التداعيات السيكولوجية لتغير المناخ (1): لمحة على المخاطر والمسببات وآليات التكيف

نسرين الشرقاوي

 

ربما تعد أزمة تغير المناخ من أكبر التحديات في تاريخ البشرية، إذ تُعد قضية بيئية عالمية تتطلب تغييرًا واسع النطاق في السياسات وتغييرًا مجتمعيًا منسقًا لجميع قطاعات النظام الاجتماعي والاقتصادي الحالي تقريبًا، من أجل التخفيف من هذه الظاهرة والتكيف معها.

ففي الواقع، تغير المناخ هو التحدي العالمي الملحمي الذي يواجه البشرية، لذلك يمكن النظر إليه على أنه مجموعة من القضايا الفرعية التي تتفاعل بطرق معقدة تمس العديد من مجالات القضايا الموجودة مسبقًا داخل الأنظمة السياسية. لذا فمعركتنا ضدها تتطلب ليس فقط تغيير سياسي واقتصادي وإنما أيضًا تغيير سلوكي واجتماعي ونفسي؛ لأن تغير المناخ معقد للغاية ومتعدد الأوجه، فلا يوجد حل سياسي وحيد “كرصاصة فضية” يمكن أن يحل المشكلة؛ ولكن تتطلب القضية دعم عام بين مجموعة من السياسات المختلفة للتخفيف من المشكلة والتكيف معها.

لمحة عامة

يشمل تغير المناخ التغيرات في درجة الحرارة وأنماط هطول الأمطار وتواتر وشدة بعض الظواهر الجوية وغيرها من سمات النظام المناخي، فقضية المناخ قضية معقدة؛ إذ نجد أن درجات الحرارة العالمية ارتفعت بنحو 1.98 درجة فهرنهايت (1.1 درجة مئوية) خلال الفترة من عام 1901 إلى عام 2020، علمًا بأن تغير المناخ يشير إلى أكثر من زيادة في درجة الحرارة، فشمل أيضًا ارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات في أنماط الطقس مثل الجفاف والفيضانات وغير ذلك الكثير.

وكل هذا يؤثر على مختلف قطاعات المجتمع، فيمكن أن يؤثر الجفاف سلبًا على إنتاج الغذاء وصحة الإنسان. ويمكن أن تؤدي الفيضانات إلى انتشار الأمراض وإلحاق الضرر بالنظم الإيكولوجية والبنية التحتية. ويمكن أن تؤدي قضايا صحة الإنسان إلى زيادة معدل الوفيات، والتأثير على توافر الغذاء، والحد من إنتاجية العمال.

ورغم أن تأثيرات تغير المناخ تظهر في كل جانب من جوانب العالم الذي نعيش فيه، إلا أننا نجد أن تأثيرات تغير المناخ غير متساوية في جميع أنحاء البلاد والعالم – حتى داخل مجتمع واحد، يمكن أن تختلف تأثيرات تغير المناخ بين الأحياء أو الأفراد. ويمكن لأوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية الطويلة الأمد أن تجعل الفئات المحرومة، والتي غالبًا ما تكون الأكثر تعرضًا للأخطار وأقل الموارد للاستجابة، والأكثر عرضة للخطر.

وإذا تعمقنا في تأثيرات المناخ نجد أن الحرارة هي أكثر الظواهر الجوية فتكًا؛ فمع ارتفاع درجات حرارة المحيطات، تزداد قوة الأعاصير مما قد يتسبب في وفيات مباشرة وغير مباشرة. وتؤدي الظروف الجافة إلى مزيد من حرائق الغابات التي تؤدي للعديد من المخاطر الصحية. وكذلك من الممكن أن يؤدي ارتفاع معدل حدوث الفيضانات إلى انتشار الأمراض التي تنقلها المياه والإصابات والمخاطر الكيميائية.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO) يتوقع أن آثارًا معينة لتغير المناخ ستساهم في زيادة حوالي 250000 حالة وفاة سنويًا ما بين عامي 2030 و2050 بسبب ظروف مثل: الإجهاد الحراري، وسوء التغذية، والإسهال، والملاريا. كما يمكن أن يساهم تغير المناخ أيضًا في الهجرة، حيث أن عوامل مثل الجفاف قد تتسبب في انتقال سكان الريف إلى المراكز الحضرية. وقد يتعرض البشر للتشريد أو الإصابة أو فقدان منازلهم وممتلكاتهم أو فقدان أحبائهم.

وخلصت (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “IPCC”)، إلى أن تفادي الآثار الكارثية على الصحة ودرء حدوث ملايين الوفيات المرتبطة بتغير المناخ يقتضيان من العالم أن يحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية. ونتيجة الانبعاثات السابقة، بات ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستوى معين والتغيرات الأخرى التي طرأت على المناخ أمرًا محتومًا، غير أن الاحترار العالمي حتى بمقدار 1.5 درجة مئوية لا يعتبر آمنًا؛ وكل عُشْر إضافي في درجة الاحترار الحراري سينتج عنه تأثيرات شديدة إضافية، سيكون بعضها غير قابل للإصلاح. وستزداد المخاطر التي يتعرض لها المجتمع، بما في ذلك على البنية التحتية والمستوطنات الساحلية المنخفضة.

وبشكل أوضح، فإن لا أحد سيسلم من هذه المخاطر، وسيكون أول المتضررين على نحو أسوأ نتيجة للأزمة المناخية هم الأقل إسهامًا في أسبابهًا، وأولئك الأقل قدرة على حماية أنفسهم وأسرهم من تلك الأضرار – سكان البلدان والمجتمعات المنخفضة الدخل والمحرومة- حيث أقر العلماء في أحدث تقرير للجنة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والذي صدر في 28 فبراير 2022، أن الأشخاص والنظم البيئية الأقل قدرة على التكيف هم الأكثر تضررًا.

وأفادت منظمة الصحة العالمية، بأن تغير المناخ يؤثر على المحددات الاجتماعية والبيئية للصحة -كالهواء النقي، ومياه الشرب المأمونة، والغذاء الكافي والمأوى الآمن- ومن الممكن أن تتراوح التكاليف المباشرة للضرر على الصحة (أي دون احتساب التكاليف في القطاعات المحددة للصحة مثل الزراعة والمياه وخدمات الصرف الصحي) بين 2 و4 مليارات دولار أمريكي/ في العام بحلول عام 2030. مما يعني تهديد أزمة المناخ بنسف التقدم الذي أُحرز على مدى الأعوام الخمسين الأخيرة في مجالات التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر. كما ستكون المجالات التي تفتقر إلى البنية التحتية المتينة في مجال الصحة -ومعظمها في البلدان النامية- أقل قدرة على التعامل دون الحصول على مساعدة من أجل التأهب والاستجابة.

وفي نفس السياق، أفاد تقرير صادر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس “”APA، بعنوان “الصحة العقلية ومناخنا المتغير: الآثار وعدم المساواة والاستجابات”، أن لتغيير المناخ آثارًا ضارة على صحة الإنسان، إذ إن الكوارث الحادة التي يتسبب فيها تغير المناخ لها آثار ضارة على صحة الإنسان، وتؤدي على المدى الطويل إلى أمراض ووفيات مرتبطة بدرجة الحرارة، وانتشار الأمراض المنقولة بالنواقل، وأمراض الجهاز التنفسي والاستجابة للحساسية، ونمو الجنين، وتهديدات لإمدادات المياه والغذاء وسلامتها، وذلك من بين تأثيرات أخرى”.

ويمكن أن تتسبب كل من التقلبات في الطقس ودرجة الحرارة، وزيادة التلوث والسموم البيئية، والتغيرات في الأمن الغذائي في حدوث مشكلات صحية جسدية وعقلية. حيث يؤثر تغير المناخ على بعض العوامل الأساسية التي تؤثر على صحة الإنسان، بما في ذلك: سلامة المأوى وجودة الهواء وجودة وسلامة وتوفير مياه الشرب وتوافر الطعام، ومع تقدم تغير المناخ، يتوقع العلماء زيادة القضايا الصحية ذات الصلة.

كما يمكن أن يختلف تأثير هذه الأزمة المناخية والبيئية اعتمادًا على ما إذا كانت الظواهر حادة أو شبه حادة أو مزمنة، وما إذا كان التأثير يحدث بشكل مباشر أو غير مباشر؛ حيث تشير الأحداث الحادة إلى الكوارث سريعة الحدوث، مثل الظواهر الجوية الشديدة أو الانسكاب النفطي، في حين تشير الأحداث شبه الحادة إلى الكوارث التي تحدث ببطء أو بطيئة الحركة، مثل الجفاف أو تلوث الهواء، أما الأحداث المزمنة فتشير إلى أحداث أكثر دقة وتغيرات خبيثة، مثل ارتفاع مستويات سطح البحر أو انخفاض قدرة الموائل على العيش في مناطق معينة.

وتأكيدًا على ما سبق، فقد أفاد تقريرًا صادرًا في 4 مايو 2022، لـ (معهد سكريبس لعلوم المحيطات في جامعة كاليفورنيا) على ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض بأكثر من 420 جزءًا في المليون – وهو أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق في تاريخ البشرية. وهذه النتائج دعمتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي “NOAA” بالولايات المتحدة والتي أفادت أن المستويات وصلت إلى 421.33 جزءًا في المليون.

https://scripps.ucsd.edu/bluemoon/co2_400/mlo_full_record.png

وفي اتجاه معاكس؛ فكما أن لتغير المناخ تأثيرات على الأشخاص، فيوجد أيضًا تأثيرات سلوكية للأشخاص على تغير المناخ.

تأثير الطبيعة البشرية على كوكب الأرض

لقد أصبح تأثير الإنسان على الأرض ذا مغزى لدرجة أن العصر الجيولوجي الحالي أطلق عليه اسم “الأنثروبوسين”، أي وقت التغير الجيولوجي الذي أحدثه الإنسان، ويعطي هذا التعريف للأنثروبوسين اعتبارًا متساويًا للبصمات الإيجابية والسلبية المحتملة للبشرية على الأرض.

فعلى الجانب الإيجابي، فإن النظام الاجتماعي المعولم بشكل تدريجي -وهو سمة أساسية من سمات الأنثروبوسين- يمثل فرصة غير مسبوقة لمشاركة المعرفة وتنميتها في جميع أنحاء العالم، وتعزيز الروابط الاجتماعية، والسماح بحركة عالمية لا مثيل لها.

أما من الناحية السلبية، فكان للتزايد السريع في عدد السكان تأثير واسع النطاق على الأرض في شكل تلوث غير مسبوق، وتدهور بيئي، وتدمير للهواء والتربة والماء والنظم البيئية، فضلًا عن الدمار الشامل الذي أصاب الأرض؛ حيث تسببت البصمة البشرية في إحداث تغيرات مناخية وبيئية من شأنها أن تعرض بقاء الجنس البشري للخطر. فلا يُنظر إلى تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية فقط على أنه “أكبر تهديد للصحة العالمية في القرن الحادي والعشرين”، ولكن يمكن القول إنه أحد أهم التحديات في تاريخ البشرية.

وتشير الضغوطات المناخية إلى التغيرات البيئية التي صنعها الإنسان؛ فوفقًا للتقديرات فإن الأنشطة البشرية تسببت في ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.0 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل العصر الصناعي، مع نطاق محتمل يتراوح بين 0.8 – 1.2 درجة مئوية. ومن المرجح أن يصل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052، إذا استمر في الزيادة بالمعدل الحالي؛ حيث إن القوة الدافعة الرئيسية وراء ارتفاع درجات الحرارة هي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتي ترتبط بالنمو الاقتصادي، والتزايد المطرد في عدد السكان، والاستهلاك المفرط لنمط الحياة الثرية.

