اعداد : نافع أبوعبد الله – عبد الإله بن الصادق
- المركز الديمقراطي العربي
المحاور المؤطرة للدراسة
تأطير إشكالي.
- الجوانب المنهجية للدراسة.
- تفعيل السوسيولوجيا البصرية.
- تحليل المحتوى.
- الحراك العراقي بوصفه حركة اجتماعية.
- الحراك العراقي؛ محددات أولية.
- الحراك العراقي؛ محاولة للتوصيف.
- كرنولوجية تطور الأحداث الاحتجاجية في الحراك العراقي.
- ما قبل فاتح تشرين/أكتوبر، والتظاهرات المطلبية.
- ما بعد فاتح تشرين/أكتوبر وبنية الفرص السياسية.
- المطالب والأشكال التعبيرية للحركة الاجتماعية العراقية.
- مطالب الحراك العراقي.
- تنوع الأشكال التعبيرية للحراك العراقي.
- الحراك العراقي، أشكال وصيغ استعمال الفضاء العام.
- احتلال المواقع في بغداد وباقي المدن العراقية.
- الفضاء العام؛ بين نجاح وإخفاق الحركة الاجتماعية.
تأطير إشكالي.
يشكل التغير الاجتماعي مبدأ أساسياً يحكم حياة المجتمعات في مختلف المجالات والأصعدة، إذ صار يمكن القول بأنها تنخرط بشكل جزئي أو كلي في عملية انتقال أو في إطار حركية تاريخية تؤثر في بنيتها وتركيبتها الاجتماعية، ووثيرة التغير هذه، قد أخذت تتسارع نسبيا في العقود الأخيرة، بفعل العولمة والتكنولوجيات الحديثة خاصة إذا ما استندنا هنا لأفكار ميشيل باسوند في معرض حديثه عن الحركية المجالية.
هذا التغير قد مس مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، والذي ألقى بظلاله على مجموع الشرائح الاجتماعية، كما كان له انعكاسات سلبية عمقت من الأزمة المجتمعية، وتنامي الوعــي الجمعي للفاعلين المحليين بها، خاصة بأوضاعهم المتأزمة، ما دفعهم للقيام بحركات احتجاجية كان لها الدور الكبير في إسقاط أنظمة سياسية“ذات طبيعة استبدادية“، وهنا يمكن الإشارة إلى الــحــركــات الاجتماعية بـالـربـيـع الـعـربـي الــذي قـادتـه الـفـئـات الـشـبـابـيـة.
وتبعا لذلك تحتل الحركات الاجتماعية مكانة هامة كموضوع له راهنية كبيرة داخل الحقل السوسيولوجي خاصة وأننا نعيش في ظل مجتمعات تعرف ديناميات وتبدلات مختلفة تطال مناحي الحياة المختلفة، والتي انعكست على البنية الاجتماعية ،الاقتصادية، الثقافية والسياسية في المجتمعات الدولية وخاصة منها مجتمعات الوطن العربي والدول المغاربية.
من خلال تتبع التنامي الملحوظ والحضور القوي للفعل الاحتجاجي في هذه البلدان منذ 2011 وتعدد وتنوع الصيغ والأشكال والتعبيرات الاحتجاجية التي يتخذها فضلاً عن الأطراف الفاعلة فيه؛ يجعل تناول موضوع الحراك الاجتماعي العراقي ضرورة ملحة عبر تفعيل أدوات البحث العلمي فيما يمكن اعتباره ”جيل ثاني للربيع العربي“ من أجل تفكيك بنية هذا الحراك والوقوف على سياقاته الداخلية والخارجية ومساراته ثم الأشكال التعبيرية التي يتخذها وقدرته على الضغط والاستمرارية في الحضور داخل الفضاء العام بالرغم من القمع والعنف الذي يواجه به هذا الحراك الاجتماعي.
واعتبارا لما سلف، تبرز إشكالات موضوع دراستنا الأساسي فيما يلي:
- بأي معنى يمكن القول أن الحراك العراقي قد امتلك الأدوات التي تجعل منه حراكاً اجتماعياً؟
- ما طبيعة الدوافع والعوامل المؤذية له؟
- ما هي أشكاله ثم ما الفئات الاجتماعية الصانعة له والمنخرطة فيه؟
- هي صيغ التعبيرات الاحتجاجية لذات الحركة الاجتماعية وإلى أي حد بلغ سقف المطالب التي ترفعها؟، وما علاقة ذلك بصيغ استعمال الفضاء العام؟.
- الجوانب المنهجية للدراسة.
الصور الفوتوغرافية والفيديوهات والغرافتي، باعتبارها حجة ميدانية وقد اعتمدنا في هذا الباب على:
السوسيولوجيا البصرية:
أولا: سوسيولوجيا مع الصور حيث ندرج مجموعة من الصور للاستدلال على
المعطيات النظرية والميدانية، لتكون دعامة أساسية للطروحات التي نتقدم بها في كل مرحلة من مراحل هذا التقرير، وهنا يمكن استغلال الصورة من خلال مجموعة من التقنيات المستعملة في هذا المجال تتعلق بمقابلات مع الصور والاشتغال على تسجيلات الفيديو للتفاعلات الاجتماعية التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة المرئية عبر نقل صور من الميدان،[1] وهو ما اعتمدنه في هذا التقرير،
ثانيا: سوسيولوجية الصورة، هنا انطلقنا من الصورة باعتبارها نصا اجتماعيا تاريخيا، وسياسيا قمنا بمحولات تفسيره لإعطائه مجموعة من المعانى والمدلولات العلمية وإنتاج تأويلات سوسيولوجية.
2) اعتمدنا كذلك على تقنية تحليل المحتوى(تحليل المضمون)، لوصف المحتوى الظاهر والمضمون الصريح للمادة المراد تحليلها(صورة، خطاب، تغريدات، مقالات صحفية، برامج تلفزية، رسوم وجداريات..) حيث أن عملية تحليل المضمون تتيح امكانية فهم وتفسير وتأويل مضامين هاته المحتويات وهو ما يتطلب في مستوى أول القيام بتفييء مسبق لهاته المحتويات،[2] من حيث الشكل والمضمون بغية الوصول لما وراء الخطاب المعبر عنه أخذاً بعين الاعتبار مجموعة من تقنيات التحليل التواصل التي “تسعي من خلال مجموعة من الطرائق النسقية والموضوعية وصف محتوى الرسائل بغاية الوصول لمؤشرات تسمح بالاستنباط المنطقي لمعارف تتعلق بظروف انتاج/ تلقي متغيرات مستنتجة من هاته الرسائل” حسب لورانس بردان في كتابها “تحليل المضمون”،[3] واعتماد هذا المنهج في هذه التقرير هو ما سيسعفنا في فهم وتحليل الخلفيات الفكرية والمقومات الهوياتية للمجتمع العراقي.
- II. الحراك العراقي بوصفه حركة اجتماعية.
نشطت الحركات الاجتماعية في العراق بعد انهيار النظام السياسي السابق وفشل القوى السياسية(المدعومة من طرف إيران أو /و الولايات المتحدة الأمريكية أو/و باقي دول الجوار في إقامة مؤسسات ديموقراطية لإدارة الدولة بعيداً عن المحاصصة والطائفية، وهذا ما أسهم في تمزيق المجتمع العراقي وتدمير هويته الوطنية.
فاشتغالنا على الحراك العراقي باعتباره حركة اجتماعية يأتي من كونه قد أمتلك الأدوات والوسائل بالإضافة للمواصفات التي جعلته يفرض هيمنته من خلال قدرته على الفعل داخلياً وخارجياً، وقدرة الفاعلين على الحضور الدائم والمستمر في الفضاءات والساحات العمومية وإبداع العديد من الأشكال التعبيرية في المجال(الافتراضي والواقعي).
تبعا لذلك، فما هي هاته المواصفات التي جعلت من الحراك الاجتماعي العراقي حركة اجتماعية؟
- الحراك العراقي؛ محددات أولية.
للإجابة عن السؤال السابق والأسئلة المؤطرة لهذا التقرير يجب علينا استحضار بعض التعريفات السوسيولوجية للحركات الاجتماعية، وما يعنينا في هذا الباب الإحاطة بمكونات وألية عمل الحركة الاجتماعية ضمن الحقل السوسيولوجي كشكل من أشكال الاحتجاج الجماعي، من خلال الوقوف على المحددات والمواصفات التي يمكن من خلالها البرهنة على وجود حركة اجتماعية. ونستحضر هنا هربرت بلومر الذي يعتبر الحركة الاجتماعية بمثابة نشاط اجتماعي غالباً ما يأخذ شكل التصورات والمشاعر الغير المنظمة كي تصبح تدريجيا كيانا متميزا ومعبراً عن أشكال جديدة من الإجتهاد والسلوك الجمعي، كما أنها جهد الجماعي الرامي لتغيير طابع العلاقات الاجتماعية المستقرة في مجتمع معين،[4] وفي ذات السياق يؤكد تشارلز تيلي بأن الحركة الاجتماعية هي “سلسلة مستدامة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص يضطلعون بالتحدث نيابة عن قاعدة شعبية تفتقد إلى تمثيل رسمي، وذلك في مجرى إذاعة هؤلاء الأشخاص لمطالب واضحة لإجراء تغيير في توزيع أو ممارسة السلطة وتدعيم هذه المطالب بمظاهرات عامة من التأييد”[5] وفي علاقة بالتغير الاجتماعي يمكن القول أن الحركة الاجتماعية بمثابة “فعل جماعي احتجاجي بهدف إقرار تغييرات في البئية الاجتماعية والسياسية.
إذاً يمكننا القول على أن الحركات الاجتماعية هي ”تلك الجهود المنظمة التي تبذلها مجموعة من المواطنين بهدف تغيير الأوضاع، أو السياسات، أو الهياكل القائمة لتكون أكثر اقتراباً من القيم التي تؤمن بها الحركة“.(فرانسوا دوبي، الحركات الاجتماعية).
أما غي روشي فيعتبر الحركة الاجتماعية تنظيم مهيكل ومحدد له هدف علني يكمن في جمع بعض من الأعضاء من أجل الدفاع عن قضايا محددة وذات طبيعة اجتماعية عموما،[6] ويؤكد على أهمية وجود المبادئ الثلاث للحديث عن الحركة الاجتماعية التي تحدث عنها تورين؛ وهي مبدأ الهوية، الشمولية وأخيراً التعارض حيث يحددها”الحركة الاجتماعية” بكونها:”تدخلات سياسية لمجموعات اجتماعية تابعة، أي مبعدة عن مسارات التقرير ومجال السلطة، وعن مبادرات التغيير التاريخي”[7].
بينما إريك نوفو فقد عرفها على أنها تعبئة النساء والرجال حول الآمال، المصالح،[8] كما أن الفعل الجماعي يحيل على كونه قصدياً لتحقيق مطالب منطقية، وهكذا يمكن أن نحدد الحركة الاجتماعية بكونها مجموعة من الأفعال الجماعية، المطلبية والمدافعة عن مجموعة من المصالح.[9]
فقدرة الفاعلين الاجتماعيين على تحدي السلطة بهدف المطالبة بتمثيل قيمهم ومصالحهم تبرز بسبب شعور المواطنين بعدم تمثيل الحكومات والسياسيين لهم، وهذا ما يجعل من ربط الحركة الاجتماعية بالفعل الجماعي المنظم والمحدد المطالب أمراً أساسياً وهو ما نجده عند ميشيل كروزي في حديثه عن الظاهرة التنظيمية التي تظهر في “نهاية التحليل كبناء سياسي وثقافي وكأداة يعمل بها الفاعلون السياسين لظبط تدخلاتهم بشكل يوصل إلى الحد الأدنى من التعاون الضروري لأجل الإستمرارية الأهداف الجماعية مع الإحتفاظ على استقلاليتهم وحريتهم”،[10] والذي يكون من طرف مجموعات اجتماعية تمثل سلطة مضادة تتصارع مع السلطة السائدة من أجل توسيع هامش الحرية وانتزاع مكاسب أو تغيير النظام.
الحراك العراقي؛ محاولة للتوصيف.
يظهر من خلال التعاريف التي أوردناها فيما سبق، أن الحراك الاجتماعي العراقي من حيث تشكله واستمراريته والفاعلين فيه وكذا مطالبه وأشكاله التعبيرية تتوفر فيه مواصفات حركة اجتماعية؛ لكونه يمثل شكلاً تنظيميا بين العديد من الفاعلين(المتظاهرون) غالبيتهم شباب الذين حضروا للساحات والفضاءات العمومية من أجل الاحتجاج على تردى أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وبسبب الأزمة العميقة التي يعيشها العراق نتيجة نمط التدبير السائد لدى القوى الحاكمة. فالحراك العراقي يأتي في سياق تراكمي للأحداث حيث شكل حركة اجتماعية وحدوية ووطنية اختارت أشكالاً تعبيرية بعيدة عن الطائفية الموجودة في العراق.
وبالرغم من الشكل التنظيمي لهذا الحراك فإنه كان بدون قيادة؛ أي أنه لم تكن له صلة بالتنظيمات السياسية أو الطائفية الموجودة فهو حراك يتضمن قواعد وآليات للسلوك والتدبير والتغير التي تعتبر بمثابة محددات أساسية للبنية التحتية للفعل الاحتجاجي.
انطلاقا مما سبق يمكن لنا الحسم على أن الحراك العراقي يتصف بمواصفات الحركة الاجتماعية.
III. كرنولوجية تطور الأحداث الاحتجاجية في الحراك العراقي.
لدعم ما سبق أكثر لابد من الوقوف على كرنولوجية الحراك العراقي وسياق تطور أحداثه، في أفق محاولة البحث عن تسلسل الأحداث (الشرارة الأولى، تصاعد وثيرة الأحداث، وديمومتها…….)مما يجعل منها حركات اجتماعية بكل المقاييس بالاستعانة بجهاز مفاهيمي خاص بالحركات الاجتماعية.
الصورة: توضح الحراك العراقي في ساحة التحرير تحت علم واحد(العراقي).
- ما قبل فاتح تشرين/أكتوبر، والتظاهرات المطلبية.
إن وقوفنا في نقطة بداية هذا الحراك لا يعني أننا نلغي الحركات السابقة التي عرفها العراق وكذا الصراع مع داعش وقبله إسقاط النظام العراقي، وما ترتب عنه من نتائج ……وقبل كل هذا حراك كوردستان، لإماطة اللثام عن وجود أسباب موضوعية جعلت الحركات الاجتماعية بالعراق تنطلق في نشاطها مفرزة بالتالي غضباً شعبياً جراء عجز النظام السياسي عن تنفيذ مطالب الجماهير. وسنقف عند بعض المحطات التي اعتبرناها أساسية:
فمنذ 2003 حصل الغزو الأمريكي للعراق، الذي قاد إلى عملية سياسية مشوهة قائمة على المحاصصة والفصل الطائفي والعشائري الذي ظهر بشكله الواضح والصريح خلال السنوات العشرة الماضية.
العراق لم يكن في منآي عن حملة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت فيه بدأت فيه منذ مطلع شهر فبراير عام 2011 في ساحة التحرير ببغداد متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011.
شكلت حركة احتجاجات الشعبية بالعراق سنة 2015 منعطفا غير مسبوقاً انخرط فيه جيلٌ كامل من الشباب للمطالبة بإحداث تغييرٍ جذري في النظام، كما شهد في يوليو من عام 2015 انطلاق المظاهرات بحضور عشرات الآلاف من المتظاهرين والتي استمرت كل يوم جمعة حتى بلغ عدد المتظاهرين إلى قرابة مليون شخص، والذين نددوا بالنظام السياسي العرقي والطائفي. حاملين ومرددين لشعارات ك “باسم الدين باگونا [سرقونا] الحرامية”.
في هذه الفترة الزمنية شكّك المحتجون بالنخبة السياسية الدينية برمتها، وذلك بالتزامن مع إدانة الفساد المؤسسي المتفشي، ونقص الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، وانعدام البنية التحتية للصحة والتعليم، وكذلك البطالة المستفحلة…وغيرها من الظواهر المرضية الأخرى.
في تقرير منظمة الشفافية الدولية(الإئتلاف العالمي ضد الفساد)، التى تركز على مؤشر مدركات الفساد 2018، فمن أصل 180 دولة حصل العراق على المرتبة 168، وهذا يبين الفساد الذي طال النخبة السياسية الحاكمة، وهذا ما يوضحه الجدول أدناه:
والعنصر الثاني الذي يمكن اعتباره من الأسباب وراء الحراك هو نظام المحاصصة الإثنية والطائفية وعدم رغبة القوى الحاكمة بإصلاح الأوضاع بشكل حقيقي، وما ترتب عن ذلك من تغليب للمصلحة الخاصة على حساب باقي الفئات الاجتماعية وخاصة الشباب.
صورة لملصق الحراك الاجتماعي العراقي.
في ذات السياق، عرفت البصرة طيلة سنة 2018 احتجاجات متواصلة كانت نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الصحية الناتجة بالأساس عن انتشار أمراض السرطان نتيجة إشعاعات المواد السامة من بقايا الأرتال العسكرية التي دمرتها الطائرات الأمريكية في حرب العراق الأولى 1990/1991.
صورة توثق لتظاهرة البصرة سنة 2018 قبل الحراك.
أما العنصر الثالث وراء الحراك فهو تدهور الأوضاع السوسيو-اقتصادية لغالبية الشباب المشاركين في الحراك في أغلب المدن العراقية، وتتجلى تلك الأوضاع في ارتفاع البطالة وحضور الزبونية ومنطق الانتماء السياسي الطائفي والعشائري في التوظيف، وهذا ما أدى إلى قيام الشباب للعديد الاعتصامات والتظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بالشغل كان أخرها اعتصام حملة الشهادات العليا، والذي دام أكثر من 100 يوم دون أن تستجيب الحكومة لمطالبهم، حيث اختارت لغة القوة والقمع للتعاطي مع حركتهم الاحتجاجية السلمية.
الصورة توضح اعتصام حملة الشهادات العليا أمام مقر رئيس الحكومة الثاني خارج المنطقة الخضراء شتنبر 2019.
وهكذا كان فض هذا الاعتصام السلمي لحملة الشهادات العليا باستعمال العنف يوم 26 شتنبر 2019، وما ترتبت عنه من إصابات في صفوف الشباب مما دفع برئيس الحكومة إلى إعفاء قائد جهاز مكافحة الإرهاب.
صورة تبين تفريق اعتصام حاملي الشهادات العليا المعطلين.
إن الحركة العراقية هي على غرار الحركات الاجتماعية التي نتجت عن أزمة الأوضاع المعيشية، والتي جعلت الأفراد يعيشون حرمانا بدرجات متفاوتة وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال “ويرز” الذي يعتبر أن الحرمان حالة ناتجة عن التناقض بين أوضاع الناس وتطلعاتهم للحصول على الرفاهية أو الأمن أو تحقيق الذات وليس أوضاعهم الاقتصادية بحد ذاتها،[11] وهذا ما ألمح “إريك هوفر” بتحليل الشروط النفسية للاحتجاج مبرزاً أن الناس لا يحتجون على حكامهم بدافع الفقر أو الجوع بل بدافع التطلع نحو مستقبل أفضل.[12]
لقد وفرت شبكة الإنترنت المساحة الآمنة التي تواصلت فيها شبكات الغضب والأمل بتعبير كاستلز؛ وهي الشبكات التي تشكلت في الفضاء الافتراضي، وامتدت لتصل إلى المساحة الحضرية.[13] وبموجب ذلك، نظم المتظاهرون أدوارهم الاحتجاجية ووثقوا الحوادث ونشروها بوساطة شبكة الإنترنت. وهذا ما نجده في الحالة العراقية حيث بدأت الدعوة للنزول والتظاهر في الأول من أكتوبر 2019 بساحة التحرير، عبر مواقع التواصل الاجتماعي ابتداء من يوم 27 شتنبر 2019، أي عشية فض معتصم حملة الشهادات العليا المعطلين.
وهذا ما يحضر عند كاستلز في كتابه شبكات الأمل والغضب، الحركات الاجتماعية بأن الناشطين استفادوا من شبكة الانترنت، بتخطيطهم اللإحتجاجات عبر ”فيسبوك“، وتنسيقها عبر ”تويتر“، ونشرها بوساطة ”يوتيوب“. (ص 73-104).
- ما بعد فاتح تشرين/أكتوبر وبنية الفرص السياسية.
فاتح أكتوبر: انطلاق شرارة المظاهرات، وذلك بوصول مجموعة من النشطاء الشباب لساحة التحرير استجابة للدعوة التي تمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعل الحراك يبدو عفويًا بينما لم تصدر دعوة صريحة من أي جهة سياسية أو دينية للتظاهر. وقد خرج فيها أكثر من ألف شخص إلى شوارع بغداد وعدة مدن في جنوب العراق احتجاجًا على الفساد والبطالة وسوء الخدمات الحكومية، وتعتبر أول تظاهرة حاشدة ضد الحكومة الجديدة.
وقد فرّقت شرطة مكافحة الشغب تلك الحشود باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، كما أطلقت قوات الأمن كذلك الذخيرة الحيّة ما سبب العديد من الضحايا بين قتيل وجريح ومفقود(معتقل).
الصورة توضح مظاهرات في بغداد في 1 أكتوبر والتدخل الأمني لتفريقها.
هذا التدخل الأمني العنيف ضد الحراك أدى إلى استمرارية التظاهر في بغداد ومدن أخري ضداً عليه، كما أدى إلى رفع سقف المطالب.
2 أكتوبر: انتشرت التظاهرات في أنحاء جنوب العراق مع مشاركة الآلاف، وفي بغداد أشعلوا الإطارات وأغلقوا الطرقات الرئيسية بينما أغلقت السلطات المنطقة الخضراء، وأطلقت القوات الأمنية الرصاص الحي خلال التظاهرات التي خرجت في مدينتي النجف والناصرية، مما تسبب في سقوط مزيد من القتلى والجرحى وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة “البيّنة الجديدة” قالت إن التظاهرات هذه المرة بـ“لا رايات ولا صور ولا شعارات حزبية”.
3 أكتوبر: وقعت صدامات عنيفة عندما تحدّى آلاف المتظاهرين حظر التجوّل وخرجوا في تظاهرات في بغداد ومدن جنوبية.
4 أكتوبر: تجمّع عشرات المتظاهرين الذين ارتدوا أقنعة ورفعوا الأعلام العراقية في بغداد، وفي اليوم ذاته، أكدت المرجعية الدينية الشيعية العليا في العراق دعمها لمطالب المتظاهرين، إذ دعا أحمد الصافي ممثل أعلى مرجعية شيعية في العراق آية الله العظمى علي السيستاني إلى “تدارك الأمور قبل فوات الأوان”.(بنية الفرص السياسية).
في نفس اليوم بلغت حصيلة القتلى 36 شخصا وهو ما جعل الأمم المتحدة تطالب الحكومة العراقية للمسارعة إلى فتح تحقيق “شفّاف” بشأن استخدام القوة من عناصر مكافحة الشغب. بينما كان رد فعل السلطات على المظاهرات أن فرضت حظراً للتجول في بغداد وعدة مدن أخرى وقطعت صبيب الانترنت.
5 أكتوبر: ارتفعت حصيلة قتلى احتجاجات العراق إلى 73 قتيلا منذ أن بدأت فاتح أكتوبر؛ معظمهم من المتظاهرين، بينما أصيب نحو ثلاثة آلاف بجروح، وفق ما أعلنت عليه لجنة حقوق الإنسان العراقية.
7 أكتوبر: بالرغم من محاولة رئيس الحكومة تهدئة الشارع فإن التظاهرات قد استمرت بشكل قوي وانخرطت فيها العديد من المدن بما فيها من النجف التي تعتبر رمزاً دينيا والذي حاولت وسائل الإعلام تغطيته بشكل كبير وهذا ما دفع السلطات الأمنية إلى الاعتداء عليها.
9 أكتوبر: لا يزال العراقيون محرومون من إمكانية الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد عودة الهدوء إلى شوارع البلاد التي شهدت أسبوعاً من الاحتجاجات الدامية وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة 6000 في أسبوع واحد. هذا الهدوء لا يعني توقف الحراك العراقي ولكنه كان توقفا مؤقتاً للحراك للسماح بالقيام بالشعائر الدينية الخاصة بالشيعة.
17 أكتوبر: ما نسجله في هذا اليوم هو اختطاف مجهولين للمدون والناشط العراقي شجاع الخفاجي من منزله صاحب موقع الخوة النظيفة، وذلك على خلفية ما ينشره في هذا الموقع كتعبئة للموارد من أجل تجديد حركة الاحتجاجات.
28 أكتوبر: نزل آلاف الطلاب إلى الشارع في مدن عدة في العراق، من بغداد إلى البصرة في جنوب البلاد مروراً بالديوانية والناصرية، وهتفوا “لا مدارس، لا دوام، حتى يسقط النظام”، وذلك في إطار الاحتجاجات المتواصلة في البلاد.
29 أكتوبر: شهدت مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة ليلة عنيفة ودامية، وبالرغم من كل هذا لم تنجح السلطات العراقية في فرض حظر تجول ليلي في العاصمة بغداد وباقي المدن العراقية، إذ يواصل المتظاهرون اعتصامتهم في الساحات العمومية، مع الرفع من سقف مطالبهم التي تمثلت هذه المرة بالمطالبة برحيل الحكومة محل البرلمان(ارتفاع سقف المطالب).
وما يمكن تسجيله كذلك هو المحاولات المتكررة لرجل الدين الشيعي مقتدي الصدر للانضمام للتظاهرات المطالبة بـ”إسقاط الحكومة”، معززاً بذلك الضغط على السلطات الحكومية.
31 أكتوبر: استئناف عشرات الآلاف الاحتجاجات الحاشدة للمطالبة بإنهاء نظام اقتسام السلطة على أساس طائفي الذي يرون أنه السبب في الفساد المستشري والمصاعب الاقتصادية، وهذا يعتبر بمثابة رد فعل على رفض الزعامات الطائفية.
4 نونبر: حاول آلاف المتظاهرين العراقيين الذين قرروا مواجهة النخبة السياسية في البلاد بسبب الفساد وسوء إدارة موارد الدولة، عبور جسر الجمهورية الذي يبدأ من ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد وينتهي بما يسمى بوابة وزارة التخطيط سابقاً التي أصبحت بوابة وزارة الدفاع العراقية بعد العام 2003 وهي إحدى المداخل الرئيسية للمنطقة الخضراء التي تضم أبرز المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية في البلاد.(احتلال المواقع)
05 نونبر: الحرب الاقتصادية وحرب الجسور توثر على العلاقة بين المتظاهرين والقوات الأمنية، حيث عززت السلطات العراقية من قواتها حول ثلاثة جسور رئيسية وهي جسر الجادرية، جسر المعلق؛ أهم جسر صوب المنطقة الخضراء التي تضم مقار المؤسسات الحيوية للحكومة الجسر الثالث الذي هو الجسر الحديدي باتجاه حي الأعظمية، والصورة أدناه توضح ذلك..
16 نونبر: صرحت أحد الصحافيين ”بدأت الحكاية من “الجمهورية” ثم انتقلت إلى “الأحرار” والآن وصلت إلى “الشهداء”. على تلك الجسور، يخوض المتظاهرون العراقيون معركتهم ساعين لمعرفة أي منها يؤدي إلى إسقاط النظام”،[14] وقد حاول المتظاهرين التقدم مجدداً باتجاه جسر حيوي وسط بغداد بعد تراجع القوات الأمنية.
22 نونبر: أعادة فتح الميناء الرئيسي بالبلاد بعدما فرقت قوات الأمن محتجين قاموا بإغلاقه منذ مدة، حيث كانت البصرة معزولة، طرقها وجسورها مقطوعة.
26 نونبر: تنضم محافظة السماوة جنوب العراق إلى حركة الاحتجاجات، وتفيد الإحصائيات المختلفة بأن عدد القتلى في التظاهرات التي بدأت في أوائل أكتوبر تتراوح بين 390 و408 قتيلاً وأكثر من 15 ألف جريح في غياب إحصائيات رسمية.
29 نونبر: لقد وصل ضغط الحراك الشعبي العراقي ذروته مما جعل المرجعية الشيعية العليا آية الله السيستاني في البلاد إلى سحب الثقة من الحكومة وهو ذات الأمر الذي جعل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ليعلن عزمه تقديم استقالته إلى مجلس النواب وذلك بعد ساعات على دعوة
30 نونبر: تجمع عشرات اللبنانيين أمام السفارة العراقية في بيروت تضامناً مع المتظاهرين العراقيين، وذلك في اليوم الـ45 لحركة احتجاجية غير مسبوقة يشهدها لبنان. إذ رفع المعتصمون أعلام البلدين وصور متظاهرين عراقيين قتلوا بالرصاص الحي، مستنكرين خلال تحركهم ما سموه ب”المذبحة”.
2 دجنبر: جولة مفاوضات على أمل التوصل لاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، فيما تتواصل الاحتجاجات المناهضة للسلطة القائمة والنفوذ الإيراني والأمريكي فيها، داعين إلى تغيير كامل الطبقة السياسية.
صورة رفض التدخل الأمريكي والإيراني. صورة تضامن الحراك اللبناني مع حراك العراق
07 دجنبر: خرج المتظاهرون العراقيون إلى الشوارع في مدن الجنوب والعاصمة، بعد ليلة دامية شاهدتها بغداد إثر مقتل 12 شخصاً بهجوم شنه مسلحون مجهولون.
في نفس اليوم ثم قصف منزل مقتدى الصدر عن طائرة مسيرة رداً على الأوامر التي صدرت من الصدر للقبعات الزرق لحماية المتظاهرين.
08 دجنبر: تواصلت التظاهرات في بغداد وجنوب العراق رغم أحداث العنف التي أسفرت عن سقوط أكثر من 450 قتيلاً منذ الأول من أكتوبر الماضي، مصممين على تحقيق مطالب تتجاوز استقالة الحكومة،(رفع سقف المطالب).
الصورة توضح جنازة جماعية تبين ارتفاع عدد قتلى الحراك العراقي.
09 دجنبر: لم يؤثر اغتيال ناشط مدني بالحراك العراقي في جنوب العراق على سير الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة العراقية واتساع النفوذ الإيراني.
11 دجنبر: “مذبحة السنك” في بغداد: قتلى وجرحى وعشرات المخطوفين.
13 دجنبر: في محاولة من القيادات الدينية للمسك بزمام الأمور واغتنام الفرص ندد السيستاني، ممثل المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق، بقتل وخطف المحتجين في الآونة الأخيرة وحث الدولة على السيطرة على استخدام الأسلحة.(بنية الفرص السياسية)
23 دجنبر: تم تصعيد الخطوات الاحتجاجية تنديداً بعدم وجود نهوض اقتصادي منذ 16 سنة ورداً على ترشيح رئيس وزراء جديد للمرحلة المؤقتة من قبل الأحزاب الحاكمة منذ 2003 حتى الآن والمتهمة بالفساد وسرقة ثروات العراق.
28 دجنبر: توقف الإنتاج في حقل الناصرية النفطي في الجنوب بعدما قطع متظاهرون للطرق المؤدية إليه، حسب مصادر أمنية وأخرى نفطية في المدينة.
29 دجنبر: سقطت أربعة صواريخ قرب قاعدة تضم جنودا أمريكيين على مسافة غير بعيدة من بغداد، بحسب مسؤول أمني، وذلك بعدما أسفرت غارات أمريكية استهدفت قواعد لكتائب حزب الله عن 15 قتيلا.
31 دجنبر: هاجم محتجون عراقيون يوم الثلاثاء البوابة الرئيسية للسفارة الأميركية في بغداد منددين بالضربات الجوية الأميركية التي استهدف يوم الأحد 29 ديسمبر قواعد لفصيل عراقي موال لإيران ، واحرقوا أعلاما وحطموا كاميرات مراقبة وهم يهتفون “الموت لأمريكا”.
يظهر من خلال هذه الكرنولوجية للحراك العراقي أنها مختلفة ومتعددة ثم يومية، وهذا ما جعلنا نحاول أن نركز على الأحداث المفصلية والمؤثرة في الحراك العراقي من حيث عدد المشاركين والمناطق التي عرفها الحراك وارتفاع سقف المطالب وكدا توسع الحراك لاحتلال فضاءات جديدة(ساحات، جسور، بنايات..)، وهذا السرد الكرنولوجي يقف عند العديد من الفرص السياسية التي لم تستطع القوى السياسية أن تستفيد منها من خلال الاستجابة لمطالب الحراك الاجتماعي بالعراق حيث تم تغليب المقاربة الأمنية.
صورة توضح التظاهرات أمام السفارة الأمريكية تظهر فيها أعلام غير العلم العراقي.
- المطالب والأشكال التعبيرية للحركة الاجتماعية العراقية.
ركز أهم الباحثين والمتخصصين في تناولهم للحراك العراقي على عنصر أساسي يتعلق بضعف الحكومة العراقية وعدم قدرتها على محاربة الفساد والريع واستغلال النفوذ، وكدا على ولاءاتها المختلفة والغير مستقرة، وهو ما سهل التدخل الأجنبي لفرض أجندته السياسية على العراقيين(الولايات المتحدة الأمريكية، إيران..).
وهذا ما يمكن اعتباره انطلاقة لما سمي“هبة جديدة في ظل حكومة ضعيفة“ في الشارع العراقي والذي تمثل في الحراك العراقي الجديد.
- مطالب الحراك العراقي.
لقد رفعت الحركات الاحتجاجية لما قبل واحد أكتوبر عددا مهما من المطالب التي يمكن أن نقول بأنها كانت ذات طبيعة فئوية(حركة حاملي الشهادات المعطلين) أو مناطقية(مدينة البصرة) أو ذات طبيعة أمنية تمثلت في مطلب شعبي عام بضرورة توفير الأمن ومحاربة الإرهاب (داعش).
إلا أن الحراك العراقي الاجتماعي كانت مطالبه أكثر عمومية وشمولية وأكثر وضوحا بحيث أنها حاولت أن تعبر عن جميع فئات وشرائح المجتمع العراقي، وهذا ما يمكن أن نستشفه من خلال الشعارات أو اليافطات الحاملة لهاته المطالب..
يظهر من خلال ما سبق أن الحراك العراقي لم يأخذ مظهراً تعبيريا واحداً بل تعددت فيه الأشكال التعبيرية والتي تجتمع كلها في كونها تطالب بالتغيير وتحقيق المطالب العادلة للشعب العراقي.
- تنوع الأشكال التعبيرية للحراك العراقي.
وقد كان شعار أريد حقي الذي عوض شعار الله أكبر في العلم العراقي هو الأكثر تداولاً وحضوراً والذي تبلورت من خلاله العديد من الشعارات الأخرى، التي صدحت في ساحات التحرير العراقية والتي تطالب برحيل الفاسدين، في شعارين رئيسيين:
“نازل آخذ حقي”. كشعار واضح من حيث المطلب والمعنى.
”أريد وطن“ كشعار ذو دلالة ثقافية وهوياتية يعبر عن رفضه لتقسيم العراق بين الطوائف والعرقيات. وهو تعبير عن الهوية الوطنية العراقية.
هذه المطالب لم تأخذ شكلاً واحداً للتصريح بها بل حاول نشطاء الحراك أن يوظفوا كل المجالات الافتراضية والواقعية والتصريحات لممثلي الصحافة الدولية مما جعل الحراك الاجتماعي في العراق يحظى بتغطية إعلامية واسعة بالرغم من المحاولات اليائسة للحكومة العراقية التضييق على الحراك بقطع الإنترنت والاعتداء على الصحفيين وكذا اختطاف واعتقال المدونين العراقيين، إلخ.
إن الحراك العراقي قد عرف مشاركة العديد من الشرائح الاجتماعية من كل الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة من الفساد المستشري في دواليب السلطة، وهذا ما جعلنا نلحظ تعدد الأشكال التعبيرية التي يمكن إجمالها في الأشكال التالية:
وقد كانت الشعارات المغناة هي السائدة في الحراك العراقي من حيث سهولة ترديدها وقدرتها على التعبير على المطالب، والتي كانت تتخذ أشكال جديدة متماشية مع التطورات السياسية حيث أنها انتقلت من المطلب العام(أريد وطني أريد حقي) إلى مطالب ضد المرجعية(العمامة لا تمثلني) في رد صريح على تدخل مقتضي الصدر والمرجعية الشيعية(السيستاني).
في دراسة قامت بها قناة الميادين للهاشتاكات/ الوسومات الأكثر ترديداً على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر من خلال تتبع الحراك العراقي حيث توصلت إلى أن هناك تلاقي في بعض الشعارات بين العراق ولبنان وقد كان الشعار الأكثر تكراراً عند بداية الأحداث هو ”العراق تنتفض“ وهو نفس الشعار الذي نجده كذلك حاضراً بقوة في الوسومات اللبانية“لبنان تنتفض“.
إضافة لذلك مثلت الأغنية شكلاً من الأشكال التعبيرية في المشهد العراقي والتي لم تكتف باستلهام الموال العراقي فقط ولكنها استلهمت كذلك بعض الأحداث من الحراك العالمي لتجعله متناً لها(خروج للساحات في مجموعة من المدن العراقية ليل نهار، المواجهات مع قوات النظام، حضور المرأة في الاحتجاج، مشاركة المحامون في الاحتجاجات….
وقد كان للمسرح حضوراً في الحراك الاجتماعي العراقي حيث اعتبر الباحث والناقد العراقي عبد الستار البيضاني أن الاحتجاجات قد شكلت إنعاطفة كبيرة في الحياة العراقية وهي الأبرز منذ اندلاع الثورة وخصوصاً في الجانب الاجتماعي من خلال تنظيم فعاليات ثقافية وفنية:
هن هذا التنوع في الأشكال التعبيرية ظهر في توظيف المحتجين لفن الكرافيتي: والذي يحضر بقوة في ساحات الاحتجاجات كفن رسم الحروف أو الصور على الأسطح وخاصة الحوائط والجدران، ” التشكيليون فتحوا علب ألوانهم بعدما أهملوها لسنوات، فصاروا يخطون عراقاً جديداً يحلمون بحرية هذه المرة“.وهي تعبر عن فنون ملاصقة لهموم الجماهير ومعبرة عن رفضهم للعبودية والظلم، وتعكس في نفس السياق وعي الشباب العراقي التواق للمعرفة والتطور ورغبته للتعبير عن طاقاته سواءاً بالرسم أو باقي أنواع الفنون.
وفيما يلي أبرز رسومات الكرافيتي في ساحات الاحتجاجات:
استلهام العالمي يظهر في رسم جدارية في النفق المؤدي لجسر الجمهورية مستلهم من صورة لناعومي باركر التي ترمز للمرأة العاملة وقد استلهمت الفنانة فاطمة حسان هذه الصورة للتعبير عن مشاركة المرأة العاملة في التظاهرات، والفيديو المرفق يوثق لحوار مع الفنانة فاطمة حسام ومجموعة من الشباب التشكيليين العراقيين الذي سجلوا حضورهم في هذا الحراك الاجتماعي.
يظهر من خلال هذه النماذج أنها متنوعة وغنية غنى الثقافة والحضارة العراقية وحتى أشكال الحضور للتظاهرات من طرف بعض الفئات والشرائح الاجتماعية كانت تتم بالزي/ اللباس الخاص بها خاصة المحامون وطلبة المدارس الذين رددوا شعار ” لا مدارس، لا دوام، حتى يسقط النظام“ ..
الصورة لمشاركة الطالبات والطلبة في الحراك بالزى المدرسي.
كذلك نلاحظ حضور العشائر الذي يتم بالزى العشائري العراقي للدلالة على انخراط الكل في الحراك الاجتماعي.
IV . الحراك العراقي، أشكال وصيغ استعمال الفضاء العام.
يشكل الفضاء العمومي مجالاً للمناقشة السياسية والسوسيو-اقتصادية، وهو كل ما يسمح للفاعليين الاجتماعيين باللقاء وتبادل الأفكار والخبرات، سواء كان هذا الفضاء مخصصاً لذلك أم لا، شريطة أن يكون اللقاء أو الحوار عاما.
يحتل الإنسان باعتباره الفاعل والمنفعل مركز الفضاء العمومي، عبر انخراطه في تأسيس المعالم الكبرى وتأسيس مستوياته الأساسية.
ويعرفه دومينك فولتون بكون الفضاء العمومي يميز المجتمعات الديموقراطية، وهو نتاج لسيرورة تاريخية تشكلت من خلالها لغة وقيم مشتركة..حيث يعتبر أن ثمة شروطا ثؤثت الفضاء العمومي منها استقلالية الفرد ونبذ العنف كطريقة لحل الصراعات السياسية والفكرية، هذا ويمكن اعتبار الفضاء العام بمثابة ضرورة من أجل بناء المجتمع، ليس فقط على المستوى المؤسساتي، ولكن كذلك لأجل اتبات شرعية النظام القائم.[15]
- احتلال المواقع في بغداد وباقي المدن العراقية.
انطلاقاً من التعريفات السابقة للفضاء العام، يمكن القول بأن الصيغة التي طرح بها في هذه التعريفات موجودة بأشكال متفاوتة في الحراك الاجتماعي العراقي حسب الساحات والفضاءات العامة التي شكلت موقع الحوار والصراع بين النشطاء والفرق الأمنية وكذا باقي الأطراف المرتبطة بالحراك.
الصورة توضح معالم الاحتجاجات في بغداد.
هذه الصورة التي أوردناها تبين المراكز التي شكلت مواقع أساسية للحراك الاجتماعي العراقي منذ بدايته إلى اليوم، وكانت ساحة التحرير(باللون الأزرق) هي المركز الأساسي لكل الاحتجاجات والتظاهرات لموقعها الاستراتجي، حيث أنها تطل على جسر الجمهورية، وجسر السنك، وهذا ما يتيح للمحتجين إمكانية الحضور في مواقع أخرى في مواجهة مباشرة مع المنطقة الخضراء.
يمكن أن نقول بأن احتلال المواقع كان حاضراً في الحراك الاجتماعي العراقي حيث قطع الطرق المؤدية لميناء البصرة، محاولة المحتجين لمرات عديدة احتلال جسر الجمهورية وكذا اتخاذ المطعم التركي(نظراً لعلو بنايته كواجهة لتعليق اليافطات الحاملة لمطالبهم في اتجاه المنطقة الخضراء).
صورة تبين محاولة سيطرة المتظاهرين على جسر الجمهورية.
- الفضاء العام؛ بين نجاح وإخفاق الحركة الاجتماعية.
إن التطورات التي يعرفها الحراك العراقي تفرز في كل يوم شكلاً من أشكال الحضور في الساحات واحتلال المواقع من أجل التأثير أكثر على الحاكمين حتى يستجيبوا لمطالب الحراك، والتي اتخذت شكلاً أخر تمثل في قطع الطرقات المؤدية للمواني(ميناء أم قصر) وكذا محاصرة الحقول النفطية عبر قطع الطرقات المؤدية لها.
وقد ساهمت عربات التوك التوك في قيام شباب الحراك العراقي بهذه التكتيكات المرتبطة باستعمال الفضاء العام حيث أنها لعبت دور وسيلة النقل، ودور سيارة الإسعاف بالإضافة إلى كونها منصة الشعارات والخطابات، وهذا راجع لسهولة ولوجها للساحات والفضاءات العمومية.
يظهر أن الحراك العراقي من خلال تواتر الأحداث وسرعتها، أن هناك أطراف خارجية تسعي إلى إجهاضه وألا يبلغ المرامي التي يسعي إليها، وهذا ما يؤشر عليه التدخل الإيراني والضربات الأمريكية الأخيرة والصراع الجيو-سياسي في المنطقة.
وهذا ما يجعل الحراك العراقي يتراوح بين النجاح والإخفاق.
خاتمة عامة:
على سبيل الختم، إن الحراك الاجتماعي العراقي لا يمكن الحسم في نتائجه أو في نهايته، فهو لا زال يجدد بداياته كل يوم نظراً لكثرة المتدخلين والفاعلين في هذا الحراك، فحتى وإن قلنا بأن مطالب الحراك كانت واضحة ومحددة تعبر عن رفض الفساد(نازل أخذ حقي)، وتطالب بالهوية الوطنية الواحدة(أريد وطن)، في رفض للتقسيم والتمييز العرقي والمحاصصة، وتطالب بفصل الدين عن السياسة(العمامة مكانها الحوزة)، وتعبر صراحة عن رفض التدخل الخارجي؛ فإن إمكانية تحقيق هاته المطالب لازالت غير واضحة البثة لهذا يمكن أن نقول بأن الحراك العراقي سيعيش من موت إلى موت.
حراك اجتماعي لأجل وطن أفضل
المراجع المعتمدة:
المراجع باللغة الفرنسية:
- Introduction à la sociologie visuelle Fabio La Rocca Dans Sociétés2007/1 (no 95), pages 33 à 40.
- Raymond boudon et autre : Dictionnaire de sociologie, impression Bassiere, France, 2005.
- Eric Neveux, sociologie de movement sociaux, Edition la découverte, , Quatrième Edition, 2002.
- Michel crozier et Erhard friedberg, l’acteure et le système. Edition de seuil 1977.
- Jan Spurk, Mouvements de masse, espaces publics et contre-espaces publics, 2016, https://journals.openedition.org/emam/1272.
المراجع باللغة العربية:
- عبد الرحمن المالكي، الثقافة والمجال؛ دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر التنمية الاجتماعية،
- جامعة محمد بن عبد الله، كلية الأداب والعلوم الانسانية، ظهر المهراز –فاس، طباعة sipama، الطبعة الأولى. 2015 .
- تشارلز تيلي، الحركات الاجتماعية 2004-1768، ترجمة ربيع وهبة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة
- خمليش عزيز،”الانتفاضات الحضرية بالمغرب،دراسة ميدانية لحركتي مارس 1965 ويونيو 1981″.طأفريقيا الشرق.2005.
- الحبيب استاتي زين الدين، “الفعل الاحتجاجي في المغرب وأطروحة الحرمان: في الحاجة إلى تنويع المقاربات التفسيرية”، مجلة عمران العدد
- مانويل كاستلز،شبكات الغضب والأمل: الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت، ترجمة هايدي عبد اللطيف، من منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت/الدوحة،
- ومصادر أخري تمثلت في المواقع الإلكترونية ل (ذاعة مونتي كارلو الدولية. قناة الجزيرة، قناة فرانس 24 بالعربية، قناة روسيا اليوم RT بالعربية، قناة الميادين، موقع الخوة النظيفة، قناة البغدادية..).
- الملحقات:
- نسخة باور بوانت للعرض
- تقرير قناة الميادين حول الهاشتاكات/الوسومات.
[1] – Introduction à la sociologie visuelle Fabio La Rocca Dans Sociétés 2007/1 (no 95), pages 33 à 40, p 38.
[2] – عبد الرحمن المالكي، الثقافة والمجال؛ دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر التنمية الاجتماعية، جامعة محمد بن عبد الله، كلية الأداب والعلوم الانسانية، ظهر المهراز –فاس، طباعة sipama، الطبعة الأولى. 2015 ص 149.
[3] – نفس المرجع السابق، ص 142.
[4] – Raymond boudon et autre : Dictionnaire de sociologie, impression Bassiere, France, 2005, p :159.
[5] – تشارلز تيلي، الحركات الاجتماعية 2004-1768، ترجمة ربيع وهبة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة 2005، ص 15.
[6] – خمليش عزيز،”الانتفاضات الحضرية بالمغرب،دراسة ميدانية لحركتي مارس 1965 ويونيو 1981″.ط1.افريقيا الشرق.2005،ص14.
[7] -خمليش عزيز،مرجع سابق.ص 14
[8] – Eric Neveux, sociologie de movement sociaux, Edition la découverte, , Quatrième Edition, 2002, p 3.
[9] – ibid, P 7.
[10] – Michel crozier et Erhard friedberg, l’acteure et le système. Edition de seuil 1977, P 197.
[11] -الحبيب استاتي زين الدين، “الفعل الاحتجاجي في المغرب وأطروحة الحرمان: في الحاجة إلى تنويع المقاربات التفسيرية”، مجلة عمران العدد 165، ص 3.
[12] – نفس المرجع السابق، ص 5.
[13] – مانويل كاستلز، شبكات الغضب والأمل: الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت، ترجمة هايدي عبد اللطيف، من منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت/الدوحة، 2017، ص 74.
[14] – إداعة مونتي كارلو الدولية.
[15] – Jan Spurk, Mouvements de masse, espaces publics et contre-espaces publics, 2016, https://journals.openedition.org/emam/1272.
رابط المصدر: