عندما اخترت العنوان انقدح في بالي مصداق أخر غير الذي كان في بالي فارتأيت أن أطرح المصداقين للفائدة العامة :
الاول / أن الاهتمام الأكثر ينصب على الصدقة المالية على الفقراء وهو بلا شك مصداق مهم ونافع للفرد والمجتمع ، ولكنه ليس أعلى معاني الصدقة ، فلماذا لا يسلط الضوء على من هو أسمى من ذلك ، فالصدقة المالية تحاول أن ترفع الفقر عن الفقراء وتحسن من حالتهم المعيشية ، ولكن الواقع يثبت أن ليس المشكلة الوحيدة عند البشر هي الفقر ، بحيث إذا قضي عليه يتم القضاء على باقي المشاكل ، فكثير من المجتمعات تعتبر من أغنى المجتمعات في العالم (مثل المجتمعات الخليجية) إلا أنها تعاني من كثير من المشاكل الفكرية والثقافية والاجتماعية والعقائدية والثقافية ، ويحاولوا أن يضعوا الخطط الاستراتيجية للقضاء عليها إلا أنهم لم ينجحوا بسبب الرخاء المادي ، وهذا يعني أن تحسن الحالة المعيشية من دون تحسن الثقافة الفكرية والوعي الديني سيكون مردوده سلبياً ، أي أن من يسعى – من خلال دفع الصدقات – للقضاء على فقر الفقراء من دون أن يسعى للقضاء على الجهل لديهم ورفع مدارك وعيهم وثقافتهم الفكرية والاجتماعية سيخرب أكثر مما يعمر .
لذا يفترض أن يكون السعي بكلا الاتجاهين ، سعي بدفع الصدقات للقضاء على الفقر وسعي مضاعف للقضاء على الجهل ، فتنمية الفقير ثقافياً وفكرياً ودينياً لا تنجح إذا بقى فقيراً ، فلولا الخبز لما عُبِد الله ، ولكن علينا أن نفكر برفع مستوى وعيهم الثقافي كما حسنّا من معيشتهم المادية ، حتى لا يكونوا فريسة سهلة بيد من هب ودب خصوصاً من يدفع الأموال الى الفقراء من أجل بث السموم إليهم .
وعلى هذا الأساس نرى بعض مراجع الدين العاملين يعطي الإذن في صرف ثلث الحقوق الشرعية (الخمس تحديداً) على الفقراء ويحتفظون بالثلثين لصرفها في موارد تعمل بالتوازي لرفع الوعي الفكري والديني لدى الجميع ومنهم الفقراء .
الثاني / مما يروى أن زكاة العلم نشره ، وبالتالي فمن ينشر العلم يزكيه وينميه ، وهذا يقابل ويشابه الصدقة المالية ، فإيصال العلم الى من يفتقروه يشابه إيصال المال الى من يفتقروه ، وقد أثبتنا في النقطة الأولى أن الصدقة الفكرية أرقى وأبلغ من الصدقة المالية .
