الانتخابات الرئاسية تسبق مراجعات صندوق النقد الدولي: المسارات الاقتصادية المحتملة في مصر

تستعد مصر لإجراء الانتخابات الرئاسية خلال شهر ديسمبر المقبل، والتي أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترشُّحه فيها لولاية جديدة، ويتزامن موعد الانتخابات مع حالة من الضبابية واللايقين بشأن مصير برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري مع صندوق النقد الدولي، ومصير الإصلاحات التي يتطلبها البرنامج لإتمام المراجعتين الأولى والثانية المتأخرتين بشكل كبير، والتي تتعارض مع حالة التهدئة التي تستهدفها الحكومة للأوضاع المعيشية في ضوء عقد الانتخابات الرئاسية، ومن ناحية أخرى تتزايد المؤشرات الضاغطة على الاقتصاد المصري على المستوى الداخلي مثل ارتفاع التضخم الذي بلغ 39.7% في أغسطس 2023، أو على المستوى الخارجي مع استمرار رفع الفائدة على المستوى العالمي بما يزيد من أزمة جاذبية أدوات الدين المصرية للاستثمار، وهو ما ينعكس على تباطؤ إمكانية سد الفجوة التمويلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري.

 

ترصد هذه الورقة واقع الاقتصاد المصري في ضوء مؤشرات الربع الثالث من عام 2023، وأهم الجهود الحكومية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، وتستكشف المسارات المتوقعة للاقتصاد المصري في ظل انعقاد الانتخابات الرئاسية المقبلة وما يصاحبها من تداعيات.

 

محددات مستقبل الاقتصاد المصري 

يتوقف وضع الاقتصاد المصري ومصيره، في الأفق القريب، على عدة مُحددات يتركز معظمها في الجدل الدائر حول موعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي لإتمام المراجعات المتأخرة، والتي يتوقف عليها مصير برنامج الإصلاح ككل، وكذلك إمكانية جذب استثمارات أو الحصول على تمويلات جديدة، وتتمثل أهم هذه المحددات في الآتي:

 

  • مصير الإجراءات الإصلاحية المطلوبة من جانب صندوق النقد الدولي: إذ أقرّ الصندوق عدداً من الإجراءات لإتمام المراجعتين الأولى والثانية[1]، على رأسها تحرير سعر الصرف بشكل جاد وحقيقي، وتقديم خطة واضحة لتخارُج الدولة من القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومن ضمنها برنامج الطروحات الذي أعلنت مصر عن نتائج جزء منه، مع التخطيط لتوسيع مدى الطروحات خلال الفترة المقبلة، عبر طرح 35 شركة للحصول على تمويلات بقيمة 5 مليارات دولار من جانب الاستثمارات الخليجية على وجه التحديد. وتحاول الحكومة المصرية بذلك تسريع وتيرة الإجراء الخاص بالطروحات في محاولة لإتمام المراجعات قبل نهاية العام، وهو الأمر الذي أبدى فيه صندوق النقد الدولي نظرة إيجابية، إذ يعتقِد “أن الحكومة [المصرية] باتت أكثر جدية بشأن تنفيذ عمليات بيع طموحة من أصول الدولة بعد عدد من الصفقات البارزة”، لكنه لايزال ينظر بشكل سلبي متزايد للسياسات النقدية ونظام سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، في ظل التراجع الحالي في مستوى تنفيذ تحرير سعر الصرف والعودة لنظام سعر الصرف المدار من جانب البنك المركزي. ويربط الصندوق التقدم المحرز في هذا الإجراء تحديداً بمصير إتمام المراجعات المتأخرة، في حين ترى الحكومة حالياً أنه إجراء حساس ويحتمل المخاطرة في ظل التحضير للانتخابات الرئاسية ومحاولة القيادة السياسية تخفيف الضغوط الاقتصادية على المواطن المصري بتأجيل بعض الإجراءات الإصلاحية التي قد ينتج عنها موجات تضخمية، مع اتخاذ بعض القرارات التي تُصنَّف تحت بند الحماية الاجتماعية وتحسين مستويات الأجور.

 

  • ضغوط الدين العام: يُعدّ أحد أكثر أبعاد المشكلة الاقتصادية تفاقماً، إذ إن جزءاً كبيراً من الديون المصرية الخارجية تعود إلى جهات دائنة متعدّدة الأطراف لا تقبل بإعادة التفاوض بشأن الدَّين، فيما تكمُن مشكلة الدين في مصر في أن أجل استحقاقه أصبح قصيراً للغاية ما يستلزم توفير الاعتمادات المالية للسداد في أقرب وقت، وهو ما كان يُعوَّل عليه من خلال برنامج الطروحات والتمويلات الموازية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المموّل من صندوق النقد الدولي، فيما سيتوجب على مصر سداد 29.2 مليار دولار، أي ما يقرب من خُمس إجمالي التزامات ديونها الخارجية في عام 2024 وحده، بينما بلغت مدفوعات الديون المصرية في أغسطس 2023 بين عامي 2024 و2027 حوالي 83.7 مليار دولار، ويتجاوز هذا الرقم التقديرات الصادرة في يونيو 2023 بنحو 6.4 مليارات دولار.

 

  • توقيت الانتخابات الرئاسية المقبلة: إذ تأتي الانتخابات الرئاسية في توقيت حرج بالنظر إلى تزامنها مع وضع اقتصادي صعب، وقرارات اقتصادية مؤجلة، ومن المتوقع أن يُدار الملف الاقتصادي خلال الربع الرابع من العام الحالي بما يتماشى -قدر الممكن- مع تحقيق رضا شعبي وتخفيف الضغوط الاقتصادية، قبل القيام بموجة واسعة وشاملة وغير مسبوقة من الإجراءات الإصلاحية بعد إتمام الانتخابات، وذلك خلال الربع الأول من عام 2024، قد يكون لها تأثير بالغ على الأسعار والتضخم ومستويات معيشة المواطن ومستوى الرضا الشعبي.

 

  • الضغوط الخارجية على الاقتصاد المصري: فقد يدفع الارتفاع الحالي في أسواق النفط[2] إلى تأخير خطط خفض أسعار الفائدة، وهو الاتجاه الذي بدأ يضغط على سندات وعملات الأسواق الناشئة المستوردة للنفط، فيما ساهمت التلميحات الأخيرة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمواصلة تشديد السياسات النقدية في دفع الدولار إلى أعلى مستوياته خلال ستة أشهر، وهي خطوة تفرض أيضاً ضغوطاً على الديون السيادية وعملات الاقتصادات الناشئة، كما يترتب على ارتفاع أسعار الشحن البحري، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، ونقص الخامات وزيادة أسعارها، عدم القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية وضعف المبيعات في الأسواق المحلية.

 

جهود حكومية متعددة الأهداف، ومحدودة التأثير 

دارت أغلب ملامح المشهد الاقتصادي المصري خلال الشهور الثلاث الماضية والإجراءات التي اتخذت من قبل الحكومة، في فلك التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والحد من تردي الأوضاع المعيشية تمهيداً لانعقاد الانتخابات الرئاسية في أجواء هادئة نسبياً؛ ومن أبرز الجهود الحكومية ما يلي:

 

  • التوسُّع في اتفاقيات تبادل العملات من أجل محاولة سد الفجوة التمويلية وتوفير الواردات من السلع الأساسية: حيث أبرم مصرف الإمارات المركزي مع البنك المركزي المصري ‏اتفاقية لمقايضة العملات (الدرهم والجنيه) تزيد قيمتها عن مليار دولار، وبالتوازي ناقش البنكان المركزيان المصري والصيني اتفاقية محتملة لمبادلة العملة، خلال المباحثات التي عقدت في بيجين، في نهاية سبتمبر 2023، بالإضافة إلى التشاور حول خطط مصر لإصدار سندات الباندا المقوّمة باليوان وبقيمة 500 مليون دولار في الصين، فيما سيبحث البنك المركزي المصري مع نظيره التركي في أكتوبر 2023 آلية تطبيق التبادل التجاري بين البلدين بالعملات المحلية.

 

  • محاولات الحفاظ على أسعار الفائدة وضبط التضخم: على رغم معدلات التضخم المرتفعة قرَّرت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري في نهاية سبتمبر 2023 الإبقاء على أسعار الفائدة عند معدَّلاتها البالغة 19.25% للإيداع، و20.25% للإقراض، ليأتي القرار متماشياً مع التوقعات بإتاحة الفرصة لظهور تأثير الزيادة الأخيرة لسعر الفائدة، بواقع 100 نقطة أساس، على التضخم.

 

  • إصدار قرارات رئاسية للحد من تأثير الأزمة الاقتصادية على المواطن؛ حيث أعلن الرئيس عبدالفتاح  السيسي، في نهاية الأسبوع الثاني من سبتمبر 2023، عن ثمانية قرارات تهدف للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية في مصر، ومن أهم هذه القرارات رفع الحد الأدنى للأجور في مصر إلى 4 آلاف جنيه، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25%. لكن تظل هذه القرارات ذات قدرة محدودة على التأثير على مستوى إنفاق المواطن في ظل ابتلاع التضخم لأي زيادة تحدث في الدخل، بالإضافة إلى أن هذه الزيادات يقابلها زيادات غير مخططة للأسعار[3].

 

  • التوسُّع في إبرام عقود تحوّط لبعض السلع الاستراتيجية بالتزامن مع تقلبات أسعار النفط، وذلك بهدف تفادي أية صدمات في الأسعار الخاصة بالسلع الأساسية خلال الفترة المقبلة، لكن تبقى هذه العقود مُكلِفة للدولة لأنها تتطلب تكلفة تأمينية مقابل التحوّط، ما يعني عدم القدرة على توسيع نطاقها بشكل كبير ليشمل كل السلع.

 

  • وضع قيود على تصدير بعض المواد الغذائية من أجل محاولة خفض أسعارها المحلية وتوفيرها للاستهلاك المحلي، حيث حُظِرَ تصدير البصل لمدة ثلاثة أشهر في محاولة لاحتواء ارتفاع الأسعار في السوق المحلية، في ظل التخطيط لتوسيع نطاق القرار ليشمل سلعاً أخرى مثل الطماطم والبطاطس والفاصوليا للسيطرة على الأسعار التي ارتفعت بشكل كبير، إلا أن هذا الإجراء سيؤثر في عائدات الدولة من الصادرات، وبالتالي عائداتها من العملة الأجنبية، بالإضافة إلى أن وقف التصدير لا يعني توفير السلع إذ قد يلجأ بعض التجار لتخزينها واحتكارها.

 

  • توسيع نطاق الرخص الاستثمارية من خلال إصدار رخص فضية للشركات الناشئة في الربع الأخير من 2023، وذلك للمساعدة في تذليل العقبات الإدارية التي تواجهها، وتوفير تسهيلات لعملية تسجيل الشركات الناشئة وإنشاء مقارها الرئيسة في مصر بدلاً من الخارج.

المؤشرات الاقتصادية

واصلت المؤشرات المتحققة خلال الربع الثالث من عام 2023، والدالة على أوضاع الاقتصاد المصري، تضارُبها الكاشف عن حالة التأزم وعدم الاستقرار التي باتت تُشكل أحد السمات الأساسية للاقتصاد المصري، وألقى ذلك بظلاله على الرؤى والتقييمات الخارجية للوضع الاقتصادي في مصر.

 

1. المؤشرات الإيجابية 

من أبرز المؤشرات الإيجابية المتحققة خلال الربع الثالث من عام 2023 ما يلي:

 

  • الانضمام لتجمع “بريكس” ابتداءً من عام 2024، ما قد يعطي مؤشراً إيجابياً بشأن إمكانية التعامل بالعملات المحلية مع دول التجمع وتقليل الضغط على الاحتياطي النقدي، لكن الأمر ليس إيجابياً بالشكل الكامل في ظل وجود عجز في الميزان التجاري بين مصر ومعظم دول التجمع، ما يعني أن هذه الدول هي المستفيد الأكبر من أية ترتيبات تجارية مستقبلية في العلاقة مع مصر.

