أثر ارتفاع أسعار الأسمدة على الأمن الغذائي العالمي

أسماء فهمي

 

واجه الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة عدة أزمات متتالية من تغير المناخ والظواهر الجوية المتطرفة، والتباطؤ الاقتصادي المصحوب بركود والضغوط التضخمية نتيجة جائحة كورونا، وتصاعد حدة تلك الأزمات مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي انعكس على الأمن الغذائي والتغذية في جميع أنحاء العالم، خاصة وأن روسيا وأوكرانيا من بين أهم منتجي السلع الزراعية، ويلعب كلاهما دورًا في إمداد الأسواق العالمية بالسلع الغذائية، فضلًا عن أن روسيا هي لاعب رئيسي في قطاع الطاقة وأكبر مصدر للأسمدة في العالم.

ومع استمرار الحرب وارتفاع أسعار الطاقة وتفاقم حالة إمدادات الأسمدة المحدودة بالفعل ارتفعت أسعار الأسمدة في الأسواق العالمية مما ساهم في ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء وبالتبعية زيادة أسعار الغذاء العالمي والذي ترك عواقب سلبية على الأمن الغذائي العالمي، وفي ظل تزايد عدد السكان والذي يتزامن مع انخفاض الأراضي المتاحة لزراعة المحاصيل، قامت الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والنرويج وألمانيا وهولندا بالإعلان عن تمويل جديد لبرامج كفاءة الأسمدة وصحة التربة لمواجهة تحديات نقص الأسمدة وانعدام الأمن الغذائي، فضلًا عن دعم الولايات المتحدة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لمعالجة النقص العالمي في الأسمدة والذي يعد أحد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

سوق الأسمدة العالمي

يتم إنتاج الأسمدة من النيتروجين الذي يتم تصنيعه وتتطلب عملية تصنيعه استخدام كثيف للغاز الطبيعي، كما تستخدم معادن الفوسفور والبوتاسيوم في إنتاج الأسمدة وهي معادن مستخرجة وغير متوفرة في العديد من الدول، وبحسب التقرير الصادر عن مكتب الشؤون الزراعية الدولية عن وزارة الزراعة الأمريكية، فإن الصين تنتج وحدها أكثر من ثلث معدن الفوسفور في العالم تليها الولايات المتحدة والهند والمغرب وروسيا على التوالي، وتوفر هذه البلدان الخمسة أكثر من ثلاثة أرباع الإمداد العالمي من الفوسفور، أما معدن البوتاسيوم فتنتج كندا ثلث إمدادات البوتاسيوم العالمية وروسيا وبيلاروسيا مجتمعة تنتج ثلث الإنتاج العالمي منه، أي ثلثي إنتاج العالم من البوتاسيوم توفره كندا وروسيا وبيلاروسيا.

وتستحوذ الصين وروسيا والولايات المتحدة والهند وكندا على أكثر من 60% من إنتاج الأسمدة في العالم، إذ تنتج كل من روسيا والولايات المتحدة أقل من 10% من الأسمدة العالمية، بينما تنتج الصين حوالي 25%، وتزداد درجة تركيز الأسمدة بزيادة المكونات الفردية الداخلة في إنتاج الأسمدة (النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم)، وتنتج عشر دول في العالم %71 من سماد النيتروجين (اليوريا) و%86 و95% من الفوسفور والبوتاسيوم على التوالي.

وبلغ حجم سوق الأسمدة العالمي أكثر من 193 مليار دولار أمريكي في عام 2021، بزيادة قدرها حوالي 12% مقارنة بالعام السابق، وتشير التوقعات إلى تجاوز سوق الأسمدة 240 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.

وشهدت أسعار الغاز الطبيعي زيادة حادة في عام 2021 والتي استمرت حتى عام 2022 مع زيادة الطلب على الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة لتصل إلى مستويات قياسية منذ عام 2021 متأثرة بتوسع الطلب بعد جائحة كورونا، وبالرغم من تراجع أسعار الأسمدة عن ذروتها في أوائل عام 2022 لكنها ظلت عند مستويات مرتفعة تاريخيًا بفضل ارتفاع التضخم والعقوبات المفروضة على روسيا (أكبر مصدر للأسمدة في العالم) وأزمة الإنتاج في أوروبا والقيود التجارية في الصين، وفي ابريل عام 2022 ارتفعت أسعار سماد اليوريا عالميًا إلى حوالي 1.1 ألف دولار أمريكي للطن قبل أن تصل إلى 520 دولارًا أمريكيًا للطن بحلول نهاية عام 2022 – تراجعت بشكل كبير على مدار العام، لكنها لا تزال أعلى بكثير من متوسط 290 دولارًا أمريكيًا للطن الذي كانت تكلفه قبل الجائحة، ويمكن متابعة أسعار الأسمدة من خلال الشكل التالي:

وبحسب البنك الدولي فإنه بنهاية عام 2022 تراجعت أسعار الأسمدة بشكل طفيف كما هو واضح من الشكل وذلك مع انخفاض الطلب بسبب ارتفاع تكاليف الحصول على الأسمدة وتراجع الكميات المتوفرة في الأسواق إلا أنها بشكل عام تظل مرتفعة عن مستوياتها قبل جائحة كورونا، ويمكن متابعة حجم الطلب على الأنواع المختلفة من الأسمدة من خلال الشكل التالي:

وقد ساهم في ارتفاع أسعار الأسمدة تراجع إنتاج أوروبا من الأسمدة اعتبارًا من أكتوبر 2022، حيث انخفض إنتاج أوروبا من الأمونيا بحوالي 70% وذلك بسبب الزيادة الحادة في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، أما روسيا وبيلاروسيا اللتان تعدان من أهم الدول المصدرة للأسمدة فقد تراجعت صادرات بيلاروسيا من البوتاسيوم بأكثر من 50% من 3.62 مليون طن في النصف الأول من عام 2021 إلى 1.95 مليون طن في النصف الأول من عام 2022، بسبب العقوبات المفروضة على روسيا وبيلاروسيا والتي تحيل دون قدرتهم على عبور صادراتهم لأراضي الاتحاد الأوروبي، وأوقفت ليتوانيا استخدام شبكة السكك الحديدية الخاصة بها لنقل البوتاس البيلاروسي إلى ميناء كلايبيدا الذي يتعامل عادةً مع 90% من صادرات بيلاروسيا، واقتصرت الدول المستوردة للأسمدة البوتاسية من بيلاروسيا على البرازيل والصين فقط.

كما ساهم في ارتفاع أسعار الأسمدة فرض الصين قيود على تصدير الأسمدة حتى نهاية عام 2022 بهدف سد الاحتياج المحلي من الأسمدة، وكانت تمثل مساهمة صادرات الصين من سماد فوسفات ثنائي الأمونيوم 30% من حجم التجارة العالمية إلا أنها تراجعت بنسبة 50% (على أساس سنوي) خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 بفعل تلك القيود، كما انخفضت صادرات الصين من سماد اليوريا بحوالي 60% (سنويًا) خلال الفترة نفسها من عام 2022.

الأمن الغذائي العالمي

تفاقمت أزمة الغذاء العالمية وارتفعت التحديات المتعلقة بالقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مدفوعة بالظواهر المناخية المتطرفة وتداعيات جائحة كورونا والتي أثرت بشكل كبير على أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة، وبحسب التقرير الصادر عام 2022 عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بعد الزيادة الحادة في عام 2020، ظل الانتشار العالمي لانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد دون تغيير في الغالب في عام 2021 ولكن ارتفع مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل أكبر، مما يعكس تدهور الوضع للأشخاص الذين يواجهون بالفعل صعوبات خطيرة، وعانى حوالي 2.3 مليار شخص في العالم من انعدام الأمن الغذائي بشكل معتدل أو شديد في عام 2021، وواجه 11.7% من سكان العالم انعدام الأمن الغذائي عند مستويات حادة.

وارتفع عدد الأشخاص غير القادرين على تحمل تكاليف نظام غذائي صحي في جميع أنحاء العالم بمقدار 112 مليونًا ليصل إلى ما يقرب من 3.1 مليار شخص، أما مؤشر انتشار نقص التغذية فبعد أن ظل دون تغيير نسبيًا منذ عام 2015 قفز من 8.0 إلى 9.3% من عام 2019 إلى عام 2020 وارتفع بوتيرة أبطأ في عام 2021 ليصل إلى 9.8%، وتأثر ما بين 702 و828 مليون شخص بالجوع في عام 2021 وازداد العدد بنحو 150 مليونًا منذ تفشي وباء كورونا ليصبح هناك 103 مليون شخص إضافي بين عامي 2019 و2020 و46 مليونًا في عام 2021، وتشير التوقعات إلى أن ما يقرب من 670 مليون شخص سيظلون يواجهون الجوع في عام 2030 أي 8% من سكان العالم وهو نفس ما حدث في عام 2015 عندما تم إطلاق خطة عام 2030.

ومع استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية سيتأثر مسار الأمن الغذائي على مستوى العالم، إذ أنه مع ارتفاع تكاليف إنتاج الأسمدة الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة وبالتالي ارتفاع أسعار الأسمدة، سيؤدي ذلك إلى تراجع الطلب عليها والذي سيؤثر في المدى القصير على حدوث انخفاض كبير في غلات المحاصيل في الحصاد القادم مثل القمح والذرة وعلى وجه الخصوص الأرز الذي انخفض إنتاجه في عام 2022، إذ أدت الحرب في أوكرانيا إلى تعطيل صادرات محاصيل أوكرانيا 2021 و2022 وتهدد بتعطيل إمدادات السلع في عام 2023، ومن المرجح أن يؤثر الصراع على المزارع لتنخفض زراعة القمح بنسبة 40% عن عام 2022، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء وزيادة عدد الأشخاص المعرضين لخطر الجوع، بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في فبراير 2023.

سيناريوهات إنتاج واستهلاك الأسمدة

وضعت الرابطة الدولية للأسمدة ثلاثة سيناريوهات عن توقعات سوق الأسمدة عام 2023 فجاءت التوقعات المتشائمة بانخفاض إنتاج الأسمدة النيتروجينية بحوالي 5.8 مليون طن وتراجع الإنتاج من الفوسفات بمقدار 1 مليون طن وفي المقابل زيادة الإنتاج من البوتاسيوم بمقدار 0.6 مليون طن، أما السيناريو المتوسط فتشير التوقعات بتراجع الإنتاج من الأسمدة النيتروجينية بمقدار 1.8 مليون طن وزيادة الفوسفات بمقدار 0.9 مليون طن ومن البوتاسيوم بمقدار 1.7 مليون طن، وتلك السيناريوهات تتوقف على عدة عوامل منها سوق الغاز الطبيعي الأوروبي والعامل الثاني يتوقف على قدرة الصادرات الروسية على الوصول إلى السوق الدولية بثبات أو بتدهور عن الوضع في الربع الرابع من عام 2022 ووضع التجارة بين بيلاروسيا والصين.

أما السيناريو المتفائل فتم وضعه نظرًا لتوقعات ببدء تشغيل منجمين جديدين في عام 2023، في روسيا ولاوس، وعلى أثره فمن المتوقع زيادة إنتاج الأسمدة النيتروجينية بمقدار 1.1 مليون طن وزيادة إنتاج الفوسفات العالمي بمقدار 1.5 مليون طن وزيادة إنتاج البوتاسيوم بمقدار 3.2 مليون طن عام 2023، ويمكن متابعة تطور استهلاك العالم من الأسمدة من خلال الشكل التالي:

وبحسب التقرير الصادر في فبراير 2023 عن البنك الدولي فإنه بالرغم من الانخفاض الأخير في أسعار الأسمدة العالمية 40% من الارتفاعات القياسية (الاسمية) في الربيع الماضي الناجم بشكل خاص عن الانخفاضات الأخيرة في أسعار الغاز الطبيعي وإعادة فتح مصانع الأسمدة في أوروبا إلا أنه لا تزال الأسعار ما يقرب من ضعف مستواها قبل عامين.

وبالرغم من الجهود العالمية التي بذلت لتوفير الأسمدة إلا أن ارتفاع أسعارها أدى إلى تراجع استهلاكها، فبحسب توقعات الرابطة الدولية للأسمدة الصادرة في نوفمبر 2022 فإن تقليل استخدام الأسمدة النيتروجينية سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج العالمي من محصول الذرة بنسبة 2.3% ومن محصول الأرز بنسبة 2.3% وتراجع إنتاج محصول القمح بنسبة 3.4%، كما أن تقليل استخدام الفوسفور والبوتاسيوم سيؤثر في تراجع الإنتاجية الزراعية بشكل عام مما سيؤثر على الأمن الغذائي العالمي، وبحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية فإنه لن يتمكن العالم من تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33395/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M