الجولة الثالثة في إسرائيل: الديناميات المحلية والتداعيات على السياسة الخارجية

ديفيد ماكوفسكي

مع إقدام البرلمان الإسرائيلي على حلّ نفسه الأسبوع الماضي والإعلان عن إجراء دورة انتخابات ثالثة في غضون عام، تبدو إسرائيل مشلولة الحركة ومقسمّةً بين طرفين متعارضين. فالبلاد عالقة بحكومة انتقالية منذ كانون الأول/ديسمبر 2018، بينما لن تُجرى الانتخابات الجديدة قبل الثاني من آذار/مارس، مما سيطيل مدة المأزق إلى حدٍّ كبير. وخلال هذا الوقت من الجمود، تجنبت الحكومة الإسرائيلية القيام بعمليات عسكرية كبرى ولم تتمكن من الموافقة على الميزانية العسكرية، من بين القضايا المالية الأخرى ذات الأولوية العالية.

الطريق إلى إعادة الإعادة

في الانتخابات المعادة التي أجريت في أيلول/سبتمبر، انقسمت المقاعد بمعدل 57 مقعداً مقابل 55 بين تكتلي يسار -الوسط واليمين بينما استحوذت كتلة ترجيحية ثالثة على ثمانية مقاعد، مما يعني أن أياً من الطرفين لم يصل إلى الأغلبية الضرورية [لتشكيل حكومة] والبالغة 61 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً. ومع ذلك، لم يتزحزح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حين عُرضت عليه العديد من خيارات التسوية والتنازلات المحتملة، ولا حتى بعد توجيه الاتهام إليه بالرشوة وتُهم أخرى في 21 تشرين الثاني/نوفمبر. وبدلاً من ذلك، طالب بمشاركة حلفائه من الأحزاب المتشددة والمستوطنين في أي حكومة وحدة وطنية تضم خصومه الوسطيين الذين يرأسهم رئيس هيئة الأركان السابق وزعيم حزب “أزرق أبيض” اللفتنانت جنرال بيني غانتس. كما أصر على أن يشغل المرحلة الأولى الدورية لرئاسة الوزراء.

من جهته، طالب غانتس أن يتخلى نتنياهو عن طلب الحصانة عبر البرلمان ضد تهم الفساد الموجهة إليه. وفي محاولة لمعالجة هذا الطريق المسدود، طلب الرئيس روفين ريفلين من نتنياهو أن يعلن فقدان الأهلية مع صدور لائحة الاتهام ضده، ولكن رئيس الوزراء أزال هذا الخيار حين أعاد تعريف مصطلح “فقدان الأهلية” بتعريف مبسّط للغاية.

كما تمسّك صاحب المقاعد الترجيحية الثمانية وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان بموقفه أيضاً. وفي حين أعرب عن استيائه تجاه نتنياهو أكثر من استيائه تجاه غانتس، إلّا أنه أصر على أنه لن ينضم إلّا إلى حكومة وحدة، وليس حكومة يمينية أو من يسار-الوسط. وبالفعل، كان حزبه قد عمل تدريجياً على تغيير طابعه من حزبٍ للمهاجرين الروس – إذ أن هذه الهوية تفقد من زخمها بسبب تبدل الأجيال واندماج الأفراد في المجتمع – إلى حزبٍ مصمم على كبح نفوذ اليهود المتشددين. وأثبتت هذه الرسالة نجاحها الكبير لليبرمان في الانتخابات الأخيرة، حيث حصل على 137000 صوت إضافي في تشرين الأول/سبتمبر مقارنة بما حصل عليه في نيسان/أبريل. إلّا أن هذه الزيادة لم تساعد في كسر الجمود.

التحدّي الذي يُشكّله سَعَرْ

إن واقع سماح “حزب الليكود” لزعيمه نتنياهو بالإعلان عن انتخابات ثالثة على التوالي، هو برهان قوي على مدى سيطرته على الحزب. ومع ذلك، ظهر صدع كبير داخل الحزب منذ صدور لوائح الاتهام . ففي 26 كانون الأول/ديسمبر، سيُنافس جدعون سَعَرْ نتنياهو على رئاسة الحزب، وهو أول تحد أساسي جاد يواجهه رئيس الوزراء منذ عام 2006.

لقد سطع نجم سَعَرْ في حزب “الليكود” بعد أن شغل منصب سكرتير مجلس الوزراء في حكومة أريئيل شارون، ولكن نتنياهو وضع حدّاً لمسيرته الصاعدة في عام 2014 مع الحديث عن إمكانية أن يأتي سَعَرْ خلفاً لرئيس الوزراء. وصحيحٌ أن سَعَرْ لا يتمتع بالعلاقات التي يملكها نتنياهو مع قادة دول العالم، ولكنه لا يحمل عبء الإدانات. وعلى هذا النحو، يمكن بسهولة التوصل إلى حكومة وحدة بين غانتس و سَعَرْ. ومع أنّ سَعَرْ أصغر سنّاً من نتنياهو، فهو يجسد العودة إلى مبادئ “الليكود” القديمة التي ترسّخ الالتزام بالإجراءات الديمقراطية. وبناءً على ذلك، يأمل أن يتمكن من مناشدة بعض الناخبين المعتدلين من حزب “أزرق أبيض” في حال خوض الانتخابات المقبلة، وليس فقط من قاعدة “الليكود”.

وفي ضوء هذا التحدي، بدأ رئيس الوزراء فجأةً بزيارة مكاتب “الليكود” في مختلف أنحاء البلاد. وعلى الرغم من أن نتنياهو لا يزال المرشح المفضّل لدى الحزب، إلا أنه يعلم أن فوز سَعَرْ ليس ضرورياً لإيجاد دينامية حزبية جديدة تتمثل في التحضير للخلافة الحتمية. ويعتمد رئيس الوزراء على واقع رغبة العديد من الشخصيات الأخرى في “الليكود” في أن تخلفه، مما يمنحه حلفاء محتملين لاحتواء سَعَرْ على المدى القريب (على سبيل المثال، وزير الخارجية يسرائيل كاتس، ووزير الشرطة جلعاد أردان، ورئيس بلدية القدس السابق نير بركات).

وحتى الآن، أعربت الحكومة بأكملها عن تأييدها لنتنياهو، في الوقت الذي لا يملك فيه سَعَرْ إلا ستة مؤيدين في البرلمان من قيادات الحزب. ومع ذلك، إذا تمكّن من إقناع بضعة وزراء بإعلان حيادهم (على سبيل المثال، أردان) وجذب بعض رؤساء البلديات التابعين لحزب “الليكود” إلى قاعدته، فقد ينجح في إيجاد دفعٍ يؤدي إلى المزيد من الانشقاقات بين النواب وإلى ظهوره بصورة موقرة بما يكفي ليضع نفسه بمكانة الخلف الحتمي لنتنياهو حتى إذا لم يفز في انتخابات 26 كانون الأول/ديسمبر.

ولعل الفرصة المثلى لسَعَرْ تكمن في أي دليل على أن نتنياهو يسعى إلى إبرام صفقة تسوية مع المدعي العام  يوافق بموجبها على الخروج من معترك السياسة والإقرار بالخطأ مقابل إسقاط جميع التهم الموجهة إليه. وأحد الدلائل على إمكانية توجّه نتنياهو في هذا المسار هو أنه لم يفسّر قط سبب إصراره على تولي رئاسة الوزراء في المداورة الأولى خلال مفاوضات الائتلاف الفاشلة. فقد انهارت المحادثات بعد رفضه التخلي عن خدمة التناوب الأولي على رئاسة الوزراء التي أمدها ستة أشهر، لأن حزب “أزرق أبيض” أراد ضمانات متينة وحازمة لأي صفقة من هذا القبيل. ولربما رأى نتنياهو في صفقة التسوية مظلةً محتملة إذا سارت الحملة الانتخابية المقبلة بصورة غير جيدة بالنسبة له، على أساس أنه سيحظى بقدر أكبر من المساومة مع المدعي العام إذا كان لا يزال رئيساً للوزراء.

مكاسب غانتس

تبدو نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة مؤاتية لغانتس، حيث من المتوقع أن يفوز حزب “أزرق أبيض” بـ 37 مقعداً، وهو عدد مرتفع يحققه الحزب للمرة الأولى. ويمكن أن ينبع هذا الارتفاع من عدة عوامل.

أولاً، يبدو أن الرأي العام يعتبر نتنياهو المذنب الرئيسي في الاحتمال المستهجن بإجراء انتخابات ثالثة. ويمكن أيضاً التوقع من غانتس أن يكرر ويشدد على ضرورة ألا يكون قائد إسرائيل شخصاً يواجه ثلاث لوائح اتهام خلال الحملة الانتخابية المقبلة.

ثانياً، لم يعد يائير لبيد، وهو أحد كبار المسؤولين في “أزرق أبيض”، مصرّاً على التناوب على القيادة مع غانتس، مما يستبعد بالتالي أي تبعات انتخابية. فقد كان مسؤولو “أزرق أبيض” يخشون من عدم تمتع مقدّم البرامج الحوارية السابق بالجاذبية نفسها التي يتمتع بها الجنرال المتقاعد غانتس.

ثالثاً، من شأن الطبيعة الاستثنائية للانتخابات الثالثة أن تُحدث ما يُعرف بـ”تأثير القمع” حيث يصوّت عدد أكبر من الناس لأكبر حزبَين على أمل الخروج من المأزق. فإعادة تنظيم القيادة في الأحزاب الصغرى وتوحيدها في اليمين واليسار لم تحقق تقريباً أي مكاسب انتخابية في الفترة السابقة لانتخابات أيلول/سبتمبر، على الرغم من أن ذلك قد يُعزى إلى المكاسب الضخمة التي سجّلتها الأحزاب العربية (انظر أدناه) وليبرمان.

الطريق الشاق لنتنياهو: تداعيات محتملة على السياسة؟

إن أحد التحديات الكثيرة التي سيواجهها نتنياهو في الحملة الانتخابية المقبلة هو انتعاش الأصوات العربية التي كانت غير مبالية في نيسان/أبريل بل عادت لتنشط في أيلول/سبتمبر. وكان هذا التحوّل مدفوعاً إلى حد كبير بعاملين هما إعادة تشكيل ائتلاف “اللائحة المشتركة” للأحزاب العربية، والطلب الذي تقدّم به نتنياهو لوضع مندوبين من حزب “الليكود” في مراكز الاقتراع بالمناطق العربية وتزويدهم بأجهزة تسجيل. وفي حين تم إدانة الاقتراح الأخير في إسرائيل في ذلك الوقت وفشله في كسب تأييد الكنيست في نهاية المطاف، إلا أنه كان كافياً لحشد العرب [على التصويت بصورة أكثر في انتخابات أيلول/سبتمبر] – فازت أحزابهم بثلاثة مقاعد إضافية في أيلول/سبتمبر، وشكلت ما يقرب من نصف إجمالي الزيادة في عدد الأصوات مقارنة بشهر نيسان/أبريل (133000 صوتاً من أصل 271000 صوتاً).

ومن المفترض أن يكون نتنياهو قلقاً أيضاً من انخفاض نسبة المشاركة في صناديق الاقتراع بين أنصار “الليكود” بـ 25 ألف صوت خلال أيلول/سبتمبر، على الرغم من ارتفاع معدل الإقبال العام في البلاد. ويعتبر هذا الأمر مدهشاً لثلاثة أسباب، أولها أنه ضمّ الحزب اليميني لوزير المالية موشيه كحلون إلى كتلته، على افتراض أن ذلك سيضمن له الأصوات الـ 150 ألف التي فاز بها الحزب في نيسان/أبريل. لكن أصوات “الليكود” لم ترتفع في الجولة الثانية، بل بدا أن حزب “شاس” السفاردي المتشدد حصل على الكثير من أصوات كحلون. والسبب الثاني هو أن عدد الأصوات المخصصة للأحزاب اليمينية الصغيرة التي لم تستوفِ العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان انخفض بين نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر، من 250 ألف صوت إلى 83 ألف صوت. لكن نتنياهو لم يستفيد من هذا التحوّل أيضاً. أما السبب الثالث فهو أن أنماط التصويت في المدن الفردية تبين أن الزخم الذي كسبه ليبرمان في الجولة الثانية جاء من اليمين أكثر من الوسط، مما يشير إلى أن العديد من الناخبين أعطوا الأولوية لبرنامجه الخاص المتمثل بكبح جماح اليهود المتشددين وفضَّلوه على الأجندة اليمينية لنتنياهو.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تؤدي النتائج القاتمة التي حصل عليها نتنياهو في أيلول/سبتمبر إلى دفعه إلى مضاعفة نهج حملته الدعائية الأساسية في الدعوة إلى التصويت لليمين؟ إذا حدث ذلك – وعلى افتراض فوزه في الانتخابات الأولية لهذا الشهر – يمكن التوقع منه أن يشدد بصرامةٍ أكبر على قضايا مثل ضم الضفة الغربية. وفي المقابل، إذا ارتأى أن مقاربة اليمين المتطرف ستؤدي إلى نفور المزيد من الوسطيين، فقد يركز عوضاً عن ذلك على سياسات أقل إثارة للجدل مثل صياغة معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة (وهي فكرة يعارضها غانتس لأنه يعتقد أنها ستربط أيدي إسرائيل عسكرياً). حتى أنه جرى الحديث عن سعي نتنياهو إلى إبرام اتفاقيات حول تجنّب الاعتداءات مع الدول العربية، ومن بينها المغرب (ربما كوسيلة لجذب الناخبين من أصل مغربي سفاردي). ومع ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن أي من هذه الدول مهتمة بذلك في الوقت الحاضر.

وحتى الآن، تجنبت واشنطن إلى حد بعيد إبداء رأيها في هذه القضايا. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب كانت تأمل في طرح رؤيتها للسلام التي طال انتظارها إذا تم تشكيل حكومة وحدة، إلا أن هذا الطرح يبدو الآن معلقاً مرة أخرى.

الخاتمة

قد لا يكون نتنياهو وغانتس الخصم الأكبر لأحدهما الآخر، بل معدل إقبال الناخبين. ففي أيلول/سبتمبر، ارتفعت نسبة الإقبال على الرغم من التوقعات حول تعب الناخبين من الانتخابات واقتراب العطلة الصيفية، مما يشير إلى أن الشعب أدرك الأهمية الكبرى للانتخابات المُعادة. ولكن في أي مرحلة يصبح تعب الناخب تعباً من الانتخاب؟

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/round-three-in-israel-domestic-dynamics-and-foreign-policy-implications#.XfqBtyzsVIw.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M