الحمى النزفية في العراق: ما نعرفه وما نجهله

مروة الاسدي

 

في الوقت الذي لا يزال فيه العراق يتعافى ببطء من جائحة كورونا، ظهر مرض الحمى النزفية في الجنوب مجدداً لينتشر بعدها في العديد من المحافظات.

وتعد الحمى النزفية من الأمراض المعدية التي يمكن أن تتسبب في الإصابة بعلل شديدة تهدد الحياة، مثل تلف جدران الأوعية الدموية الصغيرة ما يجعلها “تسرِّب”، كما يمكن أن تعوق قدرة الدم على التجلط.

وتختلف مؤشرات الحمى النزفية الفيروسية وأعراضها حسب المرض، وفقما ذكر موقع “مايو كلينيك” الطبي، حيث يمكن أن تشمل الأعراض المبكرة، الحُمّى والتعب أو الضعف أو الشعور العام بالتوعك، والدوار وآلام العضلات أو العظام أو المفاصل، والغثيان والقيء والإسهال.

أما الأعراض التي قد تصبح مهددة للحياة فتشمل نزيف تحت الجلد أو في الأعضاء الداخلية أو من الفم أو العينين أو الأذنين، وخلل وظيفي في الجهاز العصبي، والغيبوبة والهذيان، والفشل الكلوي والتنفسي والكبدي.

وتنتشر الحمى النزفية الفيروسية عن طريق مخالطة الحيوانات أو الحشرات المصابة بالعدوى، علما أن الفيروسات التي تسبب الإصابة بالحمى النزفية الفيروسية، تعيش في العديد من العوائل الحيوانية والحشرية، وتشمل في الغالب البعوض أو القراد أو القوارض أو الخفافيش.

وتنتقل بعض أنواع الحمى النزفية الفيروسية عبر لدغات البعوض أو القراد، كما ينتقل البعض الآخر عبر ملامسة سوائل المصاب، مثل الدم أو اللعاب أو السائل المنوي، ويمكن انتقال عدة أنواع أخرى منها عبر استنشاق فضلات الفئران المصابة.

وإذا سافرت إلى منطقة تنتشر فيها حمى نزفية معينة، فقد تصاب بالعدوى من دون أن تظهر عليك الأعراض إلا بعد عودتك إلى وطنك، وقد يستغرق ظهور الأعراض من يومين إلى 21 يوما حسب نوع الفيروس.

إذا كنت تعيش في مناطق تنتشر فيها هذه الأمراض أو تعمل فيها أو تسافر إليها، فاحمِ نفسك من العدوى مستخدما وسائل واقية مناسبة عند التعامل مع الدم أو سوائل الجسم، كارتداء القفازات وواقيات العينين والوجه، وتشمل الاحتياطات أيضا توخي الحذر عند التعامل مع عينات المختبرات والنفايات وتطهيرها والتخلص منها، وعلى الرغم من عدم وجود علاج معين لمعظم أنواع الحمى النزفية الفيروسية، فقد يساعد عقارا “ريبافيرين” و”فيرازول” على تقصير مسار بعض أنواع العدوى ومنع حدوث مضاعفات في بعض الحالات.

ما أعراض الحمى النزفية المُسجلة في العراق؟

وتمثل الحمى النزفية سلسلة أمراض معدية يمكن أن تتسبب في علة شديدة تهدد الحياة من خلال تلف جدران الأوعية الدموية الصغيرة، وهو ما يجعلها تنزف وتعيق قدرة الدم على التجلط، وهي عدة أنواع، منها حمى الضنك والإيبولا والحمى الصفراء.

وعبر لدغات الحشرات المصابة بالعدوى كالبعوض والقراد، تنتشر الحمى النزفية الفيروسية، أو من خلال مخالطة الحيوانات المصابة أثناء ذبحها من دون استخدام الملابس الواقية والنظارات، وكذلك عبر تعرض الجروح لدم مصاب أو سوائل الجسم الأخرى كاللعاب وغيرها.

وتنتشر بعض الأنواع بطريقة العدوى من أشخاص مصابين.

ومن العوامل الأخرى للإصابة بالحمى النزفية هي العيش في المناطق الموبوءة بالفيروس أو السفر إليها، والعمل مع أشخاص مصابين، والتواجد في الأماكن الموبوءة بالفئران، ومشاركة الإبر الوريدية المستخدمة في حقن الأدوية؛ كلها عوامل تزيد من احتمالية الإصابة.

والحمى النزفية مرض معد معروف له عدة أنواع، وينتشر عادة في المناطق الاستوائية والبيئية التي تكثر فيها تربية المواشي والحيوانات، إذ تزداد فيها نواقل الأمراض مثل البعوض والقراد والقوارض.

ما أعراض الإصابة بالحمى النزفية؟ تختلف مؤشرات الحمى النزفية الفيروسية وأعراضها وفق نوع المرض، ويمكن أن تكون الأعراض الأولية بسيطة ويمكن أن تكون شديدة تهدد الحياة.

الأعراض المبكرة، التعب، الضعف العام، الحمى، الغثيان، القيء، الإسهال، آلام المفاصل والعضلات والعظام.

الأعراض الخطرة، نزيف تحت الجلد وفي الأعضاء الداخلية والفم والعين والأذنين، خلل وظيفي في الجهاز العصبي، الهذيان، الغيبوبة، الفشل الكلوي، الفشل التنفسي، فشل الكبد.

كذلك لخصت منظمة الصحة العالمية الأعراض بـ”ألم في العضلات والمفاصل، وحمى، ونزف، وصدمة، نتيجة فقْد الدم”، وفي الحالات الشديدة يكون العرض البارز هو النزف من فوهات الأعضاء الداخلية.

ومن الممكن أن تزول جميع أعراض الطور الأول من المرض بعد الإصابة ببضعة أيام والتعافي التام بعدها، كما يمكن استخدام أدوية وعلاجات مساندة وداعمة للمناعة، ويحذر الخبراء من أن الاستمرار بتجاهل تعليمات الرقابة الصحية بما يتعلق بتربية وذبح الأضاحي وعدم الالتزام بالوقاية وإهمال النظافة الشخصية، من شأنها أن تسرع وتيرة انتشار المرض.

ما هي طرق الوقاية من المرض؟

– الالتزام بارتداء القفازات وواقيات العينين والوجه الشبيهة بملابس الوقاية من الأمراض المعدية عند التعامل مع الدم أو سوائل الجسم.

– الالتزام بالإرشادات الصحية اللازمة والنظافة والتعقيم، وخاصة بعد ملامسة الحيوانات، والتوجه إلى أقرب مركز صحي عند الشعور بالأعراض.

– الابتعاد عن حظائر الحيوانات التي تعد الوسط الممتاز لتكاثر الحشرات الناقلة للفيروس.

– نصح بطهي اللحوم بشكل جيد، حيث يموت الفيروس عند درجة الحرارة 60، وكذلك ينصح ببسترة الحليب ومشتقاته.

– استخدام التعقيم وخاصة المحتوي على الكلور، عند مسح الأسطح، كفيل بالقضاء على الفيروس.

سبل مكافحة الفيروس

– تحصين الحيوانات بلقاحات مكافحة البراغيث ومكافحة الآفات المسببة للأمراض الحيوانية.

– رش الحقول ومناطق الانتشار بالمياه الساخنة والمبيدات الحشرية المتوافقة مع البيئة

وتقول منظمة الصحة العالمية إن نقص التشخيصِ المختبري في الوقت المناسب، والترصدِ الوبائي الوظيفي، وعدم كفاية ممارسات مكافحة العدوى في مَرافق الرعاية الصحية، وضعف برامج مكافحة النواقل، يمكن أن تؤدي إلى حدوث فاشيات مطوَّلة بالحميات النزفية الفيروسية.

162 إصابة و27 وفاة بالحمى النزفية في العراق منذ مطلع العام

أعلنت وزارة الصحة العراقية أن إصابات الحمى النزفية بلغت 162 حالةً من بينها 27 وفاةً منذ بداية العام، فيما تحاول السلطات الحد من انتشار هذا المرض الفيروسي الذي ينتقل عن طريق الماشية، وكانت السلطات قد أعلنت قبل شهر واحد فقط عن 12 وفاةً بالمرض، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن انتقال حمى القرم- الكونغو النزفية إلى البشر يحدث “إما عن طريق لدغات القراد أو بملامسة دم أو أنسجة الحيوانات المصابة خلال الذبح أو بعده مباشرة”، وأعلن المتحدّث باسم وزارة الصحة سيف البدر السبت أن “آخر إحصائية رسمية في ما يخص الحمى النزفية منذ بداية هذا العام، هو تسجيل 162 إصابة منها 27 حالة وفاة”، ولفت إلى أن محافظة أربيل في إقليم كردستان المتمتّع بالحكم الذاتي، سجّلت أول حالة وفاة، مضيفاً في الوقت نفسه أن “نصف الإصابات تماثلت للشفاء”.

وأكّد البدر لفرانس برس أن الوزارة تعمل على “الكشف المبكر عن الحالات وتقديم الرعاية الصحية والتثقيف والتوعية”، وسُجلت غالبية الإصابات في محافظة ذي قار (61 إصابة) الواقعة في جنوب البلاد، وهي منطقة ريفية فقيرة تربى فيها الأبقار والأغنام والماعز والجاموس، وجميعها حيوانات وسيطة ناقلة لهذا المرض.

وتسعى السلطات إلى ضبط الوضع ووضع حدّ لعدم الالتزام بالاجراءات الصحية. وفرضت اجراءات مشددة لمنع ظاهرة الذبح العشوائي التي غالبا ما تنتشر في الأحياء الشعبية، بالإضافة لمنع نقل الماشية من منطقة لأخرى كما قامت بحملات تطهير للحيوانات.

ويعدّ مربو الماشية والعاملون في مجال الجزارة، وفقا لوزارة الصحة، الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، ولا لقاح لهذا المرض عند الإنسان أو الحيوان، أما أعراضه الأولية فهي الحمى وآلام العضلات وآلام البطن. لكن عند تطوره، يؤدي إلى نزف من العين والأذن والأنف، وصولاً إلى فشل في أعضاء الجسم ما يؤدي الى الوفاة، بحسب وزارة الصحة العراقية، وتؤدي الإصابة بفيروس الحمى النزفية إلى الوفاة بمعدل يراوح بين 10 إلى 40 بالمئة من المصابين، وفق منظمة الصحة العالمية.

أول وفاة في أربيل

ولفت إلى أن محافظة أربيل في إقليم كردستان المتمتّع بالحكم الذاتي، سجّلت أول حالة وفاة، مضيفاً في الوقت نفسه أن “نصف الإصابات تماثلت للشفاء”، كما أكّد البدر لفرانس برس أن الوزارة تعمل على “الكشف المبكر عن الحالات وتقديم الرعاية الصحية والتثقيف والتوعية”، وسُجلت غالبية الإصابات في محافظة ذي قار (61 إصابة) الواقعة في جنوب البلاد، وهي منطقة ريفية فقيرة تربى فيها الأبقار والأغنام والماعز والجاموس، وجميعها حيوانات وسيطة ناقلة لهذا المرض.

إجراءات مشددة

وتسعى السلطات إلى ضبط الوضع ووضع حد لعدم الالتزام بالإجراءات الصحية. وفرضت إجراءات مشددة لمنع ظاهرة الذبح العشوائي التي غالبا ما تنتشر في الأحياء الشعبية، بالإضافة لمنع نقل الماشية من منطقة لأخرى كما قامت بحملات تطهير للحيوانات، فيما يعدّ مربو الماشية والعاملون في مجال الجزارة، وفقا لوزارة الصحة، الأكثر عرضة للإصابة بالمرض.

ولا لقاح لهذا المرض عند الإنسان أو الحيوان، أما أعراضه الأولية فهي الحمى وآلام العضلات وآلام البطن. لكن عند تطوره، يؤدي إلى نزف من العين والأذن والأنف، وصولاً إلى فشل في أعضاء الجسم ما يؤدي الى الوفاة، بحسب وزارة الصحة العراقية.

بينما تؤدي الإصابة بفيروس الحمى النزفية إلى الوفاة بمعدل يراوح بين 10 إلى 40 بالمئة من المصابين، وفق منظمة الصحة العالمية.

هل يتوقف العراقيون عن تناول اللحوم الحمراء مع اقتراب عيد الأضحى؟

في متجره الفسيح بحي اليرموك في وسط بغداد، يقدم القصاب حسن الطيب خدماته لعدد ضئيل من الزبائن، بينما يشير العدد الكبير من الذبائح المعلقة من البقر والضأن إلى بضاعة لا تجد من يشتريها، رغم علاقة الحب الشديد التي تربط المطبخ العراقي باللحوم الحمراء.

يحكي حسن الطيب عن الكساد الذي أصاب اللحوم الحمراء على مدى الشهور الماضية “مثل ما تقول اللحم يبور عندنا”. لكنه، وكعدد غير قليل من العراقيين الذين تحدثنا إليهم لم يصلوا إلى درجة اليقين بعد من أن الخوف من الحمى النزفية هو السبب في هذا الكساد الذي يضرب قطاعات تجارة الماشية واللحوم في العراق.

“احنا نسمع بهذا الشيء، نسمع أكو إصابات لكن ما شايفين حالة بعيوننا” هكذا يصف حسن الطيب حالة الذعر التي أصابت المجتمع العراقي من جراء ما يعرف علميا باسم “حمى القرم والكونغو النزفية” وإعلاميا باسم الحمى النزفية، وهي المرض الذي يصيب الحيوانات دون أن يظهر عليها وينتقل منها إلى البشر عن طريق حشرة القراد أو ملامسة سوائل الحيوانات المصابة كالدماء وما تحتويه الأنسجة. كما ينتقل عبر سوائل الشخص المريض؛ ما يعني أن القصابين مثل حسن، ومربي الماشية والبيطريين هم الفئات الأكثر تعرضا للإصابة.

وقد أدت موجة المرض الراهنة في العراق منذ يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 27 حالة وفاة وأكثر من 212 إصابة، حسب الدكتور عدنان نوار مسؤول منظمة الصحة العالمية للأمراض الانتقالية في العراق.

ورغم قلة عدد الوفيات وتركزها في المناطق الريفية بين مربي الماشية، فإن الخبير الدولي يحذر من خطورة الحمى النزفية “بسبب عدم وجود لقاحات مضادة لها وعدم وجود علاج تخصصي للمصابين بها ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات بينهم لتصل إلى 40 %”.

ومع اقتراب موسم الأضاحي في يوليو تموز المقبل، حيث يعمد كثيرون في العراق إلى ذبح أضاحيهم بأنفسهم داخل بيوتهم، تتزايد المخاوف من ارتفاع نسبة الإصابة بين الأشخاص العاديين بدلا من اقتصارها على الفئات التي تتعامل مع الماشية حاليا.

على بعد 25 دقيقة من وسط العاصمة وفي منطقة حزام بغداد جنوب غرب المدينة، تمتد منطقة المزارع التي تشتهر بتربية الأبقار. يتفقد سعدون عباس أبقاره التي تقترب من العشرين بدأب وسط الحرارة الشديدة وطنين الذباب الذي يحلق على حيواناته كمن يدفع اتهاما لا يعرف مصدره يقول سعدون “ما يقال عن انتشار هذه الحالة كذب بكذب، وماكو هالشيء”. يقول سعدون إنه يربي الأبقار ويرعاها من صغره، ولم يحدث أن أصيبت الحيوانات بهذا المرض.

يتفق مع هذا الكلام مربي أبقار آخر في مزرعة مجاورة هو رسول أبو زياد، الذي يؤكد عدم تسجيل إصابة واحدة بالحمى النزفية في منطقة حزام بغداد. ضمنيا يعني هذا الكلام أن مربي الماشية يتوقعون أن تصاب حيواناتهم بالمرض، وهو الأمر الشائع لدى كثيرين، بينما تقول المصادر الطبية إن الإصابة لا تظهر عليها.