ولهذا فإن التدهور غير المسبوق في الطبيعة في تاريخ البشر كبير لدرجة أن العلماء يصفون الخسارة الحآلية للتنوع البيولوجي على أنها الانقراض الجماعي السادس للأرض؛ وبالإضافة إلى تغير المناخ فإن البشر مسؤولون عن تلوث الهواء والتربة والماء، وكذلك عن تدمير المحيط الحيوي والنظم البيئية وإزالة الغابات واستخراج الموارد. حيث يُعد تلوث الهواء الناجم إلى حد كبير عن حرق الوقود الأحفوري، مصدر قلق كبير في المناطق الحضرية، لا سيما في المدن الكبرى والبلدان النامية، وجدير بالذكر أنه “يعيش 91٪ من سكان العالم في أماكن تتجاوز فيها مستويات جودة الهواء حدود منظمة الصحة العالمية”.

ويأتي شكل رئيسي آخر من أشكال التلوث من النفايات البلاستيكية غير المدارة، والتي تضر بالمحيطات والحياة البرية البحرية. وتشير التقديرات إلى أنه في عام 2010 وحده، دخلت 4.8-12.7 مليون طن متري من النفايات البلاستيكية في المحيط. ويمكن أن يحدث التلوث أيضًا بسبب الانسكابات النفطية، مثل تسرب النفط في خليج المكسيك في عام 2010، مع تصريف يقدر بنحو خمسة ملايين برميل من النفط والغاز الطبيعي. مما أدى إلى إفساد الرواسب ومياه البحر والنباتات والحيوانات البحرية، فضلاً عن أنواع المأكولات البحرية التجارية.

وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة بشأن حالة تغير المناخ منذ مؤتمر المناخ العالمي الأول في عام 1979، إلا أنه لا يوجد دليل على انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بل تتعدد عواقب التغير المناخي بما في ذلك فقدان النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وزيادة حرارة المحيطات وحموضتها، وذوبان الأنهار الجليدية، وارتفاع مستوى سطح البحر، فضلاً عن زيادة الظواهر الجوية المتطرفة والكوارث الطبيعية.

ووفقًا لما سبق؛ فإن تغير المناخ يعد قضية ملحة تتطلب اتخاذ إجراءات اليوم قبل الغد، لكن إشراك المواطنين في العمل المناخي لا يزال يمثل تحديًا. وللتغلب على هذه التحديات والحواجز السلوكية؛ فإن هذا يتطلب الإجابة على التساؤل الأتي:

كيف نستخدم ما نعرفه عن النفس البشرية لتشجيع العمل على تغير المناخ؟

أجاب “بير إبسن ستوكنز Per Epsen Stoknes”، وهو عالم نفس المناخ وخبير اقتصادي، وعمل مدير لمركز النمو الأخضر في كلية الأعمال النرويجية في أوسلو، في كتابه “ما نفكر فيه عندما نحاول ألا نفكر في ظاهرة الاحتباس الحراري“، والذي ينسج فيه علم النفس والاقتصاد معًا لفحص العلاقة الإنسانية بالعالم الطبيعي من جهة ومع بعضنا البعض من جهة أخرى، على هذا التساؤل. حيث وجد “ستوكنز” خمسة حواجز تمنع انغماس الأشخاص في أخبار المناخ، واستراتيجيات فعالة للتغلب على كل منها:

في إسبن stoknes

• الحاجز الأول- المسافة: 

غالبًا ما تبدو الآثار السلبية لتغير المناخ بعيدة -أي على المستقبل البعيد- مثل أهداف اتفاق باريس لعام 2100؛ بعيدًا في الفضاء مثل الأنهار الجليدية أو الدببة القطبية أو الشعاب المرجانية؛ أو بعيدًا عن الحياة اليومية لبعض الأشخاص مثل التأثير غير المتناسب للمناخ على الفقراء؛ وتبدو الحلول بعيدة كذلك لأن شخصًا واحدًا لا يمكنه وحده إجراء التغييرات الكبيرة التي نحتاجها. ومع كل هذه المسافة، من الأسهل نفسيًا التركيز على الأشياء القريبة مثل عائلتك أو حياتك المهنية.

  • آلية التغلب مع هذا الحاجز هي- الاجتماعية: حيث يوضح “ستوكنز” أننا مخلوقات اجتماعية نهتم بما يفعله أصدقاؤنا وجيراننا وزملاؤنا أكثر مما ينصحنا به عالم أو خبير في السياسة؛ والاجتماعية هنا تتغلب على حاجز المسافة من خلال إظهار وتقليد ما يفعله جيراننا وأصدقائنا.

• الحاجز الثاني- الموت:

إذ أنه وفقًا لدراسة أجراها معهد أكسفورد للصحافة، “استخدم أكثر من 80٪ من جميع أخبار المناخ إطار الكارثة”. ويرى “ستوكنز” أن الإفراط في استخدام إطار الكارثة والتي تنتهي بالموت يمكن أن يساهم في الشعور باليأس الذي يُبعد الناس عن أخبار المناخ.

  • آلية التغلب مع هذا الحاجز هي- الدعم: يوصي “ستوكنز”عند الحديث عن تغير المناخ، استخدام قاعدة “3: 1”: أي ثلاثة إطارات داعمة لكل تهديد واحد؛ فلا يتعين علينا حذف تهديدات تغير المناخ، ولكن من خلال إقرانها بفوائد اتخاذ الإجراءات، مثل بدائل اللحوم الأكثر صحة والخضروات، وبهذا يمكننا جعل الناس يربطون بين تغير المناخ والحلول الإيجابية أكثر من الهلاك.

• الحاجز الثالث- التنافر:

التنافر المعرفي هو مصطلح سيكولوجي للصراع الداخلي الذي يمر به المرء عند مواجهته بمعلومات جديدة تتعارض مع تجربته الحالية أو رؤيته للعالم، وهذا الصراع غير مريح، لذا فإننا نحل مشكلة عدم الارتياح مع التبريرات الذاتية لتخفيف الضغط النفسي. على سبيل المثال، “أعلم أن قيادة سيارة تستخدم البنزين يؤثر على تغير المناخ، لكن جارتي لديها سيارة أكبر بكثير، لذلك لا أشعر بالسوء”.

  • آلية التغلب مع هذا الحاجز هي- البساطة:

ينشأ التنافر المعرفي حول تغير المناخ من معرفة المشكلة ولكن من العيش في عالم غالبًا ما يكون منظمًا بطريقة غير مستدامة. إذا عدّلنا خيارات المستهلك بحيث يكون الخيار الافتراضي هو اتخاذ خيارات صديقة للمناخ، فيمكننا تخفيف بعض هذا التنافر. على سبيل المثال، إذا كان اختيار سيارة كهربائية بدلاً من سيارة تعمل بالغاز أمرًا عمليًا وبأسعار معقولة، فسيقومون بذلك.

• الحاجز الرابع- الإنكار:

الإنكار بالمعنى النفسي يعني امتلاك المعرفة والعيش كما لو أننا لا نملكها. فالإنكار طريقة شائعة للتعامل مع التنافر المعرفي. على سبيل المثال، إذا تعلم شخص ما جميع التأثيرات التي تحدثها اختياراته وأفعاله اليومية على البيئة، فقد يكون من الأسهل عليه من الناحية النفسية إنكار وجود المشكلة بدلاً من إدارة ذنب أفعاله واتخاذ خطوات لتغيير نمط حياته.

  • آلية التغلب مع هذا الحاجز هي- الإشارة:

يذكر “ستوكنز” في كتابه أن “جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون” ليس مقياسًا ذا مغزى لمعظم الناس، ولذا يمكن أن يساعد تتبع التقدم البيئي بطريقة حقيقية، مثل التطبيقات التي تتيح لك تسجيل الإجراءات البيئية وإخبارك بعدد انبعاثات الكربون التي قمت بحفظها، أو التقارير الحكومية حول التقدم، في الحفاظ على تحفيز الأشخاص.

• الحاجز الخامس- الهوية:

إذا كان اتخاذ إجراء بشأن المناخ يتعارض مع هوية موجودة مسبقًا يحملها شخص ما، فمن المرجح أن يرفض العمل المناخي أكثر من أن يتعارض مع هويته. لأنه في حال التعارض مع هويته فإنهم يستخدمون “الانحياز التأكيدي” أو تصفية الأخبار التي تتعارض مع قيمهم أو إحساسهم بهويتهم الذاتية، ويرى ستوكنز، أن “الهوية تتفوق على الحقيقة”.

  • آلية التغلب مع هذا الحاجز هي- القصة:

وفقًا لبير، يمكن أن تستفيد الاتصالات المناخية من المزيد من القصص الشخصية وغير المستقطبة التي تركز على مستقبل إيجابي. وتبدأ هذه القصص من تخيل ما يبدو عليه المجتمع الأفضل والأقل انبعاثات، والاحتفاء بقصص الأشخاص الذين يعيشون تلك القصة، من خلال سرد هذه القصص، يمكننا مساعدة الناس على رؤية كيف تتناسب هويتهم مع المستقبل الذي يعمل على تغير المناخ.

لذا؛ يمكن لصانعي السياسات الذين يهدفون إلى تحفيز العمل المناخي الاستفادة من التحقيق المتعمق والنظرة العامة الشاملة لهذه الحواجز النفسية التي تم تجاهلها. وبصورة مختلفة، فإن لعلم النفس البيئي دورًا مهمًا في المستقبل؛ حيث تتصاعد المشكلات البيئية حول العالم ويصبح تطوير السلوكيات المستدامة أكثر إلحاحًا. لذلك يمكن لعلماء النفس البيئي وممارسي التنمية المستدامة العمل معًا وخلق مستقبل أفضل من أجل تحسين الامتثال للسياسات البيئية.

وفي اتجاه موازي، فقد كشفت الأبحاث المتراكمة في العلوم العاطفية أن معالجة المعلومات البشرية وصنع القرار والسلوك يتأثران إلى حد كبير ويوجهان بالتأثير والعواطف، على النقيض من وجهة النظر القديمة القائلة بأن العقل البشري مدفوع بالمعركة بين العقل العقلاني المتعمد والعواطف الاندفاعية غير المنطقية، ولكن العمليات العاطفية لها دور مهم في الأداء الناجح للعقل؛ حيث تتشابك المشاعر والعاطفة بقوة مع العمليات المعرفية والتحفيزية، وتوفر معلومات تقييمية مهمة وتعيد توجيه معالجة المعلومات والسلوك تجاه الأحداث ذات الصلة بالأهداف والمخاوف الشاملة. كما أن لها تأثير رئيس على التفكير والسلوك البشري.

وإجمالًا يتضح؛ أن تركيز الكثير من الخطاب الحالي المحيط بتغير المناخ على التغيرات المادية في البيئة وما ينتج عنها من أضرار مادية للبنية التحتية والموارد. لكن لم يُبذل سوى القليل من الجهد لفهم مدى سرعة تغير المناخ في التأثير على الناس على مستوى المجموعة والأفراد.

وفي هذا الصدد؛ نتناول لاحقًا في – الجزء الثاني من “التداعيات السيكولوجية لتغير المناخ” – الآثار الاجتماعية للتغير المناخي، مع التركيز بشكل خاص على الكيفية التي سيؤدي بها تغير المناخ إلى زيادة السلوكيات العدوانية والصراع العنيف، وكيف سيؤثر على جوانب أخرى من السلوك البشري. كما ننظر أيضًا إلى التأثيرات النفسية المثبتة مسبقًا ونستخدمها للمساعدة في شرح التغيرات في السلوك البشري الناتجة عن التغير المناخي السريع، إضافة لتقديم بعض المقترحات التي يمكن أن تساعد صناع السياسات والباحثين في وضع حلول لهذه الظاهرة المعقدة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69858/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M