التنافس التكاملي: ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا ومبادرة الحزام والطريق

خلال قمة العشرين المنعقدة في نيودلهي في 9-10 سبتمبر 2023، أُعلن عن إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند والإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل بأوروبا، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أُطلق عليه اسم “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” (IMEC). وسرعان ما استنتج محللون أن الهدفَ الاستراتيجي من “الممر الاقتصادي” (تستخدم الورقة تالياً هذه التسمية المختصرة) منافسةُ “مبادرة الحزام والطريق” الصينية.

 

تستكشف هذه الورقة صحة هذه التكهنات، وتقدم سيناريوهات عن مستقبل مشروع الممر الاقتصادي، وآثاره الواقعية على المبادرة الصينية ومستقبل الربط التجاري في المنطقة.

 

أهداف المشروع وبُنيته

لا يُعد الممر الاقتصادي جديداً، إذ تعود الفكرة إلى الفترة ما بين عامي 2017 و2019 مع تعمُّق العلاقات السياسية والتجارية بين السعودية والإمارات من جانب والهند من جانب آخر. وبحسب بيان الولايات المتحدة، “من المتوقع أن يحفز الممر التاريخي التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي عبر قارتين، وبالتالي إطلاق العنان للنمو الاقتصادي المستدام والشامل”.

 

يتكون الممر من قسمين: القسم الشرقي، وهو خط ملاحي بحري واصل بين الهند والإمارات، والقسم الشمالي المتضمن الشق البري الواصل بين الإمارات وإسرائيل، عبر السعودية والأردن، والبحري الواصل بين ميناءي حيفا الإسرائيلي وبيرايوس اليوناني (انظر الشكل رقم 1). يتشكل الممر من خطوط بحرية وخطوط سكك حديد للربط بين المراكز التجارية، وتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة. ويشمل أيضاً مدّ كابلات الألياف البصرية تحت البحر، وخطوط أنابيب الهيدروجين النظيف، وربط شبكات الطاقة الكهربائية وخطوط الاتصالات، وتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

 

وتساعد البنية التحتية لقطاع النقل في منطقة الخليج على التعجيل في تنفيذ المشروع، الذي يتكون في شقه البري مما يأتي:

 

1. خطط سكك حديد، ضمن مشروع السكك الحديد الوطنية الإماراتي على مسافة 605 كيلومترات من ميناء الفجيرة إلى منفذ الغويفات على الحدود الإماراتية مع السعودية. وباتت الحزمة الرابعة والأخيرة من المرحلة الثانية للمشروع (بامتداد 145 كيلومترات) على وشك الانتهاء.

2. شبكة قطار الشرق السعودية القادمة من الدمام وتلتقي مع شبكة قطار الشمال (سار) في الرياض عبر مدينة حرض، الذي بدوره يمتد من الرياض إلى الحديثة على حدود السعودية مع الأردن. وسيحتاج مشروع الربط إلى إنشاء تكملة للخط بين الغويفات الإماراتي وحرض السعودية.

3. خط سكك حديد من الحديثة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي، عبر الأراضي الأردنية، بطول 300 كيلومتر. ويعمل بالفعل خط حيفا بيسان على حدود إسرائيل مع الأردن بطول 60 كيلومتراً. ولا يزال هناك حاجة إلى تمديد هذا الخط من بيسان شرقاً إلى الحدود الأردنية. ويجب الأخذ في الاعتبار قِدَم منظومة السكك الحديد الأردنية وحاجتها إلى تحديث شامل.

 

ومع أن التصورات الأولية لمشروع الممر تُظهر أن الخط البحري الواصل بين الهند والإمارات سيعبر مضيق هرمز، إلا أنه من غير المتصور منح إيران ورقة ضغط استراتيجية بشكل مجاني عبر القدرة على تهديد هذا الخط الملاحي؛ لذا، يُتوقع أن يتجه المخطِّطون في جميع الدول المشاركة إلى تجنُّب المرور من المضيق، على الأقل في المدى القريب.

 

الشكل 1: خريطة أولية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا

https://www.orfonline.org/wp-content/uploads/2021/10/New-Quad-Map.jpg

 

يساعد المسار التصاعدي للعلاقات الاقتصادية والتجارية للهند والخليج وأوروبا على تشكيل قاعدة صلبة لنجاح مشروع الممر الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، وصل حجم التبادل التجاري بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي في الفترة 2022-2023 إلى 184 مليار دولار مقارنة بـ 87.4 مليار في عام 2021. ووصلت تجارة الإمارات مع الهند في العام المنتهي في مارس 2023 إلى 84.5 مليار دولار، بعد توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير 2022. ويجري مجلس التعاون الخليجي مفاوضات مع الهند لتوقيع اتفاق تجارة حرة حالياً. وخلال القمة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة العشرين، تعهَّد الجانبان بتسريع برنامج الاستثمارات السعودية في الهند بقيمة 100 مليار دولار. ومن جهة أخرى، وصل حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي في عام 2022 إلى حاجز 186 مليار دولار، بالتزامن مع تراجُع تجارة التكتل الأوروبي مع روسيا على وقع حرب أوكرانيا.

 

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن اتفاق إنشاء الممر الاقتصادي يندرج ضمن استراتيجية إقليمية شاملة تهدف إلى تعزيز ثقة الشركاء الخليجيين في التزام واشنطن بالمنطقة، وعزل إيران، وإدماج إسرائيل في النظام الإقليمي، وتعزيز مكانة الهند ونفوذها في المنطقة، والأهم مواجهة نفوذ الصين المتزايد من خلال منافسة وتحييد “مبادرة الحزام والطريق” الصينية التي تملك جذوراً عميقة في مشاريع الربط اللوجستي في منطقة الخليج ودرجة عالية من الاتصال التجاري بأوروبا عبر فرعيها (طريق الحزام الاقتصادي وطريق الحرير البحري).

 

موقع مبادرة الحزام والطريق من المشروع الجديد

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبن، تعليقاً على المشروع الجديد، إن مبادرات البنية التحتية العالمية يجب أن تتعاون ولا تتنافس. وأوضحت الوزارة أنها ترحِّب بالمبادرات التي تعزز تطوير البنية التحتية العالمية، وتعارض استخدامها لأغراض جيوسياسية.

 

وترى هذه الورقة أن الممر الاقتصادي المقترح قد لا يمثل تحدياً مباشراً للمبادرة الصينية الأكثر استقراراً وعمقاً ونضجاً واتساعاً، بل قد يتحول، إن أُنجِزَ بالفعل، إلى مبادرة موازية ومكمّلة لها، وليست بديلاً عنها، لأسباب عدة:

 

أولاً، يتداخل الممر الجديد مع مشروعات المبادرة في عدة نقاط لوجستية مركزية. أحد أهم هذه النقاط موانئ الهند، حيث تدير شركة “كوسكو” الصينية خطاً بحرياً رئيساً للشحن من الهند إلى أوروبا. والنقطة الثانية هي الإمارات، حيث تشغّل نفس الشركة محطة حاويات في ميناء خليفة في أبوظبي. والنقطة الثالثة ميناء “خليج حيفا” الذي تديره مجموعة “شنغهاي للموانئ الدولية”، وتنافس ميناء حيفا الكبير المدار من قبل تحالف من مجموعة “أداني” الهندية وشركاء محليين. والنقطة الرابعة ميناء بيرايوس اليوناني المملوك بنسبة 67% لشركة “كوسكو” الصينية. والنقطة الخامسة تتمثل في استحواذ شركة “أوشن ريل” التابعة لـ”كوسكو”، في عام 2019، على 60% من شركة “بيرايوس أوروبا آسيا للسكك الحديد اللوجستية” المسؤولة عن نقل البضائع من ميناء بيرايوس إلى جميع أنحاء أوروبا ودول في آسيا. فضلاً عن امتلاك شركات صينية خطوط قطارات نقل البضائع عبر أوروبا، ومن ضمنها خط “الصين-أوروبا السريع”، والخط “المجري-الصربي السريع”.

 

ومن ثمّ، يتضح مدى عمق تداخل مشاريع مبادرة الحزام والطريق مع الممر الجديد، والاعتماد المتبادل بينهما. ويعزز مشروع الممر الاقتصادي المكاسب المباشرة للشركات الصينية العاملة بالفعل في هذه النقاط الاستراتيجية المكونة له. ويوحي ذلك بأن الصين ومبادرة الحزام والطريق قد يكونان من بين أكبر المستفيدين من المشروع الجديد.

 

ثانياً، صعود فرص جديدة لتوسيع الصين مشاريع الربط اللوجستي والتقني ومشاريع الطاقة مع الدول التي قد تتعارض مصالحها مع تنفيذ المشروع الجديد، ومن بين هذه الدول مصر وتركيا. ويسيطر قلق على مراكز التفكير في مصر جراء تبعات هذا الممر على مكانة قناة السويس، التي يمر فيها 10-13% من إجمالي التجارة العالمية المنقولة بحراً. وبالتوازي، عبَّر الرئيس رجب طيب أردوغان عن معارضته العلنية للمشروع قائلاً “ليس هناك ممر دون تركيا”، وسلَّط الضوء على مشروع مُوازٍ لربط منطقة الخليج بتركيا ومن ثم أوروبا عبر خط سكك حديد يمر عبر العراق (مشروع طريق التنمية). وليس مُستبعداً استغلال الشركات الصينية هذه المعارضة الإقليمية الصاعدة للمشروع لتوقيع اتفاقات موازية ضمن مبادرة الحزام والطريق.

 

تميل الإمارات والسعودية، وربما إسرائيل، التي لا ترغب في الانحياز إلى المصالح الجيواقتصادية للصين أو للقوى الغربية، إلى استكشاف التكامل بين المبادرتين. لكنْ، بالنسبة للهند، فالأهداف مختلطة. فمن جانب، ترغب القيادة الهندية في التمسُّك بسياسة عدم الانحياز الصارمة الحاكمة لسياساتها الخارجية، ومن جانب آخر تشعر الهند بالتطويق الاستراتيجي والجيواقتصادي من قبل الصين. فالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان ضمن مشاريع مبادرة الحزام والطريق يُغلِق الطريق، من الشمال والشمال الغربي، على فرص الربط اللوجستي بين الهند ودول آسيا الوسطى. وعلى مدار أعوام، لم يحقق ممر الشمال-الجنوب بين الهند وروسيا عبر إيران (ومركزه ميناء تشابهار الإيراني) التقدم المأمول. وتشعر الهند بالحصار كذلك بسبب الموانئ الصينية في ميانمار وبنغلاديش على الجانب الشرقي للهند، وفي سريلانكا في الجنوب. ولطالما شعرت أيضاً بالتهديد إزاء نفوذ بيجين المتنامي في الخليج من الغرب. ومن ثم، فإن الممر الجديد يمثل فرصة جيوسياسية بالنسبة للهند تتساوى في الأهمية مع الأهداف الاقتصادية والتجارية والتقنية التي تطمح لتحقيقها عبر هذا الربط المزدوج.

 

لكن، كل الافتراضات السابقة مبنية على احتمال تحول الممر إلى واقع. ولكي تُشكَّل تصورات واقعية عن جدوى المشروع الحقيقية، ينبغي تسليط الضوء على التحديات التي قد تواجهه والسيناريوهات الواقعية لمساره المستقبلي.

التحديات أمام الممر الاقتصادي

يواجه مشروع “ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا” ثلاثة مجموعات من التحديات الجيوسياسية والجيواقتصادية والتنظيمية، يمكن اختصارها على النحو الآتي:

 

أولاً، التحديات الجيوسياسية

1. على رغم المؤشرات الأخيرة على قُرْب التوصل إلى اتفاق تطبيع للعلاقات بين السعودية وإسرائيل، إلا أن تعثُّر اتفاق كهذا يمثل تحدياً محتملاً. فمع أن إتمام مشروع الممر لا يتطلب وجود علاقات رسمية بين الجانبين، غير أن البُعد السياسي المتصل بشعبية العلاقات الاقتصادية غير الرسمية يجب أن يؤخذ في الحسبان. إضافة إلى ذلك، قد يخلق هذا الوضع تحديات قانونية ولوجستية وتنظيمية مرتبطة بقدرة الشركات السعودية على العمل في إسرائيل، والاتصال المباشر بين البنية التحتية السعودية والإسرائيلية وامتداد المشاريع الناتجة عن مبادرات الاستثمار المشتركة من قبل الدول الأعضاء دون وجود علاقات رسمية بين الجانبين.

2. وجود تحديات سياسية داخلية كبيرة في الأردن، الطرف الرئيس المُغْفَل دائماً في مشروع الممر. وتتمثل التحديات في الرفض الداخلي للتطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، وهو الموقف المتوقع استمراره، وربما تصاعده، إذا لم يحصل الفلسطينيون على مكاسب وضمانات ملموسة في سياق أي اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي.

3. مقاومة دول مثل مصر وتركيا وإيران، مشروع الممر، وهو ما قد يتطور إلى تفاهمات مشتركة مقاومة له. ومثل هذه الخطوة، إن تحققت (على رغم التباعد الأيديولوجي والسياسي بين هذه الدول)، قد تزيد فرصَ الصين لتوسيع مشاريع مبادرة الحزام والطريق في الدول المناهضة لمشروع الممر. لكنْ يجب أن يؤخذ في الحسبان أنه من المستبعد سعي الصين إلى تبني مبادرة معادية تستهدف تعطيل المشروع خارج إطار التنافس الاقتصادي الطبيعي والمفيد للإقليم.

4. تحوّل مشروع الممر إلى منصة أمنية/عسكرية للدول المشاركة فيه مستقبلاً، إذ قد يعظم هذا السيناريو من الشكوك حول نوايا القوى الراعية له، وهو ما ينزع عنه المصداقية ويحوله إلى أداة من أدوات تنافس القوى العظمى.

 

ثانياً، التحديات الجيواقتصادية

1. عدم اكتمال بعض نقاط الربط اللوجستي العابر للحدود على طول الجزءين الخليجي والأردني، وفي مسافة قصيرة على الجانب الإسرائيلي من الممر.

2. تزايد الضغوط الأمريكية والأوروبية على دول المنطقة، بما فيها البلدن الخليجية، لتجنُّب تعميق مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق مقابل الحصول على مميزات تجارية وتقنية من خلال شراكة الممر أو عرقلة الحصول عليها، أي تحويل مستقبل مشروع الممر إلى رهينة لتقليل “مخاطر” الاعتماد على الصين.

3. الضغوط الغربية المحتملة الهادفة لعرقلة مبادرات محددة داعمة لتطوير المشروع، وتحظى بقبول الدول الثلاث الأعضاء في تجمع “بريكس” (الهند والسعودية والإمارات)، ومنها إنشاء منطقة تجارة حرة معتمدة على التبادل بالعملات المحلية.

 

ثالثاً، تحديات تجارية وتنظيمية

1. قد تكون التوقعات حول تقليل مدة نقل البضائع عبر الممر بـ40%، والكُلفة بـ30%، مقارنة بقناة السويس مبالغاً فيها. يستند هذا التقدير إلى كلفة التحميل والتفريغ في كل ميناء على حدة والوقت المستغرق في هذه العملية، فضلاً عن رسوم العبور المستقبلية في كل دولة.

2. يتوقف نجاح المشروع بالأساس على تعافي حركة التجارة العالمية، وزيادة الطلب على السلع الهندية في الأسواق الخليجية والإسرائيلية والأوروبية. وإذا لم تتحول هذه الحسابات إلى واقع، قد يفقد مشروع الممر جدواه الاقتصادية.

3. تعقيد ترتيبات التمويل. فلم يُكشَف بعدُ عن الداعمين الماليين الرئيسين، لذا لا تزال ثمة حاجة إلى محادثات مكثفة حول توفير التمويل اللازم للمشروع بما يحقق مكاسب اقتصادية لجميع الأطراف. لكنْ، في المجمل، لا يتوقع الاعتماد على مبادرة “الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار”، التي تستند، على عكس مبادرة الحزام والطريق، إلى القطاع الخاص بوصفه محركاً تمويلياً مركزياً، وسيحتاج المشروع إلى تدخل الحكومات في الدول المشاركة.

4. الأولويات السياسية والاقتصادية المحلية الحساسة، من قبيل الوصول العادل إلى الأسواق، والقوانين المنظمة لقواعد المنشأ، وآليات تسوية المنازعات، وحماية الصناعات المحلية. وتشكل هذه القضايا نقاطاً شائكة في المفاوضات التجارية في الهند والاتحاد الأوروبي (وهي قضايا أعاقت في السابق انضمام الهند إلى تحالف الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في شرق آسيا). إلى جانب ذلك، ينبغي أيضاً مواءمة اللوائح الضريبية والإجراءات الجمركية.

 

السيناريوهات المحتملة لمشروع الممر الاقتصادي

السيناريو الأول: يفترض هذا السيناريو تحوّل الممر الاقتصادي الجديد إلى منافس صفري لمشاريع الربط المتصلة بمبادرة الحزام والطريق، انطلاقاً من أن المحددات الأساسية للمشروع تتمثل في خلق بديل فعال للمبادرة الصينية. وعلى رغم أن هذا الدافع مركزي في الاستراتيجية الأمريكية، وبدرجة أقل في نظر نيودلهي والقوى الأوروبية أيضاً، فإنه يتعارض مع رؤية السعودية والإمارات وإسرائيل غير المبنية على الحسابات الثنائية بين الصين والغرب، والطامحة إلى التموضع في قلب حركة التجارة والاستثمار العالمية.

 

السيناريو الثاني: يركز على إمكانية تعثر تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل باعتباره عاملاً معرقلاً لتنفيذ الممر. في هذه الحالة، إلى جانب التحديات السياسية في الأردن والسعودية التي أعاقت انضمام الرياض لترتيبات تعددية أخرى (منها تجمع I2U2)، قد تنتج بيئة اقتصادية غير مواتية متمثلة في صعوبة تصميم برامج مشتركة لتمويل المشروعات، وصعوبة تنسيق الأولويات الاقتصادية الوطنية والقواعد التنظيمية.

 

السيناريو الثالث: يفترض هذا السيناريو تقدُّم مشروع الممر وفقاً للخطط المستهدفة، لكن مع معارضة إقليمية متزايدة نابعة من تعارض المصالح. قد يتصدر هذا المعسكر تركيا وإيران ومصر، التي لم تبرز إلى الآن مؤشرات على أدوار محتملة لها في المشروع. ومثل هذه المعارضة ربما تشكل فرصة للصين، التي قد تسعى لتوقيع صفقات تعاون على إنشاء ممرات اقتصادية موازية إلى أوروبا، سواء عبر إيران أو الممر الواصل بين الخليج إلى تركيا وأوروبا عبر العراق. وقد تظهر فرصة أيضاً بالنسبة للصين في زيادة استثماراتها في منطقة قناة السويس الحرة، وهو تطور -إن حصل- سيمنح بيجين تموضعاً استراتيجياً أكبر وأهم بالقرب من أحد أهم الممرات الملاحية العالمية، ويزيد التنافس الأمريكي مع الصين إقليمياً.

 

بالنسبة لمنطقة الخليج، تخلق هذه الاعتراضات المحتملة (العلنية والضمنية) فرصاً جديدة للتنويع الاقتصادي والتجاري، والاعتماد على طرق وممرات متنافسة للربط اللوجستي مع أوروبا وآسيا، والتعاون في مجال الطاقة النظيفة، ونقل البيانات، والأمن الغذائي.

 

السيناريو الرابع: في هذا السيناريو قد ينجح المشروع في تغيير وجه الربط التجاري والتكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط. ويفترض السيناريو نجاح المقاربات الإقليمية الداعية (والمتبنية) للتعددية، وقبول واشنطن بالتعايش مع هذه المعادلة طالما ظلت في الإطار الاقتصادي البحت. لكنّ هذا السيناريو لا يزال يواجه حُزَم التحديات الثلاث المذكورة في هذه الورقة.

 

أول التحديات جيوسياسية مرتبطة بتنافس القوى العظمى، وبشكل أساسي بتفضيلات واشنطن، القسرية أحياناً، لتقليل نفوذ الصين في المنطقة. لكن هذه الحزمة من التحديات لن تكون الأصعب في تجنُّبها. فعند إلقاء نظرة قريبة على سياسات الولايات المتحدة، سيتضح تركيز إدارتَي ترامب وبايدن على المجالات الأمنية والعسكرية والتكنولوجية، وعدم إدماج التعاون الاقتصادي ضمن هذه الضغوط، أقله إلى الآن. وقد يستمر هذا السلوك طالما لم تُظهر الصين طموحاً مهيمناً أمنياً وعسكرياً في المنطقة، وهو أمر مستبعد في المدى المنظور.

 

لكن الحزمتين الأخريين، التحديات الجيواقتصادية والتجارية/التنظيمية، قد تشكل العائق الأكبر. ويعتمد ذلك بالأساس على الجدوى الاقتصادية للمشروع، حتى لو وُجِدَت حلول فعالة لقضية التمويل. فعلى سبيل المثال، وفقاً لتصريحات وزير النقل المصري كامل الوزير مؤخراً، تستطيع السفن الكبيرة المخصصة لنقل البضائع نقل 24 ألف حاوية، بينما يستطيع القطار نقل 100 حاوية فقط، أي أن السفينة الواحدة توازي في الحمولة 240 قطاراً. إلى جانب ذلك، تظل الأسئلة المتعلقة بالرسوم والوقت المستغرق خلال عملية النقط والتحميل والتفريغ في الموانئ مطروحة بصفتها عبئاً على المشروع.

 

إذا تم التغلب على تحديات الجدوى، فسيمثل هذا الأمر السيناريو الأفضل بالنسبة للأطراف الأخرى أيضاً كالهند وإسرائيل والقوى الأوروبية الساعية إلى الإبقاء على التوازن في علاقاتها بكلٍّ من واشنطن وبيجين. سيعود هذا التكامل أيضاً بالفائدة على الدول الإقليمية المتشككة في جدوى المشروع والقلقة على مصالحها. ويخلق التكامل أيضاً فرصاً للتعاون بين أعضاء المبادرة الصينية المشاركين في مشروع الممر. سيؤخر ذلك، وربما يمنع، حدوث “انفصال” اقتصادي بين المشروعات المدعومة من الصين وتلك المدعومة من الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يُعظِّم مصالح دولها بشكل مباشر.

 

الاستنتاجات

من بين السيناريوهات التي استعرضتها الورقة، يبقى السيناريو الرابع هو المرجح، لكن نجاحه يعتمد على عدة شروط: أولها، اكتساب دول المنطقة المزيد من الاستقلال الاستراتيجي في علاقتها بالقوى العظمى؛ وثانيها، عدم تبني القيادة الصينية طموحاً جيوسياسياً/أمنياً مهيمناً في المنطقة، أما الشرط الثالث فهو الانخراط في مشاورات مع القوى الإقليمية التي قد تشكل جبهة معارضة للمشروع بهدف إيجاد سبل توسيعه مستقبلاً. ويبقى شرط التغلب على التحديات الجيواقتصادية والتجارية/التنظيمية التي قد تعرقل تقدم السيناريو هو المهمة الكبرى لتجنُّب تحوله من مشروع اقتصادي إلى مشروع بغايات جيوسياسية.

 

ويُزيد السيناريو المرجح الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج في المستقبل ليس فقط بالنسبة للصين والولايات المتحدة، لكن أيضاً للهند واليابان وكوريا الجنوبية ودول الآسيان والاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع تحولها إلى إحدى أهم محاور التجارة والربط اللوجستي عالمياً.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/scenario/altanafus-altakamuli-mamar-alhind-alsharq-alawsat-uwruba-wamubadarat-alhizam-waltariq

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M