أحمد حيدر / باحث في العلاقات الدولية والإستراتيجية
تلعب الضمانات دوراً مهماً في العلاقات الدولية، وهي تعني التزام دولة ما بأداء ما وجب على غيرها من الحقوق الدولية، فالضمانات في النطاق الدولي هي الشرط الذي يمكن الاعتماد عليه في حال أخل أحد الأطراف بالتزاماته الدولية. لذلك تمثِّل الضمانات الدولية مظلة الحماية الواقية للتحلُّل غير المشروع أو غير المتفق عليه من الالتزامات الدولية.
يشهد النظام الدولي في الوقت الحاضر ملفين من أعقد الملفات، هما الأزمة الأوكرانية، وأزمة الملف النووي الإيراني، وفي كليهما، طُلِبَت ضمانات دولية من واشنطن. إذ إنَّ الأزمة الأوكرانية سببها توسيع حلف شمال الأطلسي (NATO) عبر ضم أوكرانيا إلى الحلف، ونشر منظومات دفاع صاروخي في شرق أوروبا، ممَّا دفع روسيا إلى الاعتراض على هذه الخطوات، لأنَّها تُعدُّ مضرة بالمجال الحيوي الروسي، وتشكِّل خطراً أمنياً على روسيا في المستقبل المنظور، لذلك طلبت ضمانات أمنية من واشنطن.
في الوقت نفسه الذي تتفاوض فيه إدارة «بايدن» مع إيران عبر وساطة مجموعة (4+1) من أجل العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي انسحبت منها إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بصورة أحادية في 8 آيار/مايو 2018، بدعوى عدم ملاءَمة الاتفاق للشروط الأمريكية وأنَّه «اتفاق كارثي» ولا يمنع إيران من صنع القنبلة النووية، الأمر الذي دفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى طلب ضمانات قانونية دولية تُلزم الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات اللاحقة بالالتزام بنتائج المفاوضات الحالية وعدم الانسحاب منها بصورة أحادية الجانب.
لذلك تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها القوة العظمى الوحيدة في النظام الدولي، معركة سياسية-قانونية من قبل دول صاعدة في المنظومة الإقليمية والدولية، وهي إيران وروسيا، تطالبان فيها بتقييد التصرفات أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (NATO) عبر ضمان التزامها بعدم تعريض مصالح الدول الأخرى للخطر، وعدم الاخلال بالاتفاقات الدولية.
فما الأساس المنطقي لمخاوف روسيا من توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً؟ وما الضمانات التي تطالب بها إيران في مفاوضات فيينا؟ ثم هل يمكن لواشنطن تقديم مثل هذه الضمانات فعلاً؟ وما تأثيرات هذه الضمانات على مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي؟
أولاً: نظام الضمانات الأمنية الروسي لمعالجة الأزمة الأوكرانية
تُعد أوكرانيا محوراً جيوستراتيجياً مهماً لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فللجانب الأخير تمثل أوكرانيا «خاصرة روسيا الرخوة وقلب الدفاع العسكري عنها»، كما يصفها مستشار الأمن القومي الأمريكي «زبغنيو بريجينسكي». أمَّا روسيا فوجود أوكرانيا بوصفها دولة مستقلة غير تابعة لأيِّ تنظيم سياسي غربي سواءً من الناحية الاقتصادية (الاتحاد الأوروبي) أم من الناحية الأمنية (حلف شمال الأطلسي NATO) يساعد في تغيير وضعها من لاعب دولي مقيِّد إلى لاعب جيوستراتيجي مهم في الساحة الدولية، وخصوصاً الأوروبية منها.
تتضح أهمية أوكرانيا الجيوستراتيجية بحكم المحورية الحتيمة الجغرافية التي تتمتع بها أولاً، لأنَّها تقع بين لاعبين جيوستراتيجيين مهمين، هما روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وتنافس هذين المحورين على السيطرة والنفوذ في أوكرانيا ثانياً، إذ تعد بوابة روسيا الاتحادية على البحر الأسود وأوروبا الشرقية، كما تشكِّل مناطق واسعة من أوكرانيا ولا سيَّما الجزء الشرقي منها امتداداً طبيعياً من روسيا الذي يحتضن العاصمة الروسية موسكو، فضلاً عن مرور ما نسبته 85% من الغاز الروسي (مصدر الطاقة الروسية وعماد اقتصادها وتأثيرها في الاتحاد الأوروبي) عبر الأراضي الأوكرانية، أي: إنَّها تُعدُّ بذلك ممراً إستراتيجياً ناقلاً للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، ممَّا يعني ارتباط هذا الممر بتأمين مستلزمات أمن الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي.
وقد أُقرَّت صفة عدم الانحياز وعدم الانضمام إلى الأحلاف السياسية والعسكرية في أساس الدولة الأوكرانية، إذ جاء في قسم الأمن الخارجي والداخلي من وثيقة إعلان سيادة دولة أوكرانيا، المعتمد في 16 تموز/يوليو 1990: «تعلن جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية رسمياً عزمها على أن تصبح في المستقبل دولة محايدة بصورة دائمة لا تشارك في الكتل العسكرية»، وحتى بعد إجراء التعديلات على القانون الأساسي لأوكرانيا عام 2019، وتضمين نص الدستور على عدِّ العضوية الكاملة في حلف شمال الأطلسي بوصفه مساراً إستراتيجياً للدولة، لم تختفِ من الوثيقة الإشارة إلى إعلان الاستقلال لعام 1991.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: