التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية –الاوكرانية

اعداد : دنيا محمد البنا – باحثة في العلاقات الاقتصادية والدولية

 

تمثل الأزمة الروسية الأوكرانية تجسيدا لصراع القوي العظمي وصناع القرار في العالم فلطالما عملت هذة القوي علي احكام قبضتها علي السلطة لقيادة العالم والتحكم فيه و تنفيذ مبدأ الهيمنة وتوسع نفوذها فيما يخدم مصالحها الخاصة، وتختلف هذه القوي مع اختلاف الأقطاب المتنافسة علي السلطة ويترجم ذلك حاليا في الصراع الناشئ بين روسيا ودول الغرب علي أوكرانيا بصورة خاصة باعتبارها البوابة الرئيسية بينهما لما تمثله من أهمية جيواقتصادية وجيو سياسية وتمثل الحرب الروسية الأوكرانية بداية الحرب الباردة مما ترتب علبها من أزمة اقتصادية عالمية نتيجة للدور الرئيسي الذي تلعبه الدولتين في مجال الغذاء والطاقة فهما عصب الاقتصاد العالمي وخاصة أوكرانيا كدولة منتجة لأهم السلع الأولية وكمنطقة تجارية وصناعية وسياسية فعالة باعتبارها الشريان للغذاء والطاقة بصورة مباشرة وغير مباشرة تمثل ذلك في توقف الجانب الاستيرادي لمعظم الدول من حيث الغذاء كالقمح والذرة والصلب والصناعات الزيتية والغاز الطبيعي والنفط ونقص كبير في المكونات الاساسية للسلع الاستهلاكية واختلال التجارة العالمية  وبالتالي تدهور في الاسواق العالمية وارتفاع الاسعار وحدوث نوع من الركود التضخمي واخلال التوازن في اقتصاديات الدول وارتباك في أسعار العملات وانخفاض في قيمتها الشرائية ومع فرض العقوبات علي روسيا تفاقمت الازمة الاقتصادية والسياسية وزيادة الخطر الغذائي والأمني .

  • الجذورالسياسية والعسكرية للأزمة الروسية – الأوكرانية:-

وفيما يتعلق بالجذور التاريخية للأزمة، يري متخذ القرار الروسي أنه إذا أرادت أن روسيا تستعيد مكانتها كقوة عالمية وكقطب مؤثر علي الصعيد الدولي أن لا تُمكن الغرب من أوكرانيا وأن تمد سيطرة نفوذها علي “الجوار القريب” فأوكرانيا تمتاز بما لديها من موقع جغرافي يجعلها مطمع استراتيجي سياسياًوعسكرياًواقتصادياً، فهي تمثل الحجاب الحاجز للتأثيرالغربي وفي سياق جوهر الأزمة الأوكرانية فإنها تتمثل في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وضريبة هويتها الاستقلالية عن روسيا الاتحادية، وتعود جذور الأزمة في أوكرانيا إلي اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس”فيكتور يانكوفيتش” الموالي لروسيا الاتحادية لتوقيعه اتفاقية مع موسكو نص علي منح أوكرانيا 51مليار دولار، وخفض أسعار الغاز الطبيعي إلي الثلث، إلا أن جذورالأزمة أعمق من ذلك ففي21نوفمبر2004 اندلعت “الثورة البرتقالية” تأييداً لمرشح المعارضة”فيكتور يوتشكو” الموالي للغرب واعتراضاً علي تزويرالانتخابات نتج عن ذلك ارتفعت حدة الوتر وتفاقم الشرخ الذي قسم البرلمان الأوكراني و زيادة الشريحة البرلمانية المؤيدة للغرب، وتفاقمت الأزمة في عام2009 مع رفع روسيا لأسعار الغاز الطبيعي وايقاف امدادات منه لأوكرانيا متزامناً مع الأزمة العالمية ذلك ما كشف عن مايمكن لروسيا أن تحدثه من تداعيات خطيرة في أوكرانيا، في عام 2010 بدأت العلاقة بين روسيا وأوكرانيا في الاستقرار كسابق عهدها مع فوز “يانكوفيتش” وإعادة اللغة الروسية كلغة رسمية لأوكرانيا مرة أخري ، واندلعت الأزمة الأوكرانية مرة أخري في ديسمبر2013 مع رفض يانكوفيتش توقيع اتفاقية التجارة الحرة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي ونتيجة لذلك جاءت اتفاقية موسكو كما ذكرنا سابقا إلا أن ذلك أثار امتعاض المعارضة وقيام الاحتجاجات وشهدت أوكرانيا تحولاً من الحزب الحاكم الي المعارضة ولمحاولة تجنب حدوث حرب أهلية أقيلت حكومة “يانكوفيتش” واقرار البرلمان باعادة دستور2004 الذ ينص علي تحديد سلطة الرئيس وتعزيز سلطة البرلمان وأُوكلت مهام رئيس الجمهورية لرئيس البرلمان وعزله من منصبه بتصويت الأغلبية.

استغلت روسيا الفوضي التي عانت منها أوكرانيا أنذاك لتقوم بالتدخل العسكري في شبه جزيرة القرم بحجة حماية المواطنين أصحاب الاصول الروسية حيث أن المناطق الشرقية لأوكرانيا يقيم فيها نسبة كبيرة منهم مما أثار التدخل الروسي الغضب الأمريكي و الأوروبي، وباشرت روسيا عملياتها العسكرية بارسالها قوة عسكرية محدودة إلي شبه جزيرة القرم وتمكنت من السيطرة عليها بدعم من مليشيات محلية للمناطق التي تتمركز فيها قواتها وقامت بفرض الحصار علي القوات الأوكرانية وفي نطاق ذلك تبين السبب الرئيسي المباشر لروسيا وهو انتزاع القرم من أوكرانيا بطريقة عسكرية ممنهجة في وقت قصير وتحقيق أدني كم من العنف ومع إجراء استفتاء شعبي قامت به الحكومة المحلية في شبه جزيرة القرم نتج عن أغلبية الأصوات رغبة سكان القرم في الانضمام الي روسيا الأتحادية بنسبة 95% من الناخبين، وتعتبر شبه جزير لبقرم موقع متميز يُمكن روسيا من تعزيز سيطرتها في منطقة البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط باعتبار مدينة سيفاستوبول هي القاعدة الأساسية لأسطول البحر الأسود، رفضت الحكومة الأوكرانية انضمام القرم لروسيا واعتبرت ذلك مخالفا للقانون الدولي الذي يشترط موافقة السلطة المركزية علي الاستفتاء، تم اجراء عدة محاولات لحل الأزمة تمثل ذلك في اتفاقية “مينسك الأولي” التي ضمت ممثلين من كييف وموسكو والانفصاليين الموالين لروسيا لغرض التوصل الي حل سلام لوقف اضلاق النار في شرق أوكرانيا وتم توقيع الاتفاق في بيلاروسيا بين أوكرانيا وروسيا وألمانيا في 2015 تقضي الوقف الفوري لاطلاق النار في مناطق محددة في شرق أوكرانيا وسحب الأسلحة الثقيلة واقامة منطقة عازلة وتم تنفيذها بحزم، الا أن الأوضاع وان كانت في ظاهرها مستقلة الا أن في باطنها متوترة وذلك منذ أزمة القرم حيث كشفت عن أبعاد روسيا الحقيقية وسبب اهتمامها الأساسي لأوكرانيا وأيضا كشت عن جوهر هتمام حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية  بأوكرانيا فمنذ استقلال أوكرانيا وأصبحت هدفاً لحلف شمال الأطلس حيث عمل الحلف علي ضم دول سوفيتية سابقة طيلة العقدين الماضيين ، ومع محاولاته لضم أوكرانيا كان علي روسيا أن تحدد موقفها وخياراتها لما يهدد أمنها عسكرياً واقتصادياً وكانت معارضة روسيا لتويع حلف شمالي الاطلسي نتيجة لأسباب عدة:  منها أن توسع الناتو شرفا يهدد روسيا الاتحادية والذي يعني نشر القوة العسكرية الغربية و بقيام الولايات المتحدة بنشر الجرع الصاروخي علي أراضي كل من بولندا والتشيك تم تأكيد مخاوفها كما يخالف ذلك الوعود التي اعطتها الناتو لروسيا منذ توحيد ألمانيا ، ونتيجة للتحرك الغربي الذي أثار قلق روسيا ويهدد الموارد الطبيعية الحيوية الذي يمنعها من توسيع نفوذها  لأغراضها السياسية والتجارية، فكانت خطوات روسيا الأولي بأن تقوم بانشاء شبه دول داخل الأراضي الأوكرانية تمثل ذلك في جهوريتي” دونيستك ولوهانسك الشعبيتين” ومع  موافقة الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” في 14سبتمبر2020 علي استراتيجية الأمن القومي الجديدة لأوكرانيا التي تنص علي (تطوير شراكة مميزة مع الناتو بهدف الحصول علي عضوية داخل الحلف) ، وفي مارس 2021 وقع زيلينسكي المرسوم رقم 117/2021 بالموافقة علي (استراتيجية إنهاء الاحتلال وإعادة دمج الأراضي المحتلة لجمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي ومدينة سيفاستوبول).

وفي16مارس بدأ الناتو بنوع من العمليات العسكرية المعروفة باسم” ديفيندر يوروب2021″ وهي تعد أكبر التدريبات العسكريات التي تقودها الناتوفي أوروبا وانتقدت روسيا حلف الناتو لعمليد ديفيد يوروب وقالت وفي ابريل 2021 قامت روسيا بنشر حوالي100000جندي ومعدات عسكرية بالقرب من حدودها الغربية مع أوكرانيا ردا علي المناورات العسكرية للحلف مما أثار مخاوف الغرب من وقوع حرب محتملة واندلاع أزمة دولية ورصد الأقمار الصناعية علي مدار شهور حركة للصواريخ والدروع والأسلحة العسكرية الثقيلة وفي ديسمبر2021 قامت روسيا بتقديم معاهدتين تنصان علي الضمانات الأمنية وتعهد ملزم قانونيا بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتووخفض عدد قوات الناتو وخفض المعدات العسكرية المتمركزة في أوروبا الشرقية وفي حالة الرفض ستقوم بالرد العسكري غير المحدد وبالفعل قامت الولايات المتحدة بالإضافة لحلف الناتو بالرفض ما دفع الرئيس” فلاديمير بوتين” في 24فبراير2022  لشن عملية عسكرية روسية في إقليم دونباس شرق أوكرانيا وخلال الساعات الأولي من الغزو الروسي أعلنت روسيا تدمير أنظمة الدفاع الجوي للقوات المسلحة الأوكرانية ولازال الوضع في تفاقم عالمي والحرب مستمرة، ويلخص “هنري كيسنجر وزير الخارجية المريكي في رئاسة ريتشارد نيكسون 1969-1974″ (ذلك بالتأكيد إن أوكرانيا لا تعد بلداً أجنبيا بالنسبة لروسيا اذ بدأ التاريخ الروسي فيما كان يعرف ب (كييفروس) وانتشرت الديانة التي يعتنقها الروس هناك، كما كانت أوكرانيا جزءا من روسيا لعدة قرون وخاضا سوية العديد من المعارك منذ مطلع القرن الثامن عشر، وعلى ارض أوكرانيا استقر الأسطول الروسي في البحر السود، باختصار ان اوكرانيا جزء من التاريخ الروسي.

  • آثار الأزمة الروسية –الأوكرانية علي الجوانب الاقتصادية العالمية:-

تحتل كلاً من روسيا وأوكرانيا مكانة هامة في الاقتصاد العالمي ،و وفقاً لوكالة الطاقة الدولية فان روسيا ثالث أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وأكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم وثاني أكبر مصدر للنفط بحوالي 5 مليون برميل نفط يومياً، تعتبر روسيا أكبر مصدر للقمح وأكبر منتج بعد الصين والهند في العالم ، كما أن روسيا تعد موردا رئيسيا للمنتجات الكيميائية كالأسمدة والمعادن والنتجات الخشبية ووفقاً لإحصائيات البنك الدولي فإن النسب المئوية لأهم الصادرات الروسية من الصادرات العالمية تتمثل في الغاز الطبيعي نحو 25.3%، النفط الخام 11.4%، القمح 18%، البلاتينيوم 23%، النيكل 22.5%،الألمونيوم 10%، الفحم الحجري 18%، الأسمدة 14%، البلاتين 14% ووفقا لما سبق فأن روسيا تتمتع بالثروات الطبيعية التي تجعلها تحتل المراتب الأولي في إنتاج  وتصدير المعادن بالاضافة الي صناعتها العسكرية التي مكنتها من تصدير الأسلحة  وعضواً مهماً ضمن مجموعة البريكسBRICS.

رغم أن الاقتصاد الأوكراني ليس بنفس حجم الاقتصاد الروسي إلا أنه يحتل مكانة اقتصادية مهمة من حيث حجم الانتاج وحجم الصادات للسلع الاساسية في السوق الدولية ، حيث أن اقتصاد أوكرانيا يقوم علي امتلاكها الوافر للثروات الباطنية الهامة علي رأسها خامات الفحم الحجري والحديد ومصادر الطاقة من الغاز والكهرباء والنفط مما ساعدها ذلك علي تطور الكثير من الصناعات فيها خاصة الصناعات الثقيلة والصناعات التعدينية وصناعة الآلات فأوكرانيا تمتلك حوالي أكثر من 130 مصنعا لانتاح الحديد الذي بدوره يوفر المواد الحديدية اللازمة للصناعات الأخري أهمها صناعة الآلات المتعددة كصناعة السفن والمعدات و الآلات الزراعية ، وتحتل الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية مكانة هامة في أوكرانيا حيث يعتمد عليها لانتاج الأسمدة الكيماوية ومنها الأزوتية الضرورية لتطوير الزراعة في البلاد فأوكرانيا تحتل المراتب الأولي في انتاج وتصدير السلع الغذائية التي تعتبر السلع الأساسية للعديد من البلدان ، وتتمثل نسبة الصادرات الأوكرانية من الصاردات العالمية في زيت عباد الشمس والتي تقارب حصتها النصف من التجارة العالمية نحو 40.38%، والذرة  13.4%، القمح 5.25%.

مما سبق تبيّن أن روسيا و أوكرانيا تؤثران بشكل كبير علي الاقتصاد العالمي من خلال دورهما كموردين أساسين في عدد من أسواق السلع الأساسية فتمثلان معا نحو مثلان معا نحو 30% من الصدرات العالمية للقمح ، 11 % من النفط ، 20% من الذرة و الأسمدة المعدنية والغاز الطبيعي ، وفي ظل وجود الحرب وفرض العقوبات علي روسيا أدي ذلك الي  العديد من التبعات الاقتصادية ليس عليهما فقط  بل علي اقتصاديات دول العالم وذلك نتيجة للعلاقات الاقتصادية واندماج الدول عبر حدودها من خلال التجارة الدولية فاصابة طرفي النزاعي يعني اصابة الجميع ، تتمثل العقوبات المفروضة علي روسيا  في استبعاد 7 بنوك روسية من شبكة سويفت العالمية وذلك بموجب لوائح الاتحاد الأوروبي ، قيام بريطانيا بتجميد أصول بنكية روسية واستبعادها من النظام المالي البريطاني وتجميد أموال الشركات والحكومات الروسية العاملة في الاسواق البريطانية وتم وضع حد أقصي لإيداع المواطنين الروس في البنوك ومنع الشركات العاملة في السوق البريطاني من اجراء أي تحويلات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية وفرضت عقوبات ضد عدد من البنوك الروسية وشخصيات معروفة في النظام الحاكم في روسيا ، وتمثلت العقوبات الاقتصادية في منع الطيران الروسي من الطيران فوق الأجواء الأوروبية او الهبوط علي المطارات الأوروبية ، فرض قيود علي الصادرات الروسية ووقف تراخيص الاستيراد والتصدير من روسيا وخاصة الي بريطانيا من حيث مواد التصنيع العسكري وتكرير النفط ، تم منع دخول مايزيد علي نصف الواردات الروسية من السلع ذات التنقنية العالية الي الأراضي الأمريكية ، وفي ألمانيا تم وقف تصاريح تشغيل نورد ستريم 2 الروسي لتصدير الغاز الي أوروبا.

وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي : فإن الاقتصاد العالمي بأكمله سيشعر بآثار الحرب الروسية الأوكرانية وذلك بتباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم ، تتمثل آثار الأزمة الروسية الأوكرانية علي الاقتصاد العالمي في جوانب رئيسية أهمها ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وارتفاع أسعار السلع الأولية مسبِباً ارتفاعا كبيرا في معدل التضخم ( الركود التضخمي) الذ ي يتمثل في انخفاض كبير في جانب الطلب وانخفاض القيمة الشرائية للدخول، ضعف ثقة المستثمرين ومجتمع الأعمال وخروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة وارتباك أسعار العملات وتدهور التجارة العالمية لضعف حركة الاستيراد والتصدير وبالتالي تدهور الأسواق العالمية بالاضافة لزيادة عدد اللاجئين وارتفاع سعر الفائدة  ،  تمثل الطاقة قناة رئيسية لانتقال التداعيات من روسيا الي اوروبا فهي المصدر الأساسي لواردتها من الغاز الطبيعي فوفقا لاحصائيات منظمة الأوبك لعام 2020 فان المانيا تستورد نحو 16% وفرنسا نحو 6% وتركيا 6%بالاضافة لباقي دوب منطقة اليورو ومع انقطاع سلسلة الامدادات وتوقف حركة الغاز وانخفاض المهروض وزيادة الطالب أدي ذلك الي ارتفاع أسعار الطاقة  وارتفاع في معدلات التضخم وزيادة الضغوط المالية وضعف مصادر التمويل تراجع ثقة المستثمرين وزيادة عدد اللاجئين ، وفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين نتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا فرار حوالي 6.8 مليون أوكراني من بلادهم ونزوح 7.7 مليون داخل البلاد صوب الدول المجاورة وبلغ عدد اللاجئين الي داخل الدول الأوروبية نحو 3 مليون علي الأقل ، أعلنت برنامج الغذاء العالمي عن أزمة الغذاء العالمية التي تغذيها الصدمات المناخية والصراعات وجائحة كوروناCOVID.19 تتزايد بسبب الاثار الناتجة عن الحرب التي أدت الي ارتفاع أسعار الغذاء والأسمدة والوقود وتوقف حركة صادرات أوكرانيا ، تقوم الأسواق الدولية للسلع الأولية علي العرض والطلب والعالمي ويحدث الاستقرار والتوازن للاقتصاد اذا كان كلاهما يسيران بشكل انسيابي والعكس صحيح، تسببت الحرب في انخفاض كبير في المعروض العالمي من الغذاء والطاقة مسببا ارتفاع معدل التضخم العالمي الي 7.8%.

بسبب السياسة التوسعية التي اتبعتها دول العالم أثناء جائحة كورونا  ومع ارتفاع معدلات التضخم العالمية والعقوبات المفروضة علي روسيا قامت الولايات المتحدة الأمريكية  برفع سعر الفائدة لخفض معدل تضخمها مسببا ذلك في سحب السيولة المالية من الاسواق وهروب الاموال السخنه لها لزيادة الطلب علي الدولار من قبل المستثمرين من أجل الحصول علي فائدة أعلي وبالتالي زيادة في أعباء الاستثمار وحدوث التضخم الركودي ، لأول مرة منذ استقرار اليورو لقرابة 20 عاما الا أنه هبط دون دولارا واحدا .

من المحتمل أن تنكمش معدلات النمو العالمي لتصبح نحو 3.2% خلال العام الجاري حسب توقعات البنك الدولي ، لعل اقتصاديات منطقة آسيا الوسطي وأفريقيا من أكثر الاقتصاديات تأثرا مقارنة بباقي الدول بالاضافة الي الاقتصاديات الناشئة والصغيرة ففي آسيا الوسطي انخفض معدل النمو الاقتصادي لما يقرب من 2% في عام 2022 بعد أن كان قد بلغ 5.1% عام 2021.

  • آثار الأزمة الروسية – الأوكرانية علي جوانب الاقتصاد المصري:-

” 465 مليار دولار تكلفة تداعيات الحرب علي الاقتصاد المصري كتداعيات مباشرة أو غيرمباشرة” ،تعد روسيا وأوكرانيا المصدرين الرئيسين لتوريد القمح لمصر بالإضافة أنهما مصدرين رئيسين لتدفق السياح الأجانب لها، تعتمد مصر في تلبية احتياجاتها من القمح علي روسيا و أوكرانيا بنسبة 42 % كما تمثل نسبة السائحين الوافدين منها نحو 31% ، احتلت روسيا المركز(11)  في قائمة أهم الشركاء التجاريين لمصر عام 2020-2021 بقيمة تبادل تجاري 3.3 مليار دولار منها 3.1  مليار دولار واردات حسب بيانات البنك المركزي المصري ، وبلغ التبادل التجاري بين مصر وأوكرانيا خلال عام 2020 نحو 1.6  مليار دولار، تستحوذ روسيا علي 69.4 % من اجمالي واردات مصر من القمح حيث سجلت قيمة واردات مصر منها نحو 1.2 مليار دولار بكمية 4.2  مليون طن، وتستورد مصرالقمح  من أوكرانيا بقيمة 649.4 مليون دولار بكمية 651.4  ألف طن ، ووفقاً للمؤشرات الاقتصادية لعام 2022 نلاحظ أن الاقتصاد المصري تضرر بشدة عقب اندلاع حرب أوكرانيا حيث ارتفعت مستويات المخاطر المالية والأعباء المعيشية وتأثرت بعض الأنشطة الاقتصادية مثل قطاع الاستيراد والتصدير، والسياحة ، والاستثمارات الأجنبية المباشرة ، والأموال المستثمرة في أدوات الدين الحكومية كالسندات وأذون الخزانة ، كما تضرر سوق الحبوب في مصر، ومع حصار الجيش الروسي لموانئ التصدير الأوكرانية وتوقفها عن تصدير الحبوب أدي الي ارتفاع أسعار االقمح في الأسواق الدولية ، ما أثار قلق الحكومة المصرية التي عملت علي سرعة الاستعانة بالمؤسسات المالية العربية والدولية للحصول علي تمويل ضخم يُمكنها من شراء الأغذية والوقود بالأسعار المرتفعة، وعلي الرغم من سعي مصر لتأمين تكاليف الغذاء وتخفيف تداعيات الحرب الا أن ذلك لم يقلل من قلق المؤسسات  المالية الدولية من الوضع الاقتصادي في مصر فقد أفادت مديرة الصندوق الدولي “كريستالينا غورغييفا” في 21أبريل 2022 بأن أوضاع  الاقتصاد المصري تتدهور، وأن البلاد بحاجة إلي الاستقرار المالي  والاستمرار في الاصلاحات، إلي جانب الحاجة إلي برنامج تابع لصندوق النقد الدولي يحمي الفئات الضعيفة.

ومع استمرارية مدة الحرب ازدادت حدة الأزمة الاقتصادية في مصر ناتجة عنها انخفاض في القيمة الشرائية للجنية المصري مقابل الدولار بسبب انسحاب الاموال الساخنه من مصر وانخفاض إيرادات السياحة وارتفاع تكلفة الواردات الخارجية منها الوقود والأغذية بالاضافة للضغوط التي مارسها صندوق النقد الدولي وزيادة الطلب علي الدولار انخفض قيمة الجنية وارتقاع سعر الدولار ليصل الي مايزيد علي 24.30 جنيها في نوفمبر 2022 ، تراجع الاحتياطي االنقدي من العملات الأجنبية لدي البنك المركزي المصري بانخفاض قدره 9.5 % ليصل الي 37.08 مليار دولار في نهاية مارس 2022 ومع الضغوط المالية تراجع الاحتياطي النقدي ليصل الي 33.198 مليار دولار في 33.198 مليار دولار في نوفمبر 2022  ، كما تجاوز معدل التضخم مستويات ال 25% ليصل الي 31.2 % علي أساس سنوي، كما تأثرت التجارة الخارجية لمصر، فقد ارتفع عجز الميزان التجاري، ورفعت من تكلفة الواردات علي الموازنة العامة، فقد تضاعفت فاتورة استيراد القمح من 2.7 مليار دولار في عام 2021 ، الي  4.4 مليار دولار في عام 2022  كما تضاعفت تكلفة واردات النفط من 6.7 مليار دولار الي 11.2 مليار دولار في عام 2022 ، مع زيادة حجم الديون المحلية وارتفاع أعباء الدين الخارجي وتراجع معدل النمو الاقتصادي بنسبة4.8 % خلال السنة المالية 2022-2023 وخفَض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن نمو الاقتصاد المصري ليصبح 4.4 % في عام 2023.

الخاتمة:-

يمكننا القول أن القوي العظمي تعمل علي فرض هيمنتها ومع بداية الحرب الروسية الأوكرانية أثبتت قوتها ومدي قدرتها لفرض سيطرتها  وبداية نمط جديد يؤثر علي توازن القوي ، وصاحبة تأثير واضح علي الاقتصاد العالمي ،ولعل روسيا تتحدي العالم الغربي باستغلالها لسلاح الطاقة الذي يعطيها قوي استراتيجية مهمة، ومما سبق يمكننا القول أن العامل الاقتصادي سلاح مهم لأي دولة حيث يعطيها قوة إقليمية واستراتيجية مهمة، وعلي أي دولة بناء اقتصادها مستغلة كافة مواردها الطبيعية والبشرية بالشكل الأمثل لتحقيق كفاءة انتاجية وأن تصبح الدول صاحبة اقتصاد منتج لاتطبق مبدأ التبعية ، أشارخبراء صندوق النقد الدولي إلى أهمية وجود شبكة أمان عالمية ووضع ترتيبات إقليمية لوقاية الاقتصادات من الصدمات فعلى الدول الأخذ بمبدأ الحيطة وتجنب مختلف الضغوطات التي قد تنجر عن أسباب أمنية أو سياسية والتي من الممكن أن تؤثر على الجانب الاقتصادي، كإقامة شراكة اقتصادية مبنية على أساس التنوع في الأطراف وإقامة شبكات خاصة بها لتحويل الأموال تعمل بكفاءة وتكوين احتياطات نقدية أجنبية تساعدها على التقليل من آثار الأزمات.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=89762

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M