الطحالب والجيل الثالث لإنتاج الوقود الحيوي

الطحالب والجيل الثالث لإنتاج الوقود الحيوي

 د. أحمد سلطان

 

بينما ظل النفط “الذهب الأسود” أهم مصدر للطاقة وأكثرها استهلاكًا لعشرات السنين، يبدي العالم حاليًا اهتمامًا كبيرًا بالوقود الحيوي كأحد مصادر الطاقة المتجددة، خاصة المستخرج من الطحالب “الذهب الأخضر” للحصول على طاقة نظيفة. وتُعد الطاقة الحيوية من مصادر الطاقة المتجددة؛ إذ يتم الحصول عليها من الكتل الحيوية كالأخشاب والمحاصيل الزراعية ومخلفات النباتات وفضلات الحيوانات وغيرها. واستخدام تلك المواد هو في الواقع استغلال للمجمعات الشمسية الضخمة الموجودة على الأرض لإنتاج الطاقة، وهذه المجمعات الشمسية هي النباتات التي تحول طاقة ضوء الشمس وبعض العناصر الكيميائية، عن طريق عملية التخليق الضوئي، إلى جزيئات كربوهيدراتية تشكل أساس الكتلة الحيوية على اختلاف أشكالها.

مدخل

منذ فجر التاريخ، استخدم الإنسان الطاقة الحيوية في أبسط صورها وأشكالها؛ إذ كان يقوم بحرق الأخشاب والمخلفات الحيوانية وأوراق الأشجار لطهي طعامه وتسخين مائه وتدفئة منزله، وللإضاءة ليلًا وإخافة الحيوانات الكاسرة. ومع التقدم التقني الكبير، بقيت الطاقة الحيوية محافظة على مكانتها؛ إذ إن كثيرًا من المجتمعات الريفية في البلاد النامية لا تزال حتى الآن تعتمد على الطاقة الحيوية بشكل مباشر كما كان يفعل الإنسان قديمًا.

فالكتلة الحيوية تنتج حوالي ٣٦٪ من الطاقة المستخدمة في بعض البلاد النامية، وكثير من سكان المناطق الريفية في الدول الصناعية ما زالوا يعتمدون على هذا المصدر من الطاقة لتدفئة منازلهم وغيرها من الاستخدامات المهمة. وشهد القرن الماضي محاولات تطوير أنواع جديدة من الوقود الحيوي كان يفترض فيها أن تكون قابلة للحلول محل الوقود الأحفوري، غير أن التحديات العملية التي يواجهها هذا الطموح لا تزال كثيرة وضخمة.

ثلاثة أنواع من الوقود الحيوي

يستخدم الوقود الحيوي إما بشكل مباشر كالحرق لإنتاج الطاقة، فعند حرق الأخشاب مثلًا تتولد طاقة حرارية تستعمل للطهي والتسخين والإضاءة والتدفئة، وإما بشكل غير مباشر، إذ تتم معالجة الكتلة الحيوية لإنتاج أنواع متعددة من الوقود التي تستعمل لتشغيل محركات السيارات والحافلات مثلًا أو لتوليد الطاقة الكهربائية.

وينقسم الوقود الحيوي من ناحية الشكل إلى ثلاثة أنواع رئيسة، هي:

الوقود الحيوي الصلب؛ وقد استخدم هذا النوع منذ القدم، وهو يشمل الأخشاب والقش والنباتات الجافة والفحم والمخلفات النباتية ومخلفات مصانع قصب السكر وعصير الفواكه ومعاصر زيت الزيتون وغيرها، ويشمل فضلات الحيوانات (سماد وروث) وكذلك القمامة. وفي الواقع، فإن وقود الكتلة الحيوية الصلب يمكن أن يستعمل بشكل مباشر كما هو في الطبيعة، إلا أنه في كثير من الأحيان تتم معالجته لرفع قيمته الحرارية، فالخشب يحول إلى فحم بإزالة الماء منه وكذلك المواد المتطايرة والمواد العضوية الأخرى، والفحم ذو اللون الأسود يكون محتواه من الكربون مرتفعًا ويتراوح بين ٨٥ و٩٥٪، وهو يحترق بحرارة عالية وكفاءة أعلى من الخشب، وقد استعمله الحدادون قديمًا لصهر المعادن، واستُعمل وقودًا لصهر الزجاج والتدفئة.

الوقود الحيوي السائل؛ يُعد الوقود السائل من أفضل أنواع الوقود؛ إذ يسهل نقله بالأنابيب وتخزينه، ويتم استخراجه من كثير من المواد الحيوية، ويستخدم في محركات وسائط النقل المختلفة وفي تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية وغيرها. ومن أهم المحاصيل الزراعية المنتجة للوقود الحيوي السائل، تلك المحاصيل المحتوية على سكريات أو نشويات كالذرة والقمح وقصب السكر، وتستخدم بعض المحاصيل الأخرى التي تحتوي على زيوت، كفول الصويا ودوار الشمس وغيرها، ويتضمن الوقود الحيوي السائل الأنواع التالية:

  • وقود الديزل الحيوي

يُنتج الديزل الحيوي من التفاعل الكيميائي بين الزيوت النباتية والكحول، ومن خلال تفاعل الأسترة يتم إنتاج هذا النوع من الوقود. وقد عرف الإنسان لأول مرة تفاعل الأسترة في عام ١٨٥٣عندما أجرى العالمان دافي وباتريك أول تفاعل أسترة لزيوت نباتية، وفي أغسطس ١٨٩٣ تم تشغيل أول محرك ديزل بزيوت نباتية ساخنة منتجة من حبوب الفول السوداني من قبل مخترع محرك الديزل، وتخليدًا لهذه المناسبة، يحتفل العالم في العاشر من شهر أغسطس من كل عام باليوم العالمي للديزل الحيوي.

أما تسجيل إنتاج الديزل الحيوي كبراءة اختراع فيعود إلى أغسطس١٩٣٠، حين قام الباحث شافان من جامعة بروكسيل في بلجيكا بوصف كيفية تحضير الديزل الحيوي والذي يستعمل كبديل مباشر لوقود الديزل التقليدي المصنوع من النفط، ويمكن أن يخلط مع الديزل النفطي ضمن نسب محددة، وفي هذه الحالة يستعمل الحرف  متبوعًا برقم يبين نسبة الخلط؛ فمثلا B40 تدل على أن وقود الديزل يحتوي على ٤٠٪ وقود ديزل حيوي، والرمز B100 يعني أن كل الوقود عبارة عن ديزل حيوي.

ويصنع الديزل الحيوي من بعض الزيوت النباتية مثل زيت بذور اللفت وزيت النخيل والخردل والجاتروفا وحب الصويا، وهذا الأخير يستخدم على نطاق واسع؛ إذ يعد المصدر الرئيس لإنتاج الديزل الحيوي نظرًا لسرعة نمو هذا النبات، لكنه لا يعد المصدر الأفضل لإنتاج الديزل الحيوي حيث تتفوق عليه بذور اللفت والخردل بثلاث مرات، وتجرى حاليًا تجارب لاستخدام الطحالب لإنتاج الديزل الحيوي.

  • كحول الإيثانول الحيوي

يصنع الإيثانول من كثير من المواد العضوية بما فيها الذرة والقمح وقصب السكر والأعشاب البحرية والسليلوز المكون الرئيس لكثير من الأجزاء النباتية والذي يتم الحصول عليه من المخلفات الزراعية ومن بقايا تصنيع الورق، لكن أفضل مصدر لصناعة الإيثانول هو قصب السكر نظرًا لاحتوائه على السكريات التي يتم تخميرها لتتحول إلى كحول. وقد أجريت أول محاولة لتصنيع الإيثانول من الأخشاب في ألمانيا في عام ١٨٩٨واستخدم حامض مخفف لتحويل السليلوز إلى مركب الجلوكوز، وقد تم إنتاج ٧٬٦ لتر منه من ١٠٠ كيلوغرام من مخلفات الأخشاب، ثم تم تطوير هذه الطريقة لتنتج ٢٠٠ لتر من كل طن واحد من الخشب.

وانتقلت بعد ذلك هذه الصناعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأقيم خلال الحرب العالمية الأولى مصنعان لإنتاج الكحول الإيثيلي من الخشب، وطورت تقنية خاصة بهذه الصناعة عرفت بالعملية الأمريكية، ويستخدم فيها حامض الكبريتيك المخفف لإسالة الخشب. ويعد الإيثانول الذي يُعرف بالكحول الإيثيلي من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، ويستخدم لتشغيل المحركات، إما وحده أو ممزوجًا بالجازولين، ويتم تمييزه بالحرف E متبوعًا برقم يشير إلى نسبة الكحول إلى الجازولين، وقد بينت التجارب أن محركات السيارات العاملة على الجازولين لا تواجه مشكلة في استخدام وقود الجازولين المحتوي على كحول الإيثانول بنسب قليلة.

  • وقود الزيوت النباتية

في أواخر القرن التاسع عشر استخدم زيت حبوب الفول السوداني بشكل مباشر لتشغيل أول محرك ديزل، قبل أن يتم استعمال الوقود الأحفوري التقليدي لتشغيل المحركات. وفي الواقع، يلزم إجراء تعديلات على محركات الديزل التقليدية لكي تعمل بشكل مباشر على وقود الزيت النباتي، ويمكن استخدام الزيوت الطازجة أو الزيوت التي استعملت لأغراض الطبخ بعد إجراء معالجة بسيطة لها، ويمكن خلط تلك الزيوت مع الديزل أو النفط الأبيض.

الوقود الحيوي الغازي، ينتج الغاز الحيوي من تخمر الفضلات العضوية لا هوائيًا، وهو يحتوي على خليط من عدة غازات، أهمها الميثان وثاني أكسيد الكربون ونسب قليلة من الأمونيا والنيتروجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكبريت. ويستعمل هذا الغاز على نطاق واسع في المجتمعات الريفية في الهند وباكستان ويعرف باسم غاز جوبار، حيث يتم إنتاجه من روث الحيوانات والمخلفات العضوية ويعتبر بديلًا للغاز الطبيعي، ويستخدم لغايات الطهي وإنتاج الطاقة الكهربائية وتشغيل المحركات، ويمكن استعماله للحصول على الهيدروجين المستخدم في خلايا الوقود.

أجيال الوقود الحيوي

  • الجيل الأول

استُخدمت بذور وحبوب النباتات لإنتاج الوقود الحيوي، ومنها الذرة والقمح وفول الصويا وقصب السكر واللفت والشعير وغيرها، وقد قوبل استخدام المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود باحتجاجات عالمية واعتراضات واسعة، نظرًا لأن إنتاجه يكون على حساب سلة الغذاء العالمية، وتسببه في تحويل كثير من الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الغذاء إلى محاصيل وقود حيوي على حساب قوت الفقراء في العالم، وقد تسبب ذلك في ارتفاع كبير في أسعار الحبوب والزيوت النباتية.

  • الجيل الثاني

يعتمد على المخلفات النباتية، كسيقان القمح والذرة ونشارة الخشب والتبن وغيرها، حيث يتم الحصول على الوقود السليلوزي والإيثانول والميثانول الحيوي والهيدروجين الحيوي. وبالرغم من أهمية استخدام المخلفات الزراعية لإنتاج الوقود، إلا أنه يعاب عليها أنها تحرم الماشية من العلف، والتربة الزراعية من المخلفات النباتية التي هي سماد عضوي يخصبها.

  • الجيل الثالث

يستخدم الطحالب لإنتاج الوقود الحيوي؛ لاحتوائها على نسبة جيدة من الزيوت تصل إلى حوالي ٦٠٪ من وزنها. وقد تزايد الاهتمام العالمي بالطحالب لأنها لا تنافس الزيوت النباتية والمحاصيل الزراعية المخصصة للاستهلاك البشري، بجانب أن الطحالب لا تتسبب بإضافة مزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء، إذ إن ما تستهلكه أثناء زراعتها ونموها يعادل تقريبًا ما ينبعث منها عند احتراق الوقود الحيوي المنتج منها. بالإضافة إلى أن زراعة الطحالب لن تكون على حساب الأراضي الزراعية، ولا تؤثر على مصادر المياه العذبة، إذ يمكن زراعتها باستخدام مياه البحار أو المياه العادمة المعالجة.

  • الجيل الرابع

يُمثل هذا الجيل أحدث اتجاه عالمي لإنتاج الوقود الحيوي، ويعتمد على إجراء تغيير في جينوم أحد الكائنات الدقيقة، وهو بكتيريا أطلق عليها اسم Mycoplasma Laboratorium، بحيث تصبح قادرة على إنتاج الوقود من غاز ثاني أكسيد الكربون.

التحديات والصعوبات 

أدى الاهتمام العالمي بالوقود الحيوي إلى إنشاء الكثير من الشركات المتخصصة في شتى أنحاء العالم، روجت لهذا الوقود على اعتبار أنه سيخلص العالم من الآثار السلبية الناجمة عن الانبعاثات الغازية الضارة التي يتسبب بها الوقود الأحفوري التقليدي. وتعتمد الولايات المتحدة الأمريكية في إنتاجها من الإيثانول على الذرة وهي تنتج حوالي ٤٥٪ من الإنتاج العالمي، تليها البرازيل التي تعتمد على قصب السكر وتنتج حوالي ٣٦٪ من إجمالي الإنتاج العالمي، فيما تعتمد فرنسا وإسبانيا وألمانيا في إنتاج الإيثانول على القمح. أما إنتاج الديزل الحيوي، فإن الولايات المتحدة والبرازيل تنتجانه من فول الصويا، ودول الاتحاد الأوروبي من بذور اللفت.

لقد أدى هذا الاهتمام والسباق المحموم لإنتاج الوقود الحيوي إلى تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لإنتاجه، واستغلت بعض الدول أراضي زراعية في دول فقيرة لزراعة محاصيل الطاقة، وبالطبع كان ذلك على حساب قوت الإنسان ومياه شربه، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية خلال العقد الأول من هذا القرن ارتفاعًا كبيرًا وتعالت الأصوات المحذرة من العواقب الوخيمة لاستخدام الغذاء كوقود.

ولذلك فإن التوسع غير المدروس لإنتاج الوقود الحيوي يهدد الأمن الغذائي لأشد سكان العالم فقرًا؛ إذ ينفق كثير منهم أكثر من نصف مداخيل أسرهم على توفير الغذاء، وفي الكثير من الأماكن في العالم يموت الآلاف سنويًا بسبب الجوع وسوء التغذية. ونظرًا للارتفاع الكبير في أسعار الزيوت النباتية عالية الجودة في مختلف أنحاء العالم، اتجهت الأنظار نحو إنتاج الوقود الحيوي من محاصيل من غير حبوب الزيوت النباتية كزيت الجاتروفا غير الصالح للاستهلاك البشري، إلا أن ما حدث هو أن كثيرًا من المزارعين في كثير من دول العالم يتوقفون عن زراعة المحاصيل اللازمة لإنتاج الغذاء ويتجهون لزراعة المحاصيل غير الغذائية المخصصة لإنتاج الوقود طبقًا لنظام العرض والطلب وطمعًا في تحقيق أرباح وفيرة.

اعتبارات بيئية تتصدى له

للوقود الحيوي تأثيرات على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال عمليتي إنتاجه وحرقه، وهي في مجملها أقل من تأثير الوقود الأحفوري؛ إذ إن الكربون الذي يتم إطلاقه في الهواء كان قد تكوّن مؤخرًا في جوِّ الأرض، أما الكربون الذي يتم إطلاقه من الوقود الأحفوري فقد تمت إزالته من الجوِّ منذ ملايين السنين.

وقد بينت التجارب التي أجريت على الديزل الحيوي احتواءه على كميات أقل من المركبات العطرية عند مقارنته بالديزل التقليدي، كمركبي بنزوفلورانثين وبنزوبيرين، ولوحظ انخفاض بنسبة ٢٠٪ في الجزيئات الدقيقة العالقة المنبعثة من الديزل الحيوي وانخفاض في انبعاث المركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد الكبريت مع زيادة في انبعاث أكاسيد النيتروجين بنسبة ١٠٪ لوقود الديزل.

وتعتمد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الوقود الحيوي على كثير من العوامل، من أهمها طريقة تصنيعه ومصادر الخامات وكيفية نقلها إلى مصانع الإنتاج والكميات الكبيرة من الوقود التقليدي التي سوف تستهلك في مزارع إنتاجه، بالإضافة إلى أنواع المخصبات الزراعية المستخدمة في إنتاجه؛ فمثلًا ينبعث من الأسمدة النيتروجينة غاز أكسيد النيتروز، وهذا الغاز يفوق تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون في الاحتباس الحراري بنحو حوالي ٣٠٠ مرة.

وعلاوة على ذلك، إن استغلال الأراضي لزراعة محاصيل الطاقة، والهرولة نحو تحويل الحقول الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية المخصصة للاستهلاك الآدمي أو الحيواني إلى حقول لإنتاج الوقود الحيوي يتسبب في خلل في التنوع الزراعي العالمي، واجتثاث كثير من الغابات والمحميات الطبيعية، وزيادة في معدلات انجراف التربة، واستهلاك لكميات هائلة من المياه العذبة. وتقدر بعض الدراسات أن إنتاج لتر واحد من الوقود الحيوي يحتاج إلى ٥٠٠٠ لتر ماء، وأن إنتاج حوالي ١٣ لترًا من الإيثانول يحتاج مثلًا إلى حوالي ٢٣١ كيلوغرامًا من الذرة.

وكذلك، يتسبب الوقود الحيوي في ارتفاع مستوى تلوث المياه والهواء الناجم عن الكميات الكبيرة من المبيدات الزراعية والأسمدة التي تتطلبها زراعة محاصيل الطاقة، وسيؤثِّر على جودة التربة وينهكها، بينما تحسن زراعة الأشجار المعمرة من جودة التربة وتساعد على امتصاص كميات كبيرة من الكربون من الهواء. ويختلف هذا عن زراعة المحاصيل الموسمية كالذرة والشعير وغيرها التي يتم حصادها بشكل دوري لاستخلاص الوقود منها، أضف إلى ذلك أن إزالة بقايا النباتات من التربة لاستخدامها في إنتاج الجيل الثاني من الوقود الحيوي تؤدي إلى تراجع خصوبة التربة بشكل كبير.

هل تعجل الطحالب الدقيقة وقف اعتمادنا على الوقود الأحفوري؟

طوال آلاف السنين، استخدم الصينيون الطحالب الدقيقة متناهية الصغر ميكروآلجاي Microalgae وذلك لأغراض طبية وغذائية؛ اعتقادًا منهم بقدرتها في شفاء وعلاج الناس من أي علة صحية تقريبًا. ليست فكرة أن الطحالب الدقيقة تتمتع بقدرات شفائية استثنائية بعيدة الاحتمال، خلافًا لما قد يظنه بعض الناس. على الرغم من أن الصينيين القدماء اعتقدوا أن الفوائد المتصلة بتحسين الصحة مردها إلى الطحالب الدقيقة نفسها، نعلم الآن أن مركبات بيوكيماوية تنتجها هذه الكائنات الميكروسكوبية قد صنعت تلك القدرة السحرية.

تضم الطحالب الدقيقة أكثر من ١٠٠ ألف نوع، يملك كل منها مجموعة مميزة من الخصائص، ويتيح هذا التنوع للطحالب الدقيقة أن تزدهر في كافة البيئات المنتشرة على وجه الأرض تقريبًا، وتنمو هذه الكائنات الدقيقة في معظمها في موائل مائية من قبيل المياه العذبة أو المياه العادمة، ولكن عثر عليها أيضًا في مناطق ذات تربة رطبة، وحتى في ضفاف ثلجية.

وعادة ما توصف الطحالب الدقيقة بأنها خضراء اللون، ويصح ذلك بالنسبة إلى أنواع مثل بترويوكوكوس بروني وشلوريلا فولغاريس، ولكن ثمة أنواعًا أخرى مختلفة، مثل سي أوفيشينالس الحمراء اللون، أو الفوقس الحلزوني البنية اللون، حيث ينتج كل صنف من هذه الكائنات الدقيقة أنواعًا أو كميات مختلفة من المركبات الكيماوية الحيوية، ما يجعل بعضها أكثر إفادة في استخدامات معينة بالمقارنة مع غيرها. وخلال العقود القليلة الماضية، أثبتت الأبحاث العلمية الإمكانات الهائلة التي تكتنزها الطحالب الدقيقة، لا سيما في إنتاج الوقود الحيوي (المستمد من مواد نباتية أو فضلات حيوانية).

لحسن الحظ، تتمتع الطحالب الدقيقة بقدرة فريدة على تحويل ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون إلى مجموعة واسعة من المركبات البيوكيماوية. صحيح أنها تصنف علميًا ضمن مملكة الحيوانات، بيد أن عملية التمثل الغذائي لدى الطحالب الدقيقة لا تختلف عن نظيرتها الموجودة لدى النباتات؛ إذ تنتج الأوكسجين ما يؤدي إلى تعويض ما نستهلكه منه نحن البشر الذين نُطلق في تنفسّنا ثاني أكسيد الكربون.

وتؤدي حلقة التمثيل الغذائي في الطحالب الدقيقة دور نظام يعمل على احتجاز الكربون، إذ يتيح تحويل ثاني أكسيد الكربون المضر في الغلاف الجوي إلى أوكسجين مفيد، كذلك تنتج الطحالب الدقيقة مجموعة واسعة من المركبات الأخرى الموجودة داخل خلاياها، وهي المركبات التي تجعل منها حلًا فاعلًا جدًا في مكافحة آثار الاحتباس الحراري العالمي.

عمومًا، تُقسم المواد التي تنتجها الطحالب الدقيقة إلى ثلاث فئات، هي: بروتينات وكربوهيدرات وشحوم (دهون)، ولكن وجد بحث أنها تشتمل أيضًا على مركبات بيوكيماوية كثيرة أخرى عالية القيمة لها استخدامات مهمة في مجموعة واسعة من الصناعات المختلفة؛ مثلًا، تنتج الطحالب الدقيقة مركبات تُسمّى بكاروتينات، معروفة أكثر بأنها صبغات عضوية أو مواد ملونة، وتعطي هذه المركبات السلمون لونه الوردي، ذلك أن الغذاء الذي يستهلكه يحتوي على كميات عالية من الكاروتينات.

وكذلك تنتج الطحالب الدقيقة فئة أخرى من المركبات العالية القيمة تُسمى بأحماض دهنية متعددة غير مشبعة (اختصارًا PUFA)، علمًا أنها جزء من عائلة الدهون وتؤدي دورًا بالغ الأهمية في إمداد الخلايا بالطاقة. ويلفت أيضًا إلى أن الطحالب الدقيقة تشكل أحد أغنى المصادر لهذه المركبات التي تساعد في علاج مضاعفات داء السكري والتهاب المفاصل.

ولكن كيف يمكن لهذه الكائنات الحية أن تنتج بنزينًا يصلح للاستخدام في تشغيل السيارات؟ بصورة عامة، يُستخلص البنزين والديزل المستخدمان حاليًا من نفط خام تشكل منذ ملايين السنين من بقايا مخلوقات بحرية ميتة في المقابل، يُنتج الوقود الحيوي الحديث من كائنات حية.

كيفية إنتاج الوقود الحيوي

حاضرًا، يُمثل الوقود الحيوي المصنوع من الطحالب الدقيقة أحد أكثر البدائل الواعدة للوقود الأحفوري، القادرة على دعم الطلب العالمي على الطاقة. في الحقيقة، ليست هذه مهمة سهلة، لا سيما مع الاضطرار إلى الدخول في منافسة مع صناعة مربحة جدًا يعود تأسيسها إلى أكثر من قرن مضى. وخلافًا للنفط الذي يعد موردًا غير متجدد، يبقى الوقود الحيوي مصدرًا متجددًا ومستدامًا للوقود. إنما لسوء الحظ، تعجز اقتصاديات الوقود الحيوي عن منافسة الوقود الأحفوري التقليدي حتى الآن؛ ويُعزى ذلك كله إلى خلاصة مفادها أن التقنية اللازمة للتوسع في إنتاج الوقود الحيوي غير متوافرة حاليًا بعد.

وفي سياق متصل، لا تنتج الطحالب الدقيقة الوقود الحيوي بصورة مباشرة، بل تولد الشحوم (الدهون)، من ثم لتصنيع الوقود الحيوي لا بد من أن تخضع هذه الدهون للتحويل بواسطة عملية تُسمى بالأسترة التحويلية، تنطوي الأخيرة على التخلص من أكبر قدر ممكن من المياه، فيما يُسمى بنزح المياه من المواد الصلبة أو التربة. لكن هذه المعالجة تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، ما يترتب عليه ارتفاع في تكاليف التشغيل، في النتيجة، تصبح العملية الكلية باهظة التكلفة إلى حد تعجز عنده هذه الصناعة عن منافسة صناعة النفط والغاز، على الرغم من التأثير الذي تتركه فى البيئة.

في المقابل، إذا وضعنا الاقتصاد جانبًا، يبدو مستقبل استزراع الطحالب الدقيقة واستخراج الدهون واعدًا جدًا؛ سيقود تطوير تقنيات هجينة في هذا المجال إلى تسريع الانتقال العالمي نحو خفض اعتمادنا على الوقود الأحفوري، ويشمل ذلك إنشاء مصانع تتعامل مع خلايا الطحالب الدقيقة، وتستخدم جزيئات ذهب يكون حجمها على مقياس النانومتر أو جزء من البليون من المتر، علمًا بأنها جزيئات دون ذرية تشبه الذرات التي تشكل اللبنات الأساسية للمواد كلها، بغرض رفع معدلات إنتاج الوقود الحيوي وتعزيز الكفاءة.

وفي سياق موازٍ، يتمثل الحل المحتمل الآخر في عملية تُسمى بالحلب؛ إذ تتسبب طرق الزراعة التقليدية للطحالب الدقيقة في تدمير الأخيرة بعد انتهاء فترة الزراعة ما يحد من الإمكانات الكاملة لما يُستطاع استخراجه من كل خلية فيها، وعلى غرار قدرتنا في تكرار عملية حلب البقرة إنما من دون قتل البقرة، ينطبق الأمر ذاته على الطحالب الدقيقة. وعبر استخلاص المركبات العالية القيمة على نحو متكرر من مستنبتات الطحالب الدقيقة عينها، تزول المشكلات المتمثلة في التكلفة المرتفعة للإنتاج، وتتوافر في النتيجة عملية مستدامة وقابلة للتطوير مستقبلًا.

في المحصلة، سيصبح الوقود الحيوي منافسًا في تكلفته لنظيره الأحفوري المعتمد حاليًا، ما يساعد في تسريع عجلة الانتقال نحو استخدام مصادر الطاقة البديلة المستمدة من مصادر طبيعية وضئيلة الإضرار بالبيئة. ولكن لسوء الحظ، إن الإنتاج المحتمل لوقود حيوي تنافسي أمامه شوط طويل يقطعه قبل أن يتمكن من منافسة أسعار الوقود الأحفوري وكمياته. في المقابل، تملك هذه التقنيات المتطورة القدرة على التعجيل في خطواتنا صوب الانتقال المطلوب بغية مساعدة العالم في بلوغ أهدافه المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة لعام ٢٠٥٠.

مصر والوقود الأخضر

يمثل الوقود الحيوى انطلاقة لإنقاذ العالم من النقص والعجز الذي يواجهه في مصادر الطاقة، خاصة تلك الدول التي لا تنتج البترول أو الغاز، أو حتى الدول المنتجة لمصادر الطاقة المستنفدة أو غير المتجددة وسيأتى عليها يوم تنضب فيه، ما لم يتم العثور على بدائل أخرى أكثر استدامة مثل طاقة الرياح، والطاقة المولدة من الوقود الحيوى. وتعد الطاقة الحيوية أملًا كبيرًا وطموحًا للدول المتقدمة علي وجه الخصوص، من خلالها يتم التخلص من المخلفات الحيوانية والزراعية وإعادة تدويرها واستخدامها في إنتاج الطاقة.

طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بالتوسع في مشروعات إنتاج الوقود الحيوي من النفايات، لما له من مردود بيئي واقتصادي واجتماعي مترابط، في إطار المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإدراجه ضمن أنشطة المشروع القومي لتطوير قرى الريف المصري. ووجه الرئيس السيسي بتعزيز البرامج الداعمة للتوعية البيئية والمشاركة المجتمعية ودمج الشباب في هذا الإطار، بالإضافة إلى تعظيم الحوافز الخضراء المقدّمة إلى الهيئات والمنشآت والأفراد التي تسهم في زيادة معدلات تحسين الأداء البيئي.

وفي هذا السياق، أكد المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية أن قطاع البترول قام بالعديد من الإجراءات والمبادرات لدعم جهود التحول الطاقوي في مصر، وخفض الانبعاثات، بنحو حوالي ١٬٣ مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وإن ذلك تم من خلال تطوير سياسات واستراتيجيات التوسع في الطاقات الخضراء، والاهتمام بتطبيق أحدث التكنولوجيات المتخصصة في خفض الانبعاثات، وذلك بالتزامن مع استضافة مصر للقمة العالمية للمناخ.

فيجري حاليًا التخطيط لتنفيذ ٣ مشروعات في مجال البتروكيماويات الخضراء، وهي مشروع استخلاص زيت الطحالب لاستخدامه في إنتاج الوقود الحيوي، بطاقة إنتاجية حوالي ٣٥٠ ألف طن سنويًا، باستثمارات حوالي ٦٠٠ مليون دولار لخفض ١٬٢ مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا. وهناك مشروع آخر لإنتاج البلاستيك القابل للتحلل، بطاقة إنتاجية حوالي ٧٥ ألف طن، واستثمارات حوالي ٦٠٠ مليون دولار، لخفض حوالي ٤٥ ألف طن ثاني أكسيد كربون سنويًا. ومشروع ثالث لتحويل مخلفات البلاستيك إلى زيت، لاستخدامه كمادة خام لتصنيع البولي إيثيلين بطاقة إنتاجية حوالي ٣٠ ألف طن سنويًا باستثمارات حوالي ٥٠ مليون دولار لخفض ٦٣ ألف طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون.

ووقعت الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات مذكرة تفاهم مع شركة ريجا جرين إنرجي الإماراتية لإنتاج زيت الطحالب، لاستخدامه في إنتاج وقود الطائرات الحيوي وإنتاج النافتا الخضراء لاستخدامها فى إنتاج منتجات بتروكيماوية صديقة للبيئة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70009/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M