السلع الغذائية.. أسباب ارتفاع الأسعار عالميا وآليات المواجهة

أسماء رفعت

 

تشهد الساحة العالمية ارتفاعات متتالية في أسعار السلع الغذائية الاستراتيجية، الأمر الذي ينعكس على تكلفة المعيشة، ويفوق قدرة الأفراد على الاحتمال، خاصة في ظل استحواذ تكلفة الغذاء على الجزء الأكبر من إنفاق القطاع العائلي في الدول النامية. وقد انعكست تلك الموجات على ميزانية الأسرة بشكل مباشرة؛ فأصبح من الصعب إدارة تدفقات الدخل والإنفاق على المدى القصير، فضلًا عن أنها أثّرت على المستويات الاجتماعية لكافة المواطنين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية. وفي هذا الإطار يرصد المقال حجم تلك الأزمة وأبرز مسبباتها وكيف يمكن مواجهاتها.

انعكاس التطورات العالمية على أسعار السلع الغذائية

بعد خروج العالم من أزمة كورونا وما أدت إليه من اضطراب في سلاسل الامداد العالمية، وحدوث اختناقات في امدادات السلع الغذائية أدت إلى ارتفاع أسعارها. جاء الصراع الروسي الأوكراني ليزيد من تفاقم الضغوط على السلع الغذائية الاستراتيجية ومدخلات انتاجها.

وعلى الرغم من تأثير الصراع في أوكرانيا على عدد كبير من الأسواق والمؤشرات الاقتصادية، إلا أن تداعيات ذلك الصراع على سوق المنتجات الغذائية كانت مرتفع للغاية؛ ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى كون البلدين من كبار منتجي ومصدري المواد الغذائية في العالم، وبصفة خاصة القمح والشعير والذرة والزيوت، كما تعتبر روسيا من كبار مصدري الأسمدة بأنواعها المختلفة والتي تعد مُدخل انتاج للسلع الزراعية بصفة عامة. ومع تركز مواطن الإنتاج عالميا، تصبح الأسواق عرضة أكبر للمخاطر، وتؤثر على نطاق جغرافي واسع وممتد. ومع توجه الاقتصاد العالمي نحو دول أخرى بديلة لاستيراد الغذاء جاءت تحديات الطقس وسوء الأحوال الجوية لتزيد من حدة الأزمة.

وفي مقابل عمليات الإنتاج والتصدير، تأتي الدول الأقل تقدما في مقدمة الدول المستوردة للأغذية والأسمدة، وقد تزامنت الحرب في أوكرانيا مع مواجهة تلك البلدان الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا والتي جاء من أبرزها ارتفاع الأسعار عالميا، بما يزيد من أعباء الاستيراد في تلك الدول.

ووفقًا لتقارير ومؤشرات منظمة الأغذية والزراعة، فمن المتوقع أن تصل فاتورة استيراد الغذاء عالميا 1.94 تريليون دولار خلال عام 2022، كما يتوقع ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة بنحو 50% سنويا لتصل الى 424 مليار دولار عام 2022.

تعدد المخاطر المرتبطة بالصراع في أوكرانيا

يلاحظ أن اندلاع الحرب في أوكرانيا تزامن مع موسم الحصاد والتسويق، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على التعاقدات التصديرية المبرمة وعرقل الدخول في تعاقدات جديدة، نتيجة تأثير الحرب على عمليات الشحن والنقل والتخزين، وقد ساعدت مبادرة حبوب البحر الأسود والجهود المبذولة لتعزيز القدرات التصديرية لأوكرانيا بخلاف القنوات البحرية في تخفيف حدة الازمة، إلا أن التداعيات الممتدة للازمة مازالت مستمرة نتيجة تأثير الحرب على البنية التحتية وإنتاجية المحاصيل، وامدادات الطاقة والعمالة، ومستويات الأسعار. وتشير التقديرات الى أن حجم الخسائر التي سببتها الحرب لقطاع الزراعة في أوكرانيا تقدر بنحو 2.2 مليار دولار امريكي بخلاف التأثير على قطاعات الري والمياه والغابات ومصايد الأسماك، وتبلغ الخسائر الاجمالية لكافة الموارد الإنتاجية الغذائية 28.3 مليار دولار، وتقدر تكلفة البناء والتعافي 18.7 مليار دولار وتستمر على نحو 10 سنوات. ووفقًا لمنظمة الاغذية والزراعة يتوقع انخفاض محصول الحبوب في أوكرانيا بنسبة 33% ليصل الى 51 مليون طن، كما يتوقع تراجع المحاصيل الشتوية خلال عام 2023 بنسبة 40% عن متوسط الامدادات.

وعلى صعيد مخاطر الإنتاج الزراعي في روسيا فتتمثل في تعطل استيراد بعض مدخلات الإنتاج كالبذور والمبيدات بما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية الزراعية وانخفاض جودة المحاصيل، أما بالنسبة للصادرات الروسية، فهناك مخاوف ترتبط بإمكانية الوصول للخدمات المالية اللازمة لإتمام المعاملات الدولية على الصادرات، فضلًا عن ارتفاع تكلفة النقل واقساط التأمين على السفن.

وتتضمن المخاطر المرتبطة بالصراع في اوكرانيا، مخاطر الطاقة نظرا لكون قطاع الزراعة من القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومع ارتفاع أسعار الطاقة يؤثر ذلك على تكلفة انتاج الأسمدة والتي تعد من مدخلات الإنتاج الزراعي، وكذلك تراجع انتاج المواد الأولية الزراعية كالذرة والسكر والبذور الزيتية، ولذلك يتوقع تراجع انتاج السلع الزراعية وارتفاع أسعارها خلال موسم الإنتاج الزراعي القادم.

مخاطر الاقتصاد الكلي المؤثرة على الإنتاج الزراعي

أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة مخاطر الاقتصاد الكلي العالمي، وارتفاع درجة عدم اليقين لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع الاقتصادية المستقبلية، وقد توقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2022 أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي من 4.4% عام 2022 إلى 3.8% عام 2023، كما توقع أن يرتفع معدل التضخم العالمي من 4.7% عام 2021 إلى 8.8% عام 2022 قبل أن يتراجع إلى 4.1% عام 2024.

وقد زاد من حدة تلك الأزمة، الإجراءات النقدية التشددية التي تم اتباعها على مستوى مختلف البنوك المركزية حول العالم، لمحاولة التصدي للموجات التضخمية العالمية، الأمر الذي ترتب عليه تدهور أسعار عدد كبير من العملات ومن ثم زيادة العجز بميزان المدفوعات خاصة في الدول النامية، وتراجع الاحتياطي الأجنبي في عدد من الأسواق الناشئة، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد وانخفاض عدد شهور تغطية السلع الاستراتيجية، وانتقال التضخم العالمي إلى الاقتصادات المحلية. فضلًا عن تفاقم أزمة المديونية لعدد كبير من الدول المدينة بعد ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات الدول المقترضة.

وقد يؤثر ذلك على توفر الأموال الموجهة للتنمية بما يؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الاقتصادات الناشئة والتي يمثل القطاع الزراعي بها أحد القطاعات الرئيسية الدافعة للنمو.

وقد انعكست تلك الأوضاع بشكل أكبر على الفقراء والفئات الأكثر ضعفا على مستوى العالم، وتشير التوقعات إلى وصول نحو 222 مليون فرد في 53 دولة وإقليم الى مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال عام 2022، ويذكر أن تلك التوقعات لم تأخذ في الاعتبار الآثار المحتملة للحرب.

آليات المواجهة

ربما يعتبر الحل الأمثل لمواجهة تلك الأزمة هو القضاء على مسبباتها، ولكن في ظل عدم اليقين بشأن تطورات الاحداث في منطقة الصراع والموعد الفعلي لإنهاء تلك الحرب الدائرة، يتطلب الوضع تعاون دولي من قبل الفاعلين الدوليين والمنظمات الدولية ذات الصلة، فضلًا عن اتخاذ كافة الإجراءات المحلية لمواجهة تلك الازمة.

فعلى المستوى الدولي، يجب ضرورة العمل على استمرار سلاسل الامداد تعمل بكل طاقاتها من خلال إزالة قيود التجارة، وفتح الأسواق الدولية للمواد الغذائية ومستلزمات انتاجها، وتوفير النظم اللوجستية اللازمة لتخزين ونقل وشحن المنتجات الغذائية. كما يجب توجيه الدعم العالمي للبلدان الأكثر تضررا من آثار الحرب، ويشار في هذا السياق الى المقترح المقدم من منظمة الأغذية والزراعة بإنشاء مرفق عالمي لتمويل الواردات الغذائية لمساعدة البلدان التي تعاني من خلل في موازين المدفوعات بما يؤثر على أمنها الغذائي.

وعلى صعيد الدول المستوردة للغذاء، فانه يوصى بضرورة تنويع مصادر الواردات الغذائية، واستخدام البدائل الغذائية بالاعتماد على المنتجات المحلية المتوفرة. ومن جهة أخرى، يجب توسيع نظم الحماية الاجتماعية على مستوى الدول، لتضمن مجموعات سكانية جديدة في ظل زيادة أعباء المعيشة.

ومع ملاحظة أن ما لا يقل عن ثلثي الأشخاص التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي هم من سكان الريف اللذين يعتمدون على القطاع الزراعي، فانه يجب إعادة النظر في الاستراتيجيات الخاصة بقطاع الزراعة بما يعكس أهميتها القومية، ويجعلها قطاع جاذب للعمالة، الأمر الذي يساعد على رفع الإنتاجية ويعزز التعافي السريع. بالإضافة إلى ضرورة استخدام الابتكارات التكنولوجية الحديثة لتعزيز كفاءة الإنتاج الغذائي، وتقليل النفايات واستخدام مغذيات للتربة. فضلًا عن ضرورة زيادة الوعي بخطورة هدر الطعام؛ إذ تشير التقديرات إلى أنه بتقليل الهدر في الطعام ترتفع الإمدادات الغذائية بنحو 400 جرام للفرد يوميًا.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32382/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M