لكن أبا زياد يقر بالخسارة الجسيمة التي لحقت بأسعار الماشية خاصة الجاموس والأبقار (رغم أن المرض ينتقل أيضا من الأغنام المصابة)، مشيرا إلى أن “أسعار الحلال ما تسوى تعب التربية والعلف، ييجي القصاب ياخد منك بسعر أقل مما تكلفت بكثير رغم عدم وجود إصابات.

يتحدث محمد سالم الذي يمتلك مزرعة لتربية المواشي عن أن ما يثار بالأساس عن الحمى النزفية هو في الأساس “لعبة سياسية”؛ دون أن يسمي أطراف هذه اللعبة أو من يقفون وراءها. يمضي محمد سالم إلى القول بوجود “مؤامرة” لضرب الاقتصاد العراقي، ولضرب مناطق دون غيرها في العراق ” ليش حلالهم ومزارعهم سليمة ومزارعنا تنضرب؟”.

لكن الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية تشير إلى أن حالات الوفاة والإصابة لا تستثني أيا من مناطق الوسط والجنوب في العراق، أي أن فرضية الشائعات ذات الصبغة الطائفية مستبعدة.

رغم ذلك، من الموضوعي الاعتراف أن هناك من راكم الأرباح من جراء هذا الوباء ومن راكم الخسائر، فأسواق الأسماك والدواجن تكتظ بالمشترين، وهو ما ينعكس بالتأكيد على جيوب أصحاب مزارع الدواجن والأسماك، بينما تتراكم خسائر مربي الماشية بأنواعها بعدما تراجع استهلاك اللحوم الحمراء إلى أقل من النصف.

تتوقف إصابات الحمى النزفية في العراق منذ سبعينيات القرن الماضي، لكنها كانت في الغالب بأعداد ضئيلة ولم يصاحبها الاهتمام الإعلامي الذي يحدث هذه المرة. ومن الواضح أن مبعث الاهتمام اقتصادي رغم عدم تدخل الحكومة بخطة لدعم قطاع غذائي وزراعي مهم حتى الآن.

لكن الدكتورة ربى الفلاح، عضو الفريق الإعلام بوزارة الصحة العراقية، تقول إن دور وزارتها يتمثل في الكشف المبكر عن الإصابة من خلال مختبراتها، وتقديم الرعاية الصحية للمصابين ومتابعة الحالات المشتبه بها. وترى الفلاح أن العبء الأكبر في مكافحة المرض يقع على عاتق وزراة الزراعة في متابعة الحيوانات المصابة بالمرض وعلاجها إضافة إلى مكافحة الحشرة الناقلة للمرض وهي حشرة القراد.

رغم ذلك تتزايد المخاوف من استمرار موجة الإصابة الحالية بسبب ممارسات من غير المتوقع توقفها قريبا، وهي الذبح العشوائي خارج المذابح و”السلخانات”، وتربية الحيوانات داخل مقار السكن.

مستويات غير مسبوقة في الإصابات بالحمى النزفية في العراق

داخل حظيرة صغيرة في إحدى قرى جنوب العراق النائية، يشرع فريق طبّي بتعقيم بقرة وصغارها بمبيدات حشرية. في مشهد أصبح من اليوميات في مزارع العراق، بسبب ارتفاعٍ غير مسبوق في إصابات حمى القرم -الكونغو النزفية التي طغت على وباء كوفيد-19.

في السنوات السابقة، “كانت الحالات التي تسجل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة سنوياً”، بحسب مدير شعبة السيطرة على الأمراض داخل دائرة الصحة في محافظة ذي قار الجنوبية حيدر حنتوش.

وسجلت هذه المحافظة الفقيرة والريفية وحدها نصف الإصابات الإجمالية بالحمى النزفية في العراق. وتنتشر في هذه المنطقة تربية المواشي من جواميس وبقر وماعز وغنم، وهي الحيوانات الوسيطة في نقل حمى القرم-الكونغو إلى الإنسان.

في قرية البو جاري في ذي قار، يقوم فريق من دائرة الصحة بتعقيم منزلٍ أصيبت فيه امرأة بالمرض. وضع افراد الفريق الذين لبسوا رداء أبيض، أقنعة ونظارات للحماية. وتحت سقف من الصفيح، قاموا برشّ بقرة وصغيريها بالمعقّم لقتل الحشرات الناقلة للفيروس.

ويتوجه الفريق بعد ذلك لتعقيم دلاء وأحواض حديدية وضعت في الحظيرة، ثمّ التراب والحصى في الحديقة المحيطة بها. وبعدما أنهى الفريق مهمّة التعقيم، يحمل أحد أفراده حاوية بلاستيكية في داخلها حشرات بنيّة صغيرة جداً أزيلت من الحيوانات.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، يحدث انتقال حمى القرم- الكونغو إلى الإنسان “إما عن طريق لدغات القراد أو بملامسة دم أو أنسجة الحيوانات المصابة خلال الذبح أو بعده مباشرة”.

اكتشف الفيروس للمرة الأولى في العام 1979 في العراق، وهو يسبّب الوفاة بنسبة ترواح بين 10 إلى 40% من الإصابات. وبحسب منظمة الصحة العالمية، “ينتقل الفيروس من إنسان إلى آخر نتيجة الاتصال المباشر بدم الشخص المصاب أو إفرازاته أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى”.

في العام 2021، سجلت محافظة ذي قار 16 إصابة بينها 7 وفيات، في حين تسجل المحافظة هذا العام 43 إصابة بينها 8 وفيات. وأكثر المصابين من مربي المواشي والقصابين، وفق السلطات.

ويعزو ممثل منظمة الصحة العالمية أحمد زويتن هذا الارتفاع في أعداد الإصابات إلى “فرضيات” عدة. ويشير إلى غياب حملات التعقيم التي تجريها السلطات للحيوانات خلال عامي 2020 و2021، بسبب الإغلاق المرتبط بفيروس كورونا. وبالنتيجة، “نمت أعداد الحشرات”.

ويشرح الخبير أن “تكاثر الحشرات” بدأ هذا العام بشكل مبكر، “قبل نحو أسبوعين أو ثلاثة” من العادة. ويرجع الارتفاع “بحذر شديد بجزء منه إلى الاحترار المناخي الذي تسبّب بتمديد لفترة التكاثر عند الحشرات”.

يقول من جهته، الطبيب المختص بأمراض الدم السريرية في دائرة صحة ذي قار أزهر الأسدي إن الإصابات ازدادت بسبب “قلة توعية الناس حول طرق انتقال هذا المرض وعدم أخذ الأمر بجدية، لا سيما بشأن الارشادات التي يقدّمها الأطباء”.

وأشار إلى أن “انتشار الحيوانات” المشرّدة أيضاً “موضوع خطير”، موصياً خصوصاً القصابين “بذبح الحيوانات” في أماكنها الخاصة “وتنظيفهها. ويقول الطبيب أن غالبية المرضى هم في “مرحلة الشباب، معدّل الأعمار حوالى 33 عاماً”، على الرغم من أن إصابات سجلت عند طفل يبلغ من العمر 12 عاماً، ورجل يبلغ 75 عاماً.

في الحالات الأكثر تقدماً للمرض، يعاني المريض من النزف من الفم والأنف وتحت الجلد وفي الجهاز الهضمي والجهاز البولي، كما يوضح الطبيب. ويشير إلى مخاوف من “ارتفاع أعداد الإصابات خلال فترة عيد الأضحى بسبب ارتفاع معدّل ذبح” الحيوانات والقرب من اللحوم.

الحمى النزفية ترعب العراق ومخاوف من موجة وبائية

أعلنت وزارة الصحة العراقية إحصائية جديدة حول مجمل الإصابات البشرية بمرض الحمى النزفية. ففي مؤتمر مشترك لوزارتي الصحة والزراعة عقد الثلاثاء 10 مايو (أيار) 2022 أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر الإحصائية الرسمية الخاصة بالمرض والتي حددها المركز الوطني للوقاية والسيطرة على الأمراض الانتقالية.

وأكد البدر في المؤتمر أن هناك 55 إصابة مؤكدة في عموم العراق وزعت على النحو التالي: 29 إصابة في ذي قار، و5 إصابات في المثنى، و4 إصابات في بابل، و3 إصابات في كل من الديوانية وواسط وكربلاء وميسان، وإصابة واحدة في كل من رصافة بغداد وكركوك ونينوى والبصرة والنجف. وقد أعلنت وزارة الصحة تماثل الشفاء للحالة المصابة في نينوى، كما بلغ عدد الوفيات جراء هذا المرض 12 حالة وفاة، وهي من ضمن عدد الإصابات المعلنة، وقد توزعت الوفيات على النحو التالي: 6 حالات وفاة في محافظة ذي قار، و4 في محافظة المثنى كما كان نصيب محافظتي بابل وكركوك حالة وفاة واحدة لكل محافظة.

الذبح العشوائي

تنتشر ظاهرة الذبح العشوائي في مناطق العراق، وهو ما حذرت منه وزارة الصحة بشكل متكرر، إذ أوضح الناطق باسم وزارة الصحة أن هذه البيئة هي البيئة الملائمة لتفاقم حالات الحمى النزفية والأمراض الأخرى، مطالباً أمانة بغداد بأن تكون أكثر جدية لمتابعة هذه المخالفات كونها ضمن من مهام الأمانة، وأكد أن تطويق مرض الحمى النزفية يحتاج لتضافر جهود كل الوزارات المعنية، وهي الزراعة التي تقع عليها مسؤولية مكافحة حشرة القراد الناقلة للمرض، وكذلك وزارة الداخلية لمتابعة انتقال الحيوانات من محافظة إلى أخرى والتأكد من سلامة الحيوانات المنتقلة وفقاً للإجراءات الصحية.

الثروة الحيوانية في مأمن

وفي تصريح لـ”اندبندنت عربية” أوضح الناطق باسم وزارة الزراعة حميد النايف أن وزارة الزراعة قد استنفرت كل أجهزتها البيطرية للحد من انتشار حشرة القراد قائلاً، “مع إعلان أول حالة إصابة في ذي قار بتاريخ 28 مارس (آذار) تم تغطيس الحيوانات وتنظيفها وتعقيمها بمواد خاصة، وهو إجراء روتيني تقوم به الوزارة ربيع كل عام وقت انتشار المرض”، وأشار النايف إلى أن وزارة الزراعة مطمئنة على الثروة الحيوانية في العراق، مؤكداً أن هذه المرض سوف ينتهي قريباً، فهناك استنفار لشراء مادة لحقن الحيوانات للقضاء على حشرة القراد، داعياً المواطنين لشراء اللحوم من الأماكن المرخصة والحرص على طبخ اللحوم جيداً في درجة حرارة عالية.

الرصد المبكر

تركزت الإصابات بمرض الحمى النزفية بين مربي الحيوانات وبائعي اللحوم، فالتلامس مع الحيوانات المصابة هو الأساس في انتقال المرض.

وأوضح الناطق باسم وزارة الصحة سيف البدر لـ”اندبندنت عربية”، أن شعبة الرصد الوبائي التابعة للمركز الوطني للوقاية والسيطرة على الأمراض الانتقالية، والتي تقع عليها مهمة متابعة الأمراض الانتقالية مثل الحمى النزفية والتهاب الكبد الفيروسي والإيذر ومرض الكوليرا رصدت خلال هذه العام زيادة نسبية بنمط الإصابة بمرض الحمى النزفية، فعلى الرغم من أن مرض الحمى النزفية هو من الأمراض المتوطنة في العراق لكن هذا العام لوحظ أن هناك زيادة في نمط الإصابة بصورة تختلف عن السنوات الماضية.

مرض متوطن

أوضح البروفسور في علم الجراثيم، عبد الجبار ناصر الشمري، أن مرض الحمى النزفية هو من الأمراض المتوطنة في العراق فأول اكتشاف حقيقي ومختبري للمرض تم في عام 1979 وأدى إلى وفاة طبيب وممرضة ومستخدمة في مستشفى اليرموك بعد تعرضهم للملامسة مع دم مصابة من محافظة ديالى، ثم أخذ المرض يظهر بين حين وآخر. وأوضح الشمري أن أسباب انتشار المرض يعود إلى الإهمال الحاصل لمناطق الأهوار والحقول الزراعية المحيطة بها، والتي شهدت أول الإصابات كما حصل سابقاً في عام 2018 عندما أهملت مناطق غابات الموصل التي سجلت إصابات بمرض الحمى النزفية في ذلك الوقت. ويرى الشمري ضرورة البدء بتحصين الحيوانات بلقاحات مكافحة البراغيث ومكافحة الآفات المسببة للأمراض الحيوانية في البيئة الزراعية، ويجب رش الحقول ومناطق الانتشار بالمياه الساخنة والمبيدات الحشرية المتوافقة مع البيئة وضرورة منع نقل المواشي خارج المحافظات المصابة، وهذا سيكون كيفلاً بمنع تفاقم المرض.

الحمى النزفية تتشابه مع أمراض أخرى

ويشرح الشمري عن خصائص مرض الحمى النزفية وتشابهها مع فيروسات أخرى قائلاً، “إن الحمى النزفية أو حمى القرم أو حمى الكونغو كلها مسميات لمجموعة من الفيروسات التي تشترك بأعراض وعلامات مماثلة وهي النزيف من فتحات جسم الإنسان التي تؤدي إلى وفاته وتندرج ضمن هذه المجموعة حمى الضنك وحمى الإيبولا وحمى لاسا وحمى ماربورغ والحمى الصفراء”.

أما أعرض الحمى النزفية، فهي تشمل الحمى والتعب أو الضعف العام والشعور بالدوار والألم في العضلات والمفاصل والغثيان والقيء والإسهال وعندما تتطور الأعراض وتصبح أكثر حدة تتحول إلى نزيف تحت الجلد أو في الأعضاء الداخلية أو من الفم أو العينين أو الأذنين.

تنتقل الحمى النزفية عن طريق المخالطة بين حيوانات المزرعة مثل الأبقار والأغنام وكذلك عن طريق الحشرات والبعوض والقراد الموجودة في حظائر الحيوانات. وتعيش الفيروسات التي تسبب الإصابة بالحمى النزفية في العديد من العوائل الحيوانية والحشرية وتشمل في الغالب البعوض أو القراد أو القوارض أو الخفافيش. وتنتقل بعض أنواع الحمى النزفية عبر لدغات البعوض أو القراد وينتقل البعض الآخر عبر ملامسة سوائل الجسم المصاب.

الوقاية هي الحل

ويشير الشمري إلى أنه لا يوجد علاج للحمى النزفية الفيروسية لكن توجد لقاحات لعدد قليل منها، لذا تبقى الوقاية هي أفضل وسيلة لتجنب المرض ويعتمد العلاج في الأساس على الرعاية الداعمة، كما لا يوجد علاج معين لمعظم أنواع الحمى النزفية وقد تساعد عقارات مضادة للفيروسات على تقصير مسار بعض أنواع العدوى ومنع حدوث مضاعفات في بعض الحالات فمن الضروري أن يقدم للمصاب الرعاية الداعمة للوقاية من الجفاف إذ يحتاج لتناول سوائل للحفاظ على توازن المعادن الضرورية للجسم.

وضمن الإجراءات الوقائية المهمة الأخرى فعلى الرغم من أن ملامسة اللحوم المأخوذة من الحيوانات المصابة يسبب المرض، لكن الفيروس يموت إذا طبخ طبخاً جيداً لأن الحرارة تقتل الفيروس، ومن الضروري استخدام التعقيم وبخاصة الكلور عند مسح الأسطح فهو كفيل بالقضاء على الفيروس ويبقى الأهم تجنب الملامسة مع الحيوانات المصابة أو منتجاتها.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/health/31458

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M