرج عن كونه مؤامرة أطرافها كثر أخطرهم دائرة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة , فمن الواضح أن نظرة الريبة التي تنظر بها الولايات المتحدة للأمم المتحدة لا تتعلق فقط بالمساهمات المالية كما أعلن عن ذلك مسئوليين أمريكيين كثر , لكن عدم الثقة الأمريكية في الأمم المتحدة يتجاوز هذا النطاق ليمتد إلي التشكيك في فاعلية قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel والتي يُبالغ Jean-Pierre Lacroix مساعد أمين عام الأمم المُتحدة لعمليات السلام في تقدير مستوي أداءها وفاعليتها .
إن عدم ثقة الولايات المتحدة في كفاءة قوة G 5 Sahel والذي يتضح من محدودية قدرتها حتي الآن علي تغيير الموقف الأمني والعسكري في الساحل بوجه عام , يؤكد – في تقديري – عدم رغبة الولايات المتحدة في المساهمة في جهد تراه خارجاً عن نطاق ما هو مُخطط لقيادتها العسكرية في أفريقيا AFRICOM خاصة وأن الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 أنشأ رئيسها George W. Bush لأول مرة قوة المهام المشتركة المشتركة بالقرن الأفريقي (CJTF-HOA) التي عملت منذ عام 2003 انطلاقاً من معسكر Lemonnier بجيبوتي دون أن تربطها بالأمم المتحدة , لذلك في إعتقادي أن الموقف الامريكي بالطبع لم يكن مُوجهاً ضد القوة الخماسية في حد ذاتها لكنه موقف مُؤسس علي السلوك السياسي الأمريكي القائم علي ترك مسافة ما بين الموقفين الأمريكي والفرنسي في منطقة الساحل ليتأكد الفرنسيين من أن الموقف الأمريكي ليس موقفاً مُتماهياً مع موقفهم أو علي الأقل ليس مُتطابقاً بالضرورة معه , كما أن الولايات المتحدة وتحديدأً إدارة الرئيس Trump وضعت قاعدة مؤداها التخفيف من المساهمات الأمريكية في قوات حفظ السلام الأممية خاصة إن تعلقت مهام حفظ السلام تلك بأفريقيا , ذلك أن الولايات المتحدة تحتفظ بتقرير أمر المساهمة في عمليات حفظ السلام بأفريقيا من خلال قادة قيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM بحيث تحقق هذه المساهمات – إن تقررت – وزناً إستثنائياً وإضافة للعلاقات الثنائية ما بين AFRICOM والدول الأفريقية , خاصة بعد الإهانة التي تلقتها الدول الأفريقية جميعاً من الرئيس الأمريكي Donald Trump والتي قال سفير غينيا الإستوائية Anatolio Ndong Mba رئيس المجموعة الأفريقية بالأمم المتحدة بشأنها بعد الإجتماع المُغلق الذي طلبته السفيرة Nikki Haley مع المجموعة الأفريقية ” أنه لا يتوقع أن إعتذاراً عن هذه الإهانة سيصدر ” ثم أضاف “ربما سيكون هناك إعتذار من الرئيس Trump للقادة الأفارقة في قمتهم بإثيوبيا في 28 يناير 2018″ .
علي كل الأحوال ففي تقديري أن الولايات المتحدة قررت توجيه مساهمتها المالية بصفة ثنائية للدول الخمس التي تتكون منها القوة الخماسية للساحل مما يحقق للولايات المتحدة وضع اليد العُليا Upper Hand , إذن ليس هناك ما يبرر إنقاص أهمية وفاعلية المساهمات المالية الأمريكية لتُستنفذ أو تتبخر وهي في أيدي إدارة عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة , كما أن الموقف الأمريكي بهذه الكيفية ربما إستهدف الحد من التأثير الدبلوماسي لفرنسا في أهم دوائر عمل الأمم المتحدة وأعني بها إدارة عمليات حفظ السلام التي أصبحت تستخدم حسب الحالة , وبالرغم من معارضة الولايات المتحدة الواضحة لتوصية أمين عام الأمم المتحدة والتي وُضعت في مقترح تقدمت به تشاد (التي تتراس هذه الدورة لمجلس الأمن) والنيجر لمجلس الأمن إلا أن هناك دول أفريقية كبري دعمت هذه التوصية أو المُقترح , فقد القي السفير Jerry Matjila مندوب جنوب أفريقيا لدي الأمم المتحدة بياناً في 16 مايو 2021 أشار فيه إلي أن “جنوب أفريقيا نكرر دعمها لتوصية الأمين العام المتكررة للمجلس بشأن إنشاء مكتب دعم للأمم المتحدة للقوة المشتركة G5 بتمويل من المساهمات المقررة ومستقل عن MINUSMA ، والذي نعتقد أنه سيسمح بتمويل دعم يمكن التنبؤ به ومستدام بالنسبة للقوة المشتركة وبالتخطيط على المدى الطويل , وتعزيز هذه المبادرة المهمة سيمكن القوة الخماسية من امتلاك القاعدة اللوجستية والعملياتية الضرورية والمطلوبة بشدة والتي ستسهم بشكل إيجابي في التفعيل الكامل والفعال للقوة المشتركة G5 الساحل” .
كذلك فإن ما تقدم يُشير بوضوح إلي أن الرفض الأمريكي لإنشاء مكتب دعم الأمم المتحدة للقوة الخماسية للساحل G 5 Sahel يُمول من ميزانية عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة ” لم يأت من فراغ فهناك أسباب أمريكية دعت إلي عدم التجاوب مع التخطيط العسكري الفرنسي في الساحل منها مثلاً أن الولايات المُتحدة في الوقت الذي كانت فيه فرنسا ماضية نحو إرساء قوة الساحل الخماسية كان وزير الدفاع الأمريكي Mark Esper وفقاً لما أعلنته Alyssa Farah المُتحدثة باسم الـ Pentagon قد أصدر قرار بخفض قواته بأفريقيا , يُضاف إلي هذا أن الولايات المتحدة أو العسكرية الأمريكية تحديداً تنظر إلي النجاح النسبي لفرنسا في إقامة قوة الساحل الخماسية بنظرة تنافسية خاصة مع فشل الجهود الأمريكية لإنشاء تحالف عربي علي غرار الـ NATO في الشرق الأوسط التي تغطيها القيادة الأمريكية العسكرية الوسطي USCENTCOM والذي من أجل تحقيقه نظمت في Warsaw بمشاركة بولندا مؤتمراً حضره 70 من قادة ومسئولي الدول لتشكيل تحالف مُضاد لإيران والإرهاب والتطرف أوArab Middle East Strategic Alliance (MESA) بقيادة مصر والسعودية لمواجهة إيران , لكن الانقسامات والصراعات السياسية في المنطقة أدت إلي خفض احتمالية قيام هذا التحالف , ومن المفارقات أن هذا المفهوم نفسه نشأ خلال عهد الرئيس Obama حيث كانت هناك محاولة لتشكيل تحالف مماثل من خلال قوات جامعة الدول العربية الموجودة بالفعل وباءت هذه المحاولة بالفشل .
مع كل ذلك إستمرت فرنسا في ممارسة نوع من الدعاية لعسكريتها مفادها أن إستئصال شأفة التيار الإسلامي المُسلح في الساحل يمر عبر إقامة قوة الساحل الخماسية وفي الحقيقة فإن الأمر لم يكن كذلك بالضبط إذ أن إقتراح فرنسا لإنشاء “مكتب دعم الأمم المتحدة للقوة الخماسية للساحل G 5 Sahel يُمول من ميزانية عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة ” يُعد في تقديري مجرد إلتفاف للحصول علي دعم للعملية العسكرية الفرنسية المُسماة Barkhane بشمالي مالي , وربما يعبر عن ذلك جزئياً البيان الذي اصدره الإتحاد الأوروبي بتاريخ 23 فبراير 2018 في ختام “المؤتمر الدولي رفيع المستوي بشأن الساحل ” في بروكسل في 23 فبراير 2018 من أجل الحشد والتعبئة السياسية والدعم المالي لقوة الساحل الخماسية G5 Sahel والذي حضره نحو 50 من رؤساء دول وحكومات وكبار المسئولين يمثلون الدول الخمس التي تتشكل منها هذه القوة ودول الإتحاد الأوروبي ومسئولين كبار عن الولايات المتحدة واليابان والمغرب ودول أخري وممثل عن كل من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي , فقد كان إنعقاد هذا المؤتمر قبل يوم من قمة رؤساء الدول والحكومات المعنية بالموقف في الساحل , وحققت فرنسا من خلال مؤتمر بروكسل هدف الحصول علي دفعة مالية للأمام لعملية تدبير التمويل اللازم للقوة وقد أشار الإتحاد الأوروبي في بيانه إلي أن النتائج الرئيسية للمؤتمر الدولي رفيع المستوي هي :
- 1- تعزيز الدعم السياسي لمنطقة الساحل وأن دعماً هاماً أُعطي لعملية السلام بمالي وأن هؤلاء ممن يهددون هذه العملية يمكن أن يُواجهوا بعقوبات .
- 2- زيادة العون المالي للأمن حيث ضاعف الإتحاد الأوروبي من تمويله للقوة الخماسية للساحل لنحو 100 مليون يورو بهدف تحسين الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب , وأن الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به ساهموا معاً بنصف الدعم الدولي للقوة الخماسية , وهذا التمويل الجديد يفي تماماً بإحتياجات القوة ويقدم الوسائل بغية تحسين الظروف الأمنية بالمنطقة .
- 3- تنسيق أفضل لجهود التنمية , فمن خلال رصد مبلغ 6 بليون يورو لعون التنمية علي مدي الفترة من 2014 حتي 2020 يكون الإتحاد الأوروبي قد أصبح المانح الأكبر للدول الخمس المُكونة لقوة الساحل G5 Sahel وبذلك يلعب الإتحاد الأوروبي دوراً رائداً في “التحالف من أجل الساحل” الذي بدأ في يوليو 2017 , وهذا التحالف عبارة عن مبادرة تهدف إلي تنسيق وتسليم العون بسرعة وكفاءة أكثر للمناطق الأكثر هشاشة وهو تحالف مفتوح أمام كل الشركاء بالمجتمع الدولي .
عموماً يمكن القول أن مؤتمر بروكسل الدولي خلُص إلي نتيجتين الأولي / مادية ملموسة وهي زيادة التمويل بحيث أصبح من الممكن القول بأن مشكلة التمويل قد حُلت نتيجة الجهود الدبلوماسية الفرنسية الحثيثة , فقد أعلنت مفوضة الإتحاد للشئون الخارجية Federica Mogherini عن أنه تم تدبير مبلغ 414 مليون يورو أي 510 مليون دولار لإنشاء هذه القوة لتكون جاهزة في مارس 2018 وأن نصف هذا المبلغ سيقدمه الإتحاد الأوروبي وأعضاءه و60 مليون دولار من الولايات المتحدة بجانب مساهمات أخري من السعودية تعادل 100 مليون يورو وهي المساهمة الأكبر من بين كل المساهمات الأخري , كما ساهمت الإمارات العربية بمبلغ 30 مليون يورو , وفي هذا المؤتمر أعلن الإتحاد الأوروبي عن مضاعفة مساهمته للقوة من 50 مليون يورو تقررت في يوليو 2018 لتصبح مائة مليون يورو , أما الثانية / فهي مُتعلقة بمشكلة التنمية في دول الساحل التي يمكن تصنيفها بأنها واقعة بين نقطتين علي مؤشر الدول وهما نقطة الدولة الفاشلة ونقطة الدولة المُعرضة Vulnerable , والجديد في الإعلان الأوروبي إبراز أن مسار التنمية للساحل في “المؤتمر الدولي رفيع المستوي بشأن الساحل” خفف من التركيز الإعلامي الفرنسي علي مسار واحد هو مسار دعم القوة الخماسية العسكرية فقد أعلنت كل من فرنسا وألمانيا خلال المؤتمرعن أنهما سيقدمان مساهمات ثنائية مهمة في مجال العون من أجل التنمية , حيث ستقدم فرنسا 1,2 مليار يورو علي مدي خمس سنوات , أما ألمانيا فستقدم 1,7 مليار يورو علي مدي 5 سنوات أيضاً , أما الإتحاد الأوروبي فلديه ميزانية تنمية ماعونها مبلغ 8 مليار يورو يغطي الفترة من 2014 حتي عام 2020 , والسؤال المهم هو لماذا كل هذا السخاء ؟ لماذا كان علي فرنسا وألمانيا الإعلان عن هذا العون الكريم ؟ الإجابة بإختصار أن ذلك لعظم مصالحهما الإقتصادية خاصة الطاقوية بمنطقة الصحراء الكبري وفي إطار أوسع بمنطقة الساحل , وفي هذا الإطار أيضاً كان “التحالف من أجل الساحل أو Alliance pour le Sahel” قد وضع أيضاً 400 مشروع (أشار موقع الوكالة الفرنسية للتنميةAGENCE FRANSAISE DE DEVELOPPEMENT في 23 فبراير 2018 إلي أن عدد هذه المشاريع 500 مُوزعة علي 6 محاور تنموية في مناطق مُعرضة بالساحل بتكلفة تُقدر بنحو 6 مليار يورو تغطي الفترة من 2018 حتي 2022) , لكن مسئوليين بالإتحاد برروا تباطؤ عملية إنفاق هذا المبلغ بقولهم ” إن البيئة بالمنطقة غير مُستقرة وغير آمنة تماماً بشكل يسمح بالتنمية” , كما أن مسئول أوروبي آخر شارك في المؤتمر قال “إن هناك حاجة عاجلة لتحسين الحوكمة في دول هذه المنطقة ” , ومن ثم فالإعلان عن إتجاه الإتحاد الأوربي لتعزيز عونه في تمويل التنمية بمنطقة الساحل يأتي في إطار جهوده من خلال التعاون لتحقيق الإستقرار بالمنطقة , ومن أهم ما تمت الإشارة إليه في هذا المؤتمر ما ورد بكلمة رئيس النيجر Mahamadou Issoufou إذ أشار قائلاً “إن الحرب التي نديرها ضد الإرهاب في الساحل نديرها أيضاً بالنيابة عن العالم (كلهم يقولون ذلك) , وأنه لهذا السبب فإن الإتحاد الأوروبي (الذي له بعثتان أمنيتان واحدة بالنيجر والأخري بمالي) والمجتمع الدولي يجب أن يكونا مُتضامنين مع الساحل”, ثم قال في موضع آخر “نتمني أن تُرصد المبالغ التي وُعدنا بها في اسرع وقت ممكن”, وأضاف “إن الجهد التمويلي يجب أن يكون دائماً لأن مبلغ 480 يورو يمثل المبلغ الضروري للعام الأول , لكن هناك مبلغ 75 مليون يورو يجب أن تتبع هذا المبلغ الأول في كل عام تالي ولا نعرف كم من الوقت ستستغرق المعركة”( والإجابة بسيطة وهي أنه طالماأنتم جلوس في مقاعد الرئاسة وبجانبكم رئيس فرنسي فسوف لا تنتهي هذه المعركة) وعلي أية حال فهي عبارة نمطية يقولها أيضاً قادة الشرق الأوسط بنفس الجرأة بل إن سفير إيطاليا لدي الأمم المتحدة Sebastiano Cardi كرر ذلك النص الحواري Skript حرفياً في تصريح لوكالة Associated Press في 9 /6/ 2017 , كذلك قال رئيس الحكومة الإسبانية Mariano Rajoy ووزير الخارجية البلجيكي”إن الإستقرار في منطقة الساحل يعد هاماً لأمن الإتحاد الأوروبي” , وهذا ما يؤكد ما أشرت إليه من أن الإتحاد الأوروبي قد ألحق الصحراء الكبري لأهميتها الإقتصادية القصوي بنطاق إستراتيجية الأمن الأوروبي وفقاً لمفهوم البحر المتوسط الكبير Greater Mediterranean Region وفي الواقع المُعاش لم يتحقق من هذه التنمية أي شيئ فكل هذه التصريحات صور لفظية تتخفي وراءها الحقيقة العارية عن إستغلال ونهب موارد منطقة الساحل بمعونة قادة هذه الدول .
(باء) مما يؤكد الإختلاف بين التخطيط العسكري لفرنسا والولايات المتحدة أنه قائم علي تباين عام بين هاتين القوتين الدوليتين , ففي وقت سابق من العام2021صرح الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron فقال ” إن انضمام الاتحاد الأوروبي بشكل لا لبس فيه إلى الولايات المتحدة في تنافسه مع بكين سيكون له “بنتائج عكسية” , وتأكد ذلك بتصريح آخر أدلي به الجنرال Francois Lecointre رئيس أركان الجيش الفرنسي لصحيفة Le Figaro في 21 مايو 2021قال فيه : ” أنه بينما سيكون من الصعب على الاتحاد الأوروبي صياغة “هوية سياسية مشتركة” علي المدي القصير لذلك يجب ألا تُجبر أوروبا على اختيار أحد الجانبين في التنافس بين الولايات المتحدة والصين” , وأضاف قوله ” إن روسيا مثل الصين تصبح منافسًا شديد الخطورة من حيث الغواصات والصواريخ الباليستية , لكنه إستدرك مُتهماً موسكو بـ “الاستمرار في الرغبة في إضعاف نموذجنا الديمقراطي من خلال العمل في المجال الرقمي ومجال التأثير” , أما العسكريين الأمريكيين فيرون المسألة علي نحو مختلف ففي مقال نشرتها مُؤخراً مجلة Foreign Affairs أشار كل من الجنرال الأمريكي المُتقاعد Marcus Hicks القائد السابق للقوات الأمريكية الخاصة في أفريقيا بين عامي 2017 و2019 والجنرال Sembé Bobo قائد R3 (ميليشيا مُسلحة بجمهورية أفريقيا الوسطي) , وليس بينها كثير من القواسم المُشتركة أن مخاوف تساورهما تجاه النفوذ الروسي في إفريقيا وقال Hicks إن”روسيا والصين تعملان على تكثيف النشاط الاقتصادي والعسكري في القارة في نفس الوقت الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة” , فيما قال Bobo “نحن نعلم أن الروس سيدمرون كل شيء قبل مغادرتهم. بلد غزاها الروس لا يسترد عافيته ” , وبالتالي فإنه يمكن القول بأن الموقف الحيادي لفرنسا بين الولايات المتحدة من جانب وخصماها في أفريقيا وهما روسيا والصين لا يمكن للأمريكيين إعتباره موقف يتناسب مع أحد أعضاء حلف شمال الأطلنطي الذي للرئيس الفرنسي تصريح سلبي تجاهه نقلته وكالة أنباء Reuters في 28 نوفمبر 2019 قال فيه : “إن حلف شمال الأطلسي “ميت عقليا ” ، وبرر قولته تلك بأنها دعوة مفيدة لإيقاظ أعضاء الحلف , كما أنها أشار وإن بصفة غير مباشرة إلي لوم الولايات المتحدة إذ قال ” إن القمتان الأخيرتان خصصتا فقط للعمل على كيفية تخفيف التكلفة المالية على الولايات المتحدة ” ، واصفا ذلك بـ “الانفصال الصارخ” بين هذا النقاش والتحديات التي تواجه التحالف وتساءل قائلاً ” إنني لا أعرف ما إذا كان التزام NATO بالدفاع الجماعي لا يزال ساريًا , كما انتقد الولايات المتحدة لسحبها المُفاجئ لقواتها من شمال شرق سوريا مما سمح لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بشن هجوم ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتل تنظيم “الدولة الإسلامية”, وبعد أن أفرغ إسقاطاته علي تركيا قال : ” إن الولايات المتحدة وتركيا لم تتسقا تحركاتهما مع أعضاء NATO الذي دعاه الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحفي إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة القوات الفرنسية في مكافحة التطرف في منطقة الساحل , وهي دعوة يعني بها الولايات المتحدة في الواقع فهناك قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا AFRICOM يمكنها أن تقدم هدا الدعم – إن أرادت الولايات المتحدة – وأضاف وكأنه يُخوف أعضاء الحلف من مغبة إنسحاب فرنسي من منطقة الساحل : ” أريد مناقشة بين الحلفاء بشأن التزام ملموس بمكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل والشرق الأوسط , إن فرنسا ستجري مراجعة لتدخلها في إفريقيا هذا الأسبوع بعد مقتل 13 جندياً وبالأمس عقدت أول اجتماع وطلبت من الحكومة وجيوشنا إجراء مراجعة عميقة في الأسابيع المقبلة لبحث سبل تدخلنا ” , وفي ضوء القرارات التي ستتخذها فرنسا من الواضح أن مشاركة أكبر من قبل حلفائها سيكون أمرًا إيجابيًا للغاية ” (يُذكر أن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان قوامه الأقصي 130 ألف عسكري فيما الوجود العسكري الفرنسي بالساحل أو تحديداً في إطار عملية Barkhan العسكرية قوامه 5100 عسكري علماً بأن أفغانستان تمثل 10% من مساحة منطقة الساحل) , كذلك وفي مقابلة صحفية للرئيس الفرنسي MACRON مع مراسل مجلة Economist في 31 أكتوبر 2019 أشار إلي “أن الوقت قد حان لكي تستيقظ أوروبا ” , لكنه عندما سُئل عما إذا كان يؤمن بفاعلية المادة الخامسة التي تعني أنه إذا تعرض أحد أعضاء NATO للهجوم فإن الجميع سيساعدونه وهي مادة يعتقد العديد من المحللين أنها تدعم التأثير الرادع للحلف أجاب الرئيس MACRON: “لا أعرف لكن ماذا ستعني المادة الخامسة غدًا؟ “, علي أية حال يُلاحظ أن المستشارة الألمانية Angela Merkel ردت بحدة غير عادية على ما وصفته بـ “الكلمات القاسية” للرئيس الفرنسي MACRON وأكدت أنها التي لا تشاركه وجهة نظره مُوضحة “أنها لا تعتقد أن مثل هذه الأحكام الشاملة ضرورية فحتى لو كانت لدينا مشاكل وتحتاج إلى التعاون يظل NATO حيويا لأمننا ” , وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي Mike Pompeo ما ذهبت إليه المُستشارة الأمريكية وقال ” أعتقد أن NATO لا يزال يمثل شراكة مهمة وحاسمة وربما يمكن إعتباره واحداً من أهم الشراكات الإستراتيجية في كل التاريخ المسجل” , وكرر ما قاله الرئيس Trumpبأن “تزيد ألمانيا وحلفاء آخرون الإنفاق العسكري وتحقيق هدفNATO المتمثل في 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي” , كما رفض وزيرا الخارجية الألماني Heiko Maas والأمريكي أمام مؤتمر صحفي توصيف الرئيس الفرنسي بأن NATOميت دماغياً .
صحيح أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس Joe Biden وعدت بتجديد روح التحالفات الغربية التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية وبدا ذلك مبدئياً من رفض هذه الإدارة المُبكر لحقبتي الرئيس Trumpولــ Brexitاللتان اتسمتا بالقومية المفرطة , لكن إدارة Joe Biden لم تُشبع بعد رغبة الرئيس الفرنسي فليس معني نداء Joe Biden بروح جديدة للتحالفات الغربية أنها ستكون علي المقاس الفرنسي فللولايات المتحدة تخطيط سياسي وعسكري يتناسب مع المصالح العُليا الأمريكية كما تحددها وثائق الأمن القومي الأمريكي وكلها تعبر عن ثوابت , ولذلك تناضل فرنسا حتي لا تقتلع المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية المُسلحة وجودها العسكري وفرق نهبها المُتواصل لموارد دول الساحل خاصة دول قوة الساحل الخماسية G 5Sahel , ومن بين أوجه هذا النضال تنظيم فرنسا لقمة التمويل الأفريقي بباريس في 18 مايو 2021 بحضور 21 رئيساً من الدول الإفريقية يمثلون مناطق إفريقيا الخمس والتي أعلن الرئيس Emmanuel Macron في ختامها بأنه تم الاتفاق على العمل من أجل إقناع الدول الغنية بحلول أكتوبر2021 بإعادة تخصيص 100 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية الخاصة بحقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي للدول الأفريقية , وبالطبع فهذه المبادرة الفرنسية ليست من أجل سواد عيون الافارقة بل هي دعم لنظم هؤلاء الروساء الذين دمروا إقتصاديات بلدانهم ودعمهم بهذه المبادرة دعم لفرنسا في النهاية بالإبقاء علي من يفتح لهم أبواب السلب والنهب المُنتظم وكذلك فهي محفزات لهؤلاء الرؤساء لإبتلاع الطعم طواعية حتي تظل فرنسا جاثمة علي صدور الدول الاأفريقية خاصة في مستعمراتها السابقة التي مازالت واقعة في داخل مفهوم أعرض وأعمق للإستعمار , ويعني ذلك أن فرنسا مازالت مُصممة علي تحميل الآخرين تكاليف تورطها بالساحل وتوجيه سياسات صندوق النقد الدولي ( قالت مديرة صندوق النقد الدولي Kristalina Georgieva عندما سُألت : “بالنسبة لمبلغ 100 مليار دولار : هل هذا يكفي؟ فلنكن واضحين للغاية أقول لا هذا غير كاف فلدينا فجوة مالية فقط لمواكبة تأثير فيروس كورونا على قارة إفريقيا تبلغ 285 مليار دولار” ) .
(جــيـم) هناك بالفعل إتجاه قوي لدي الإدارة الأمريكية (وزارة الدفاع) نحو إجراء خفض كبير للقوات الأمريكية بغرب إفريقيا وهو ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز لأول مرة في ديسمبر 2020 إذ أشارت إلي أن وزير الدفاع الأمريكي Mark Esper إبان عهد الرئيس السابق Tramp يفكر في تحويل القوات لوجهة أخري معنية بالتركيز علي مواجهة الروس والصينيين بشكل أفضل لكن المشرعين الأمريكيين رفضوا فكرة التخفيض في يناير 2021 بسبب مخاوف من نمو الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة دون وجود القوات الأمريكية هناك لقمعها , كذلك أشارت المُتحدثة باسم البنتاجون إلي : “أن وزير الدفاع أجري مراجعة شاملة لقوات وزارة الدفاع وبرامجها وأنشطتها داخل كل قيادة مقاتلة لضمان التوافق مع أولويات استراتيجية الدفاع الوطني” و كذلك كان قرار الرئيس Trump المُتعلق بإنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان مؤسساً علي أولوية مواجهة الروس والصينيين في جبهة إتسعت لتشمل القارتين القطبيتين الشمالي Arctic والجنوبية Antarctic , فهناك بالفعل استراتيجية صينية مُعلنة للقطبين الشمالي والجنوبي روجت لها الصين في المنتديات الدولية منذ عام 2018 وأكدتها بتدفقات إستثمارية صينية في القطب الشمالي وقامت ببناء غواصات للعمل في Arctic كما أن مستوى استثمارات وأنشطة الصين في Antarctic جعلها في دائرة الضوء (يوجد ما لا يقل عن 513 مليار برميل من النفط والغاز المكافئ في Antarctic) إذ أرسلت الصين 36 بعثة بحثية بهذه القارة , وتشير الإستراتيجية الصينية إلي أن الصين قوة “قريبة” من القارة أو الدائرة القطبية الشمالية Arctic ورسمت بناء علي ذلك “طريق الحرير القطبي” ومسافته ألفي ميل تقريبًا وأنشأت للوصول الفعلي إلي Arctic أسطولاً من كاسحات الجليد القطبية , وهناك عسكرة واضحة للقطبين الشمالي Arctic والجنوبي Antarctic وإن بمنسوب مختلف بينهما وذلك من قبل القوي الكبري الثلاث روسيا والصين من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر , وفي هذا الإطار أعلن قادة الجيش الأمريكي (وزارة الدفاع) عام 2019عن إطلاق استراتيجية القطب الشمالي , أما الدور الروسي في هاتين القارتين فأشير إلي ما أشار إليه موقع Global Security Review في 4 أكتوبر 2020 إذ قال كاتب المقال ” أنه وعلى مدى السنوات الماضية أصبح القطب الشمالي ساحة متزايدة الأهمية سواء من حيث إمكاناته كمنطقة جغرافية للمنافسة الجيوسياسية ومن حيث كونه مصدراً للمخاوف العالمية بشأن تأثير تغير المناخ , وأن القطب الشمالي Arctic لم يلعب في أي بلد دورًا مهمًا كما هو الحال في روسيا التي تعتبره ضروريًا لدفاعها عن الوطن ومستقبله الاقتصادي وقاعدة انطلاق لعرض قوتها في شمال المحيط الأطلسي , يُضاف إلي ذلك أن الكرملين أصدر في مارس 2020 مرسومًا حول القطب الشمالي يمهد لخطط سياسية للأعوام الخمسة عشر القادمة تركز على تصنيع المنطقة والدفاع العسكري عنها , أما علي الجانب الأمريكي فإن الإستراتيجية الأمريكية بشأن القطب المُتجمد الجنوبي حددها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق John Foster Dulles عندما كان يجري التفاوض من أجل صياغة معاهدة Antarctic Treaty إذ كتب وقال : “إن للولايات المتحدة مصلحة راسخة في إبقاء القارة القطبية الجنوبية في أيدٍ صديقة” , وترجمة هذه القاعدة الجيوستراتيجية في وقتنا الحاضر تعني مباشرة أن الولايات المتحدة وحلفاؤها بحاجة إلى التحرك معاً وبلا إبطاء لضمان جعل هذه القاعدة فعالة , ولذلك أعلن الجيش الأمريكي عام 2019عن استراتيجيته في القطب الشمالي بإعتبارArctic جزءاً من الإستراتيجية العامة لوزارة الدفاع الأمريكية , وهذه الإستراتيجية الأمريكية سيكون لها نظير طبعاً فيما يتعلق بالقارة القطبية الجنوبية Antarctica , إذن فجبهة المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلنطي تتسع بشكل غير مسبوق مما يبرر للولايات المتحدة منطقياً مراجعة أولويات تمركزاتها العسكرية علي مستوي العام , وكنتيجة فإن الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان حالياً والعراق وأفريقيا لاحقاً يبرر الإتجاه الإنكماشي للقوات الأمريكية في هذه المناطق وفقاً لتقديرات الخبراء العسكريين الأمريكيين , ولهذا ربما يأتي تصريح وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian في 13 نوفمبر 2020 بأن فرنسا ستوضح لوزير الخارجية الأمريكي Mike Pompeo خلال زيارته لباريس الأسبوع المقبل أنها تعارض انسحابًا أمريكيًا أحادي الجانب من أفغانستان والعراق في ظل الحرب ضد التشدد الإسلام تصريحاً مُستفزاً للأمريكيين المسئولين الأول عن فاعلية حلف شمال الأطلنطي NATO الذي تعتبره فرنسا ميت دماغياً واللافت أنه بالرغم من معارضة فرنسا للإنسحاب الأمريكي من أفغانستان إلا أن هذه المعارضة غير مفهومة إذا تذكرنا أن الرئيس الفرنسي السابق Francois Hollande إتخذ قراراً مماثلاً بسحب القوات الفرنسية القتالية من أفغانستان في نوفمبر 2012 إيذانا بنهاية دورها القتالي في الحرب التي كان يقودها NATO هناك (فرنسا كانت خامس أكبر مساهم بقوة قوامها 3600 عسكري في قوة المساعدة الأمنية الدولية ISAF) , ووقتذاك قال المتحدث باسم الجيش الفرنسي ” اليوم هو نهاية عملياتنا وبحلول نهاية العام ، سيكون لدينا 1500 جندي فرنسي متبقين في أفغانستان في عمليات غير قتالية ” , ويجدر بالذكر أن الانسحاب الفرنسي من أفغانستان كان مبكراً فقد تم قبل عامين من الجدول الزمني الذي وضعه حلف NATO مما عرض فرنسا لانتقادات شديدة من قبل حلف شمال الأطلسي لتسريع إنسحابها .
(دال) بينما تتجنب العسكرية الأمريكية في أفريقيا ممُثلة في قيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM الإعتماد بصفة مباشرة أو ملموسة علي أي تنظيمات عسكرية تابعة للأمم المتحدة أو تنظيمات إقليمية أخري أو أوروبية مثل القوة الخماسية للساحل G 5 Sahel وما تفرع عن وجودها أو غيرها , بل إن AFRICOM تعمل مُتحررة من الإرتباط بهذه التنظيمات العسكرية مثل UNAMID و MINUSMA و MINUSCA , كما أن للولايات المتحدة كيان تابع لقيادتها العسكرية لأفريقياAFRICOM يعمل في منطقة الصحراء الكبري يُدعي Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership وعلاقتها الوحيدة قائمة مع AFRICOM ( التي يعمل في مهامها ما لا يقل عن 6 الآف عسكري أمريكي مُنتشرين في 53 بلد أفريقي) , نجد في الحالة الفرنسية أن الدبلوماسية والعسكرية الفرنسية تقومان بجهد حثيث لإقامة قوة الساحل الخماسية لأسباب مختلفة لكنها في النهاية دعم لعمليتها العسكرية الوحشية في شمال مالي المُسماة Barkhane وقد جردت فرنسا حملة ديبلوماسية في الأمم المتحدة لتأييد مشروع القرار يدعو الأمين العام لاتخاذ الخطوات اللازمة لإبرام “اتفاق فني” في أقرب وقت ممكن بين الأمم المتحدة (بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي MINUSMA) والاتحاد الأوروبي ودول الساحل G5 بهدف تقديم دعم عملياتي ولوجستي خاص لقوة الساحل المشتركة G 5 Sahel وطرحت ذلك في مشروع قرار قدمته فرنسا لمجلس الأمن الذي أجازه بالإجماع وصدر هذا القرارتحت رقم 2391 لعام 2017, وبموجبه يحدد المجلس أن “الدعم لن يُمنح إلا لقوات الدفاع والأمن في دول الساحل الخمس عندما تتدخل في الأراضي المالية في إطار القوة المشتركة” , كذلك يوفر هذا الدعم عمليات الإجلاء الطبي الأولي والثانوي بالإضافة إلى الوصول إلى المواد الاستهلاكية الأساسية (الوقود والمياه وحصص الإعاشة) ، واستخدام معدات الرفع ونقل التربة والمعدات الهندسية للأمم المتحدة ، ووحدات المهندسين النظاميين في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA) للمساعدة في إعداد القواعد التشغيلية للقوة المشتركة في مالي , بالإضافة إلى ذلك يجب أن يتم سداد تكاليف الأمم المتحدة بالكامل من خلال آلية تمويل منسقة تابعة للاتحاد الأوروبي لتنسيق المساهمات الطوعية الدولية لدعم القوة المشتركة ، ويلاحظ أن هذا القرار يؤكد كذلك على أنه “يجب إجراء عمليات القوة المشتركة مع الاحترام الكامل للقانون الدولي بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين ” ( وهو ما لا يحدث فإنتهاكات فرنسا ودول قوة الساحل الخماسية خمس التابعة لها مٍُتمرة دون مراجعة أو حساب من الأمم المتحدة), كذلك فعلت فرنسا لإصدار قرار مجلس الأمن رقم 2480 بتاريخ 28 يونيو 2019 بالإجماع وهو القرارالذي يُجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، لمدة عام واحد ويشدد على ضرورة إحراز تقدم عاجل في تنفيذ اتفاق السلام مع تحقيق إنجازات محددة منتظرة في السنة المقبلة ويوجه رسالة واضحة ألا وهي تعرّض من يحول دون تنفيذ الاتفاق للعقوبات (وهو مالم يحدث بالطبع أيضاً ) ويدعو إلى تحسين التعاون وتبادل المعلومات ودعم القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس من قبل الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى .
مع ان العسكرية الفرنسية تعمل في منطقة من أكثف مناطق العالم عسكرة , إلا أن كل من عملية Barkhane (قد تنضم طائرة المراقبة والاستخبارات الفرنسية الخفيفة الجديدة Vador قريبًا إلى قوات Barkhane , وقبل إنضمامها سترسل هذه الطائرة للقيام بمهمة تجريبية تقنية وتشغيلية في جيبوتي وفقاً لما أشار إليه موقع OpexNews) وقوة الساحل الخماسية ولا حتي قوة تحالف منطقة الساحل ) FC-G5Sالتي يحري بشأنها نقاش حول ضرورة امتثالها للقانون الإنساني الدولي ) وفرقة عمل Takuba المكونة من قوات خاصة من عدة دول أوروبية وتعمل تحت قيادة عملية Barkhane(هناك تمناقشات جارية بين الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECWAS بشأن احتمال نشر 3000 جندي في المنطقة) لم تسجل جميعها منذ بدء عملياتها وإلي يومنا هذا نتيجة حاسمة في مواجهة المقاومة المُسلحة في منطقة عملياتهم أي في مناطق بدول القوة الخماسية , ومازالت عقبة التمويل قائمة وتعترض سبيل كفاءة القوة حسب الجنرال Oumarou Namata قائد القوة الخماسية في مقابلة صحفية معه في 10 يوليو 2020 , وفي تقديري أن الضعف العملياتي للقوة الخماسية مُستقل عن موضوع عدم كفاية التمويل لها , بدليل أن القوة الفرنسية لعملية Barkhane وقوامها 5100 جندي فرنسي لم تحقق هي الأخري حسماً في معركتها ضد هؤلاء , لذلك فالضعف العملياتي الواضح لايُفضل إعتباره نتيجة مباشرة لمشكلة التمويل وحدها وأنه يمثل تحديًا , ففي يوليو 2019 تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 154 مليون دولار لدعم القوة المشتركة وطلب الأمين العام للأمم المتحدة أموالًا إضافية من الهيئة الدولية دعمًا إضافيًا , وهذه الإعتمادية العسكرية الفرنسية الواضحة علي قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel والقوة المُشتركة للساحل FC-G5S وفرقة عمل Takuba وقبلهم بعثة الأمم المتحدة في مالي (MINUSMA) لا شك في أن لها علاقة بمدخلات التخطيط العسكري الفرنسي بمنطقة الساحل كما أن لها أثر سلبي علي أمن المعلومات العسكرية الفرنسية , فتعدد الشركاء يعني بداهة تزايد إحتمالات الإختراق المعلوماتي , وهو وضع تنأي العسكرية الأمريكية عنه لأن التخطيط العسكري الأمريكي معادلته أمريكية محضة , ومن ثم فهناك إختلاف رئيسي بين التخطيط العسكري الأمريكي والفرنسي فالتخطيط الأمريكي مُستقل وغير إعتمادي فيما التخطيط الفرنسي إعتمادي ولهذا تأثير مُتراكم في طبيعة الخطط والقدرة علي تقييم النتائج والمحاسبة .
(هـــاء) لا أحد يصدق أن كل الدول أعضاء حلف شمال الأطلنطي مع تطبيق الديموقراطية في العالم الثالث وأفريقيا علي نحو خاص وتنطبق هذه الحقيقة الشائعة بالطبع علي روسيا والصين قبل دول NATO , أما بالنسبة لفرنسا فيقترن بهذه الحقيقة أفعال بشعة تقترفها الدبلوماسية والعسكرية الفرنسيتين في أفريقيا , ففي الفضاء الفرانكفوني الأفريقي لا إنقلاب عسكري يطيح بنظام قائم فيه إلا ولفرنسا يد فيه , فأفريقيا المُستباحة عانت من الإنقلابات العسكرية منذ إستقلالها فمنذ 23 يوليو 1952 حتي 2004 نُفذ 73 إنقلاب عسكري بأفريقيا 2004 بدون حساب 27 محاولة إنقلاب عسكري فاشل , هذا بالإضافة إلي شبهات طالت فرنسا في التدخلات السياسة داخل الدول الأفريقية الفرانكفونية بصفة خاصة سواء علي صعيد تكوين الأحزاب أو العمليات الإنتخابية المختلفة , هذا بالإضافة إلي سمعة فرنسا السيئة في قضية إستغلال الموارد الأولية التي وصلت إلي حد وصفها بالسرقة والنهب ومن بين أمثلة ذلك يورانيوم النيجر والذي من أجله دبرت فرنسا إنقلاب أطاح برئيس النيجر Mamadou Tandja أطاح به في 18 فبراير 2010 وبعده إنقلاب مالي الذي أطاح برئيسها Amadou Tomani Toure في 22 مارس 2012 قبل شهر من إنتهاء ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة لمجرد أنه إختلف مع الفرنسيين في أسلوب التعامل مع من تصفهم فرنسا بالإرهابيين ثم إنقلاب أغسطس 2020 الذي إنتهي بإنقلاب آخر في 25 مايو 2021 , ويشاء الله تعالي أن يفضح إزدواجية المعايير الفرنسية ففي 20 أبريل 2012 وقع حليفهم المطيع إدريس ديبي صريعاً في Kanem بشمال تشاد عوهو يدافع عن نظامه المؤبد لثلاثين عاماً في تشاد , وإذا بالعسكريين التشاديين بقيادة أبنه الجنرال محمد إدريس ديبي يترأس مجلس عسكري يمنح السلطة لنفسه بنفسه ويسلبها من رئيس البرلمان الذي وفقاً لدستور تشاد عبيه تولي السلطة الإنتقالية لأربعين يوماً يُنتخب بعدها رئيس مدني لكن فرنسا أيدت ودعمت تولي المجلس العسكرية السلطة لفترة إنتقالية مداها 18 شهر كافية لطبخ نظام يتفق والمطبخ الفرنسي , وعلي العكس تماماً عارضت فرنسا الإنقلاب العسكري الذي أطاح بإنقلابيين آخرين في مالي 25 مايو 2021 والسبب هو رفض فرنسا للإنقلاب الذي تتوقع فرنسا أن ينتهج النهج الذي وصفه الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron بالإسلام الراديكالي , بل إنه هدد بأن فرنسا ستسحب قواتها إذا سارت مالي “في اتجاه” الإسلام الراديكالي وكأنه يتصور أن العسكرية الفرنسية مُرحب بها في هذا البلد أو في جواره حيث النيجر ؟ مُشيراً إلي أنه أنه بعث برسالة إلى زعماء غرب إفريقيا بأنه “لن يظل إلى جانب بلد لم تعد فيه شرعية ديمقراطية ” ولفرط غروره قال “نأتي لإنقاذ ودعم دولة ذات سيادة حتى لا يتم زعزعتها أو غزوها من قبل المتمردين والجماعات المسلحة , ونحن نطالب بالانتقال والشمول السياسي” وكأن فرنسا بدبلوماسيتها التي تتحرك كالحرباء وعسكريتها التي تعيد نسخة أخري من المجازر التي إقترفتها في سني حرب التحرير الجزائرية لا تختلف عن من تتهمهم زوراً بالإرهاب بدلاً من أن تعترف بالهزيمة بالنذر اليسير من الكرامة قبل أن يضطرها من يرفض وجودها العسكري وإستغلالها الإقتصادي في عموم الساحل لإخراجها خروجاً ذليلاً .
الموقف الفرنسي أصبح شديد الحرج لفرنسا في تشاد ومالي والنيجر علي نحو خاص ولن ينقذها سوي الإنسحاب دون قيد أو شرط من عموم الساحل كما إنسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان , فإذا نظرت فرنسا لوجهها في مرآة ستجد أن وجهها أصبح دميماً وقد يدفعها ذلك إلي تحطيم المرآة , ومن الواضح أن الولايات المتحدة إنسحبت من أفغانستان حتي تتفرغ لأعداء حقيقيين هما الصين وروسيا أما فرنسا فإنها إذا ما أنسحبت من منطقتي الساحل والصحراء فإلي أين تراها ذاهبة ؟ الإجابة إلي فرنسا , فلا وجهة أخري لها فالحجم والقدرة العسكرية والسياسية لفرنسا يمكناها بالكاد بالحركة في هاتين المنطقتين فقط حيث يأخذ بيدها هناك رؤساء ضعفاء تشربوا الروح الفرنسية , لهذا لا يمكن توقع إلتقاء عملي بين التخطيط العسكري الأمريكي والفرنسي كما سبق وأوضحت ذلك .
ما تفعله فرنسا في منطقتي الساحل والصحراء من مجازر وجرائم أُشير إليها في تقرير أممي لا يختلف عن ما يفعله الكيان الصهيوني في فلسطين المُحتلة خاصة في غزة , ولذلك لا يمكن التعويل علي المواقف الفرنسية (ولا حتي مواقف بعض العرب المُستعربة) فيما يتعلق بقضية فلسطين ولا في غيرها , فما قاله الجنرال Francois Lecointre رئيس أركان الجيش الفرنسي لصحيفة Le Figaro عن تقرير الأمم المتحدة عن الضربات الجوية في مالي التي أسفرت عن مقتل 19 مدنيا في مالي وهم في حفل زفاف ووصفه للتقرير بأنه مُنحاز يؤكد للمرة الألف أن هذا الصنف من البشر لا خلاق له ولا فائدة تُرجي من أي جدال معه .
إن إستمرت العسكرية الفرنسية في وضع تخطيط عسكري يهدف إلي البقاء في منطقتي الساحل والصحراء إعتماداً علي بعثة الأمم المتحدة في مالي MINUSMA أو قوة الساحل الخماسية المُشتركة G5 Sahel و FC-G5S ومعهما فرقة Takuba للإتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا لن يجدي فالمقاومة مُستمرة للتخلص من بقاء الفرنسيين تحت أي عنوان فكما إنسجبت الولايات المتحدة وحلفاءها عسكرياً من أفغانستان ستفعل فرنسا مُكرهة رغم أنها للآن ترفض التفاوض مع من بقاومونهم لكنهم في النهاية مُنسحبون فالأرض في نصرة أصحابها دائماً طالما دافعوا عنها وهم فاعلون .
.
رابط المصدر: