سمير رمزي
حاولت أطراف محلية ودولية مختلفة التدخُّل لإيقاف النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، المستمر منذ منتصف أبريل 2023. وفي هذا الصدد طُرحت مبادرات عدة، تباينت مضامينها حول خطوات معالجة النزاع، وآليات التنفيذ، ونطاق الأطراف المشاركة، فضلاً عن موقف طرفي النزاع منها.
تُسلِّط هذه الورقة الضوء على واقع النزاع في السودان، وأبرز المبادرات المطروحة لإنهائه، وتحاول استشراف فرصها وتحدياتها في تسوية النزاع.
تطورات النزاع
اندلعت في 15 أبريل اشتباكات عسكرية واسعة بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني، بسبب خلافهما حول قضية دمج قوات الدعم السريع ببنية المؤسسة العسكرية النظامية، تطبيقاً للاتفاق الإطاري الذي وقّع عليه الطرفان إلى جانب المكون المدني في 5 ديسمبر 2022. وبينما كان هدف الجيش واضحاً من العملية العسكرية وهو تفكيك قوات الدعم العسكري وإنهاء وجودها، بحسب تصريحات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، فإن هدف الدعم السريع كان ضبابياً، فعدا عن الهدف الوجودي المتمثل بالبقاء، صرّح قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بأنه يسعى إلى إسقاط ومحاكمة عبدالفتاح البرهان وقادة الجيش الذين اتهمهم بتعمد إشعال الصراع بسبب رفضهم تسليم السلطة للمدنيين، كما اتهمهم بالانتماء للنظام السابق.
وقادت عوامل عدة، مثل وجود مقار كبيرة لقوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور، وعدم التناظر في تركيب القوة العسكرية وطريقة القتال لطرفي الصراع، في عدم نجاح أي منهما في تحقيق تفوق حاسم على نظيره بعد مرور أكثر من أسبوعين على بدء الاشتباكات.
ونتيجة للضغوط الدولية والإقليمية اضطر الطرفان المتصارعان للقبول بخمس هدن متقطعة، لأغراض إنسانية ولإجلاء البعثات الدبلوماسية والجاليات الأجنبية، في حين تبادل الطرفان الاتهامات حول خرقها، في وقت أسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 500 شخص، فضلاً عن تدهور الوضع الإنساني في البلاد، فقد خرجت كثير من المستشفيات من الخدمة، كما حدث انقطاع في خدمات الكهرباء والمياه، ونقص في إمدادات الغذاء في بعض الولايات.
أبرز مبادرات التهدئة
رغم تعدُّد الأطراف التي أعربت عن استعدادها للتوسُّط بين طرفي الأزمة السودانية لوقف القتال، اهتم عدد قليل منهم باقتراح آليات تفصيلية لتحقيق التسوية. وأهم هذه المبادرات جاءت من جانب مصر، ومنظمة “الإيغاد”، والسعودية والولايات المتحدة، فضلاً عن بعض الأطراف المحلية.
وكانت القاهرة من أولى الأطراف التي طرحت رؤية لإنهاء الصراع، ركَّزت على الترتيبات العسكرية العاجلة اللازمة لوقف القتال، إذ دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب قوات الجانبين إلى خارج المناطق السكنية، مع إدخال مراقبين دوليين لوضع خطوط تماس بين مناطقهما، واقترحت المبادرة أيضاً تشكيل لجنة عسكرية من طرفي النزاع لحسم النقاط الخلافية.
ولم تجد المبادرة المصرية صدىً كبيراً عند طرحها، وربما يعود جزء من ذلك إلى توقيتها المُبكر، فكان الطرفان يبحثان عن تسوية عسكرية للصراع تُحقق لكلٍّ منهما مكاسب سياسية كبيرة، كما تعارضت الدعوة لخروج القوات من المناطق السكنية، مع الاستراتيجية التي اعتمدها الدعم السريع في القتال مع الجيش، والتي ارتكزت على الوجود داخل المدن، بغرض تقويض فرص استخدام الجيش السوداني لميزته النسبية المُتمثلة في القصف الجوي. كما لا يُمكن إغفال أن من أسباب تعثر جهود القاهرة لحلحلة الأزمة مبكراً، كونها تُعد قريبة إلى أحد طرفي الصراع، أي الجيش السوداني.
في المقابل، وجدت مبادرة “الإيغاد” والمبادرة السعودية-الأمريكية قابلية أكبر للتطبيق، بعد إعلان طرفي الصراع دعمهما لهما، وجاءت ملامح المبادرتين على النحو الآتي:
1. مبادرة دول “الإيغاد”
أعلنت منظمة “الإيغاد” خلال الأيام الأولى من النزاع عزمها إرسال وفد رئاسي من دول كينيا وجيبوتي وجنوب السودان إلى الخرطوم للتوفيق بين طرفي الصراع السوداني، لكن سوء الوضع الأمني وغلق المجال الجوي نتيجة الاشتباكات عرقلا إمكانية إرسال الوفد إلى الخرطوم، ثم أعلنت المنظمة عن عزمها دعوة ممثلين من الطرفين للتفاوض في جوبا، عاصمة جنوب السودان.
وبالرغم من “الإيغاد” لم تكشف عن عناصر مبادرتها، فإن الواضح منها رفضها أي انخراط دولي في آليات فرض التهدئة، لذا لقيت المبادرة ترحيب أطراف دولية مثل الصين وروسيا، اللتين دعمتا انخراط الأطراف الإقليمية في سُبل حلحلة الأزمة، لما لهذا من دور قد يقود إلى خفض فرص انخراط الأطراف الغربية في صياغة ترتيبات الوضع السياسي الجديد في السودان.
وعوضاً عن التدخل الدولي، انطلقت مبادرة الإيغاد من مبدأ “الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية”. ويبدو أن هذا الأمر هو ما دفع واشنطن إلى تعزيز التنسيق مع بعض دول الإيغاد، إذ قامت باستضافة وزير الخارجية الكيني ألفريد موتوا عقب الإعلان عن المبادرة.
ورغم أن وساطة الإيغاد تظل مطروحة على الطاولة وفقاً لتصريحات فولكر بيرتس، المبعوث الأممي بالسودان، فإنها تواجه تحديات تتعلق بعدم إعلان قوات الدعم السريع موقفاً نهائياً منها، رغم إعلان الجيش السوداني موافقة مبدئية بشأنها، كما تفتقر المبادرة إلى الدعم الغربي والعربي الذي من شأنه تعزيز الحوافز التي قد تدفع طرفي القتال إلى قبولها. لكن هذه العوامل لم تمنع دولة جنوب السودان من الانخراط في مساعي التهدئة، وأعلنت في 2 مايو عن نجاح رئيسها سيلفا كير في أخذ موافقة طرفي الصراع السوداني على إقرار هدنة إنسانية تبدأ من يوم 4 مايو، وتستمر لمدة أسبوع.
2. المبادرة الأمريكية-السعودية
أكدت تصريحات إعلامية أدلى بها المبعوث الأممي في السودان فولكر بيرتس في 2 مايو 2023، صحة ما جاء في تقارير إخبارية مختلفة حول انخراط المملكة العربية السعودية في جهود حلحلة الأزمة ودعوتها طرفي الصراع إلى عقد مفاوضات في المملكة، بغرض بحث سُبل وقف إطلاق النار.
واكتسبت المبادرة السعودية أهميتها من تمتع المملكة بعلاقات جيدة مع طرفي النزاع، ما ظهر بمنحهما البعثة الدبلوماسية السعودية بالسودان أول ممر آمن للخروج من الخرطوم، كما لم يُبد أي منهما عدم تجاوب مع الجهود السعودية الرامية للتهدئة. وكانت الهدنة التي طالَبت بها الرياض، ودعمتها واشنطن، هي الأنجح منذ بدء الاشتباكات. كما مَثَّلت الرياض الوجهة الأولى للدبلوماسي السوداني دفع الله الحاج، بصفته مبعوث رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، حيث التقى بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في يوم 30 أبريل.
وبعكس مبادرة الإيغاد، تحظى المبادرة السعودية بدعم أطراف مؤثرة بالمشهد السوداني مثل دول الرباعية الدولية والاتحادين الأفريقي والأوروبي. وتشترط المبادرة تثبيت وقف إطلاق النار، قبل تفعيل مقترحات الوساطة، كما تدعو إلى التنسيق بين جهود الأطراف السودانية والإقليمية والدولية، بغية دفع الفاعلين السودانيين المدنيين والعسكريين إلى الاتفاق على إعلان سياسي يساعد في تعزيز الاستقرار واستئناف الحوار.
ويُمكن إرجاع الدعم الأمريكي للمبادرة السعودية إلى أن مضامينها تتفق مع مقترح للتسوية جاء على لسان ممثل واشنطن في مجلس الأمن، ليندا توماس جرينفيلد، خلال جلسة عقدها مجلس الأمن في يوم 25 أبريل. ونَصّ المقترح على وقف إطلاق النار، وانسحاب الأطراف العسكرية من المناطق المأهولة بالسكان، وتمديد الهدنة الإنسانية، تمهيداً لإيجاد آلية من الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين للإشراف على مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم.
ويُلاحظ أن هذه المبادرة تتبنى رؤية للحل الشامل للأزمة، وتقوم على توسيع قاعدة المشاركة في صياغة وتنفيذ تصورات التسوية، على عكس مبادرتَي مصر والإيغاد، كما تتلاقى المبادرة مع مخرجات اجتماع عُقِد بقيادة الاتحاد الأفريقي في يوم 20 أبريل لبحث سُبل علاج الأزمة. ومن جهة أخرى، لاقت المبادرة تأييد عدد من الأطراف السودانية المحلية، بسبب اتفاق مضمونها مع توجهات القوى السياسية الموقِّعة على الاتفاق الإطاري، وعلى رأسها حزب الأمة القومي الذي اعتبر أن المبادرة السعودية أكثر اكتمالاً من مبادرة الإيغاد.
وتدعم قوى الاتفاق الإطاري المبادرة لأنها تُشركها في مساعي حلحلة الأزمة، كما تُلبي مطالبها في تعميق انخراط المجتمع الدولي في ممارسة “أقصى الضغوط” على القادة العسكريين، بما في ذلك فرض عقوبات عليهم.
وعملت أغلب قوى الاتفاق الإطاري على تعزيز أدواتها في التعامل مع الأزمة العسكرية، من خلال توقيع بيان باسم “الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية” مع حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور، إذ تعد الحركة من أكبر القوى العسكرية في إقليم دارفور وتُسيطر عسكرياً على بعض مناطقه.
وتجدر الإشارة إلى تعاظُم أهمية الحركات المسلحة بصفة عامة في مبادرات حلحلة الأزمة، فكانت أنجح مبادرات وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع في إقليم دارفور، قد قادها نمر عبد الرحمن القيادي في حركة تحرير السودان (المجلس الانتقالي) ووالي شمال دارفور، والذي استطاع عبر التنسيق مع عدد من قادة القبائل في فرض هدنة شاملة في الولاية، ونص محتوى الهدنة على بقاء الجيش في مواقعه بغرب عاصمة الولاية “الفاشر”، وبقاء قوات الدعم في الشرق، على أن تكون منطقة الوسط منزوعة السلاح، وأن تخضع لإدارة الشُرطة.
تحديات التوصُّل لتسوية نهائية للأزمة
بالرغم من توارد أنباء مختلفة عن تعيين طرفي الصراع ممثل لكل منهما للتفاوض مع الطرف الآخر، وهما اللواء أبو بكر فقيري عن الجيش، والعميد موسى سليمان عن الدعم السريع، فإن إنجاح أي مبادرة ترمي إلى تسوية النزاع يبقى مرهوناً بالتغلب على عدد من التحديات العسكرية والسياسية.
فمن الناحية الميدانية، يصعُب تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار في ظل تخوف الطرفين من أن يستغل الطرف الآخر أي هدنة في تعزيز تموضعه العسكري، وجلب الإمدادات. وغني عن الذكر أن استمرار المواجهات العسكرية يُعيق مهمة إدخال مراقبين خارجيين لمراقبة وقف إطلاق النار وتأمينهم، وبخاصة مع تمحور القتال حول بعض نقاط النزاع المشتركة.
وربما تكون هذه التحديات هي التي دفعت الرياض إلى تخصيص جلسة التفاوض المتوقعة للنقاش حول الترتيبات “التقنية” لإيقاف إطلاق النار، قبل التطرق إلى الخلافات العسكرية والسياسية الأخرى، وذلك بحسب تصريحات فولكر بيرتس المبعوث الأممي للسودان، والتي أشار فيها إلى أن خريطة الانتشار العسكري للقوات المتصارعةُ تُعيِق خروج أي من قادة الطرفين إلى خارج البلاد، من دون أن يمر على أراضي الطرف الآخر، وهو ما يُصعِّب من مهمة عقد مفاوضات مباشرة.
ودَعَّمَ عددٌ من التطورات الميدانية احتمالات استمرار الاقتتال بين الجانبين، إذ أعلنت هيئة الطيران المدني السودانية في يوم 30 أبريل مدّ إغلاق المجال الجوي حتى تاريخ 13 مايو، وسط أنباء عن قيام طرفي القتال بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الخرطوم. وأعقب هذا إعلان ياسر العطا، ممثل الجيش في مجلس السيادة في يوم 2 مايو، أن الأولوية للحسم العسكري، متوقعاً أن العملية العسكرية ستقود إلى “إنهاء وجود” قوات الدعم السريع في غضون أسبوعين. كما أشارت كلمة الحارث إدريس، ممثل السودان لدى مجلس الأمن في جلسة 25 أبريل، إلى تفضيل قادة الجيش تحقيق انتصار عسكري حاسم قبل الانخراط الجاد في أي مبادرة للتسوية، إذ أكد أن الجيش ماضٍ في مساعي “إخضاع القوى المتمردة”، داعياً إلى منح حكومته “الوقت والصبر” من أجل ابتكار الفرص المواتية لحلحة الأزمة.
وتُشير التطورات السابقة إلى اعتقاد قادة الجيش بأن عامل الوقت يلعب لصالحهم، بينما يرغب قادة الدعم السريع في سرعة عقد المفاوضات، لأنها لا تزال تتمتع بندية عسكرية نسبية مع الجيش، لذا أعلن قائدها حمدان دقلو قبوله بمبدأ التفاوض، شريطة وقف إطلاق النار.
علاوة على ذلك، يعد تناقُض تفضيلات طرفي الصراع فيما يتعلق بالجهات المنوط بها المشاركة في الوساطة، من أبرز تحديات نجاح مبادرات التهدئة. فعلى عكس الدعم السريع، يميل قادة الجيش السوداني إلى مقاومة الحلول متعددة الأطراف، لرغبتهم في تقليص الضغوط الدولية المتوقعة في حال طال أمد الأزمة. وشددت مداخلة الحارث سابقة الذكر على رفض التدخل الدولي، بينما رَحَّب بالمساعي الحميدة للإيغاد وللاتحاد الأفريقي فقط، ورَهَن قبول تدخلهما في الأزمة بتحسُّن الأوضاع في مطار الخرطوم، ما يؤكد بدوره رغبة الجيش في فرض سيطرته أولاً على المناطق الاستراتيجية والمرافق الحيوية، قبل النظر بجدية إلى أي مبادرة للتهدئة.
ويُضاف إلى تحديات إنجاح مبادرات التسوية، صعوبة التوفيق بين المطالب التفاوضية للمتصارعين، إذ يُطالب قادة الجيش ببدء الدمج الفوري لقوات الدعم السريع، وخروجها من العاصمة، وهي عملية يصعب توقع قادة قبول الدعم السريع بها، بعد أن رَفضوا في المباحثات التي سبقت الأزمة إتمام عملية الدمج في عامين فقط. كما يُعزز توتُر المناخ بين مقاتلي الطرفين، بعد وقوع الاشتباكات العسكرية، الصعوبات التي قد تواجه عملية الدمج، والتي بات يلزمها تنفيذ إجراءات جديدة لبناء الثقة بين الجانبين، ناهيك عن التحديات الخاصة بتوحيد عقيدتهما القتالية، وإيجاد التمويل اللازم لعمليات الاندماج والتسريح.
وإلى جانب ذلك، تتعارض تصورات الطرفين الخاصة بترتيبات الوضع السياسي عقب وقف إطلاق النار، إذ تُفَضِّل قوات الدعم السريع العودة إلى الاتفاق الإطاري، بينما يرى الجيش السوداني أن العملية السياسية التي سبقت الاشتباكات قد أقْصت عدداً من القوى السياسية، وتعهّد ببدء عملية جديدة لا تُقصي أحداً. ويُمكن فهم هذا الموقف في إطار أن الاتفاق الإطاري لا يتوافق مع توجهات الجيش الحالية، لكونه أقر بالشرعية القانونية لقيادة الدعم السريع، وأقرّ تبعيتها لرأس الدولة مباشرة.
آفاق مبادرات التسوية في السودان
يتضح مما سبق أن مساعي نجاح أي مبادرة للتسوية يتوقف على تطورات العمليات العسكرية في السودان، ودرجة ملاءمة المبادرات لمطالب طرفي النزاع. وفي ضوء ذلك، يُمكن الإشارة إلى مستقبل مبادرات تسوية الأزمة في المدى القريب على النحو الآتي:
1. النجاح في تنفيذ وقف سريع لإطلاق النار
قد تنجح أي واحدة من المبادرات المذكورة في دفع طرفي الصراع إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وإيقاف الاشتباكات العسكرية في القريب العاجل، ويعد تحقُّق هذا الخيار رهنَ تيقنهما من صعوبة حسم النزاع عسكرياً، بما يدفعهما إلى تفضيل الحل السياسي.
وربما تكون مبادرة الإيغاد، بقيادة دولة جنوب السودان، هي الأقرب إلى تحقيق هذا السيناريو، بسبب اتفاق مضامينها مع توجهات الجيش السوداني، بينما قد تستغرق المبادرة السعودية-الأمريكية وقتاً أطول في سبيل إيجاد توافق دولي-محلي حول سُبل معالجة الأزمة.
لكن فُرص حدوث هذا السيناريو تعد مُنخفِّضة نسبياً بسبب تمسُّك قادة الجيش باستمرار العملية العسكرية، إلى حين تكبيد قوات الدعم خسائر استراتيجية، تدفعها إلى الموافقة على مطلب الجيش بالبدء الفوري في عملية الدمج، بينما أظهرت قوات الدعم درجة مقاومة نسبية لهذه الأهداف.
ويُفرز هذا السيناريو في حال تحققه فرصةً خاصة بتقليص احتمال تطور النزاع إلى مستوى الحرب الأهلية التي قد تمتد إقليمياً، لكنه في المقابل لا يضمن استقرار العملية السياسية، نظراً لأن رؤية الجيش في التسوية قد تتعارض مع توجهات عدد كبير من القوى السياسية السودانية.
ويُعد هذا السيناريو غير مُرجَّح بسبب تعارضه مع تفضيل قادة الجيش في المرحلة الحالية المرتكز على اللجوء إلى الحسم العسكري، كما يصعُب تحقق هذا السيناريو في ظل الصعوبة الفنية التي تواجه مساعي وقف إطلاق النار.
2. فشل المبادرات وتمدُّد الصراع
ربما تفشل كل المبادرات الرامية إلى وقف دائم لإطلاق النار، بسبب صعوبة التوفيق بين طرفي الصراع، عسكرياً وسياسياً، مع استمرار عجزهما عن الحسم الميداني. وترتفع فُرص تحقق هذا السيناريو، لأنه يتوافق مع تفضيل الجيش السوداني للحل العسكري على الحل السياسي.
كما من الممكن أن يقود التنافس الأمريكي-الروسي إلى اتخاذ الصراع طابع الحرب بالوكالة، في حالة تأكُّد واشنطن من انخراط مجموعة فاغنر الروسية في الصراع بشكل أو بآخر. وقد يؤثر كذلك التنافس الصيني-الأمريكي سلبياً في مساعي فرض التهدئة، بما يقوض احتمالات نجاح مجلس الأمن الدولي في التوافق على صيغة دولية للتسوية.
ووفقاً لهذه المعطيات؛ يعد هذا السيناريو مُرَجَّحاً بشكل أكبر من السابق. وربما ينتج عنه بعض المخاطر المتمثلة في توتير الأوضاع الأمنية والعسكرية بالسودان، فقد يؤدي نجاح الجيش في حسم الصراع العسكري في الخرطوم، إلى انتقال الصراع إلى أطراف البلاد، وتحديداً في إقليم دارفور، حيث تتمتع قوات الدعم السريع بتفوق عسكري نسبي، علاوة على انتماء قادتها إلى بعض القبائل هناك؛ ما قد يتسبب في إضفاء الطابع الأهلي على النزاع، وربما حدوث ما يُشبه السيناريو الليبي، ولكن على نحو أكثر خطورة، فقد لا ينحصر الصراع مع المركز في الغرب، بل قد يشمل الرشق والجنوب.
3. الفشل المرحلي لدعوات وقف إطلاق النار ونجاحها لاحقاً
يفترض هذا السيناريو التعثُّر المؤقت لمبادرات تسوية الأزمة، ونجاح إحداها لاحقاً في تحقيق التسوية، نتيجة تصاعُد الضغوط المحلية والدولية على طرفي النزاع، وتأكدهما من أن استمرار العملية العسكرية لن يحقق مكاسب سياسية، وربما يعرضهما لخطر العزلة الدولية والإقليمية.
وقد تتعاظم فُرص حدوث هذا السيناريو إذ ما حقق أحد الطرفين انتصاراً ميدانياً طفيفاً في العاصمة، مثل قطع خطوط الإمداد، بشكل يدفع أحدهما إلى القبول بوقف إطلاق النيران، وإنهاء حالة التنازع العسكري على المقرات الاستراتيجية في الخرطوم.
ويتطلب نجاح هذا السيناريو إعادة صياغة مبادرات التسوية المطروحة الحالية، بما يلائم تطورات الوضع العسكري، ويكون أكثر قبولاً لدى الفرقاء السودانيين. وستكون المبادرات الرامية إلى توسيع نطاق المُشاركة في العملية التفاوضية هي الأنسب، في حال عدم نجاح قوات الجيش في إبعاد قوات الدعم السريع عن الخرطوم. بينما تكون المبادرات التي تُقلِّص نطاق المشاركة الدولية، مثل مبادرة الإيغاد، هي الأكثر ملاءمة في حالة سيطرة الجيش على المقار الاستراتيجية بالعاصمة.
ويعد هذا السيناريو متساوياً في درجة الرجحان مع السيناريو السابق، ويبقى تحقُّقه رهنَ قبول قادة الجيش به.
خلاصة واستنتاجات
لجأ عدد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية إلى طرح مبادرات لإيقاف إطلاق النار بين قوات الجيش والدعم السريع. ولم تنجح كل المبادرات -حتى الآن- في دفع طرفي الصراع إلى القبول بوقف دائم لإطلاق النار، في ظل تفضيل قادة الجيش الحسم العسكري على الحل التفاوضي.
وفي ظل تعقُّد القضايا محل الخلاف بين الطرفين المتصارعين، والتي تتعلق بمكانة كل منهما في هيكلية السلطة والثروة في الدولة السودانية، فإنه يُخشى من إطالة أمد الاقتتال، واحتمال انتقاله من المركز إلى الأطراف، الأمر الذي يجعل السودان يقترب من السيناريو الليبي.
وثمة خشية من أن يؤدي تزاحم إطلاق المبادرات إلى إعاقة إنهاء النزاع، أو توفير البيئة لتدخل قوى أخرى فيه بما يصب في تغذيته لا إطفائه، لذا يقتضي تسريع إنهاء الأزمة في السودان التوافق الإقليمي والدولي على مبادرة واحدة لجمع طرفي الصراع، وهنا تحظى مبادرة “الإيغاد” بأهمية نسبية لاعتبارات عدة، أهمها الخبرة التاريخية لها في السودان وكونها جزءاً من الآلية الثلاثية التي رعت الاتفاق الإطاري، ولكن يُفضل إشراك الرباعية الدولية إضافة إلى مصر في جهود التوصل إلى تسوية للصراع، وذلك لما هذه الدول من تأثير في الطرفين المتقاتلين.
.
رابط المصدر:
https://epc.ae/ar/details/scenario/mubadarat-waqf-itlaq-alnar-wamustaqbal-alnizae-fi-alsuwdan