الطريق إلى التسوية الشاملة: جهود الخارج وتوافقات الداخل السوداني

شيماء البكش

 

تشهد الساحة السياسية السودانية حالة من الحراك مع انطلاق المرحلة النهائية للعملية السياسية في الثامن من يناير 2023. وهي المرحلة التالية على الاتفاق الإطاري الذي جرى توقيعه بين المجلس السيادي ومركزي الحرية والتغيير في 5 ديسمبر 2022. وقد أرجأ الاتفاق الإطاري خمس قضايا رئيسية يتم مناقشتها لضمان تحقيق توافق وشمولية في العملية السياسية النهائية، خاصة مع بقاء الكتلة الديمقراطية خارج الاتفاق الإطاري إلى جانب عدد من القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي خاصة تجمع المهنيين ولجان المقاومة وعدد من الأحزاب السياسية.

جهود الوساطة الإقليمية والدولية

لضمان تحقيق التوافق بين القوى السياسية والدفع بالعملية السياسية قدمًا لتشكيل حكومة مدنية واستكمال المرحلة الانتقالية بذلت جهود إقليمية ودولية، استبقت المفاوضات الأخيرة بين القوى السياسية، التي كانت ترفض التواصل فيما بينهما على نحوٍ عطل المسار السياسي للبلاد، خاصة وأن توسيع قاعدة المشاركة وقفت عائقًا أمام التوافق السياسي للمكون المدني، مع بقاء قطاع من الموقعين على اتفاق السلام والوثيقة الدستورية المعطلة خارج نطاق الاتفاق المستجد.

وقد عقدت ورشة القاهرة في توقيت دقيق بالنسبة لمسار العملية السياسية السودانية، إذ استضافت القاهرة خلال الفترة من (2 -7 فبراير) القوى السودانية لفتح مجال للحوار السوداني السوداني، تحت عنوان آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع، في ظل حالة الجمود بين قوى الاتفاق الإطاري وباقي المكونات المدنية، مما أعاق التقدم في العملية السياسية التي دشنها الاتفاق الإطاري.

وشارك في الورشة بحسب بيانها الختامي 85 شخصية يمثلون 35 حزبًا وحركة ضمت (الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، كتلة التراضي الوطني، كتلة الحراك الوطني، كتلة القوى الوطنية، الجبهة الثورية، بجانب شخصيات قومية ومهنية وممثلين من قوى المجتمع المدني، وأكاديميين، والشابات والشباب وممثلين لبعض لجان المقاومة).

وأكدت “الوثيقة السياسية الحاكمة للفترة الانتقالية” ضمن مخرجات الحوار الذي أسفر عن اتفاق مكون من سبعة بنود، على أهمية توسيع قاعدة المشاركة وتلافي مساحات الخلاف بين القوى السياسية والبحث عن آلية للتوافق السياسي عبر الحوار السوداني-السوداني، وهو ما ترجم في ورش ومؤتمرات مراجعة الاتفاق الإطاري التي انطلقت في إطار المرحلة النهائية للعملية السياسية.

وأعاد الإعلان السياسي الصادر عن ورشة القاهرة التأكيد على مضمون الاتفاق الإطاري، بما فيها الترتيبات الدستورية وأجهزة الحكم والسلام والمصالحة والترتيبات العسكرية والأمنية والعدالة والإصلاح المؤسسي وقضايا الشباب والانتخابات، بما فتح المجال أمام مرونة الأطراف وانفتاحها على الحوار مع بقية القوى حول القضايا المؤجلة،

كما انخرطت الأطراف الدولية في العملية النهائية للتوقيع على الاتفاق السياسي لحث الأطراف على الانخراط الإيجابي في العملية السياسية النهائية للاتفاق الإطاري، لضمان إتمام اتفاق يحظى بقدر من التوافق السياسي لضمان استقرار المرحلة الانتقالية. وفي أعقاب ورشة القاهرة، وصل وفد من المبعوثين الدوليين إلى الخرطوم ضم ستة مبعوثين دوليين (مساعد وزير الخارجية الأميركي للقرن الأفريقي بيتر لورد، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي آنيت ويبر، والمبعوث الفرنسي الخاص للاتحاد الأفريقي فريدريك كلافيه، وكذلك مدير القرن الأفريقي في وزارة الخارجية الألمانية تورستن هوتر، ومبعوث بريطانيا للسودان وجنوب السودان روبرت فيرويز ومبعوث النرويج الخاص للسودان وجنوب السودان جون جونسون).

ومهدت لقاءات القوى الدولية والآلية الثلاثية والرباعية بالأطراف المدنية والمجلس السيادي إلى فتح الأخير مشاورات مبدئية بين قوى الاتفاق الإطاري والكتلة الديمقراطية (حركة تحرير السودان ” مني أركو مناوي”، حركة العدل والمساواة ” جبريل إبراهيم”، والحزب الاتحادي الأصل ” جعفر ميرغني”)، مهدت بدورها لورش مراجعة الاتفاق الإطاري التي عقدت على مدار شهري يناير وفبراير، كخطوة تمهيدية للتوقيع على الاتفاق النهائي.

المرحلة النهائية

 انطلقت في الثامن من يناير الماضي المرحلة النهائية للعملية السياسية، وهي المرحلة المتممة والمكملة للاتفاق الإطاري، الذي عُدّ بمثابة اتفاق مرجعي ينطوي على المبادئ العامة المستندة على دستور نقابة المحامين، وكأساس لإدارة المرحلة الانتقالية، والذي أرجأ خمس قضايا أساسية للنقاش في المرحلة النهائية، وهي : “مسألة العدالة، والعدالة الانتقالية”، و”اتفاق السلام المبرم في جوبا”، إلى جانب “إعادة هيكلة وإصلاح منظومة الأمن”، بالإضافة إلى “إزالة التمكين واسترداد الأموال نظام الرئيس السابق عمر البشير”، فضلًا عن قضية “شرق السودان”.

وعملت لجنة التنسيق بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري على عقد لقاءات وورش عمل بشأن القضايا المؤجلة السابق الإشارة إليها، والتي ضمنت فتح المجال للنقاش العام وتنسيق الرؤى، بعدما انفتح الأطراف على التواصل فيما بينهم، ولضمان تمثيل كافة القوى السياسية، من خلال فتح الباب للانضمام للتوقيع على الاتفاق النهائي، بعدما قصر الإطاري تشكيل المؤسسات الانتقالية بموافقة الأطراف الموقعة على الاتفاق، وهو المبدأ الذي أسس للاستبعاد، بما أثار الجدل خلال الشهرين الماضيين، ودفع رئيس المجلس السيادي لدعوة القوى المدنية للتوافق فيما بينها، لضمان استقرار المرحلة الانتقالية. وانتظمت عدد من اللقاءات والورش خلال الأسابيع الأخيرة على النحو التالي:

  1.  ورشة عمل حول تفكيك النظام البائد:

نظمت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري هذه الورشة كأولى الورش المنعقدة للنظر في الاتفاق، خلال الفترة من 9 -12 يناير 2023، والتي شارك فيها نحو 350 شخصًا، منهم الموقعين على الإطاري وشخصيات أكاديمية وإعلامية. ويرتبط تفكيك النظام البائد بقضايا العدالة الانتقالية، المفترض عقد مؤتمر يناقش قضاياها مستقبلًا. وقد أكدت على أهمية نفاذ قانون تفكيك عناصر النظام البائد، مع إدخال تعديلات على قانون لجنة التفكيك السابق، لكفالة الحقوق ومراحل التقاضي والاستئناف، مع أهمية تفعيل الرقابة القضائية على عملية التفكيك، مع أهمية ضمان أن تتضمن إجراءات إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية استبعاد كافة المحسوبين على النظام السابق، إضافة إلى التنسيق بين مفوضية الخدمة القضائية ولجنة التمكين لحين تشكيل مجلس القضاء العالي، وعلى المستوى التنفيذي، دعت إلى إنشاء ” مفوضية خدمة أو عملية اختيار”، للمساعدة في الإحلال للموظفين ممن تطالهم عملية التفكيك، علاوة على التوصية بإلغاء كافة القرارات التي ألغت في السابق القرارات التي اتخذتها لجنة إزالة التمكين.

  1.  مؤتمر تقييم اتفاق السلام:

شهدت العاصمة الخرطوم انعقاد المؤتمر الذي شارك فيه معظم الموقعين على الاتفاق وأصحاب المصلحة المختلفين، خلال الفترة (من 31 يناير حتى 3 فبراير 2023). ودعا المؤتمر إلى الإسراع في تنفيذ اتفاق جوبا والبدء بالتحضير لمؤتمر الحكم والإدارة وكافة المؤتمرات المنصوص عليها في الاتفاق، وإنشاء المفوضيات المنصوص عليها في الاتفاق، وعلى رأسها مفوضية الرعاة والرحل، وكذلك الوفاء بالنسب المقررة في الاتفاق حول الثروة وفق استراتيجية قومية للتنمية المتوازنة الشاملة ونظام الفيدرالية المالية ومبادئ الحوكمة الرشيدة. ويعد إنشاء المفوضيات القومية واحدة من التحديات القائمة أمام استكمال عملية السلام وقضايا الانتقال السياسي، إذ تتولى هذه المفوضيات قضايا عديدة مرتبطة بشكل نظام الحكم ومستقبل النظام السياسي وعملية وضع الدستور والانتخابات، ناهيك عن المفوضيات المرتبطة بقضايا السلام بما فيها الرعاة والرحل، التي يعد العائق المالي إلى جانب الولاية القانونية والترتيب المؤسسي والخلافات السياسية عوامل معطلة لنشأتها.

  1.  ورشة تقييم اتفاق جوبا:

استضافات جوبا خلال الفترة من 10 – 18 فبراير ورشة لتقييم اتفاق السلام واستعراض التقدم المحرز وعوامل التعثر التي أعاقت عملية السلام. وانخرطت أغلب الحركات الموقعة على الاتفاق، إذ وقع على المصفوفة المحدثة رؤساء تنظيمات (تحرير السودان، تحرير السودان – المجلس الانتقالي، العدل والمساواة، الحركة الشعبية –شمال، الجبهة الشعبية المتحدة، مؤتمر البجا المعارض، كيان الشمال، الجبهة الثالثة ــ تمازج وحركة تحرير كوش). ويعد مشاركة الحركات الموقعة على اتفاق جوبا في تلك الورشة انجازًا لمساعي التوفيق بين كافة الأطراف، خاصة مع التعنت المسبق إزاء ملف فتح الاتفاق وإعادة النظر فيه، باعتبار ذلك اعترافًا ضمنيًا لعوار يشوب الاتفاق المنجز.

ويُثير اتفاق جوبا واحدة من أبرز قضايا السلام وهي دمج قوات الحركات المسلحة، التي باتت واحدة من محددات العلاقة ليس فقط بين الحركات المسلحة والمجلس السيادي، ولكن باتت معضلة الدعم السريع محددًا لمسار التوافق من خلال مساحات التقارب والتباعد في الرؤى بين رئيس المجلس السيادي ونائبه حول شكل التوافق السياسي الذي من شأنه أن يدفع المجلس السيادي لتسليم السلطة للمدنيين. وعالجت الورشة عدد من القضايا، منها متابعة آخر الترتيبات لتخريج ما تبقى من تخريج الدفعة الأولى من قوة حماية المدنيين بدارفور إضافة إلى إكمال بدء إدخال الدفعة الثانية لمعسكرات التدريب، إلى جانب إجازة قانون إقليم دافور وتفعيل اللجنة الفنية المتعلقة بالاتفاق. غير أن هذا لا ينفي أنها لم تأتي بجديد سوى إعادة النظر في الجداول الزمنية التي تعذر الالتزام بها في ظل الاستقطاب الحاكم للمشهد.

  1.  مؤتمر رسم خارطة طريق في المجالات السياسية والأمنية والتنمية المستدامة في شرق السودان:

انعقد المؤتمر خلال الفترة من 12 – 15 فبراير 2023، يناقش قضايا الشرق بما فيها التنوع الثقافي والاجتماعي وحماية التراث وقضايا المرأة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتهديدات الأمنية وقضايا الحدود والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة والإدارة الأهلية ودورها في تعزيز السلم والأمن المجتمعي، واللامركزية ونظام ومستويات الحكم. ورغم مشارك طيف واسع من القوى الممثلة لشرق السودان، بما فيها المجتمع المدني بشرق السودان والأحزاب غير الموقعة على الاتفاق الإطاري والإدارات الأهلية والقيادات الدينية ولجان المقاومة والمنظمات الشبابية وذوي الاحتياجات الخاصة، امتنع بعض قيادات المجلس الأعلى لنظارات البجا- محمد الأمين ترك عن الحضور، مشترطين إلغاء مسار الشرق ضمن الاتفاق والعودة إلى مقررات مؤتمر سنكات، بما يهدد أي فرص للتوافق حول مسار شرق السودان. ويعكس الوضع السابق احتمالية استمرار أزمة شرق السودان دون حسم سريع على نحوٍ قد يضفي بظلال سلبية على المعادلة السياسية المتشابكة والمعقدة بطبعها. ويفرض هذا الأمر أهمية بذل المزيد من الجهد من وسطاء السلام لتقريب وجهات النظر بين القوى المنقسمة في الشرق.

ويبدو أن الحراك الأخير على مستوى الداخل والخارج حرّك المياه الراكدة، وحلحل الجمود الذي أصاب التقدم في العملية السياسية منذ انقسام القوى السياسية في أعقاب الاتفاق الإطاري المدعوم من القوى الإقليمية والدولية، بما تطلب جهودًا حثيثة للتوفيق بين القوى السياسية، لضمان استكمال عملية سياسية مستقرة ومتوافق عليها.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33386/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M