يطرح فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية في مايو 2023، السؤالَ عن مصير المفاوضات مع سورية، والتي شهدت في المرحلة التي سبقت الانتخابات تطورات متسارعة، والتي غالباً ما جرى ردّها إلى حاجة أردوغان إلى ورقة التفاوض مع دمشق لتطمين الشارع التركي بشأن مصير اللاجئين السوريين الذين تحولوا إلى ورقة انتخابية. وتتأتى أهمية السؤال من التطورات التي حصلت في الآونة الأخيرة في الملف السوري، ومتغيرات العلاقات التركية-العربية، وملامح عودة تركيا إلى سياسة “صفر مشكلات” في ظل بيئة دولية وإقليمية تشهد متغيرات متسارعة.
تُسلِّط هذه الورقة الضوء على مسار التطبيع التركي-السوري، والمشكلات التي تعترضه، وسيناريوهاته المحتملة.
بناء مسار التقارب التركي-السوري
رغم أن التواصل بين الطرفين السوري والتركي قد بدأ بوساطة روسية منذ عام 2022، إلا أنه لم يتم التوصل إلى مخرجات مقبولة للطرفين تنتهي بتطبيع كامل للعلاقات فيما بينهما، وكانت الاجتماعات الأمنية بين رئيسَي الاستخبارات في البلدين، حقان فيدان وعلي مملوك، قد مهدت لانطلاق المسار الثلاثي مع موسكو قبل انضمام إيران إليه، نتيجة لإصرارها على إشراكها في الترتيبات الخاصة بسورية، ولرغبة تركيا في تحاشي التعارض بين الفاعلين النافذين في سورية.
وشكّل اجتماع وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا في نهاية ديسمبر الماضي الاجتماعَ الرفيع المستوى الأول بين الطرفين، ولم يشهد الاجتماع اختراقات مهمة نتيجة تباعد مواقف الطرفين وإصرار الجانب السوري على بدء انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أولاً قبل الخوض في القضايا الأخرى، ليتبعها اجتماعات على مستوى نواب وزراء الخارجية في الدول الثلاث، حيث أكدت دمشق على ضرورة تقديم تركيا جدول زمني لسحب قواتها من الشمال السوري، وهو ما لم تستجب له أنقرة.
إزاء هذه التعقيدات، وبعد إصرار الرئيس بشار الأسد على رفض لقاء الرئيس أردوغان إنْ لم يكن هناك نتائج عملية، برغم الضغط الروسي، رأت موسكو العودة إلى القناة العسكرية-الاستخبارية عبر عقد اجتماع لوزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات في الدول الأربع في أبريل الماضي، حيث أصرّ الجانب التركي على البدء بمعالجة ملف اللاجئين السوريين، في حين استمرت دمشق بالمطالبة بانسحاب القوات التركية، وجرى تحديد موعد لاجتماع وراء الخارجية في الدول الأربع في العاشر من مايو، قبل انطلاق الانتخابات التركية بأربعة أيام.
وتمثلت أهم مخرجات لقاء وزراء الخارجية بتكليف نوابهم إعداد خريطة طريق لاستئناف العلاقات بين أنقرة ودمشق، وطوال مراحل المفاوضات ظهر بشكل جلي تباعد أولويات الطرفين واختلافهما حول المفاهيم، وبالذات مفهوم الإرهاب، كما كشفت هذه المرحلة ضعف تأثير موسكو على الأسد الذي رفض منح أردوغان ورقة تفيده في الانتخابات الرئاسية، بالرغم من اقتناع صانع القرار بدمشق باحتماليه فوز أردوغان بالانتخابات وتفضيل دمشق له على المعارضة التي كانت ستنحاز إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها السورية.
دوافع تركيا وسورية للاستمرار في مسار التطبيع
تتضافر مجموعة من العوامل والمتغيرات، لتشكل دوافع لاستمرار أنقرة ودمشق في مسار التطبيع، وتتأسس هذه الدوافع على حسابات آنية ومستقبلية ذات طبيعة سياسية واقتصادية واستراتيجية.