 

  • فرص واعدة في بعض القطاعات الاقتصادية على رغم الأزمة الحالية: إذ يتزايد الاهتمام بقطاع الألمونيوم في مصر من جانب الشركات الخليجية[4]، فيما يشهد قطاع الدواء زخماً كبيراً رغم التحديات الاقتصادية، حيث يتمتع القطاع بفرص مهمة، ويُعد سوق الأدوية في مصر من بين أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث بلغت قيمته 69.2 مليار جنيه مصري في عام 2022. وبالتوازي، يشهد القطاع العقاري إقبالاً من قبل المشترين الخليجيين، حيث يرغب حوالي 94% من المستثمرين الخليجيين الذين يمتلكون أكثر من مليون دولار أصولاً استثمارية في شراء عقارات بمصر، ويُخطط 56% منهم للقيام بذلك خلال العام الحالي، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة “نايت فرانك” التعاون مع “يوغوف”. وفي هذا السياق، أوشك تحالف يضم الشركة السعودية المصرية للتعمير وشركة الشعفار الوطنية للمقاولات العامة الإماراتية على تولي مهمة تطوير أرض الحزب الوطني بوسط القاهرة، من خلال شراء الشركة السعودية المصرية وشركة الشعفار لحصة في الشركتين المشتركتين المؤسستين خصيصاً من قبل صندوق مصر السيادي لإدارة المشروع البالغة قيمته 5 مليارات دولار عبر زيادة رأس المال. ومن ناحية أخرى، يقترب جهاز قطر للاستثمار من التوصل إلى تسوية مع المصرية للاتصالات للاستحواذ على جزء من حصتها البالغة 45% في فودافون مصر، فيما رفعت الشركة السعودية المصرية للاستثمار – ذراع صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مصر- حصتها في شركة “إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية”، إحدى أكبر شركات المدفوعات الإلكترونية في مصر، إلى 25% وتخطط للوصول بالحصة إلى نحو 28% من أسهم الشركة، كما يجري صندوق الاستثمارات العامة السعودي مفاوضات متقدمة للاستحواذ على 3 شركات مصرية غير حكومية تعمل في قطاعات التطوير العقاري والتعليم والقطاع الصحي، ويخطط الصندوق لإنهاء الصفقات الثلاث قبل نهاية العام الجاري، وقد جاء التوجه للشركات غير الحكومية بعد توقف مفاوضات استحواذ الصندوق على المصرف المتحد. وعلى صعيد آخر، أعلنت الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبيك) أن وحدتها المصرية وقَّعت اتفاقية شراكة مع شركة “بي.جي إنترناشونال” التابعة لشركة “شل”، للاستحواذ على حصة عاملة نسبتها 40 % من امتياز قطاع 3 دلتا النيل المصري الواقع في البحر المتوسط، بهدف تعزيز الأصول البحرية والأنشطة الاستكشافية للشركة في مصر.

 

  • سداد فوائد وأقساط ديون، بمليارات الدولارات، خلال النصف الأول من عام 2023: حيث أكد وزير المالية المصري أن مصر سددت نحو 25.5 مليار دولار فوائد وأقساط ديون، في النصف الأول من العام الحالي، فيما سددت بشكل إجمالي نحو 52 مليار دولار من أقساط وفوائد التمويلات المستحقة عليها خلال العامين الماليين (2021-2022) و(2022-2023)، وهو ما يعني -وفقاً لتأكيد الوزير- التزام الدولة المصرية وعدم تخلفها عن سداد الديون، ومع ذلك فإن معظم ما تم سداده هو عبارة عن فوائد ومستحقات خدمة الدين المتراكمة.

 

2. المؤشرات السلبية

من أبرز المؤشرات السلبية المتحققة خلال الربع الثالث من عام 2023 ما يلي:

 

  • تراجُع الثقة في أدوات الدين المصرية، نتيجة للعوامل الضاغطة، بما فيها الانتخابات الرئاسية، التي ستضعف قدرة الحكومة على السير في الإجراءات الإصلاحية، حيث تخضع السندات المصرية للمراجعة بشأن الشطب المحتمل من مؤشر بنك جيه بي مورجان لسندات الأسواق الناشئة الذي يحظى بمتابعة واسعة، ويدرس جيه بي مورجان إمكانية استمرار إدراج مصر ضمن المؤشر من عدمه خلال الأشهر الثلاثة إلى الأشهر الستة المقبلة، مع بقاء السندات السيادية للبلاد ضمن المؤشر خلال فترة المراجعة[5]. فيما تبنّى بنك مورجان ستانلي نظرة مستقبلية سلبية للديون المصرية وسط مخاوف بشأن الفجوة التمويلية وحالة عدم اليقين بشأن الإصلاحات التي يتطلبها اتفاق من صندوق النقد الدولي، وخفّض البنك تصنيفه للديون السيادية المصرية إلى “عدم التحبيذ” من “محايد”، في ظل ما قال إنَّها “مخاطر متزايدة” في الأشهر المقبلة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2023، والتي أشار إلى أنها ستُضعِف قدرة مصر على مواصلة الإصلاحات الاقتصادية. وقد صنَّفت وكالة بلومبرغ مصر بأنها ثاني أكثر الدول عرضة لأزمة الديون على مستوى العالم. وفي الإطار ذاته، ذكرت شركة مؤشرات الأسهم العالمية إم إس سي آي، في يونيو 2023، أنها قد تمضي نحو إعادة تصنيف مؤشراتها المصرية من وضع “ناشئة” إلى “مبتدئة” أو “مستقلة”، مُرجعة ذلك إلى أزمة نقص العملة الأجنبية، فيما أكدت وكالة “موديز” إنها توسع نطاق المراجعة لخفض التصنيف الائتماني لمصر[6].

 

  • تزايُد أزمة الفجوة التمويلية: حيث تواجه مصر فجوة تمويل متراكمة من النقد الأجنبي تبلغ نحو 11 مليار دولار في نهاية العام المالي 2027-2028، في حين سيبلغ متوسط متطلبات التمويل الخارجي لمصر نحو 20 مليار دولار في السنة على مدى الأعوام الخمس المقبلة.

 

  • تدهور السيولة الدولارية لدى القطاع المصرفي: فقد اتسع صافي الالتزامات الخارجية بالبنوك العاملة بالقطاع المصرفي إلى أكثر من 16.5 مليار دولار في أغسطس 2023 من 16.2 مليار دولار في يوليو 2023. وتدهور صافي الالتزامات الأجنبية بالبنوك العاملة بالقطاع المصرفي بشكل كبير خلال العامين الماضيين، إذ تأرجح من فائض قدره 26.4 مليار جنيه في يونيو 2021 إلى عجز قياسي قدره 529 مليار جنيه (17.1 مليار دولار) في يونيو من هذا العام، بسبب أزمة نقص العملة الأجنبية المستمرة[7].

 

  • التحديات غير المسبوقة التي واجهتها الشركات غير المنتجة للنفط في مصر، نتيجة مشكلات سلاسل التوريد والتضخم السريع في نهاية الربع الثالث، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأعمال غير المنجزة مع انكماش مستويات الإنتاج على نحو حاد، في وقت ساهم ضعف سعر الصرف في ارتفاع آخر حاد في تكاليف مستلزمات الإنتاج الإجمالية، مما أدى إلى ارتفاع قوي في أسعار البيع[8].

 

  • استمرار ارتفاع مستويات التضخم: إذ قفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى 37.4% في أغسطس 2023، ليواصل تسجيل مستويات قياسية مدفوعاً بالزيادات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية، وفي المقابل حدث انخفاض طفيف جداً في معدل التضخم الأساسي إلى 40.3% في شهر أغسطس 2023 على أساس سنوي من 40.7% في يوليو 2023.

 

المسارات الاقتصادية المتوقعة

في إطار المتغيرات والمحددات الآنفة الذكر، يُمكن طرح ثلاثة مسارات متوقعة للاقتصاد المصري، على المدى القريب، وذلك على النحو الآتي:

 

المسار الأول: إتمام صندوق النقد الدولي للمراجعتين المتأخرتين قبل الانتخابات الرئاسية بهدف تحسين المؤشرات الاقتصادية وإنقاذ الاقتصاد من الدخول في مرحلة أسوأ وأكثر تعقيداً، الأمر الذي يستلزم خفض قيمة الجنيه، وهو الشرط الأساسي المتبقي لمصر لإتمام لمراجعتين الأولى والثانية، ولكن هذا الإجراء قد يؤدي إلى خلق حالة من السخط الشعبي، وهو ما قد يجعل الحكومة المصرية تتردد في المضي فيه قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

المسار الثاني: الاتفاق على حل وسط مع صندوق النقد الدولي يمكن من خلاله إتمام المراجعات قبل الانتخابات مع تأجيل إجراء تخفيض قيمة الجنيه[9] لما بعد الانتخابات، وهو ما سيُمكِّن الحكومة المصرية من تحسين مستوى الاحتياطي النقدي لديها، وجذب مزيد من التمويلات لتحسين التزاماتها الخارجية. لكن هذا المسار يواجه تحديات حقيقية، أهمها عدم موافقة الصندوق عليه، باعتبار أن الإجراءات التي يتضمنها لن تؤدي إلى تعديل السياسة النقدية ولا يمكن أن تؤدي بالتالي لحل أزمة الديون؛ ويرى الصندوق أن أزمة الديون بشكل خاص، والأزمة الاقتصادية بشكل عام، ستتفاقم إذا بقيت السياسة النقدية على حالها.

 

المسار الثالث: تأجيل بعض الإجراءات الإصلاحية لما بعد الانتخابات الرئاسية، ومن أهمها تحرير سعر الصرف مقابل التقدُّم في بعض الإجراءات مثل برامج الطروحات بهدف تفادي حصول أي تأثير سلبية تثير استياء الشارع المصري قبل الانتخابات. وتشمل الإصلاحات المتوقعة في وقت مبكر من العام المقبل 2024 رفع دعم الطاقة، وزيادة كبيرة في أسعار الفائدة بما قد يتجاوز 300 نقطة أساس، وقراراً بتعويم الجنيه، وهو ما يتماشى مع حقيقة أن لدى مصر ديوناً بقيمة 5.1 مليارات دولار لصالح صندوق النقد الدولي خلال العام المقبل، وهو الرقم الذي يتجاوز قيمة القرض الحالي.

 

ومع أن هذا المسار قد يؤدي إلى حدوث حالة من السخط الشعبي بعد الانتخابات، بالنظر إلى أن الإجراءات المخطط لها ستكون واسعة التأثير على التضخم والأسعار ومستويات المعيشة، إلا أنَّه يظل الأكثر ترجيحاً باعتبار أن الحكومة المصرية لن تخاطر حالياً بخفض قيمة الجنيه قبل الانتخابات، كما أن صندوق النقد الدولي لن يقبل -على الأغلب- حلاً وسطاً لإتمام المراجعات دون تخفيض قيمة العملة المصرية.

 


[1] من شأن هاتين المراجعتين في حال إتمامهما توفير 700 مليون دولار لمصر، والأهم من ذلك، تقديم دفعة من الثقة للمستثمرين بأن الدولة المصرية على المسار الصحيح للخروج من أزمتها الراهنة. ويعني عدم توصل مصر إلى اتفاق حول المراجعتين أنها لن تحصل على المبالغ المطلوبة في الموعد المحدد.

[2] ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30% خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتصل إلى أعلى مستوياتها في 10 أشهر على خلفية تخفيضات الإمدادات من قبل السعودية وروسيا.

[3] تشمل القرارات زيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية من 300 إلى 600 جنيه لكل العاملين بالجهاز الإداري للدولة، والهيئات الاقتصادية، وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام، وزيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من “تكافل وكرامة” لأصحاب المعاشات بنسبة 15%، وبإجمالي 5 ملايين أسرة، فضلاً عن مضاعفة المنحة الاستثنائية لأصحاب المعاشات والمستفيدين منها لتصبح 600 جنيه بدلاً من 300 لإجمالي 11 مليون مواطن. ووُجِّه أيضاً بسرعة تطبيق زيادة بدل التكنولوجيا للصحفيين المقيدين بنقابة الصحفيين المصرية، وفقاً للمخصصات بذات الشأن  في الموازنة العامة للدولة. وكُشِفَ عن إطلاق البنك الزراعي المصري مبادرة بهدف التخفيف عن كاهل صغار الفلاحين والمزارعين من الأفراد المتعسرين مع البنك قبل يناير 2022، مع إعفاء المتعسرين من سداد فواتير وغرامات تأخير سداد الأقساط المستحقة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بنهاية عام 2024.

[4] تُجري وزارة قطاع الأعمال العام محادثات مع شركة ألومنيوم البحرين (ألبا) لإنشاء مصنع في سفاجا لإنتاج مادة البوكسيت، وهي المادة الخام للألومنيوم، فيما تُجرى مباحثات مع شركة الإمارات للألومنيوم لإنشاء مصنع في موقع جديد خارج مدينة نجع حمادي، مع التركيز على أن يكون الموقع الجديد قريباً من منافذ التصدير. ويعد الألمونيوم من القطاعات الرابحة في مصر، حيث ارتفع صافي أرباح شركة مصر للألومنيوم في السنة المالية الماضية 2022-2023 بنسبة 47.5 % إلى 3.69 مليار جنيه (119.6 مليون دولار)، مقابل 2.5 مليار جنيه في السنة المالية 2021-2022.

[5] يواجه المستثمرون عقبات مادية في تحويل عوائد الاستثمارات التي يضخوها في السندات المصرية، ووفقاً للبنك إذا استمرت العقبات التي ذكرها المستثمرون، سيستدعي ذلك إجراء مراجعة لحذف مصر من مؤشر جي بي أي للأسواق الناشئة، الذي عادت إليه مصر العام الماضي بعد أن خرجت منه جراء التقلبات الاقتصادية التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011. وانخفض الوزن النسبي لمصر بالمؤشر إلى 1% منذ إدراجها، ما يعني أن الخروج منه سيمثل تراجُع للنقطة التي كانت عليها مصر قبل بعد يناير 2011 على مستوى تراجع الثقة في أدوات الدين.

[6] حسب مؤشرات بلومبرغ، فقد خسرت إصدارات ديون مصر الدولارية نحو 9% من قيمتها هذا العام، وهي الأسوأ أداء بين الأسواق الناشئة بعد بوليفيا والإكوادور، كما يقبع العديد من سنداتها في منطقة التعثر، مع ارتفاع العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون لشراء سندات مصر الدولارية بدلاً من سندات الخزانة الأمريكية، إلى 1165 نقطة أساس.

[7] إن وضع صافي الالتزامات الأجنبية في مصر لا يبدو جيداً، إذ يؤدي مزيج من التدفقات الأجنبية الخارجة وتراكم الواردات وسعر الصرف المدار، إلى تفاقم ضغوط السيولة الأجنبية في القطاع المصرفي.

[8] استمرت التحديات التي تواجه الشركات نتيجة عودة مشكلة نقص المواد الخام، ومستلزمات الإنتاج المستوردة بسبب عدم توافر العملة الأجنبية، بعد أن شهد الربع السابق انفراجة مؤقتة في الإفراج عن الواردات، ويُضاف إلى ذلك معاناة المصانع من انقطاع الكهرباء، وعدم توافر الوقود (المازوت)، وتراجع الطلب المحلى نتيجة لضعف القوة الشرائية مع استمرار التضخم، إلى جانب تراجع الطلب الخارجي بسبب عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات التصديرية في موعدها، ما دفع عملاء هذه الشركات إلى البحث عن أسواق تصديرية أخرى غير السوق المصري.

[9] لا يوجد أمر ملزم لصندوق النقد الدولي بشأن إتمام المراجعات شريطة القيام بالإجراءات الإصلاحية كافة من عدمه، ففي بعض الأحيان، ولدوافع سياسية بالأساس، يذهب الصندوق إلى إتمام بعض المراجعات أو تأخير بعض الإجراءات الإصلاحية لمراجعات لاحقة، وهو ما حدث في حالة برنامج الإصلاح الاقتصادي للأرجنتين مع صندوق النقد الدولي من قبل، وغيرها من الحالات التي تؤكد أن الحسابات السياسية قد تتحكم أحياناً في الاعتبارات الفنية التي يبني عليها الصندوق مراجعاته، بالرغم من أن هذا الأمر في الحالة المصرية قد يكون صعباً هذه المرة، نظراً لأن الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية لا تخدم الحكومة المصرية التي وصلت لمرحلة سيكون من الصعب فيها على الصندوق الاعتراف بنتائج أعمال الفترة السابقة من برنامج الإصلاح الاقتصادي دون إصلاح السياسة النقدية التي كانت المشكلة الأكبر في البرنامج الإصلاحي السابق تنفيذه مع الصندوق قبل جائحة كورونا.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/alaintikhabat-alriyasia-tasbiq-murajaat-sunduq-alnaqd-alduwali-almasarat-alaiqtisadia-almuhtamalat-fi-misr

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M