تشكل الصكوك إحدى الأدوات المالية الحديثة التي طورتها الدول كوسيلة تمويل بديلة للأسهم والسندات؛ بهدف تمويل المشاريع الاقتصادية الكبيرة كإنشاء الجسور، والمطارات والجامعات، والمجمعات السكنية، والمشاريع الزراعية والصناعية. وسعت عدة دول إلى تطوير منظومتها المالية لجذب المستثمرين بإصدار قوانين خاصة بالصكوك بسوق الأوراق المالية، وتطوير آليات عمل هذه القوانين لجذب مختلف أنواع المستثمرين.
جدير بالإشارة أن الصكوك وسيلة تمويل إسلامية بمعنى أنها تلتزم بالمبادئ العامة للتمويل الإسلامي، من حيث عدم التعامل بالفائدة، وعدم جواز بيع الدين، وعدم جواز الغرر والجهالة في المعاملات، وقد تكون الصكوك مصدرة من قبل شركات، أو قد تكون الجهة المصدرة جهات حكومية أو سيادية أو شبه سيادية، فنجد أن عددًا من الدول مثل البحرين وماليزيا والسودان تعتمد اعتمادً كبيرا على الصكوك للإيفاء بمتطلبات الدين العام وتحقيق أهداف السياسات العامة للدولة.
وقد أصدرت الدولة المصرية مؤخرًا صكوكًا سيادية، لأول مرة في تاريخها، بقيمة 1.5 مليار دولار لأجل 3 سنوات، حيث جذب الطرح الدولي طلبات قيمتها 6.1 مليارات دولار، لتتجاوز نسبة التغطية 4 مرات. وهبط العائد عقب ذلك بأكثر من 0.6 نقطة مئوية من 11.625% إلى 11%. كما أعلنت أن مصر تمتلك برنامجًا دوليًا لإصدارات صكوك سيادية لعدّة سنوات مقبلة بقيمة 5 مليارات دولار، ويتبقى 3.5 مليارات دولار قد تُطرح على مدى ثلاث سنوات.
الهدف الرئيسي من هذا المقال هو خلق فهم أعمق لسوق الصكوك من خلال تحليل متعمق لأبرز اتجاهات سوق الصكوك العالمي وأبرز التحديات والفرص المتاحة.
1. تحليل الاتجاهات في سوق الصكوك العالمي:
تعد الصكوك إحدى وسائل التمويل الإسلامي، ووفقًا لتقرير مؤسسة “ستاندرد أند بورز” بعنوان: “التمويل الإسلامي 2022-2023.. فرص جديدة على الرغم من استمرار القيود” والذي أشارت فيه إلى أن التمويل الإسلامي ككل سيحقق نموًا إيجابيًا لعامَي 2022 و2023، بعد أن بلغ نمو إجمالي أصول القطاع 10.2% العام الماضي (باستثناء إيران)، ليصل إلى 2.5 تريليون دولار. وهذا ما يعكسه الشكل التالي.
مع أن ارتفاع أسعار النفط سيدعم انتعاشًا أقوى في عديد من الأسواق الأساسية للتمويل الإسلامي، خاصة في دول الخليج.
وأثبتت الصكوك قدرتها العالية على تحمل اضطرابات الأسواق المالية وارتفاع معدلات الفائدة، ويرجع هذا وفقًا للمحللين إلى أن المستثمرين يُفضلون في الأغلب الديون ذات آجال استحقاق أقصر، في ظل تزايد أسعار الفائدة، مما يزيد من جاذبية الصكوك.
ويشير تقرير مؤسسة الصكوك العالمي الصادر في أغسطس لعام 2022، إلى أن سوق الصكوك العالمية قد شهد خلال عام 2021 مؤشرات نمو إيجابية عبر طرح إصدارات جديدة وتحقيق مكاسب جيدة، فقد بلغ إجمالي إصدارات الصكوك العالمية 188.1 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وهي أعلى قيمة للصكوك السنوية منذ إطلاقه لأول مرة في عام 2001. كما هو موضح في الرسم البياني.
تطور قيمة إصدارات الصكوك العالمية (خلال الفترة 2001 حتى 2022) – القيمة بالمليار دولار
وتظل حصة الإصدارات السيادية في السوق المحلي قوية وتمثل نحو 64% من إجمالي قيمة الإصدارات خلال عام 2021، تليها إصدارات الشركات والصكوك شبة السيادية، بينما تنخفض تلك النسبة في السوق الدولية، حيث تمثل الإصدارات السيادية نحو 44% فقط في مقابل الأنواع الأخرى.
كما تمثل صكوك الوكالة (وهي وثائق مشاركة تمثل مشروعات تدار على أساس الوكالة بالاستثمار ويعين وكيل من حملة الصكوك لإدارتها) النمط الأكثر شيوعًا بين الصكوك المصدرة لتمثل حصتها 41%، مقارنة بكل من صكوك الإجارة وصكوك المضاربة اللتين تمثلان 14%، 9% على التوالي.
وتستحوذ كل من ماليزيا والسعودية وإندونيسيا والإمارات وقطر وتركيا على أكثر من %93 من حصة الصكوك المتداولة عالميًا. وتهيمن ماليزيا على سوق الصكوك حيث تستحوذ على أكثر من 60% من إجمالي الصكوك المصدرة محليًا بقيمة تتجاوز 660 مليار دولار على الرغم من ارتفاع حصة عدد من الدول مثل إندونيسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا بحجم جيد.
أبرز التحديات والفرص المرتبطة بسوق الصكوك العالمي
بالرغم من الأداء المتميز للصكوك حول العالم إلا أن “ستاندرد أند بورز” حدّدت 4 عوامل تلعب دورًا معاكسًا لإصدار الصكوك هذا العام، تتمثل بانخفاض السيولة العالمية، وزيادة التعقيدات المتعلقة بالمعايير التنظيمية، وتراجع الاحتياجات التمويلية لبعض الدول الإسلامية، وحذر الشركات ناحية زيادة الإنفاق الرأسمالي بعد التعافي البطيء من كورونا.
كما أشار التقرير إلى أن قطاع التمويل الإسلامي “يعاني نقاط ضعف هيكلية، وبالتحديد الإجراءات المعقدة المرتبطة بهيكلة الصكوك، وافتقار بعض المنتجات إلى القدرة التنافسية، وارتباط الأداء بأسعار النفط نظرًا إلى تركز القطاع في البلدان المصدِّرة له، ومكافحة المصرفية الإسلامية للتوسع إلى ما وراء حدودها التقليدية”.
أمّا أبرز الفرص لنمو التمويل الإسلامي، فتتمثل بإطلاق منتجات متوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، إذ انه من المتوقع زيادة في إصدارات الصكوك الخضراء. كما يمكن أن تجذب الصكوك الرقمية اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين في المستقبل، وفقًا لوكالة “ستاندرد أند بورز”، حيث تشير البيانات إلى أن الحصة السوقية للصكوك المرتبطة بالبيئة والحوكمة تمثل نحو 20 مليار دولار. كما تلجأ بعض الهيئات السيادية إلى إصدار ما يعرف بصكوك الذهب عبر استخدام الذهب في إصدار الصكوك، مثل الخزانة التركية.
.
رابط المصدر: