كارولينا سانشيز بارامو
تخيَّل أنك في سباق تجري بوتيرة مطردة في الثلثين الأولين للسباق، ثمَّ لاحظت أن خطواتك تتباطأ، وأدركت أنك إذا لم تُغيِّر وتيرة خُطاك، فلن تفوز، بل قد لا تستطيع إكمال السباق.
إنني أجد هذا المثال منطبقا على الوضع القائم حينما أتحدث مع أسرتي وأصدقائي عن موضوع الحد من الفقر المدقع في العالم.
ومع أن هذا يأتي في وقت ينبغي لنا فيه حث الخطى، فإن وتيرة خطانا تباطأت في الأعوام القليلة الماضية، وعليه فإن العالم قد يفوته بلوغ أهداف الحد من الفقر المدقع، ليس هذا فحسب، فنحن نشهد، في بعض الحالات، ضياع ما تحقق من مكاسب.ونحن نُحذِّر منذ عدة سنوات من أن وتيرة جهود الحد من الفقر المدقع قد تباطأت كثيرا. ففي الفترة من 1990 إلى 2015، انحسر معدل الفقر المدقع في العالم في المتوسط بمقدار نقطة مئوية، ولكن في الفترة من 2013 إلى 2015، انخفض معدل الفقر بمقدار 0.6 نقطة مئوية فقط سنويا. وتُظهر التقديرات الأولية لعام 2018 أن معدل الفقر المدقع انخفض بمقدار 1.4 نقطة مئوية فقط في الثلاثة أعوام بين 2015 و2018.
ويمكن الإشارة في هذا الشأن إلى التفاوت فيما تحقق من تقدم بين المناطق وفي البلدان. و
ومع التراجع السريع لمعدل الفقر في الصين، انتقلت بؤرة تركُّز فقراء العالم من شرق آسيا في تسعينيات القرن الماضي إلى جنوب آسيا في عام 2002، ثم إلى أفريقيا جنوب الصحراء في 2010.
وإذا ألقينا نظرة أعمق، فسنجد أن نصف فقراء العالم يعيشون في خمسة بلدان فحسب، هي الهند ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وبنغلاديش. وعلى رأس هذه المجموعة تأتي نيجيريا والهند اللتان تتباين فيهما أوضاع الفقراء. ويبدو أن نيجيريا تخطت بالفعل الهند لتصبح البلد الذي يعيش فيه معظم الفقراء فقرا مدقعا، أمَّا الهند فتشهد تراجعا سريعا لمعدلات الفقر المدقع، وتتنبأ التقديرات بأن هذا البلد يمكنه تحقيق هدف القضاء على الفقر المدقع.
و
ولذلك، سنطلق في عام 2020 تقريرا جديدا بعنوان الفقر والرخاء المشترك وهو تقرير جديد سيتناول ما يجب على البلدان القيام به لتسريع خطى الحد من الفقر مع التركيز على خيارات السياسات وتحديات التنفيذ. وسيُبيِّن لنا التقرير أيضا استنادا إلى أحدث البيانات هل العالم على المسار الصحيح المؤدي إلى القضاء على الفقر المدقع أم أنه يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لتصحيح المسار.
ومع أن التقرير سيناقش خيارات معينة على صعيد السياسات للخلاص من ربقة الفقر، فإننا نعلم أيضا من التجارب الناجحة للبلدان بعض اللبنات المشتركة للحد من الفقر. وتبرز ستة إجراءات عريضة على صعيد السياسات ثبت أنها فعالة في بلدان مختلفة تتفاوت مستوياتها من حيث التنمية:
- مساعدة الفقراء على بناء أصول مثل العقارات، ومنشآت الأعمال الصغيرة، واكتساب قسط وافر من الصحة والتعليم يمكِّنهم من أن يصبحوا عمالا منتجين.
- إيجاد الأسواق الشاملة وتيسير الوصول إليها
- الاستفادة من مبتكرات التكنولوجيا في زيادة إمكانية الحصول على التمويل
- بناء الصمود والقدرة على مجابهة الصدمات
- إشراك القطاع الخاص في جهود زيادة الفرص أمام الفقراء، ومن ذلك تحسين مناخ الأعمال من أجل نمو القطاع الخاص والاستثمار
- تقوية استقرار الاقتصاد الكلي وإدارة الديون
ومن نافلة القول إنه حتى تستطيع البلدان تصميم هذه التدخلات على صعيد السياسات يتعين عليها تحقيق نمو قوي ومستقر. غير أنه إذا لم يتم تقاسم منافع هذا النمو على نطاق واسع، فما من بلد يمكنه الحفاظ على ما يحقق من تقدم.
ونحن نعلم الآن أن البلدان التي تعاني من فجوة آخذة في الاتساع بين القادرين على الحصول على فرص في الحياة والمحرومين منها تجد صعوبة في تحقيق استدامة النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي بمرور الوقت. وإلى الآن، لم يتمكن أي بلد من تجاوز مستوى الشريحة متوسطة الدخل في ظل ارتفاع مستويات التفاوت وعدم المساواة. و
وعودةً إلى المثال الذي ضربته عن سباق الجري، فإننا ندخل المرحلة الأخيرة من السباق، وسوف تُحدِّد إجراءاتنا الجماعية هل يمكننا الوصول إلى خط النهاية والفوز بالسباق أم لا بحلول عام 2030. ولا شك أن الفقر المدقع ليس هو الهدف الوحيد الذي سيتم تقييم مساعي العالم بشأنه. فعام 2030 سيمثل أيضا ذروة السعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الستة عشر الأخرى التي تبنتها الأمم المتحدة. ومن معالجة التفاوت وعدم المساواة إلى مكافحة تغير المناخ، تستدعي هذه الأهداف إطلاق نداء عاجل للتحرك واتخاذ إجراءات تكفل بناء مستقبل أفضل للجميع. وعلينا الآن جميعا – حكومات، ومؤسسات أعمال ومجتمع مدني وعامة الناس- العمل جاهدين لتحقيق الرخاء والسلام للشعوب والكوكب الذي نعيش عليه.
رابط المصدر: