الجائحة تنشر التطرف فهل تساعدني الحكومة على محاربتها؟

صديق خان 

 

كان تركيزنا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة منصباً على مواجهة الأثر المدمر لكوفيد-19. فالحياة التي نعرفها قد تغيرت بشكل درامي فيما بقينا نقدم تضحيات كبيرة، ونؤدي ما علينا  لتقليص انتشار الفيروس.

وتمثلت إحدى النتائج العديدة التي ترتبت على الإغلاق في تراجع عدد الجرائم بشكل عام. وهذا بالطبع أمر يستحق الترحيب. لكن مع هبوط في أعداد الجرائم، هناك بعض النواحي التي ما زالت موضع قلق حقيقي، ومنها ازدياد حدة التطرف.

نعرف أن الأوقات التي يسودها عدم اليقين، والمعاناة قابلة لأن تكون مرتعاً خصباً للكراهية والانقسام فيما يستغل المتطرفون الفرصة لتصيد أولئك الهشين، سريعي التأثر. ومع بقاء أعداد كبيرة من الأشخاص في بيوتهم، معزولين يستخدمون الإنترنت، أجدني قلقاً من أن يستغل المتطرفون هذه الفترة كي يروجوا للكراهية، ونظريات المؤامرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يستخدم المتشددون على اختلاف عقائدهم الفضاء الإلكتروني ميدان قتال يسعون فيه إلى تحفيز الأشخاص سريعي التأثر والساخطين وتجنيدهم، وذلك من خلال استغلال الدين والمشاعر الوطنية، وتحريفها لصالح غاياتهم الفتاكة.

لم يكن الاعتداءان الرهيبان اللذان شهدتهما بلدتا “ريدنغ” و”ستريتهام” سوى حادثين وقعا أخيراً، ويظهران أن تهديد الإرهاب ما زال حاضراً بقوة. شاهدنا أيضاً محاولات اليمين المتطرف لاختطاف حركة “حياة السود مهمة”، إضافة إلى التهديد المتواصل من داعش، ومجموعات مشابهة أخرى، وكلها تحذيرات صارخة من أن التطرف ما زال يشكل تهديداً حقيقياً لكياناتنا المجتمعية.

إن هذه المسألة تمثل مصدر قلق شديد بالنسبة لي، ويجب أن تكون كذلك بالنسبة للحكومة.

وكان آخر تقرير صدر عن “لجنة مكافحة التطرف” Commission on Countering Extremism قد شدد على الحاجة الطارئة لبذل مزيد من الجهود لإيقاف أولئك الذين يسعون إلى بثّ الفُرقة، وتقويض النسيج الاجتماعي لبلادنا. نحن بحاجة إلى دعم الحكومة لمعالجة هذه المشكلة الوطنية، التي تمثل أكبر تهديد لبلادنا.

على الحكومة أن تبدأ بالاعتراف بخطورة الوضع، أولئك الذين يسعون إلى نشر الكراهية والتعصب تجاه الكيانات الإثنية، والعرقية والدينية، يستخدمون، الآن بشكل فعال، الأزمة الوطنية لاستهداف الأشخاص الهشين سريعي التأثر، وتجنيدهم لصالح أهدافهم المختلة. وينبغي بها أيضاً أن تتخذ بصورة فعالة من مدينة لندن قدوة لها، وذلك من خلال تكريس موارد ضخمة لدعم الكيانات المجتمعية في شتى أنحاء البلاد لمواجهة التطرف.

وفيما تتأخر الحكومة في أداء ذلك، بدأت أنا باتخاذ إجراءات ترمي إلى تمكين كياناتنا المجتمعية من العمل معاً ضد الكراهية والتطرف، وذلك في إطار برنامج بلدية لندن City Hall، “مكافحة التطرف العنيف” Countering Violent Extremism الذي تبلغ تكلفته مليون جنيه إسترليني. وفي أوائل هذه السنة، ضممت جهودي إلى جهود موقع Google.org لاستثمار 800 ألف جنيه إسترليني في العاصمة من أجل دعم المنظمات المحلية العاملة في قلب كياناتنا المجتمعية لتنفيذ برامج تهدف إلى الوقوف في وجه العنصرية، والكراهية، والتعصب، والتطرف.

 هذا الاستثمار هو جزء من “صندوق المساعي المشتركة” Shared Endeavour Fund الذي أسستُه، وقد بلغ الآن مرحلته الأخيرة في دعم المشاريع التي تتصدى لأشد مظاهر الآيديولوجيات المتطرفة، ونظريات المؤامرة المشبعة بالكراهية، إلحاحاً في الوقت الحالي. وهذا يشمل مشاريع مثل “إكزيت يو كَي” Exit UK، الذي يعمل من خلاله أعضاء سابقون في منظمات يمينية متطرفة داخل شتى مناطق لندن، لرصد إشارات تحذيرية من وجود استعداد لتأثر سريع بأفكار اليمين المتطرف، وبرنامج “صندوق آن فرانك” الذي يقدم للشباب المعرفة، والمهارات والثقة لمواجهة العنصرية، والكراهية والتعصب والتطرف.

حملت جائحة كوفيد-19 من دون شك الكيانات المجتمعية على توحيد صفوفها. ففي هذه الظروف الصعبة والملتبسة، أظهرنا للعالم أن قيمنا في اللياقة، والتسامح والاحترام المتبادل تبقى قوية كما كانت دائماً. لكن علينا دائماً أن نحترس من الخطر الذي يشكله أولئك الذين يسعون إلى زرع الشقاق ونشر الكراهية.

سأواصل القيام بكل ما أستطيع في لندن، والعمل عن كثب مع الشرطة، والشركاء الأمنيين والكيانات المجتمعية في مناطق العاصمة كافة، فيما نحن نصارع آفة التطرف.

غير أننا بأمس الحاجة لمزيد من الجهود من جانب الحكومة الآن، بغرض منع الانتشار السريع للتطرف. فالأصوات الخبيثة تتعالى وتزداد صخباً مستهدفة أبناءنا الأكثر هشاشة والأسرع تأثراً. علينا أن نعمل معاً الآن لإيقاف هذا التيار وإنقاذ الأرواح.

( صديق خان محافظ مدينة لندن )

رابط المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/135436/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D9%81%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%9F

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M