على الجانب التركي تكمن هذه الدوافع في التالي:
- التخلص من عبء أزمة اللاجئين التي أرهقت تركيا وأحدثت انقسامات داخلية هائلة، وبات الرئيس أردوغان ملزماً بالتحرك في هذا الملف بعد الوعود التي قطعها في مرحلة الانتخابات وما بعدها، لما لهذه القضية من تأثيرات مستقبلية على خططه في دعم حظوظ حزب العدالة والتنمية في الحكم مستقبلاً، ولن يستطيع تسوية هذه القضية من دون التطبيع مع دمشق والتفاهم حول كيفية إعادة اللاجئين.
- إيجاد حل للخطر الكردي في شرق سورية، حيث سيحقق وجود قوات الجيش السوري بالقرب من الحدود التركية مصلحةً أمنية لتركيا في ظل التقارب بين الطرفين ويُبعد خطر النزعة الانفصالية، كما أنه يضعف مبررات الوجود الأمريكي في تلك المناطق، وقد يدفع ذلك الإدارة الذاتية الكردية في ظل هذا التغير إلى البحث عن صيغ واقعية مع دمشق.
- مراعاة التقارب العربي مع سورية، الذي دخل مؤخراً على معادلة التفاعل التركي مع سورية، وساهم في إعادة صياغة حسابات الجانب التركي في الملف السوري، وقد يفرض قيوداً على توجهات تركيا في سورية.
- الاستفادة من الوضع اللوجستي لسورية بوصفها بوابة عبور أوسع وأقل تكلفة لتركيا نحو المشرق والخليج، بالإضافة إلى الاستفادة المستقبلية من عملية إعادة الإعمار، والتعاون في مجالات التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي والنفط في شرق المتوسط.
- ترسيخ العلاقة بروسيا التي يبدو أنها أصبحت جاراً دائماً لتركيا وسيكون لها دور فاعل في التفاعلات الإقليمية، بدليل صياغتها لخارطة طريق التسوية بين أنقرة ودمشق.
أما فعلى الجانب السوري فتكمن الدوافع في الآتي:
- نزع البُعد الإقليمي عن الحرب السورية، وتحويلها إلى شأن داخلي يُصار إلى حله عبر الأدوات والطرق التي تحددها دمشق، حيث يشكل إخراج تركيا من معادلة الحرب السورية وتطبيع العلاقات معها النهايةَ الحقيقية للحرب.
- تحسين فرص الاقتصاد السوري، من خلال استعادة السيطرة على المعابر وإعادة فتح الطريق الدولي “إم4″، وإمكانية تحويل السوق التركية، في ظل العقوبات الغربية، إلى منفذ اقتصادي مهم ويعوض ما تمت خسارته مع بروز الأزمة الاقتصادية اللبنانية.
- التمهيد لاستعادة مناطق شرق سورية، حيث ستجد “قسد” نفسها وسط ضغوط غير مسبوقة ووضع استراتيجي ضعيف، وقد يدفع الأمريكيون إلى إعادة حساباتهم بخصوص دعم “قسد”، بعيداً عن مدى إمكانية تحقّق هذا الأمر بسبب الوجود الأمريكي إلا أنه يقع في صلب حسابات دمشق.
- تعزيز شرعية الرئيس الأسد، ودفع أردوغان إلى الاعتراف بأنه خسر الحرب التي خاضها في سورية.
- إرضاء الرئيس الروسي بوتين بعد أن أصبحت علاقاته بتركيا ضرورة اقتصادية وجيوسياسية مهمة، ويهم بوتين الظهور بمظهر صانع السلام المؤثر في الشرق الأوسط.
قضايا التفاوض وتعقيداتها
تتركز المفاوضات الجارية بين الطرفين حول مجموعة من القضايا تُشكّل معالجتها، من منظور الطرفين، ركيزةَ التوصل إلى تفكيك الخلافات والعودة إلى العلاقات الطبيعية بينهما، لكن الإشكالية أن تصورات الطرفين لمعالجة هذه القضايا لا تزال متباعدة، وفق ما يأتي:
القضية الأولى، الوجود العسكري التركي في سورية: حيث تُصر دمشق على أن هذا الوجود غير شرعي ويجب إنهاؤه كدليل على جدية تركيا في التفاوض، وما لم تضع تركيا جدولاً زمنياً لسحب قواتها من شمال سورية، فإن التفاوض بين الطرفين يفقد مبرراته. وبالنسبة لتركيا، يبدو من خلال تصريحات مسؤوليها صعوبة تصور حصول انسحاب عسكري في المرحلة المقبلة قبل التوصل إلى اتفاقيات سياسية وأمنية راسخة والحصول على ضمانات دولية، ربما من روسيا، وذلك للأسباب الآتية:
- انسحاب تركيا من المناطق التي احتلتها في شمال شرقي سورية، عفرين وجرابلس وتل أبيض، في ظل احتمال سيطرة القوات الكردية عليها إثر الانسحاب التركي، سيؤدي إلى ضياع استثمارات تركيا الأمنية في تلك المناطق بدون الحصول على مقابل. وفي إدلب تَعتبر القوات التركية أن وجودها في تلك المناطق بمنزلة خط دفاع متقدم لمنع اللاجئين من التدفق إلى تركيا.
- الوجود التركي بات متجذراً ويصعب تفكيكه في مدى قريب، وهناك مؤسسات تركية باتت لها أصول واستثمارات في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية من ريف اللاذقية غرباً إلى رأس العين/كوباني شرقاً، والواضح أن ما يبنيه الأتراك في شمال سورية عسكرياً ومدنياً يحاكي واقعاً طويل الأمد.
القضية الثانية، المفاوضات مع المعارضة: يمثل هذا الأمر أحد الشروط التركية للتقدم بالمفاوضات مع الجانب السوري والتوصل إلى تسوية سياسية، وتقوم فكرة أنقرة على أنه من دون ترتيبات للحل السياسي النهائي وإيجاد حل للتشكيلات العسكرية ولوضع الحكومة المؤقتة في إدلب، فإن المخاطر على الأمن التركي ستبقى قائمة. وعلى الجانب السوري، لا ترى دمشق أنها مضطرة لتقديم تنازلات للمعارضة السورية، والمقولة الرائجة لديها إنه ما لم تستطع تلك المعارضة أخذه بالحرب فلن تمنحه لها بعد الانتصار عليها، كما تُصر دمشق على التعامل مع المعارضة كجهة سورية وحيدة.
القضية الثالثة، محاربة الإرهاب: تُصر تركيا على ضرورة التوصل إلى آلية فعالة ومحددة لمكافحة الإرهاب، لكنها تختلف مع دمشق في مسألة تصنيف المنظمات الإرهابية، حيث تركز أنقرة بشكل رئيس على حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري المتمثل بـ”وحدات حماية الشعب التركية” التي تمثل المكون الرئيس لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، بالإضافة إلى “داعش” والتنظيمات المتطرفة في إدلب مثل “حراس الدين”، في حين ترى دمشق أن قوات “قسد” تنظيم انفصالي يمكن قبول عناصره داخل هياكل الجيش السوري إذا فكوا ارتباطهم بالقوات الأمريكية وتراجعوا عن المطالبة بالحكم الذاتي، وتصنف دمشق جميع الفصائل المسلحة في الشمال السوري على أنها تنظيمات إرهابية يجب وقف الدعم التركي لها وتفكيكها.
القضية الرابعة، اللاجئون: يقترح الجانب التركي إعادة النازحين السوريين المقيمين في شمال سورية إلى مناطقهم الأصلية التي هربوا أو نزحوا منها، وهذا يتطلب تقديم النظام لضمانات أمنية بعدم الملاحقة وإعادة ممتلكاتهم، بالإضافة إلى إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا إلى مناطق شمال سورية في إطار خطة بناء مساكن خاصة، وتأمل تركيا بالحصول على تمويل خليجي لهذه العملية. في حين يَعتبر الجانب السوري أنه في حِلٍّ من أزمة اللاجئين سياسياً وأخلاقياً، وأنه لا توجد ممانعة على عودتهم إلى ديارهم، لكن ذلك يستلزم توفير البيئة المناسبة، وهو أمر خارج قدرة سورية بظروفها الحالية على توفيره.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات التركية-السورية
السيناريو الأول، استمرار مسار التطبيع بين الطرفين ولكن ضمن إيقاع بطيء، في ظل تضارب المصالح والشروط التي يضعها كل طرف؛ فعدا عن حاجة الطرفين إلى بعضهما بعضاً في العديد من القضايا، ثمة عوامل من المرجح أن تشكّل آليات تشغيلية لاستمرار مسار التطبيع، كالضغط الروسي على أنقرة ودمشق، وكذلك العامل العربي بعد تحسن العلاقات مع أنقرة ودمشق، وهنا ثمة احتمال لأن يكون هناك دور عربي في تسهيل التوافق بينهما.
