بقلم : د. إسلام عيادي – أستاذ مساعد – الجامعة العربية الأمريكية – باحثة في الشؤون الصينية
مقدمة:
تاريخياً، كان اهتمام الصين بالشرق الأوسط قائماً بالكامل تقريباً على الطاقة والنفط فقط، وفي عام 2019 كانت ستة من أكبر عشرة مصادر لواردات النفط في الصين من دول الشرق الأوسط، مع تصدر المملكة العربية السعودية القائمة، لكن في السنوات الأخيرة، توسعت علاقات الصين في المنطقة بشكل كبير، لتشمل ليس فقط مصادر الطاقة البديلة ومصادر الطاقة المتجددة إلى الغاز الطبيعي، وقطاعات أخرى مثل التعاون المالي وحالياً بسبب جائحة كورونا دبلوماسية اللقاحات.
لذلك تعمل بكين على توسيع نفوذها الجيوسياسي والجيو اقتصادي في المنطقة، وتتداخل مبادرة الحزام والطريق مع ما كان يوسع ويعمق العلاقة بين الصين والشركات الصينية والمنطقة، قبل عام 2000، كانت الصين مهتمة بشكل أساسي بالحصول على النفط والغاز، مما جعل العلاقات مع دول الخليج ذات أهمية متزايدة، لكن مصالح الصين أصبحت أوسع بكثير منذ ذلك الحين، وتشمل التجارة والاستثمارات المكثفة التي تسير في كلا الاتجاهين، مع استثمارات كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة، والتقنيات المتقدمة، والتمويل، والخدمات، ومن المفيد أن تركز الصين على بناء التبادلات الاقتصادية مع دول المنطقة وتجنب الانحياز إلى أي طرف في النزاعات والمنافسات هناك.
وبناء على ذلك، تظهر زيارة عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني “وانغ يي” إلى الشرق الأوسط الأهمية التي توليها الصين لعلاقاتها مع دول هذه المنطقة وإخلاص الصين في تعميق التعاون متبادل المنفعة، من خلال الزيارة، سيناقش وانغ ونظرائه الشؤون الإقليمية والقضايا الإستراتيجية، ومبادرة الحزام والطريق، والاستجابات للأوبئة، والتعافي الاقتصادي بعد الجائحة، بالإضافة إلى تعزيز التآزر بين بناء نموذج تنموي جديد في الصين وإستراتيجيات التنمية الرئيسية مع دول المنطقة.
لطالما تجنبت الصين الانحياز إلى أي طرف في الصراع متعدد الأطراف في منطقة الشرق الأوسط، والمتتبع على خط سير رحلة وانغ، والذي يتضمن بوضوح القوى المتنافسة كالمملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيران، ومع ذلك، ركزت بكين مؤخراً بشكل خاص على تنمية العلاقات مع الدول العربية، فقد أعلن وانغ أن العلاقات السياسية الصينية – العربية فتحت صفحة جديدة، من خلال مؤتمره الصحفي السنوي خلال الدورتين من شهر مارس 2021، وأكد على أنه لا تزال الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية، حيث يتم استئناف المشاريع الرئيسية لتعاون الحزام والطريق بطريقة منظمة، والتعاون في التقنيات العالية والجديدة مثل 5G والذكاء الاصطناعي والطيران والفضاء مزدهر، حيث بلغ التعاون العملي الصيني العربي مستواً جديداً.
وأصبحت الصين لاعباً ذا أهمية متزايدة في الشرق الأوسط في العقد الماضي، في حين أنها لا تزال وافداً جديداً نسبياً إلى المنطقة وتتسم بالحذر الشديد في مقاربتها للتحديات السياسية والأمنية المحلية، فقد اضطرت الدولة إلى زيادة مشاركتها مع الشرق الأوسط بسبب تواجدها الاقتصادي المتزايد هناك، في الوقت الذي تظهر فيه هيمنة الولايات المتحدة طويلة الأمد على المنطقة علامات التراجع، يناقش صانعو السياسة الأوروبيون بشكل متزايد مستقبل البنية الأمنية في الشرق الأوسط، والدور المحتمل للصين داخل المنطقة، ومع ذلك، فإن العديد من صانعي السياسة لديهم معرفة قليلة بموقف الصين وأهدافها في الشرق الأوسط، أو بالطرق التي يمكن أن تؤثر بها هذه العوامل على الاستقرار الإقليمي والديناميكيات السياسية على المدى المتوسط إلى المدى الطويل، بالنظر إلى أن صعود الصين أدى إلى احتدام المنافسة الجيوسياسية في جوار أوروبا.
تدور علاقة الصين مع الشرق الأوسط حول الطلب على الطاقة ومبادرة الحزام والطريق (BRI)، التي تم إطلاقها في عام 2013، وفي عام 2015، أصبحت الصين رسمياً أكبر مستورد عالمي للنفط الخام، حيث يأتي نصف إمداداتها تقريباً من الشرق الأوسط باعتباره مفترقاً طرقاً مهماً من الناحية الإستراتيجية لطرق التجارة والممرات البحرية التي تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، فإن الشرق الأوسط مهم لمستقبل مبادرة الحزام والطريق التي صُممت لوضع الصين في مركز شبكات التجارة العالمية. وفي الوقت الحالي، تركز علاقة الصين بالمنطقة على دول الخليج نظراً لدورها المهيمن في أسواق الطاقة.
فقد أبرمت الصين اتفاقيات شراكة مع دول في الشرق الأوسط، وتشارك في مهام مكافحة القرصنة والأمن البحري في بحر العرب وخليج عدن، ونفذت عمليات واسعة النطاق لإنقاذ رعاياها من ليبيا عام 2011 واليمن عام 2015، وزادت جهود الوساطة التي تبذلها في أزمات مثل في سوريا واليمن، وإن كان ذلك بحذر؛ كان له دور فعال في إقناع طهران بالتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني؛ وعين مبعوثين خاصين لدول الشرق الأوسط المتنازع عليها، علاوة على ذلك، فإن إنشاء الصين لأول قاعدة عسكرية خارجية لها، في جيبوتي، فضلاً عن احتمال عسكرة ميناء جوادر الباكستاني، يسهمان في نمو الوجود العسكري للبلاد بالقرب من الممرات البحرية الخانقة الحاسمة في مضيق هرمز وباب المندب، كما زودت الصين العديد من دول الشرق الأوسط بالأسلحة، وإن كان ذلك على نطاق ضيق.
من جهة أخرى، تتمتع الصين بعلاقات جيدة ومتنامية مع كل من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، يتزايد الاستثمار الصيني في كلا البلدين، لا سيما في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والرقمية، وبالتالي، فإن إضفاء الطابع الرسمي على ما كان في السابق علاقة سرية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لا يمكن إلا أن يعزز الفرص بين الثلاثة ما سيحدد مدى إيجابية هذا التأثير هو أن الولايات المتحدة دفعت إسرائيل على مدار العام الماضي بعيداً عن الصين لأسباب أمنية، سواء فيما يتعلق بتطوير موانئ حيفا وأشدود أو في شبكة 5G الإسرائيلية، حاولت إسرائيل موازنة ردها من خلال تشكيل لجنة لتقييم الاستثمار الأجنبي وتجنب إغضاب الصين كثيراً. ولغاية الآن، لم تطلب الولايات المتحدة نفس الشيء من الإمارات، إذا فعلت ذلك، فقد نشهد تحوطاً مشابهاً من قبل أبو ظبي، أما بالنسبة للصين، فإن الإجراءات الأمريكية تثير غضبها، لكنها أيضاً لا تريد الانتقام بقوة، على الرغم من أهميته، إلا أنه يقع في أسفل التسلسل الهرمي لأولويات الحزب الشيوعي الصيني.
الصين ودورها في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط
تقدمت الصين بمجموعة من المبادرات من أجل تعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بشكل خاص، ومن هذه المبادرات:
أولاً: المبادرة الصينية 2013.
تقدمت الصين بمبادرة لحل القضية الفلسطينية أثناء استقبالها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في مايو 2013، وترى في القضية الفلسطينية جوهراً لكل قضايا الشرق الأوسط، ولقد طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ المبادرة الصينية ذات النقاط الأربع حول تسوية القضية الفلسطينية، وهي إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967 والتعايش السلمي بين الدولتين، والمفاوضات طريق السلام، والرضا مقابل السلام، وأخيراً دعم المجتمع الدولي لعملية السلام.
ثانياً: المبادرة الصينية 2017
اجتمع الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس محمود عباس في بكين، حيث طرح الأول للمبادرة الصينية حول تسوية القضية الفلسطينية، ويتألف اقتراح الرئيس بينغ من أربع نقاط، تدور حول الدعم السياسي، والأمن المستدام، وتنسيق جهود المجتمع الدولي، وتحقيق السلام من خلال التنمية، وأن هذه الرؤية تعكس بوضوح فكرة جديدة للصين تجاه حل القضية الفلسطينية، ألا وهي تحقيق السلام من خلال التنمية (السلام الاقتصادي) فضلاً عن المفاوضات السياسية.
ثالثاً: المبادرة الصينية 2021
قال مستشار الدولة وزير الخارجية الصينية نظراً لأن هناك قضايا ساخنة كثيرة ومعقدة في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها قضايا خطيرة تؤثر على الأمن والاستقرار العالميين، يجب على المجتمع الدولي كصاحب المصلحة القيام بدور إيجابي في تدعيم الأمن ولاستقرار في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، يحرص الجانب الصيني على طرح المبادرة الجديدة التالية:
أولاً، الدعوة إلى الاحترام المتبادل، تتمتع الشرق الأوسط بالنظام السياسي والاجتماعي النابع عن تاريخ الحضارة الفريدة، فيجب احترام الخصائص والأنماط والطرق للشرق الأوسط، ويجب تغيير العقلية القديمة وعدم النظر إلى الشرق الأوسط بنظرة المنافسة الجيوسياسية فقط، بل ويجب اعتبار دول الشرق الأوسط شركاء للتعاون والتنمية والسلام، ويجب دعم جهود دول الشرق الأوسط لاستكشاف طرق تنموية بإرادتها المستقلة، ودعم الاعتماد على دول المنطقة وشعوبها لإيجاد حلول سياسية لملفات سورية واليمن وليبيا وغيرها من الملفات الساخنة. كما يجب تعزيز الحوار والتواصل بين الحضارات وتحقيق التعايش السلمي بين كافة الشعوب في الشرق الأوسط. تحرص الصين على مواصلة دورها البناء في هذا الصدد.
ثانياً، الالتزام بالإنصاف والعدالة، إن حل القضية الفلسطينية وتحقيق حل الدولتين لأمر يمثل أهم محك للعدالة والإنصاف في الشرق الأوسط، ندعم جهود الوساطة الحثيثة للمجتمع الدولي بغية تحقيق هذا الهدف، وندعم عقد مؤتمر دولي ذي مصداقية في حالة نضوج الظروف، ويحرص الجانب الصيني على دفع مراجعة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي أثناء رئاسته للمجلس في شهر مايو القادم، بما يجدد التأكيد على حل الدولتين، وسيواصل الجانب الصيني دعوة الشخصيات المحبة للسلام من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإجراء الحوار في الصين، كما يرحب بممثلي المفاوضات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإجراء مفاوضات مباشرة في الصين.
ثالثاً، تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية، يجب على الأطراف المعنية تقريب المسافة فيما بينها بخطوات ملموسة، انطلاقا من طبيعة تطورات ملف إيران النووي، والبحث في وضع جدول زمني وخارطة طريق لعودة الولايات المتحدة وإيران إلى الوفاء بالتزامات الاتفاق الشامل بشأن ملف إيران النووي، إن الأولوية القصوى هي أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات ملموسة لرفع العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على إيران و”الاختصاص الطويل الذراع” المفروض على طرف ثالث، وبالمقابل، تستأنف إيران الوفاء بالتزاماتها في المجال النووي، بما يحقق الحصاد المبكر. في الوقت نفسه، يجب على المجتمع الدولي دعم جهود دول المنطقة في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشمل في الشرق الأوسط.
رابعاً، العمل سوياً على تحقيق الأمن الجماعي، إن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لأمر يتطلب مراعاة الهموم المشروعة لكافة الأطراف، فيحب دفع دول منطقة الخليج لإجراء الحوار والتشاور على قدم المساواة وتبادل الفهم والمراعاة وتحسين العلاقات فيما بينها، ويجب مكافحة الإرهاب بحزم ودفع عملية نزع التطرف. وفي هذا السياق، تدعو الصين إلى عقد حوار متعدد الأطراف بشأن أمن منطقة الخليج في الصين، للبحث في آلية بناء الثقة في الشرق الأوسط، بدءاً من مواضيع ضمان أمن المنشآت النفطية والممرات الملاحية، وإقامة منظومة أمنية مشتركة وشاملة وتعاونية ومستدامة في الشرق الأوسط بخطوات تدريجية.
خامساً، تسريع وتيرة التنمية والتعاون، إن تحقيق الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط يتطلب التنمية والتعاون والترابط، فيجب تضافر الجهود لهزيمة الجائحة، وسرعة تحقيق التعافي اقتصادياً واجتماعياً، وينبغي مساعدة دول الشرق الأوسط التي تعيش المرحلة ما بعد الصراعات على إعادة الإعمار ودعم تنويع الاقتصاد في الدول المنتجة للنفط ومساعدة دول الشرق الأوسط الأخرى على تحقيق التنمية والنهضة وفقاً لمواردها وإمكانياتها المتباينة، وتحرص الصين على مواصلة إقامة المنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية ومنتدى أمن الشرق الأوسط، وتعزيز تبادل الخبرات مع دول الشرق الأوسط حول الحكم والإدارة.
خاتمة:
قد وقعت الصين على وثائق التعاون لبناء الحزام والطريق مع 19 دولة في الشرق الأوسط، وتجري حالياً التعاون المتميز مع كل منها، وقد أجرت الصين التعاون مع جميع دول الشرق الأوسط في مكافحة الجائحة، في المرحلة القادمة، ستواصل الصين تعميق التعاون مع دول المنطقة في مجال اللقاح وفقاً لاحتياجاتها، والتشاور معها حول التعاون الثلاثي مع الدول الإفريقية في مجال اللقاح، وتعمل الصين حالياً على إقامة معادلة تنموية جديدة، مستعدة لتقاسم فرص السوق الصينية مع دول الشرق الأوسط، والعمل مع الدول العربية سوياً على تحضير القمة الصينية العربية، والتشارك في بناء الحزام والطريق بجودة عالية، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجال التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة.
لذلك تولي الصين أهمية بالغة لقضايا منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وملف القضية الفلسطينية بشكل خاص، كونها من المناطق الإستراتيجية التي تستطيع الصين أن تحصل فيها على العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية والتجارية، إلا أن الدور المركزي للسياسة الخارجية الصينية تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يتناسب مع حجم الصين كقوة عظمى مؤثرة في النظام الدولي، كونها أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وإحدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، ويتضح ذلك من تراجع الموقف الصيني من أقصى ما طالبت به الصين عبر تاريخها تجاه الكيان الإسرائيلي وهو المطالبة بإزالته، إلى التعامل معه كأمر واقع، بل وتوطيد العلاقات معه.
وتبقى بكين حريصة للغاية على عدم الانخراط بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال تعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحمل مسؤولية إدارة الأمن في المنطقة، لذلك لم تلعب الصين أي دور تقريباً بل تحاول في تخفيف التوتر الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، كما يتضح من المسافة التي يبقيها ممثلوها السياسيون عن الصراعات الكبرى في المنطقة.
رابط المصدر: