دور المرأة في دول الخليج: التصورات والواقع

عصام أبو سليمان

يكثر هذه الأيام النقاش في دول مجلس التعاون الخليجي — البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات — حول دور المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ولماذا تُفرَض القيود على قدرة المرأة على الانتقال ونشاطها الاقتصادي؟ ألا ينبغي تعديل تلك القيود أو إلغاؤها تماما؟ كيف يمكن للنساء الاستفادة من كامل قدراتهن وإمكاناتهن الاقتصادية، والإسهام في التنمية الاقتصادية والنمو؟

وخارج دول مجلس التعاون الخليجي، مازال هناك انطباع بأن الخيارات المتاحة للنساء تقتصر على ما تعتبره أسرهن ومجتمعاتهن ككل مقبولاً. بيد أن الواقع أكثر تعقيداً. في السنوات العشر الأخيرة، اتخذت دول المجلس عدداً من الخطوات نحو تحسين قدرة النساء على الحصول على التعليم والرعاية الصحية والوظائف، وكذلك نحو تشجيعهن على المشاركة في الحياة السياسية. وأصبحت معدلات الوفيات النفاسية للأمهات، والالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي، والتعليم العالي تتساوى مع نظيراتها في دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وتتفوق النواتج التعليمية للنساء في دول المجلس على نواتج نظرائهن من الذكور.

لكن مشاركة النساء في القوى العاملة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متأخرة كثيراً عن مثيلتها في المناطق الأخرى. وفي بعض دول المجلس، مازال هذا المؤشر أقل من المتوسط السائد في المنطقة: في عام 2018، كان 39% من القوى العاملة في العالم من النساء، ولكن في المنطقة كانت نسبة النساء 20.3% فقط، بل وأقل من ذلك في مجلس التعاون الخليجي. وتشير الإحصاءات إلى أن قرابة نصف سكان منطقة مجلس التعاون الخليجي من النساء، ومن شأن مشاركتهن الكاملة في الأنشطة الاقتصادية أن تزيد من رفاهة أطفالهن، والنمو الاقتصادي العام لدولهن.

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، التقى مندوبون من البحرين والكويت والسعودية مع خبراء للبنك الدولي أثناء الاجتماعات السنوية للبنك في واشنطن العاصمة لمناقشة ردود أفعال دولهم على الاستنتاجات التي تَضمنتها أحدث إصدارات البنك من التقريرين الرئيسيين “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” و”ممارسة أنشطة الأعمال” اللذين أبرزا كلاهما الحاجة إلى تطبيق إصلاحات أكثر فاعلية لتمكين المرأة. وقدَّم المسؤولون معلومات عن برامج الإصلاح التي نفَّذتها حكوماتهم، وعن آفاق التمكين الاقتصادي للمرأة الناتجة عن هذه الإصلاحات.

وفي حين كانت التعديلات القانونية التي طبَّقتها السعودية في الآونة الأخيرة إيجابية للغاية – مثل رفع القيود عن حرية الانتقال من خلال تمكين النساء من الحصول على جوازات السفر والانتقال دون إذن من ولاة أمورهن من الذكور، وحظْر التمييز في المعاملة في مكان العمل، وحماية النساء من التحرش والاضطهاد- بدأت دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي قبل ذلك بكثير باتخاذ إجراءات لتمكين النساء من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحقَّقت تقدماً نحو إشراك النساء في الحياة السياسية، وكذلك نحو حصولهن على حصة من الوظائف العامة، وتشجيع ريادة الأعمال النسائية.

وعرض المشاركون في اللقاء بعضا من تجارب دولهم. ففي البحرين، يقود المجلس الأعلى للمرأة الجهود الرامية إلى تشجيع النساء على أن يصبحن صاحبات أعمال. وتوجد في هذا البلد حاضنة لأنشطة الأعمال يمكن للنساء من خلالها إقامة أساس لمشروعاتهن وتسويق منتجاتهن. ويُتاح للنساء أيضا الحصول على قروض تمويل صغرى ذات أسعار فائدة مدعومة لبدء مشروعاتهن. وفي عام 2015، أطلقت البحرين أيضا صندوق ريادة الأعمال الذي يُركِّز على منشآت الأعمال المتوسطة إلى الكبيرة لتيسير حصول النساء على الائتمان والقروض.

وشهدت الكويت تجربة مماثلة، مع سعي مجلسها الأعلى للتخطيط والتنمية من أجل مستقبل يقوم على مبادرة القطاع الخاص للنساء والرجال على السواء. وأنشأت الكويت أيضا حاضنات سياسية إلى جانب الحاضنات الاقتصادية. وتشارك النساء في الكويت مشاركةً نشطةً في الحياة السياسية، ويمكن انتخابهن لعضوية مجلس الأمة. وربما بدأت السعودية من ترتيب متأخر للمرأة في المؤشرات الدولية، لكنها تسير على نهج جيرانها بخطى سريعة. ويستطيع من يتجول في شوارع الرياض أن يدرك التغير الذي تحقَّق خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وإذا دخلت الوزارات والمؤسسات الحكومية، فسوف تجد اليوم عدداً لا بأس به من النساء المتعلمات يجلسن في المكاتب ويشاركن في الاضطلاع بالمسؤوليات مع زملائهن من الرجال. وتُظهر أحدث إحصاءات صادرة عن مركز الأعمال في الرياض أن 42% من الذين يستخدمون مجمع خدمات المستثمرين للمنشآت الصغيرة والمتوسطة هم نساء. وتساند مجموعة البنك الدولي بقوة جهود دول مجلس التعاون الخليجي للنهوض بدمج المرأة وإتاحة الفرص لها للمشاركة في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ولكنها ترى أن تمكين المرأة، حتى تشارك مشاركةً فاعلةً وكاملةً في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون، يتطلب بذل مزيد من الجهد. فالتعديلات التشريعية تستحق الثناء والإشادة بها، ولكنها تتطلب إقامة نظام دعم لمساعدة النساء على الفوز في الانتخابات، وترقيتهن في العمل، وفتح مشروعات أعمالهن، وأن يصبحن أعضاء في مجالس الإدارة وفي صفوف كبار متخذي القرار.

وسيستمر الحديث عن تعزيز المساواة بين الجنسين في منتدى المرأة الكويتية التاسع الذي تُنظِّمه الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بالكويت، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومركز بحوث ودراسات المرأة في جامعة الكويت. وسيضم المنتدى خبراء وواضعي سياسات إقليميين، وسيتولى تيسير أعماله ممثلون عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، والبنك الدولي، ومؤسسات أكاديمية لتحديد الخطوات التالية التي ينبغي اتخاذها لتحقيق المساواة بين الجنسين في منطقة تزخر بالتحديات. وقد تتضمَّن هذه الخطوات استخدام الابتكار والتكنولوجيا حتى يؤتي التأثير على حقوق النساء في الواقع بثماره.

ولهذه المناقشات أهمية بالغة في عام تخلف فيه السعودية اليابان في رئاسة مجموعة العشرين، وبدأت بالفعل الاستعدادات بشأن أجندة ملتقى تمكين المرأة في إطار فاعليات قمة مجموعة العشرين، والذي سيُركِّز على الأولويات المتصلة بقضايا المساواة بين الجنسين داخل المجموعة. وكانت اليابان قد واجهت تحديات أيضا، نتج بعضها عن تناقص أعداد قوتها العاملة، تلك التحديات التي اعتبرت إشارة رئيس الوزراء شينزو آبي إليها بمصطلح “اقتصاديات المرأة” تأييدا حكوميا لتيسير انضمام النساء إلى سوق العمل وبقائهن فيها.

إن مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي جزء لا يتجزأ من نجاح الرؤى المختلفة لدول مجلس التعاون الخليجي. وينبغي الاستفادة من المكاسب التي تحقَّقت بالفعل في تعليم النساء حتى يصبحن جزءا من لبنات بناء قوتها العاملة وأساس أجنداتها لتحقيق تنويع الأنشطة الاقتصادية.

 

رابط المصدر:

https://blogs.worldbank.org/ar/arabvoices/women-gulf-countries-perceptions-and-reality

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M