عبد الفتاح الجبالي
كيف سيتعامل البنك المركزي المصري مع ما يحدث في الأسواق الدولية؟ هذا هو التساؤل المطروح بعد أن قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة للمرة الثالثة خلال العام وبنسبة 75 نقطة أساس في سابقة لم تحدث منذ نوفمبر 1994. الأمر الذي رفع سعر الدولار ووضعه في أعلى مستوى له منذ 2002. ويبدو أن هذه السياسة ستستمر حتى نهاية عام 2023 حيث يرى الفيدرالي الأمريكي ان خفض الفائدة لن يبدأ إلا في 2024، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في معدلات التضخم الأمريكي والذي وصل لأعلى مستوياته منذ 40 عاما. وهو نفس الوضع تقريبا في معظم البلدان الأوروبية، وهو ما جعل محافظ البنك المركزي البريطاني يبدى قلقه من هذه الموجة التضخمية قائلا: إنه يشعر بالعجز امام ارتفاع التضخم الحالي, ومما زاد من تعقيد الوضع قيام البنوك المركزية في عدد من البلدان الخليجية (السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت) برفع أسعار الفائدة تماشيا مع القرار الأمريكي.
وتزامن ذلك مع هبوط قيمة الجنيه المصري وتراجع الاحتياطيات النقدية الى 35.5 مليار دولار في نهاية مايو 2022. ولذلك سيحاول البنك المركزي التعامل مع المسألة وإيجاد البدائل دون الضغط على الاحتياطي النقدي، خاصة ان تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر 2016 قد دفعه لرفع الفائدة حتى يحافظ على استقرار القيمة، وهي احد اهداف السياسة النقدية وفقا للمادة 7 من قانون البنك المركزي. ان قضية ادارة اسعار الصرف والنظم المرتبطة بها عموما قد اصبحت من اهم القضايا التي تواجه بلدان العالم اجمع (المتقدم والمتخلف)، وخاصة منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، مع التغيرات والتبدلات التى جرت على الساحة العالمية والنظام النقدي. وذلك انطلاقا من الدور الذي تلعبه فى اقتصادات الدول. ومالها من آثار وتداعيات ليس فقط على الاقتصاد القومي فحسب ولكن وهو الأهم على المجتمع ككل. فسعر الصرف له خصوصيته، مقارنة بباقي الأسعار، هذه الخصوصية تتشابه إلى حد كبير مع سعر الفائدة، فكلاهما يتعلق بتبادل بين وسائل الدفع فى شكل نقود أو صكوك دائنيه او مديونية، وكلاهما مع اختلاف فى التفاصيل يتحدد بعرض وطلب مشتقين من عرض وطلب السلع والخدمات، لأغراض الاستهلاك والاستثمار. وبالتالي يحتاج الى معاملة خاصة تنسجم مع طبيعته والعوامل المؤثرة فيه.
والسؤال المطروح هنا هل الجنيه المصري يعاني من أزمة؟ فالتعريف العلمي لأزمة العملة ينصرف الى الحالة التي يحدث فيها هجوم شديد على عملة بلد ما وينتج عنه انخفاض شديد فى قيمتها، يقدره البعض بنحو 25% سنويا على الأقل مع زيادة هذا الانخفاض عن السنة السابقة بمعدل 10% سنويا، أو تدهور فى الاحتياطات الدولية نتيجة لإجبار السلطات على الدفاع عنها عن طريق إنفاق كم هائل من الاحتياطات أو اللجوء إلي رفع أسعار الفائدة بشكل حاد. وغالبا ما تحدث الأزمة بسبب تراكم الاختلالات الاقتصادية بالبلاد، او بسبب خلل فى التمويل الخارجي يؤدى الى كشف جوانب الضعف الاقتصادية والمالية فى الاقتصاد القومي.
وقبل التعرض لهذا الموضوع لابد من تصحيح بعض الأخطاء الشائعة والمتداولة في هذه المسألة، إذ يخلط البعض بين التعويم والتخفيض على الرغم من الفارق الكبير بينهما، فالأول يشير إلى ترك سعر العملة ليحدد وفقا لظروف العرض والطلب، وهو ما يعنى نظريا على الأقل إمكانية الانخفاض او الارتفاع. وبالتالي فليس شرطا ان يكون التعويم مرادفا للتخفيض. ومن جهة أخرى فان هناك درجات مختلفة لعملية التعويم تختلف كثيرا عن مجرد ترك العملة لقوى السوق وحدها فهناك التعويم المدار والتعويم النظيف والتعويم القذر… الخ. وكل منها له سياسة اقتصادية محددة.
كما يخلط البعض بين التخفيض والانخفاض. إذ إن التخفيض عمل إرادي يتم في إطار سياسة اقتصادية ونقدية متكاملة تهدف إلى تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية للدولة، أما انخفاض قيمة العملة والذي يبلغ حد التدهور إذا ما استمر بمعدلات مرتفعة ومتراكمة فيعبرعن محصلة تفاعل قوى السوق وما يعانيه الاقتصاد القومي من اختلالات هيكلية من شأنها استمرار وتراكم عجز ميزان المعاملات الجارية. وهنا تشير الإحصاءات الى ارتفاع عجز حساب المعاملات الجارية الى 7.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2021/2022، وارتفاع عجز الميزان التجاري غير البترولي بنسبة 24.2%، وارتفاع عجز ميزان دخل الاستثمار الى 7.1 مليار دولار خلال نفس الفترة وهو ما أدى الى تحول الفائض في ميزان المدفوعات الى عجز، وهو ما أثر على الاحتياطي النقدي ناهيك عن سداد بعض الالتزامات المستحقة والمرتبطة بالمديونية الخارجية. وهو ما تزامن مع خروج المزيد من الاستثمارات الأجنبية في أوراق الدين الحكومي، وكلها أمور تضع صانع القرار النقدي امام معضلة، إما المزيد من التشدد في السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة للحفاظ على قيمة العملة وكبح جماح التضخم الذى واصل ارتفاعه في شهر مايو ليصل الى 15.3%، مع ما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية على النشاط الاقتصادي والدخول في حالة من الركود، في ظل الأوضاع الحالية حيث استمر مؤشر مديري المشتريات الذى يقيس نشاط القطاع الخاص في الانكماش للشهر الثامن عشر على التوالي، ناهيك عن الآثار الأخرى مثل ارتفاع عبء خدمة الدين، حيث يشير البيان المالي الى ان كل زيادة 1% في الفائدة تترتب عليها زيادة في فاتورة خدمة الدين، بنحو 28 مليار جنيه. مع ملاحظة ان متوسط الفائدة المرجح على اذون الخزانة لمدة 3 أشهر ارتفع من 11.3% في منتصف مارس الماضي الى 14.7% نهاية مايو. وزيادة معدل التضخم الخ. او الاكتفاء بما تم من رفع خلال الفترة الماضية، حيث قام برفع الفائدة 3% على مرتين (مارس ومايو)؟ وهو الأفضل للحالة المصرية الراهنة.
نقلا عن جريدة الاهرام الأربعاء 22 يونيو 2022
.
رابط المصدر: