التغيير الثقافي في المملكة العربية السعودية ( قوة لمواكبة التطورات العالمية)

سالي سعد محمد

المقدمة :

يعمل البعد الثقافي على حماية الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم وهو الذي يعزز ويؤمن أنطلاق مصادر القوة الوظيفية في كافة الميادين وفي مواجهه التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية ويوسع قاعدة الشعور بالحرية والكرامة وبأمن الوطن والمواطن بالقدرة على تحقيق درجة رفاهية مناسبة للمواطنين وتحسين اوضاعهم المالية بصورة مستمرة ، و يمكن النظر إلى الثقافة بإنها (كل ما يكتسبه الفرد في المجتمع من عادات وتقاليد وقيم وأعراف ودين وأخلاق وعلوم ومعارف )، وكما تعرف أيضا بإنها (ترقية العقل وتنمية الذوق السليم) ، إذ تتجسد تلك المكتسبات في سلوك الفرد وتوجهاته ، لذا فالثقافة هي(عملية تأثير وتأثر)
ولاشك إن للثقافة تؤدي دورا فاعلاً في تحقيق التجانس في المجتمع تعد كمحصلة مُثلى من منظور الأمن القومي اذ تجعل منه مجتمع محصناً ضد التفكك الداخلي والتحديات والتهديدات الخارجية، أو من تفاعلهما معا ،
سابقا كان الامن يتحقق عن طريقة تقوية القدرات العسكرية للدولة اذ تكون في مأمن من أي اعتداءات عسكرية ، ولكن هذه النظره اليوم تعد ضيقة بسبب الانفتاح والتغيير في العالم وظهور تحديات كثيرة.
أن المملكة العربية السعودية بمرحلة مهمة من تاريخها بدأت مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم مطلع عام2015 ، اذ عمل الملك ونجله ولي العهد والملك المستقبلي للسعودية والذي يدير المملكة الان نتيجة تقدم السن بوالده الى أحداث تغيرات جوهرية بمدة وجيزة على الاصعدة المختلفة وهذه التغييرات ناتجة عن رؤية الدولة السعودية الجديدة يديرها جيل جديد من الشباب الطموح ومنتسبين التكنوقراط دوله تكون في مصافي الدول الكبرى في المنطقة أو مقاربة لتقدم دول خليجية مثل الامارات وقطر ، دوله صناعية لاتعتمد على الاقتصاد الريعي في الجانب الاقتصادي ، ودوله علمانية لايكون للدين أثر فعال فيها أجتماعيا ، وتعتمد على قوتها العسكرية في الدفاع عن نفسها بعيدا عن الحلفاء ، وتتخذ سياسة خارجية تدخلية بهدف وضع المملكة في مقدمة الزعامة العربية، وجعلها قطبا مهما في المنطقة الاقليمية ، وبالتالي عمل محمد بن سلمان الى وضع تصوره الفكري للدولة السعودية الجديدة على أرض الواقع عن طريق طرحه رؤية 2030 التي يرى أنها الرؤية الكفيلة بتغيير واقع المملكة ، وبدأ بأحداث تغييرات جذرية في مختلف مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لذا سوف نتناول هنا : البعد الثقافي السعودي قبل وبعد تلك التغييرات ، يعد البعد الثقافي بعد بالغ الاهمية في تحصين الوطن من الاطروحات الثقافية للعولمة وصراع الحضارات اذ اخذناه بالمفهوم الشامل متضمنا الفكر والثقافة والتعليم والاعلام والفنون والادب ، اذ أن الثقافة تعبيرا جليا عن كل دولة ومرأه لها ورصيد حضاري ، كما أنها تمثل تعبيرا صادقا عن توجهاته وطرح قضاياه ،الامر الذي ضاعف من أهميتها وحساسية دورها في القيام بمهامها والنهوض بدورها فائق النشاط تحليلا ونقدا وتفكرا، وأن القياده السعودية حين أولتها أهتمام كبير بسبب أنها تدرك بوعي حساسية دور الثقافة وأهمية ماتثمره الوظيفة الثقافية من دور طليعي لقادة الرأي والنظر المستشرف للمستقبل ورهاناته وتحدياته .
أن البعد الثقافي الذي كان سائد في المملكة السعودية كان متشدد وركود خاصة من بعد عام 1979 أو مايسمى (بعهد الصحوة) اذ كانت اثاره خطيرة على المجتمع السعودي من ناحية التزمت الديني والانغلاق العسكري وعدم تقبل الفكر الاخر وأزدياد الطائفية والعنصرية والقبلية بشكل متطرف وزيادة الضغوط على المرأة وتهميش دورها تماما وأتضح ذلك من خلال تحريم وسائل الترفيه وتحريم دراسة بعض التخصصات مثل الفلسفة ووصف كل من يخرج عن هذا التفكير بالعلماني والليبرالي والزنديق ويتم تكفيره، وبعد عام 1979 أستولى المتطرفون الدينيون في المملكة العربية السعودية على المسجد الكبير في مكة ومن اجل تهدئة المتطرفين الدينيين بدأ السعوديون في منع وعزل النساء الحياة اليومية بالاضافة الى الى العنصرية بين المناطق مثل العنصرية بين أهالي نجد والحجاز وأهل الجنوب ، وتعززت من خلال مؤسسات الدولة كالمراكز التعليمية التي أنطلق بها (الصحويون) وخلال منهاج الدراسة والندوات والمؤتمرات، كل هذه السلبيات أدت الى تأخر تنمية المجتمع وأعادته على الاقل 40 سنه للخلف ، وبالتالي أثر ذلك عليه دوليا على عدم أطلاعه عن الثقافات الاخرى وانغلاقه عن التطورات العالمية لان هذه المخاطر والصراعات عطلت وشتت أنتباه التنمية الداخلية للبلاد مما أنعكس سلباً على اداء العمل والادارة داخل الاجهزة الحكومية وسبب في تفشي الفساد وعدم اتقان العمل داخل مؤسسات الدولة ، وكل هذا يحتاج الى وقت لأصلاحه وحتى يتغيير كل هذا تحتاج القيادة السعودية الى تخطيط سليم وغرس مفاهيم جديدة في المجتمع ولان الظروف السياسية والاقتصادية حتمت على السعودية القيام بالتغيير الثقافي في المجتمع، لذا تبنى الامير محمد بن سلمان رؤية 2030 وطروحاتها الثقافية وأشار الى ان أكبر تحد يواجه تطبيق هذه الرؤية هو التحديث الثقافي بسبب الحاجة الى أن يؤمن به الناس، وأن المملكة خلال رؤية عام 2030 تقوم بثورة ثقافية في المجتمع لانها تريد تتجنب ماحدث مع دول الربيع العربي ،وتجلى ذلك من خلال لقاءات الامير بن سلمان مع كبار مسؤلين الشركات العالمية مايكروسوفت وديزني وغيرها من الشركات في هولييود، وبالاضافة الى دور السينما، أصبح مسموح باقامه العديد من حفلات الغناء والموسيقى والبرامج الثقافية والمسابقات الترفيهية في عدد من المدن على رأسها جدة والرياض والدمام، على الرغم من الجدل الذي صاحب هذه الانشطة لكنها لاقت اقبال كبير من السعوديين، أذ أن عدد من اعضاء مجلس الشورى أنتقد ذلك بأعتباره يخالف تعاليم الدين الاسلامي التي نشأ عليها المجتمع السعودي و بأعتبار أن المملكة تحتوي على أماكن دينية مقدسة ، لكن أشار محمد بن سلمان أن الهدف هو اعطاء فرصة من الترفيه للمجتمع وكسر القوالب الدينية المتشددة وخلق جيل جديد من الشباب على أساس مبدأ علماني ، وكذلك تم أنشاء مراكز ثقافية دائمة ملحقة بالسفارات والممثليات السعودية في الخارج لتكون حلقة وصل وحوار دائم بين حضارات وثقافات وشعوب دول العالم مع المملكة ،ويعد هذا نمط جديد من القوة الناعمة الا وهو ثقافه الترفيه التي غزت بها الولايات المتحدة الامريكية العالم منذ فترة طويلة وهذه المشاريع داخل المملكة تجعل من مدنها مناطق جذب للسائحين من مختلف دول العالم وجعلها بلاد أكثر انفتاحا وحيوية، يقابلها في المجال الاسلامي تمتلك السعودية أقوة أداة ناعمة هي الحرمين الشريفين والمدينة المنورة وكونهم أماكن حاضنة للمسلمين من جميع العالم ويدخل المملكة سنويا ملايين منهم ، أما في المجال الالكتروني للحرب الناعمة فقد أنشا مركز الحرب الناعمة السعودية ( أعتدال) وهو مركز يعد الاول من نوعه في مجال الحرب الالكترونية التي تديرها السعودية ويعمل بمجموعه من الباحثين والمدونيين لبرمجة وجه جديد للسعودية .
يبدو أن المملكة العربية تدرك بوعي مدى أهمية القوة الناعمة والبعد الثقافي في تقوية الامن القومي لها، لذا تعمل على زيادة تسلحها من هذه الادوات وتحديثها فالمناخ مهيأ لكسب خطوات أوسع في هذا المجال، لاسيمّا في ظل ما يشهده العالم من أنحسار نفوذ القوى التقليدية لذلك يعمل محمد بن سلمان على مجتمع ودولة منفتحة على العالم ويرغب بالتطور في ظل العولمة واللحاق بجيرانه على الاقل من دول الخليج، وبالتالي يعمل على الاصلاحات الداخلية كونها حوافز للأستثمار والانفتاح على العالم الخارجي ،
الخاتمة :
يجب أن نشير الى أن تغيير الثقافات التي ترسخت في المجتمع أمر يحتاج الى عملية تخطيط كبيرة والى وقت طويل وعمل مكثف على جميع الأصعدة، وان التغيير في السعودية لن يكون سهلا ويحتاج الى وقت وجهد كبيرين، إلا أنه أذا نجح سيكون تأثيره مهم على مستوى الامن القومي السعودي لأن الامن الثقافي يعد قوة ناعمة تدعم قدرة الدولة على تنمية قدراتها عن طريق وسائل الجذب الناعمة التي تعمل على تحقيق مصالح الدولة وحمايتها في ذات الوقت من الاختراقات الخارجية ، مع الاخذ بالاعتبار أهمية القوة الصلبة ومزجها مع الناعمة للحصول على تركيبة يمكن الاعتماد عليها لتحقيق مصالح الدولة وحمايتها .
المصادر
1- طه حميد العنبكي ، الثقافة والتنشئة الإجتماعية – السياسية ، في مجموعة باحثين ، وقائع المؤتمر العلمي الاول ، مجلة القادسية ، جامعه القادسية – كلية القانون ، العراق ، العدد (1) ، 2008 .
2- عزت عبد الواحد، مقومات وسياسات الامن القومي، مجلة السياسة الدولية، القاهره ، العدد 197/ أكتوبر/2005.
3- مصطفى كامل، السعودية الجديد رؤية الدولة الجديدة لدى ولي العهد محمد بن سلمان ، مجلة النهرين، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ،العراق، العدد السادس/ كانون الاول/ 2018.
4- ميرزا الخويلدي، السعودية الثقافه صانعة التغيير ، صحيفة الشرق الاوسط ، العدد 15007 / 30 ديسمبر /2019.

 

المصدر: عبر منصات التواصل للمركز

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M