ووفق هذا السيناريو، من المرجح تقديم تنازلات متبادلة من قبل الطرفين في المرحلة المقبلة، من أجل التوصل إلى صيغة مُرضية لهما، ولو بالحد الأدنى، والتنازلات المتوقعة ستُدرَج ضمن خريطة الطريق، وستكون تنازلات قابلة للبناء عليها لدعم مسار التطبيع، وفق مبدأ “خطوة خطوة”، باعتبار أن كل خطوة تحتاج إلى ترتيبات عديدة لتصبح قابلة للتطبيق. وأول هذه التنازلات بدأتها دمشق، عبر قبول الأسد بجدولة الانسحاب التركي، على هامش اجتماعه مع نائب وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خانجي، بدل الإصرار على الانسحاب الفوري للقوات التركية، مقابل تنفيذ تركيا التزامها القديم مع موسكو عام 2020 والقاضي بفتح الطريق الدولي “إم4″، وإبعاد الفصائل المسلحة ستة كيلومترات على جانبي الطريق.
وفي السياق ذاته، ثمة توقعات بقيام تركيا بترتيبات جديدة في شمال سورية عبر إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية والهياكل الإدارية، تجهيزاً لمرحلة مقبلة، يُقابلها إصدار دمشق مراسيم وقوانين أكثر مرونة فيما يتعلق بوضع المقيمين في إدلب وكيفية استيعابهم، لما لهذا الأمر من أهمية في عودة أكثر من مليونَي لاجئ في إدلب إلى مناطقهم الأصلية داخل سورية، وتخفيف ضغطهم على الحدود التركية.
وفي هذا الإطار، ولدعم المسار وتثبيت خطواته، ستضغط موسكو لجمع الأسد وأردوغان في لقاء ولو رمزي مع الرئيس بوتين في موسكو، في وقت ستتكفل اللجان الفنية، والزيارات المتبادلة لوزراء خارجية البلدين في حلحلة العقد كلما تطلب الأمر ذلك، ضمن نطاق زمني قد يستغرق من عام إلى عامين.
وهذا السيناريو هو الأكثر واقعية وقابلية للتحقق بناءً على المعطيات الراهنة.
السيناريو الثاني، اتباع مقاربة قطاعية، بمعنى التعاون في القضايا الآنية التي تخدم مصالح الطرفين، وبخاصة القضايا الأمنية، بسبب الافتقار إلى المحفزات في استعادة العلاقات على النحو الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب السورية، على الأقل في المرحلة المنظورة.
والخيار الذي قد يلجأ إليه الطرفان في هذه الحالة هو العودة إلى اتفاق أضنة الموقع عام 1998 عبر توسيع نطاقه عن الكيلومترات الخمسة التي يُتيحها الاتفاق لدخول القوات التركية الأراضي السورية لمطاردة قوات حزب العمال الكردستاني، لكنْ ليس بالقدر الذي تطالب به أنقرة وهو 30 كيلومتراً من الحدود التركية-السورية، فقد تُقنع روسيا الطرفين بقبول حل وسط، مقابل ذلك تُقدم تركيا لدمشق حقَّ إدارة معبر باب الهوى، وفتح طريق “إم 5″، وعودة المؤسسات السورية إلى إدلب، دون عودة القوات العسكرية السورية، وذلك بالترتيب مع المجالس المحلية في إدلب. وسيتطلب ذلك من تركيا الضغط على فصائل المعارضة العسكرية، وإبعاد هيئة تحرير الشام عن المعبر والطريق، في إطار إعادة الهيكلة المشار لها في السيناريو الأول.
هذا السيناريو في حال تم تفضيله، سيكون مؤقتاً، وقد تفرضه روسيا على دمشق، عبر تصويره على أنه قبول تكتيكي سيمهد لمرحلة أفضل لمصلحة دمشق، وفي هذه الحالة ستقتصر العلاقات على عمل اللجان الفنية، وسيتخللها اتصالات عن بُعد بين وزارتي الخارجية. وما يدعم هذا السيناريو سقف المطالب العالي لدى الطرفين، وصعوبة تجسير المواقف بينهما في المدى المنظور، وقد يستغرق النطاق الزمني لهذا السيناريو عامين إلى ثلاثة أعوام، قبل الانتقال إلى اتفاق أوسع يشمل بقية القضايا.
السيناريو الثالث، وقف مسار التطبيع والعودة إلى الخيار العسكري من أجل الضغط ودفع الطرف الآخر إلى تقديم تنازلات معينة. ورغم أن المعطيات الراهنة لا تسمح بالعودة إلى العمليات العسكرية، إلا أن انسداد أفق التفاوض فيما بينهما، في مرحلة معينة، قد يؤدي إلى تحفيز الرغبة في العودة إلى العمل العسكري كسبيل لتحقيق الأهداف. والمناطق المرشحة للخيار العسكري هي:
- جبل الزاوية الذي يشرف على الطريق الدولي “إم4” الواصل بين حلب واللاذقية؛ وتكمن مصلحة دمشق في فتح هذا الطريق الحيوي لتسهيل إعادة الحياة إلى الاقتصاد الحلبي عبر وصل حلب بميناء اللاذقية، كما أن السيطرة على جبل الزاوية المشرف على كامل محافظة إدلب سيمنح الجيش السوري الأفضلية، وسيجعل دفاعات الفصائل وهيئة تحرير الشام مكشوفة.
- تل رفعت؛ حيث تقع المدينة ضمن مخططات الجيش التركي، بسبب استخدام القوات الكردية لها كقاعدة لاستهداف المواقع التركية، ولأنها تقع خارج اهتمامات واشنطن ولا وجود لقواتها فيها، كما يمكن لتركيا توظيفها في مشروع إعادة اللاجئين بالنظر إلى وجود هيكلية مَدينية متكاملة يمكّنها استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين. بيد أن الهجوم التركي على تل رفعت سيصطدم بالميليشيات الإيرانية والجيش السوري، على اعتبار أن المدينة تشكل البوابة الشمالية لحلب ولا يمكن المغامرة بالسماح للقوات التركية باحتلالها، لأن من شأن ذلك الإخلال بالمعادلات القائمة وتغيير في موازين القوى لصالح تركيا، بالإضافة إلى وجود تداخل بين قوات “قسد” ومواقع الجيش السوري في هذه المناطق، بدليل أن الضربات التي قامت بها القوات التركية مؤخراً لمواقع “قسد” أدت الى إصابات في صفوف الجيش السوري.
- عين العرب/كوباني؛ فالملاحظ بعد انتهاء الانتخابات التركية عودة القصف التركي لمواقع “قسد” ومتابعة سياسة اغتيال القيادات الكردية، وقد يدفع ذلك إلى استهداف “قسد” للمدن التركية المجاورة للضغط على حكومة أردوغان، وقد يتسبب ذلك في عودة التوتر إلى المنطقة، وبخاصة في ظل تصريحات المسؤولين الأتراك بأن خيار الهجوم على مناطق “قسد” ما زال على الطاولة.
استنتاجات
تسير المفاوضات التركية-السورية في حقل مليء بالألغام، وتدرك روسيا، الطرف الراعي للمفاوضات، أنه من المبكر توقع حصول اختراقات مهمة في هذا الجانب، نتيجة القطيعة والعداء المستمر بين الطرفين لأكثر من عقد. والمرجح استمرار مسار التطبيع بين الطرفين، نظراً لحاجتهما إليه، بالنظر إلى أهمية تركيا في المعادلة السورية وكونها الطرف الوحيد الذي لا يزال داعماً للمعارضة السورية، وفي الوقت نفسه تحتاج تركيا إلى التفاوض مع دمشق للتخلص من الأعباء التي رتّبتها عليها الحرب السورية.
وستحاول روسيا التأثير بقوة في مسار التطبيع من خلال دفع الطرفين إلى التوصل الى ترتيبات تساعد على تحسين العلاقات بينهما، ومن المتوقع أن يشهد المستوى الأمني تطوراً أكبر من المستوى السياسي. لكن ذلك لا يعني أن الخيارات الأخرى، مثل العودة إلى الصراع، لم تعد موجودة، وبخاصة إذا لم تعمل قنوات التفاوض بفعالية، أو اضطر أحد الطرفين لاستخدام الخيار العسكري وسيلة لتحقيق أهدافه ومصالحه.
.
رابط المصدر: