العراق ومواجهة تغير المناخ

التغير المناخي استحوذ على الخطاب والاهتمام الدولي (منظمات ودول) بعد تصاعد التأثير السلبي للتغير المناخي في ارتفاع درجات الحرارة وتزايد نسب الجفاف وانخفاض حجم المساحات الخضراء والمزروعة وانعكاسها على حياة ملايين المواطنين الذي يعتمدون على الزراعة وتربية الحيوانات.

والعراق في طليعة دول المنطقة وفي مقدمة الدول حول العالم تأثراً بتغير المناخ، واصبح هذا التأثير سلبي على الواقع الديموغرافي في البلاد، فضلا عن تأثيراتها السلبية على الاقتصاد. ولعل تقرير مرصد الاقتصاد العراقي في البنك الدولي المعنون “العراق: الاقتصاد والمناخ” لعام 2023 يوضح الصورة اكثر عن تأثير التغير المناخي على العراق.

لكن يلاحظ ان الاجراءات الحكومية وباقي مؤسسات الدولة على مدى السنوات الماضية بعيدة عن هذا الملف الحساس، في وقت تنشغل تلك المؤسسات والسلطات بالشؤون السياسية وتعمل على توظيف اي ملف يخص السياسات العامة للدولة بالصراع والتنافر السياسي. ولهذا لازال العراق متخلف عن الاجراءات الدولية في هذا الصدد، وتكتفي مؤسسات الدولة وسلطاتها ومسؤوليها بطلب الدعم الدولي كما في الملفات الاخرى من دون ان تحرك اي ساكن.

تعد مشكلة تراجع مناسيب الايرادات المائية أحد اهم المسببات التي يتزايد تأثيرها السلبي على الوضع العراقي الاقتصادي والديموغرافي، وهو ما اكد عليه الوفد العراقي المشارك في المؤتمر الثامن والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة إكسبو دبي، في الإمارات العربية المتحدة، بين 30 تشرين الثاني و12 كانون الأول/ 2023، علما ان موضوع المياه وتراجع وارداتها لم يكن على اجندة المؤتمر حتى في المؤتمر الذي عقد في العام الماضي في مدينة شرم الشيخ. وتجدر الاشارة الى ان الدول المضيفة عادة ما يكون لها دور كبير في وضع اجندة المؤتمر. وهنا يؤشر ضعف التواصل الدبلوماسي مع الامارات العربية المتحدة لإدراج موضوع تراجع الامدادات المائية من تركيا وانحسارها بالكامل من إيران ضمن اجندة المؤتمر.

انعقد المؤتمر وللسنة الثانية على التوالي في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، بعد أن استضافت مصر المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في شرم الشيخ عام 2022. معروف ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من اكثر مناطق العالم تأثراً بتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة. واشتمل جدول أعمال المؤتمر عدّة بنود تهم مجموعة متنوّعة من أصحاب المصلحة، بهدف تحفيز العمل على عدّة جبهات من أجل معالجة التحدّيات الطارئة التي تطرحها أزمة المناخ.

ويعد المؤتمر اكبر علمية لصنع القرار واقرار السياسات ليتم تبنيها من قبل الدول الاعضاء الـ(198) في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. كذلك من بين المهام الرئيسة للمؤتمر، فحص التقارير الوطنية والبيانات حول الانبعاثات المقدمة من الدول المشاركة، بهدف توفير معلومات حول إجراءات كل دولة وتقدمها نحو تحقيق الأهداف الشاملة للاتفاقية.

شارك العراق بوفد رفيع المستوى ضم رئيس الجمهورية ووزيرا الخارجية والبيئة وعدد من المسؤولين والمستشارين. بعد انعقاد مؤتمر الأطراف السادس والعشرون COP26 وتعزيز التزامه بالحد من الانبعاثات لغازات الاحتباس الحراري، يتخذ العراق خطوات للتحول نحو اقتصاد أكثر خضرة، بما في ذلك من خلال تعزيز الاستثمار في الغاز الطبيعي وتخصيص 12كيكا واط من الطاقة المتجددة.

وقد قامت حكومة العراق، وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالانتهاء من تقرير المساهمات المحددة وطنياً (NDC) الذي يتناول ويعالج التخفيف من تأثيرات تغير المناخ وسبل التكيف معها. وفي إطار المساهمات المحددة وطنياً (NDC سياسة مظلة العمل لتغير المناخ في البلاد) سيخفض العراق وبشكل طوعي 1-2٪ من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون من الصناعة، وسيقوم بفتح نافذة لاستثمار 100 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الأخضر، لكلا القطاعين الخاص والعام على مدى السنوات العشر القادمة. وفي مؤتمر الأطراف السادس والعشرين COP26، ركز العراق على المساهمات المحددة وطنيا (NDC) لتعزيز التنمية المستدامة وضمان السلامة والشفافية البيئية.

بعد فصل الصيف الذي شهد درجات حرارة لم يسبق لها مثيل حول العالم، من المرجّح أن تصبح هذه السنة الأشدّ حرارة على الإطلاق. ونظرًا الى احتمال حدوث موجات الحرّ الموسميّة غير المسبوقة هذه بوتيرة أعلى ولفترات أطول، تبرز مخاوف فعليّة من الدول الاعضاء لم تعد قادرة على الالتزام بهدف اتفاق باريس المتمثّل في إبقاء الارتفاع في الحرارة دون 1.5 درجة مئوية. ولا ترتبط هذه المخاوف فقط بمستويات الحرّ الشديدة، بل أيضًا بما يرافقها من آثار مناخيّة – مثل الفيضانات، وظواهر الطقس المتطرّفة، وموجات الجفاف.

يتزامن هذا التسارُع في تغيُّر المناخ مع سنة مفصليّة في دورة مؤتمرات الأطراف السنويّة. فيمثّل المؤتمر الثامن والعشرون للأطراف ذروة الحصيلة العالميّة الحاليّة، وهي عمليّة مدّتها سنتان انطلقت خلال المؤتمر السادس والعشرين في غلاسكو، اسكتلندا، لجرد مدى تنفيذ الأطراف لالتزاماتها المتعلقة بالتخفيف من الآثار على المناخ بموجب اتفاق باريس. وستوفّر نتائج الحصيلة معيارًا جديدًا لقياس الثغرة (التي اتّسعت على الأرجح) بين جهود التخفيف الحاليّة وما هو مطلوب لمنع الاحترار العالمي من تخطّي عتبتَيْ 1.5 درجة مئوية و2 درجة مئوية اللتين تشكّلان نقطة اللاعودة.

ويجب أن يشكّل هذا المؤتمر الدعوة الأخيرة لجميع الدول لاتّخاذ تدابير مؤثّرة ومتسارعة للتخفيف من آثار التغير المناخي والتحوّل الى الطاقة المستدامة. فلن يبقى أيّ مجال لإطلاق المزيد من التحذيرات بعد الانتقال الى نظام مناخي أشدّ حرًّا، وسيوفّر التحليل الكمّي ضمن الجرد العالمي معلومات حول التدابير الواجب اتّخاذها لوقف مسار الاحترار في المرحلة المقبلة. كذلك، ينبغي تحديث المساهمات المُحدّدة وطنيًّا والاستراتيجيات المناخية الوطنية. والأهمّ هو أنّه لم يكن ممكنًا تأجيل تنفيذ خطط التخفيف من آثار تغيُّر المناخ.

اكد العراق في الكلمة التي القاها رئيس الجمهورية على الحاجة الى الدعم الدولي والمساعدة لتتمكن الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة من تنفيذ خططها. وهنا لابد من توضيح امر مهم يتعلق بمعرقلات التمويل والمنح الدولية بهذا الخصوص.

اذ أفضت المفاوضات خلال المؤتمر السابع والعشرين للأطراف الى اتفاق حول إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لصالح البُلدان المعرَّضة لتأثيرات تغيُّر المناخ. لكنّ التقدُّم منذ ذلك الحين حول تفاصيل الصندوق على مستوى لجنة انتقالية مؤلّفة من بلدان ناشئة ومتقدِّمة لا يزال بطيئًا بسبب خلافات حول بعض النقاط الأساسية. فمن جهة، لا تريد البُلدان المتقدِّمة تمويل الصندوق بمفردها، وتطالب بلدانًا ناميةً غنيّةً بالمساهمة أيضًا. ومن جهة أخرى، عارضت البُلدان النامية أن تتولّى مؤسّسة في بلد متقدِّم استضافة الصندوق وإدارته.

وبعد سلسلة من الاجتماعات المتوتّرة، وافقت اللجنة على أن يتولّى البنك الدولي استضافة الصندوق وإدارته على أساس مؤقّت. ولكن لم تُحدَّد بعد التفاصيل حول كيفية تشغيل الصندوق – بما في ذلك مسائل أساسية مثل كيفية توزيع الأموال ولأيّ جهات ووفق أيّ معايير.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني أشكال التمويل الأخرى للجهود المناخية من بطء في تحقيق الأهداف التمويلية والتشغيلية؛ فقد تحقّق هدف حشد تمويل للجهود المناخية بقيمة 100 مليار دولار أميركي من البلدان المتقدِّمة أخيرًا عام 2022، بعد سنتَيْن من بدء التحشيد في عام 2020.

كذلك، يعاني صندوق المناخ الأخضر الأقدم عهدًا من عمليات موافقة وتنفيذ بطيئة لمشاريع التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معها في البلدان النامية. وقد ازداد خطر الأضرار المناخية التي لا يمكن إصلاحها بشكل كبير في البلدان النامية مع تفاقُم ظاهرة تغيُّر المناخ مؤخرًا.

عليه فالعراق بحاجة الى استغلال نسبة من الايرادات المالية لتنفيذ سياساته وخططه لمواجهة تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة ومواكبة السياسات العالمية بهذا الصدد، وليس انتظار التمويل الدولي والدعم في وقت يعد العراق من كبار منتجي النفط وبالإمكان تمويل السياسات والاجراءات الهادفة الى مواجهة تغير المناخ. اذ لازالت البرامج الحكومية والمواقف الرسمية تشير الى خطورة التغير المناخي لكن لا يلاحظ ترجمة لهذه البرامج على ارض الواقع، كما لاوجود تخصيصات مالية لتمويل برامج او سياسات في هذا الاطار في قانون الموازنة للأعوام (2023، 2024، و 2025) الذي أقر من قبل مجلس النواب مؤخرا.

كما على الحكومة الافادة من الخبرات الدولية والدور المساند للأمم المتحدة تجاه العراق. اذ تقوم الأمم المتحدة، قبل مؤتمر الأطراف السادس والعشرون COP26 وبعده، بتقديم الدعم الى العراق بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وذلك من خلال تصميم مشاريع مستدامة تركز على خلق سبل لكسب العيش والتنمية على المدى المتوسط والطويل الأجل، والتي من شانها تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية في كفاءة المياه والصرف الصحي والري وإدارة استهلاك المياه، وكذلك استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية. وتعمل الأمم المتحدة أيضًا مع الحكومة على التدريب وتنمية المهارات وتعزيز القدرة على التصدي لتغير المناخ. كما وتعمل الجهود المناصرة والمؤيدة على زيادة الوعي العام بمواضيع استهلاك المياه والإدارة المستدامة للمياه.

المصدر : https://annabaa.org/arabic/environment/37488

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M