الشباب وذخيرة الوعي السياسي

علي حسين عبيد

الشباب هم أهم شريحة في المجتمعات، وطبقا لنسبتهم تُقاس حيوية المجتمع صعودا أو نزولاً وفقاً لكثرتهم أو قلّتهم في تكوينه، وكلما وجد الشباب اهتماما علميّا مدروسا من الدولة والمنظمة المدنية المتخصصة، سوف نحصل على شريحة شبابية ذكية فاعلة متنوّرة قادرة على النهوض بنفسها وبالمجتمع إلى مصاف الدول المتطورة، ويصحّ العكس.

أما السياسية فهي بتوصيف مباشر تعني إدارة شؤون الناس في دولة معينة، وتعرَّف السياسة لغةً بأنها عبارة عن معالجة الأمور، وهي مأخوذة من الفعل ساسَ ويسوس، وهي على مصدر فعالة، أما اصطلاحاً فتعرف بأنها رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية، وكافة شؤونها الخارجية، وتعرف أيضاً بأنها سياسة تقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما. وتعرف كذلك بأنها العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة.

عرفت أيضاً بأنها طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية، وقد عرفها هارولد بأنها عبارة عن دراسة السلطة التي تقوم بتحديد المصادر المحدودة، أما الواقعيّون فعرفوها بأنها فنٌّ يقوم على دراسة الواقع السياسي وتغييره موضوعياً. بينما عرفها ديفيد إيستون بأنها عبارة عن دراسة تقسيم الموارد الموجودة في المجتمع عن طريق السلطة.

وفي التعريف الأخير قد يتم توزيع الموارد بصورة عادلة أو ربما تُلحق الغبن بالشعب، وفي هذه الحالة نكون أمام سلطة فاشلة، وفشلها يتأتى من عجزها على تقسيم الثروات والموارد وفرص العمل والخدمات والصحة والتعليم بصورة عادلة بين أفراد وشرائح المجتمع، لأسباب منها احتكار السلطة للثروات واستئثارها بحقوق الشعب ومنهم الشباب بطبيعة الحال، فيشيع الفقر والحرمان، وتظهر الطبقية في أسوأ صورها، وقد يصبح المجتمع متنافراً تنتعش فيه الكراهية بسبب التمايز الطبقي، حيث الثراء الفاحش للطبقة السياسية والفقر لأغلبية الشعب، وهذا هو الذي يحدث في العراق اليوم!.

حالة الغبن هذه والاستئثار بالسلطة ومحاولة التشبث بامتيازاتها تُفقر الشعب، وتلحق به أضراراً فادحة، منها سوء المعيشة وانتشار الجهل والمرض، وضعف أو قلّة الخدمات، وهي عوارض نجدها اليوم ظاهرة في المجتمع العراقي، هذا يستوجب التغيير السياسي والمجيء بطبقة سياسية قادرة على النجاح في إدارة شؤون البلاد، فما هي السبل التي تقود إلى تغيير الطبقة السياسية الفاشلة؟

مؤشرات الوعي المتطوّر للشباب

ستبرز شريحة الشباب بقوة لمعالجة هذا الخلل الكبير في الدولة، كما يحدث اليوم في مظاهرات تشرين ذات الطابع الشبابي، فهذه المظاهرات العارمة ما كان لها أن تتبلور في أهدافها إلى المستوى العالي الذي تمخَّض عنها اليوم، لو لا الوعي السياسي المتطوّر للشباب، ولعلنا نتذكر سلسلة المظاهرات المتواصلة في العراق بدءاً من عام 2010، حيث اندلعت في وقتها في إشارة إلى رفض الظلم الطبقي ونبذ الفساد بكل أشكاله، إلا أن تلك المظاهرات لم تصل إلى نتيجة لأسباب معروفة، منها تحايل الحكومات ورؤسائها على الشعب، وإطلاق الوعود الكاذبة بالإضافة إلى التذرّع بالإرهاب وما شاكل.

وحين وصلنا إلى مظاهرات تشرين في هذه السنة، كانت المفاجأة مذهلة، تمثلت في الوعي السياسي للشباب وتطوره الكبير عمّا كان عليه في مظاهرات السنوات السابقة، فما تميّز به شباب اليوم من وعي سياسي صدمَ الطبقة السياسية وأربكها وجعلها تدور في حلقة مغلقة من القرارات والمعالجات، لأن الشباب هم النسبة الأكثر من بين المحتجين حتى أطلق كثير من المراقبين والمتابعين على تظاهرات تشرين المستمرة بأنها شبابية المظهر والجوهر!.

ولعلّ المراقب يمكنه تكوين حصيلة واضحة عن اختلاف الشباب العراقي اليوم عما كان عليه قبل انطلاق هذه المظاهرات، وهذا الاختلاف يكمن في الوعي السياسي الكبير الذي تسلّح به الشباب كذخيرة يواجه بها كثيرين، وأولهم الطبقة السياسية التي سعت بقوة إلى التسويف والمماطلة وإفراغ المظاهرات من محتواها الوطني الشبابي، فضلا عن محاولات حرفها عن خطِّها السلمي، وزج عناصر سعت إلى عمليات حرق ونهب وحاولت بشتى السبل تحميل الشباب مسؤولية حدوثها!.

كذلك يتمكن المتابع من التقاط ظواهر الجديدة وسمتْ مظاهرات الشباب، وأفصحت عن وعيهم السياسي الواضح، ولعل تصديهم لحملات إعلامية توضّح مطالب الجماهير وتحدد مواصفات رئيس وزار القادم، وإيجاد قانون انتخابي عادل ومنصف، وتغيير مفوضية الانتخابات بعيدا عن تدخل وهيمنة الأحزاب، وغير ذلك من المطالب الواعية وغير المطلبية، أكدت أننا اليوم نقف إزاء شريحة شبابية تعرف ما هي أهدافها وكيف تصل إليها وفق أطر دستورية.

مخاطر النظام الرئاسي

مع كل ما يؤكد بأن الشباب العراقي اليوم مسلَّح بوعي سياسي جيد قادر على حمايتهم من الانزلاق إلى الفوضى، إلا أننا لازلنا بحاجة إلى تعميق الوعي السياسي لدى الشباب، حتى لا تحدث ثغرات قد تؤثر بطريقة أو أخرى على دورهم في تعديل مسار العملية السياسية، فالمطلوب هو ليس نسف العملية السياسية، وإنما تصحيح المسارات والقواعد التي تتحرك وفقها، بالإضافة إلى تغيير الوجوه السياسية التي ثبت عجزها وفشلها في إدارة البلاد حلال السنوات الطويلة المنصرمة.

يجب أن يزداد الوعي السياسي لدى الشباب العراقي المنتفض، ليتمسك أكثر بالنظام الديمقراطي المتعدد، ولا يسمح الشباب بالعودة إلى الأنظمة المركزية وحصر السلطات في شخص واحد يتحكم بمقدرات الشعب كما كان الأمر في العهود العسكرية الانقلابية، فإذا كانت الطبقة السياسية الراهنة قد فشلت في بناء نظام ديمقراطي تعددي بسبب الانحياز الحزبي والفئوي، ورهن القرار العراقي بقوى وتدخلات خارجية، ومن ثم انتشار الفساد لدرجة ضاعفت من خراب البلاد، فهذا لا يعني أن الديمقراطية نظام فاشل، وإنما الأحزاب والقادة والأفراد العاملين في السياسية هم الذين فشلوا في التطبيق.

وهذا يعني بأننا بحاجة إلى تغيير القادة والمسؤولين عن الفشل، وليس تغيير النظام الديمقراطي، خصوصا أن هنالك أصوات دعت إلى النظام الرئاسي كبديل للنظام الديمقراطي، ولم يحسب هؤلاء حساب التداعيات التي تظهر لاحقا في حال تحولْنا إلى النظام الرئاسي الذي يركّز الصلاحيات في شخص الرئيس الذي يمكن أن يتحول إلى دكتاتور مع مرور الوقت، وقد يقول قائل إن هناك أنظمة رئاسية ناجحة في الغرب، فلماذا نرفض ذلك، الجواب نحن في خطوتنا الأولى كشعب لم يجرّب الديمقراطية، لكننا جربنا النظام الرئاسي وذقنا ويلاته، فالعيب ليس في النظام البرلماني بل بالقائمين عليه.

لذا، فإنْ تصدى أناس مخلصون للعراق سوف ينجح النظام الديمقراطي نجاحا باهرا، وسوف تُبنى دولة المؤسسات التي تحمي الحقوق والحريات، وهذا لن يتحقق من دون تسلّح الشباب بوعي سياسي عميق، يكونوا من خلاله حماة للعملية الديمقراطية، ووضعها على السكّة الصحيحة التي تضمن العدالة الاجتماعية، وتُنصف العراقيين وتعدل بينهم في توزيع الثروات، وفي بناء اقتصاد متعدد الموارد، قوي البنية، صناعةً وزراعةً، ومواكبةً لما يحدث من تطوّر صناعي هائل على المستوى العالمي.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/annabaaarticles/21635

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M