الحزمة العاشرة من العقوبات الأوروبية ضد موسكو بين الانقسام الداخلي ومحدودية التأثير

بيير يعقوب

 

أعلنت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي تطبيق الحزمة العاشرة من العقوبات على روسيا يوم الجمعة 24 فبراير 2023 في ذكرى مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية. وقد واجهت الحزمة العاشرة من العقوبات الكثير من الآراء المتضاربة حول مدى قوتها وتأثيرها على مسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خصوصًا بعد اعتراضات من داخل الاتحاد الأوروبي أخرت اتخاذ القرار، وعدم تأثير الحزم التسعة السابقة بالشكل المتوقع حتى الآن.

أهداف متعددة

تستهدف العقوبات التي طبقها الاتحاد الأوروبي بشكل عام إضعاف روسيا لمساعدة أوكرانيا في الحرب، وركزت بشكل أساسي على الناحية الاقتصادية؛ عن طريق إخراج العديد من البنوك الروسية الرئيسة من نظام سويفت العالمي، وتحديد أسعار النفط والغاز المسال المستورد من روسيا، بالإضافة إلى تحديد ومنع استيراد وتصدير العديد من السلع التي يمكن لروسيا استخدامها في الحرب بشكل أو بآخر. ومنعت العقوبات كذلك الكثير من المؤسسات وحتى الأفراد الذين يساعدون ويدعمون النظام الروسي.

وقد تضمنت الحزمة العاشرة من العقوبات، حظر قائمة جديدة من الشخصيات الإعلامية العامة الذين يتهمهم الاتحاد الأوروبي بالتضليل الإعلامي والمساعدة في عمليات خطف الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا، بالإضافة إلى حظر ثلاثة بنوك روسية أخرى، ومنع تصدير المعدات والأجهزة التكنولوجية التي يمكن لروسيا استخدامها في الحرب، وأيضًا حظر سبع مؤسسات إيرانية يتهمها الاتحاد الأوروبي بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة تمكنها من مهاجمة البنية التحتية المدنية الأوكرانية. وأخيرًا تحديد استيراد العديد من السلع وعلى رأسها المطاط الروسي، مما يشكل خسائر بأكثر من 11 مليار يورو.

ويأمل الاتحاد الأوروبي من الحزمة العاشرة تشديد الحصار وحالة العزل الاقتصادي على روسيا، مما يساعد أوكرانيا في التفوق ويدفع روسيا إلى الاستسلام والتحول للمفاوضات السلمية لعدم قدرتها على الاستمرار في استخدام القوة بسبب العقوبات. فبالرغم من تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم تأثر روسيا بشكل كبير من العقوبات المطبقة وأن دول الاتحاد الأوروبي تأثرت سلبًا بتطبيق هذه العقوبات أكثر من روسيا، فإن العديد من المحللين والدبلوماسيين الأوروبيين يقولون إن هذه العقوبات لم تكن تستهدف التأثير على المدى القريب، بل إن تأثيرها الأكبر سيظهر على المدى الأبعد، وأن الاقتصاد الروسي مهما كانت قوته لن يستطيع الصمود أمام عقوبات مثل هذه مع مرور الوقت، وأيضًا أن روسيا لن تجد بديلًا يعوض المكاسب التي كانت تجنيها من التعاملات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي.

انقسامات داخلية

واجه الاتحاد الأوروبي الكثير من الانتقادات لحزم العقوبات التي يطبقها، وزادت هذه الانتقادات بشكل واسع بعد الإعلان عن الحزمة العاشرة من العقوبات؛ فقد كان من المتوقع أن تكون العقوبات التي تتضمنها الحزمة العاشرة أشد من الحزم السابقة التي لم تؤثر بالشكل المتوقع على روسيا، بل تؤثر على الدول الأوروبية بشكل أكبر من تأثيرها على روسيا، لا سيّما وأن أوروبا لم تتمكن حتى الآن من الوصول إلى بدائل كافية عن السلع الروسية، خصوصًا في مجال الطاقة.

ولم تكن هذه الانتقادات خارجية فقط، بل داخل الاتحاد الأوروبي ذاته، وقد تأخر اتخاذ القرار بالموافقة على الحزمة الأخيرة كثيرًا بسبب اعتراض بولندا على بعض البنود في هذه الحزمة لعدم قوتها مثل تحديد استيراد المطاط الروسي الذي كانت ترغب بولندا في حظره بشكل كامل، لكن احتياج الدول إلى هذه السلع دفع الاتحاد الأوروبي لتحديد الكميات المسموح باستيرادها بدلًا من الحظر، ولكن ترى بولندا أن الكميات المحددة للواردات من السلع الروسية لن تكون مجدية في إضعاف الاقتصاد الروسي. ومن المرجح اهتمام بولندا بشدة بالعقوبات بشكل أكبر من باقي الأعضاء لوجودها على الحدود مع أوكرانيا الذي يجعلها أكثر تضررًا من الحرب وأكثر تعرضًا للخطر.

وتعترض المجر أيضًا على العقوبات التي يطبقها الاتحاد الأوروبي ولكن لسبب مختلف عن بولندا؛ إذ ترى المجر أن العقوبات بشكل عام ليست الطريقة الأمثل لإنهاء الحرب، فتعترض المجر أيضًا على إرسال المساعدات من الأسلحة لأوكرانيا، وترى بودابست أن الطريقة الأمثل لحفظ السلام وإنهاء الحرب هي التوسط بين الطرفين والمحاولة للوصول إلى حل بالمفاوضات السلمية، ولكن اتخاذ الناتو والاتحاد الأوروبي جانب طرف من طرفي الصراع يجعلها طرفًا فيه، وعلى شفا الدخول فيه بشكل كامل.

ويواجه أيضًا الاتحاد الأوروبي بعض الانتقادات لسياسة المدى البعيد التي يبرر بها عدم تأثير العقوبات التأثير المتوقع إلى الآن، فالفترة الطويلة للحرب تؤثر سلبًا على الوضع الاقتصادي عالميًا وخصوصًا دول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير ولا تؤثر على روسيا فقط، بالإضافة إلى احتمالية استخدام روسيا للأسلحة النووية للانتصار في الحرب والوصول لأهدافها قبل تأثرها بأضرار هذه العقوبات. وعلقت روسيا أيضًا على الحزمة العاشرة من العقوبات بأنها تضر بالتجارة العالمية أكثر من ضررها على روسيا، وهو ما يمكن تفسيره على أنه رسالة لتأكيد عدم تأثر روسيا بالعقوبات تحمل في داخلها تخوفًا من آثار العقوبات مستقبلًا، وهو ما قد يدفعها إلى تصعيد الأمور لتفادي هذه الآثار.

وقد كان الانقسام في الاتحاد الأوروبي سببًا آخرًا في توجيه الانتقادات للاتحاد الأوروبي؛ إذ إنها لم تكن المرة الأولى يتعطل فيها الموافقة بإقرار حزمة عقوبات بسبب هذا الانقسام. واتخاذ قرار بتطبيق عقوبات من الاتحاد الأوروبي يتطلب موافقة جميع الأعضاء، مما يجعل اعتراض عضو واحد يعطل عملية اتخاذ القرار. ولا شك في رغبة جميع الدول في انتهاء الحرب، لكن التباين الشديد في وجهات النظر في كيفية إنهاء هذا الصراع يجعل اتخاذ كل خطوة جديدة أصعب من ذي قبل.

ومن المرجح أن يكون سبب اتجاه الاتحاد الأوروبي في عدم فرض عقوبات أكثر شدة وحزمًا هو تخوف الدول الأوروبية من الأضرار الواقعة عليها من الحظر الكامل للتعاملات التجارية مع روسيا بسبب اعتماد الدول الأوروبية بشكل كامل على روسيا في الحصول على بعض السلع، وعدم إيجاد بديل لها، أو على أقل تقدير تنتظر حتى تؤمن بديل مناسب لروسيا قبل أن تحظر التعاملات التجارية وتفرض عزلًا كاملًا عليها. بالإضافة إلى وجود أصوات مع تشديد العقوبات وأصوات أخرى ضد فكرة العقوبات بالأساس بنا يعطل عملية اتخاذ القرار ويشير إلى صعوبة تطبيق الاتحاد الأوروبي عقوبات أخرى بالرغم من تأكيده عكس ذلك.

ختامًا، يفضل الاتحاد الأوروبي الاستمرار في سياسة فرض العقوبات على روسيا بشكل تدريجي ليتفادى الخسائر الناجمة عن العقوبات الصارمة التي تتضمن حظر العلاقات التجارية بشكل كامل مع موسكو، وذلك على الرغم من أن الانقسامات والآراء المعارضة داخل أروقة الاتحاد لهذه السياسة تزداد يومًا بعد يوم بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم تحقيق الحزم السابقة من العقوبات الأهداف المرجوة منها. وفي المقابل، تدرك روسيا حجم هذه الانقسامات وتعمل على ممارسة الضغوط على الاتحاد الأوروبي واستغلال الأصوات التي تنادي بوقف العقوبات، بما يؤثر على قدرة الاتحاد على الموافقة على حزم مستقبلية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75791/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M