الخليج يحبس أنفاسه قبل الانتخابات الأميركية: الشريك ترامب أم ظل أوباما؟

خلال زيارته الأولى الى السعودية قبل أكثر من ثلاث سنوات، رقص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنغام الموسيقى التقليدية متسلحا بسيف فضي، ودشّن مسار تغيير سياسي جوهري في المنطقة عبر إرساء تحالف قوي بين إدارته ودول خليجية في مواجهة إيران، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يقدّم قادة في المنطقة الدعم لشريكهم في واشنطن الساعي الى الفوز بولاية ثانية يُتوقع أن تواصل حرق الجسور مع إيران، ومن تجليات هذا الدعم توفير موطئ قدم غير مسبوق لإسرائيل في الخليج الثري. بحسب فرانس برس.

وتتناقض علاقات ترامب الوثيقة مع دول الخليج مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه الدول الغنية بالنفط بسلفه باراك اوباما الذي أثار بإبرامه الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، مخاوف السعودية وجيرانها.

وبحسب الباحثة في “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن رندا سليم، فإنّ إدارة ترامب جعلت العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي “تتمحور حول الأشخاص بشكل أكبر (…) وبدرجة أقل حول المؤسسات”.

ومع تخلّف ترامب في استطلاعات الرأي خلف جو بايدن الذي شغل منصب نائب الرئيس في إدارة اوباما، قد تكون المنطقة مرة أخرى على أعتاب تغييرات جديدة، خصوصا أنّه من المرجح أن يعيد بايدن في حال فوزه، اعتماد مواقف أكثر تقليدية بشأن حقوق الإنسان التي تتعرض لانتهاكات عدة في عدد من دول الخليج بحسب منظمات غير حكومية، وصفقات الأسلحة، ويقول مسؤول خليجي لوكالة فرانس برس طلب عدم الكشف عن هويته “الزيارة التاريخية في أيار/مايو 2017 كانت بداية لعلاقة استثنائية مع رئيس أميركي. لقد فتحت أبوابا كثيرة”، ويضيف “صنّاع القرار هنا يريدون منطقيا أن تظل تلك الأبواب مفتوحة، لكنهم ليسوا مغمضي الأعين. هم يستعدون للسيناريو الآخر”.

استقبال حار

في أول رحلة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة في أيار/مايو 2017، حظي ترامب باستقبال حار في السعودية، تقلّد ميدالية ذهبية وخاطب زعماء مسلمين، مطلقا العنان لمواجهة مع إيران ومتجنبا موضوع حقوق الانسان في المملكة.

في السنوات التي تلت، ولّدت استراتيجيته الاندفاعية وغير التقليدية سلسلة من الأحداث المتسارعة التي أعادت رسم المشهد الإقليمي. كما أنّها جعلت الإيرانيين أكثر تشددا، إذ رسّخت لديهم قناعة بأن “المفاوضات مع جيرانهم في دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على إضعاف إيران وليس تقويتها”، بحسب سليم.

فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، وأمر باغتيال الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقلّص دور بلاده العسكري ووجودها في منطقة يَعتقد أنها فقدت استراتيجيتها التاريخية، ووجدت هذه السياسات صدى جيدا بشكل عام في الخليج، رغم عدم اتخاذ ترامب إجراءات حاسمة بشأن أحداث كبرى بينها الهجمات ضد “أرامكو” في 2019 التي ألقي باللوم فيها على إيران، وتقول كبيرة محللي الخليج في معهد “مجموعة الأزمات الدولية” إلهام فخرو “السعودية والإمارات تشتركان في تصوّر أن إدارة أوباما تخلّت عن حلفائها التقليديين في الخليج”.

وتضيف “لقد حسّنت السعودية علاقاتها مع إدارة ترامب بشكل كبير، ويرجع ذلك جزئيا إلى قرار واشنطن فرض ضغوط قصوى” على إيران وقطاعها النفطي، ومع اقتراب موعد الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر، حقّق ترامب انتصارا خارجيا كبيرا من خلال رعايته لاتفاق تطبيع علاقات بين الإمارات وإسرائيل. كما وقّعت مملكة البحرين المتأثرة بالسياسات السعودية، اتفاقا مماثلا لتطبيع العلاقات، ورأى محلّلون أن توقيت الاتفاقين دون مباركة الفلسطينيين، محاولة لتزويد ترامب بنصر ثمين في السياسة الخارجية قبل الانتخابات، رغم محدودية تأثير ذلك على العملية الانتخابية بحد ذاتها.

رقصة صعبة

وترى فخرو أنّه مع تقدّم بايدن في استطلاعات الرأي، تشعر الإمارات والسعودية بالقلق من إمكانية “العودة عن العقوبات المفروضة على إيران” في ظل إدارة ديموقراطية، كما أنّ ترامب “أكثر استعدادا لضمان أن تمضي مبيعات الأسلحة إلى هذه الدول قدما وبسرعة”، بحسب الخبيرة. ويستبعد أن تبذل إدارة بايدن مثل هذه الجهود لإيصال الأسلحة إلى دول الخليج، وتظهر أرقام معهد “استوكهولم الدولي لأبحاث السلام” أنّ مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية بين 2017 و2019 كانت ثاني أعلى مبيعات لإدارة واحدة بعد بيل كلينتون بين عامي 1993 و2000، ما يشير إلى أن ولاية ترامب الأولى قد تحقّق مبيعات قياسية مع احتساب مبيعات 2020، إلى جانب ذلك، عارض البيت الأبيض القرارات المناهضة للسعودية في الكونغرس على خلفية حربها المثيرة للجدل في اليمن وجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2018، وروى الصحافي الشهير بوب وودورد في كتابه “غضب”، أنّ ترامب قال له في مقابلة رداً على سؤال عن علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تولى منصبه بعد أسابيع قليلة من زيارة ترامب للمملكة، بقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، “لقد أنقذته”، ومع ذلك، تستعد منطقة الخليج وخصوصا السعودية، لاحتمال العودة إلى التعامل مع إدارة ديموقراطية.

وتقول رندا سليم “طالما أن محمد بن سلمان هو ولي العهد، وإذا كان سيتولى العرش في السنوات الأربع المقبلة، فإن العلاقات الأميركية السعودية ستدخل في أحسن الأحوال في حالة جمود عميق وستستمر في المعاناة من عواقب مقتل جمال خاشقجي”، وستحاول إدارة بايدن على الأرجح جرّ إيران مجددا إلى طاولة المفاوضات، ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي أنّ “الأمر سيكون صعبا بالنسبة للسعوديين، لكن في نهاية المطاف سيكون عليهم التعايش معه”، وتابع “ستكون رقصة صعبة”.

هل انتهى شهر العسل؟

تمتع ولي العهد السعودي بحرية شبه مطلقة في ظل العلاقة الشخصية التي تربطه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غير أن الأمير الجريء الذي يتولى تسيير الأمور في المملكة سيضطر للسير بخطى وئيدة أكثر حذرا إذا ما فاز الديمقراطيون في انتخابات الرئاسة ورسموا مسارا آخر للعلاقات الاستراتيجية. بحسب رويترز.

وسيكون سجل الرياض في مجال حقوق الإنسان والجريمة الوحشية التي راح ضحيتها في 2018 الصحفي السعودي جمال خاشقجي الكاتب بصحيفة واشنطن بوست واعتقال الناشطات وكذلك حرب اليمن نقاط خلاف رئيسية مع إدارة جو بايدن المرشح الديمقراطي.

والقضية التي تشغل البال في السعودية هي كيف سيتعامل بايدن مع صواريخ طهران الباليستية ودعمها لقوى إقليمية تعمل لحسابها في أي محادثات لإحياء الاتفاق النووي الدولي مع إيران الذي انسحبت منه واشنطن في 2018، وكانت المملكة قد أيدت بشدة حملة الضغوط القصوي التي مارسها ترامب على طهران.

وفي حين أن الرياض وحلفاءها الخليجيين يفضلون إدارة ترامب التي منحت الأولوية للصفقات المربحة بدلا من قضايا حقوق الانسان فقد قالت خمسة مصادر إقليمية ودبلوماسيون إن فوز بايدن لن يقلب تحالفات قائمة منذ عشرات السنين رأسا على عقب. غير أنهم قالوا إن بايدن ربما يقرن الدعم الأمريكي بشروط أصعب، وقال مصدر خليجي “ستظهر تحديات لكن ثمة علاقات مؤسسية استراتيجية في الأجل الطويل ولا أحد يريد أن يكسر ظهر الجمل وإن كانت إدارة بايدن سترغب في مواءمات”، وردد دبلوماسي أجنبي في المنطقة صدى الرأي القائل إن العلاقات السعودية الأمريكية لن يلحق بها ضرر مفرط. وقال “أتصور أن (بايدن) سيطالب ببضعة تنازلات لافتة … وربما كان شيئا يتعلق بالمدافعات عن حقوق النساء”، وكان بايدن تعهد في حملة الدعاية الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، عملاق تصدير النفط والمشتري الرئيسي للسلاح الأمريكي، والمطالبة بقدر أكبر من محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول وإنهاء الدعم الأمريكي لحرب اليمن، وقال متحدث باسم الحملة الانتخابية “بدلا من تقديم شيكات على بياض للحكام المستبدين في مختلف أنحاء العالم كما فعلت إدارة ترامب سيدافع جو بايدن عن القيم العالمية مع الأصدقاء والأعداء على السواء ويقف مع العالم الديمقراطي في تصدينا للتحديات المشتركة”.

وقد عزز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي في البلاد قبضته على السلطة وسحق المعارضة واعتقل منافسيه على العرش في خطوات شوهت صورة الإصلاحي التي ظهر بها ولقيت إشادة في الخارج في بداية تحركه لتحقيق الانفتاح في المملكة، ونفى الأمير أنه أمر بقتل خاشقجي الذي أثار موجة من الغضب العالمي والخوف في نفوس المستثمرين لكنه أشار في 2019 إلى أنه يتحمل قدرا من المسؤولية الشخصية لأن الجريمة وقعت وهو في موقع المسؤولية.

وقضت محكمة في الرياض بسجن ثمانية أشخاص لفترات تتراوح بين سبعة و20 عاما في القضية. وقال وزير الخارجية السعودي في ندوة عبر الإنترنت هذا الشهر إن المملكة تعمل أيضا على إصلاح الأجهزة الأمنية حتى لا يتكرر حدوث مثل هذا الأمر، غير أن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود تحدث بنبرة تتسم بالتحدي عن الإدانات الغربية لمحاكمات الناشطات السعوديات فقال إنهن متهمات بارتكاب “جرائم خطيرة”.

والتهمة الموجهة للناشطات المحتجزات هي الإضرار بالمصالح السعودية. ولم يخرج للعلن سوى اتهامات قليلة غير أن بعضها يرتبط بالاتصالات بصحفيين أجانب ودبلوماسيين وجماعات حقوقية.

الأمن أولوية قصوى

اعترض ترامب على اتخاذ إجراءات لمعاقبة الرياض بسبب حقوق الإنسان. غير أنه هدد في إبريل نيسان بسحب الدعم العسكري الذي تم تعزيزه بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية سعودية في 2019 وذلك بعد أن تسببت حرب نفطية بين الرياض وموسكو في حالة من الفوضى في الأسواق وهددت صناعة النفط الأمريكية.

وشدد الأمير فيصل على أن التحالف السعودي الأمريكي “أعمق بكثير من مجرد ملك واحد أو رئيس واحد” وذلك رغم وجود “اختلافات في الرأي من آن لآخر”، وكانت الرياض وحلفاؤها في منطقة الخليج اختلفوا بشدة مع إدارة أوباما فيما يتعلق بالاتفاق النووي الموقع في 2015 مع إيران وانتفاضات “الربيع العربي” في 2011 وحذروا واشنطن من التخلي عن حلفائها التقليديين ومن صعود نجم جماعة الإخوان المسلمين.

وفي الآونة الأخيرة ركزت وسائل الإعلام التي تحظى بدعم من الدولة في السعودية والإمارات على رسائل بالبريد الإلكتروني لها صلة بهيلاري كلينتون وجماعة الإخوان. وقال مصدر سعودي إن ذلك يهدف فيما يبدو لإظهار أن الديمقراطيين أخطأوا وربما يقعون في الخطأ من جديد، وقال عبد العزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث في الرياض “ثمة مخاوف من أن تؤدي رئاسة بايدن في أفضل الأحوال إلى تقليل التركيز الأمريكي على الشرق الأوسط وفي أسوأها … إلى نهج أكثر تشددا تجاه السعودية والدول الخليجية”.

وأضاف “توجد رغبة بين السعوديين في استيضاح ما ستكون عليه سياسة بايدن الخارجية الفعلية تجاه السعودية”، كما تحاول الدول الخليجية العمل على إبرام صفقات أسلحة إذ طلبت كل من الإمارات وقطر شراء المقاتلات الأمريكية من طراز إف-35.

الاحتفاظ بأوراق اللعبة

سعت الإمارات لتجنب الانتقاد فقلصت وجودها العسكري في اليمن وأصبحت أول دولة عربية منذ ربع قرن تقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل لخلق محور جديد في مواجهة إيران والإسلاميين الذي يُعتبرون خطرا على الحكم الوراثي في الخليج.

وتبعتها البحرين الأمر الذي أهدى ترامب انتصارا من خلال إبرام اتفاقات بوساطة أمريكية حظيت بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وقال مصدر مطلع “أحد الأسباب التي تدفع الدول الخليجية إلى إقامة علاقات هو أنها أدركت قبل بضعة أشهر أنها قد لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة كما كان الحال في الماضي. فإسرائيل شريك طبيعي”.

وقال الكاتب السعودي محمد آل الشيخ في صحيفة الجزيرة اليومية إن هذا خلق واقعا جديدا على الأرض لا يمكن للمرشح بايدن أن يتجاهله عند التعامل مع إيران، وكان ترامب قال في البداية إن الولايات المتحدة في تمام الاستعداد للضرب بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية سعودية في 2019 التي حملت الرياض وقوى غربية مسؤوليتها لطهران، لكن لم يتبلور رد عسكري تقليدي على تلك الهجمات.

وكان السعي الواضح لتفادي الدخول في حرب موضع متابعة وثيقة في مختلف أنحاء الخليج، وأيدت السعودية ضمنا الاتفاقين مع إسرائيل غير أن من المستبعد أن تنضم قريبا في ضوء وضعها كدولة تضم الحرمين الشريفين في الإسلام وصاحبة مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي عرضت إبرام سلام مع إسرائيل مقابل قيام الدولة الفلسطينية، وقالت الرياض إنه لا شيء سوى التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني، يمكن أن يحقق السلام والاستقرار.

وقال ديفيد راندل الرئيس السابق للبعثة الدبلوماسية بالسفارة الأمريكية في الرياض “السعوديون لن يتحركوا للاعتراف بإسرائيل قبل الانتخابات لأسباب أهمها أن تلك ورقة يمكنهم اللعب بها مع إدارة بايدن الجديدة”، وقال مصدران خليجيان إن الخليجيين يترقبون الوضع فيما يتعلق بالخلاف السياسي بين الرياض وحلفائها من جانب وقطر من جانب آخر وذلك رغم ضغوط من جانب ترامب لوضع نهاية لهذا النزاع.

وقال أحد المصدرين إنه إذا فاز ترامب فستسعى الرياض لتسوية الخلاف وتكوين جبهة عربية خليجية موحدة في مواجهة إيران. وأضاف “ربما لا تكون هذه المسألة أمرا ضخما بالنسبة لبايدن لكنه إذا ضغط من أجل تحقيقها فسنشهد تقدما”.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/24934

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M