سالم مشكور
القصف التركي لأحد المصايف العراقية يجب أن يسلط الأضواء على حسّاسين يتعلقان بسيادة العراق وقوته كدولة كبيرة، الأول ملف العلاقة بين تركيا، والثاني ملف العلاقة بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية.
في الملف الأول، اتسمت العلاقة بين العراق وجارته الشمالية تركيا، بالارتباك وعدم التوازن.
الحكومات المتعاقبة لم تول هذه العلاقة ما تستحقه من الاهتمام، ولعل الأمر لا يقتصر على تركيا وحدها، بل يشمل علاقاتنا مع الدول الأخرى كافة، بسبب غياب فلسفة واضحة لسياستنا الخارجية، وبالتالي غياب أداء دبلوماسي واضح ومحدد المنهج والاهداف.
كانت الفوضى بلغت حدّ أن أصبحت السفارة العراقية في أنقرة تعمل بالضد من الحكومة العراقية بسبب سيطرة أفراد من جماعة معارضة للنظام الجديد على مفاصلها، وهو ما كان مثار استغراب مسؤول في الخارجية التركية خلال حديثه مع مسؤول عراقي آنذاك.
خلل القائمين على رسم السياسة الخارجية- إن وجدت هذه السياسة- هو جهلهم أن العلاقات بين الدول تقوم على تبادل المصالح، ولا مجال للإخوانيات والمجاملات في ذلك.
ولو طبقنا هذه القاعدة على علاقاتنا مع الدول وتحديدا مع تركيا، لوجدنا أننا نملك الكثير مما نقايضه مع تركيا من أجل تحقيق مصلحة الجانبين، لكن الحكومات المتعاقبة أهملت ذلك، أو أنها بادرت ولم تتابع فكانت النتيجة انها فتحت الباب واسعا أمام انتهاك تركيا للسيادة العراقية عبر إقامة العلاقات الاقتصادية (النفطية) المباشرة مع الإقليم خلافا للدستور مقابل سكوت رسمي عراقي اعتبر بمثابة القبول.
وصل التمادي إلى حد إقامة عشرات النقاط العسكرية التركية في عمق الأراضي التركية وزيارة مسؤولين أمنيين أتراك لها وكأنها مناطق تركية.
كما أدخلت تركيا أدخلت كتيبة دبابات إلى معسكر اقامته في منطقة بعشيقة اتضح في ما بعد أنها نسّقت مع وزير الدفاع العراقي، من دون علم حكومة العبادي حينها.
الملف الثاني الذي يجب فتحه بعد جريمة القصف التركي، هو العلاقة الملتبسة بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية والذي يشكل أحد أهم عوامل ارتباك العلاقة التركية العراقية.
فارتباك هذه العلاقة الذي لا يبدو بعيدا عن تدخل عوامل من الإقليم لمصلحة استمرار علاقات مباشرة مع انقرة، يساهم في استمرار الانتهاكات التركية للسيادة العراقية بالقصف المتواصل تحت ذريعة مطاردة حزب العمال الكردستاني التركي.
الغريب أن اتفاق 2013 بين الحكومة التركية وحزب العمال نصت على دخول عناصر الأخير إلى إقليم كردستان، في انتهاك صارخ للسيادة العراقية لم تعترض عليه لا حكومة الإقليم ولا الحكومة الاتحادية.
يطالب الاتراك الحكومة العراقية بإنهاء وجود حزب العمال، وكلما جرى انتهاك عسكري للسيادة طالبت حكومة الإقليم بغداد بالتدخل، لكن حكومة الإقليم ذاتها تمنع وجود الجيش العراقي على الحدود او لمطاردة حزب العمال، وهنا يكمن الالتباس في العلاقة بين الإقليم والمركز والذي يطرح تساؤلات حول حقيقة الفيدرالية، التي ندعها ومدى انطباقها مع الدستور العراقي نفسه.
هذان الملفان يحتاجان إلى معالجة جدية، ولعل دماء الضحايا وتحرك الفاعليات الشعبية والسياسية تثمر جدّية رسمية في معالجتهما.
.
رابط المصدر: